من أغرب ما يحدث داخل اقتصاد مصر هو ضياع وإهدار خامات مصرية طبيعية وقومية في شكلها الخام.. والرضا والقناعة بقروش قليلة ثمنا لهذه الخامات, يلقي بها المستورد الأجنبي إلينا.. وضياع مليارات من الدولارات ثمنا لهذه الخامات إذا تم تصديرها في شكل منتج نهائي تخرج من مصانع مصرية بأيد مصرية إلي أسواق عالمية تنتظر المنتج المصري بخاماته الطبيعية ذات الجودة العالمية, وأيضا إلي السوق المصرية ذات القوة الشرائية الجبارة. يحدث هذا في عديد من الخامات القومية مثل القطن المصري وغيره مما تنتجه أرض مصر.. ويحدث أيضا وبصورة تثير العجب في تصدير الجلود الخام إلي بلاد تصنع منها منتجات جلدية نهائية وتحقق مليارات من الدولارات.. وترضي مصر بملاليم قليلة ثمنا لتصديرها. ويحدث هذا في ظل وجود سوق مصرية تقدر ب80 مليون إنسان مصري يشترون الآن صناعات جلدية مستوردة ومصنعة من مواد بترولية تسبب أنواعا من السرطانات وتتكلم الأرقام المفزعة لتقول إن مصر تخسر من تصدير جلود خام إجمالي ثمنها744 مليونا و841 ألف جنيه سنويا في شكلها الخام إلي دول تحولها إلي منتج نهائي وتكسب مليارات من الدولارات.. ونجلس نحن ومن خلفنا آلاف من العمال والمصانع والورش ننتظر بكل الرضا والاستسلام بما يأتي إلينا من منتجات مشبوهة ندفع ثمنا لها كما تقول الأرقام666 مليونا و990 ألف دولار سنويا تبتلعها السوق المصرية بعد أن خسرت أجود أنواع الجلود العالمية بتصديرها في شكلها الخام. وأصبح المواطن المصري الذي تملك بلاده ثروة قومية خطيرة من الجلود الطبيعية معرضا لأخطار غريبة مع استخدامه لهذه المنتجات القادمة إلينا من دول تعيش علي الصناعات البعيدة تماما عن الخامات الطبيعية واستبدالها بخامات صناعية رخيصة تهدد الحياة. فقد أكد المركز القومي للبحوث المصري في دراسات قام بها أن الأحذية الصينية التي تدخل السوق المصرية تهدد المواطن بالإصابة بالسرطان, لأنها مصنوعة من مخلفات بترولية وجلود صناعية وبطانة صناعية تؤكد التحذيرات الطبية أنها تسبب السرطانات علي المدي الطويل لاستخدامها إذا ما وصلت درجة حرارة هذه الجلود الصناعية إلي مستوي معين, خاصة في فصل الصيف.. وهذا أمر وارد في بلادنا. أخيرا حظر تصدير الجلود ظل هذا الوضع العجيب والغريب صورة قائمة وعار علي صدر مصر.. وظلت الصرخات تنادي بوقف تصدير الجلود الطبيعية المصرية في شكلها الخام, حتي تعمل مصانعنا وعمالنا.. وأن نصدرها أو نستعملها في شكلها النهائي لتحقيق دخل قومي هائل مثلما فعلت تركيا إلي أن صدر منذ أيام القرار الموعود بحظر تصدير الجلود الخام.. وأصبح التحدي الآن, كما تشرح إحصائيات وزارة الصناعة المصرية أمام75 مصنعا كبيرا بجانب1250 مصنعا متوسطا و150 ألف ورشة حرفية تمثل القوة الضاربة لهذه الصناعة الواعدة في بلادنا. وإذا كانت قدراتنا التصديرية التي تتم الآن لا تتجاوز مليوني زوج من الأحذية كما يؤكد حمدي حسونة مدير مركز تكنولوجيا الصناعات الجلدية قيمتها لا تتجاوز30 مليون دولار, وهو رقم يثير الأسي أمام ما تحققه دولة كانت تسير بجوارنا أو خلفنا في هذه الصناعة مثل تركيا, الذي وصل دخلها السنوي إلي مليارات من الدولارات.. بعد أن قررت حظر تصدير الجلود الخام.. وبعد أن نجحت كما يشرح مدير الصناعات الجلدية في استقبال كل الجلود الخام من أوروبا التي قررت وقف أعمال الدباغة فوق أرضها كنوع من نظافة البيئة.. ولكن تركيا بكل نصاحة فتحت قلبها واستقبلت كل هذه الجلود وأقامت صناعة جلدية ضخمة بعد أن نقلت سر المهنة من إيطاليا, صاحبة الصناعات الجلدية المميزة.. وبذلك تتسيد تركيا الآن تصدير هذه المنتجات إلي العالم كله, محققة أرباحا تفوق التصدير. والغريب كما يضيف حمدي حسونة أن هذا العرض كان قد عرض علي مصر في السبعينيات أن تستقبل جلود أوروبا وتقوم بعمل مدابغ في الصحراء.. وتحقيق أرباحا من هذه الصناعة فوق أرضها.. ولكن أحدا لم يستجب لهذا النداء. الالتفاف حول قرار الحظر ولأن قرار حظر تصدير الجلود الخام يحقق أملا قوميا مهما.. فقد طالب مجلس إدارة غرفة صناعة الجلود في اجتماع طارئ كما يؤكد يحيي سعيد رئيس الغرفة باتخاذ إجراءات حاسمة وسريعة لإنقاذ هذه الصناعة بعدم المساس بقرار مصر وقف تصدير الجلود الخام, والذي يتعرض الآن لمحاولات تعطيله من المنتفعين بالوضع السابق.. وطالبوا أيضا بتعديل القرار ليشمل الجلود الكرست, وكذلك جلود الضأن والماعز.. وطالبوا بالوقف الفوري المؤقت للواردات من الأحذية والمنتجات الجلدية باستثناء الماركات العالمية حتي يمكن وقف الممارسات الضارة التي تتعرض لها هذه الصناعة ومنها استيراد100 مليون زوج أحذية سنويا, بخلاف آلاف الأطنان من المنتجات الجلدية الأخري. وبعد أن تسبب دخول هذه المنتجات في إغلاق5 آلاف ورشة من مصانع المنتجات الجلدية والباقي مازال يعمل بطاقة محدودة.. وكذلك هروب العاملين بهذا القطاع وانخفاض العمالة من084 ألف عامل في 2003ليصل إلي230 ألف عامل بانخفاض قدره250 ألف عامل هربوا من هذه الصناعة الواعدة. كيف نغزو العالم؟! علي أن التساؤل القومي مازال مطروحا: ماذا نحن فاعلون بعد صدور قرار الحظر؟.. وكيف تبدو الآن ملامح النهوض بهذه الصناعة. شريف يحيي, عضو شعبة الصناعات الجلدية بالغرفة التجارية, يري ويؤكد أن أولي الخطوات يجب تحقيق التكامل بين مراحل هذه الصناعة, والاقتناع بحظر تصدير الجلود الخام وتحقيق الاستفادة من هذه الجلود بتشغيل المصانع المصرية التي توقفت.. إن السير في طريق التطوير كما يضيف قد بدأ بالفعل ويقتضي ذلك عودة دوران عجلة الإنتاج للقطاع بمراحله المختلفة.. بالاهتمام بالتجارة الداخلية أولا وفورا, ممثلة في السوق المحلية وعمل ورش عمل بين ممثلي القطاع لوضع خريطة طريق متوازية بين تشغيل المدابغ والمصانع والتجار المصريين لخدمة المستهلك المصري للحصول علي منتج عالي الجودة من الجلد الطبيعي.. مع رفع المواصفات القياسية لضمان جودة المنتج المستورد, مما ينمي القدرة التنافسية للمنتج الوطني.. فإذا استطعنا إقناع المستهلك المحلي بجودة هذا المنتج.. فإن هذه شهادة جودة لغزو المنتج المصري للأسواق العالمية. ويري أن ذلك يستوجب البدء فورا في تعديل قوانين التجارة الداخلية, بالإضافة إلي الحد من تعدد جهات الرقابة التي أصبح دورها يعرقل هذه الصناعة, ويجب الاهتمام بملف التدريب والاستعانة بكفاءات تدريبية من الدول مثل: إيطاليا وإسبانيا وتركيا, بهدف إيجاد جيل من الكوادر التدريبية لإثراء هذا القطاع بما يعود بالنفع علي المستهلك النهائي والاقتصاد القومي. المعضلة الكبري أمران يقفان الآن أمام إنطلاق مصر نحوتحقيق نهضة صناعية خطيرة في الصناعات الجلدية كما يؤكد شريف يحيي وهما إحداث تعديلات في قرار الخطر بما يحقق طلبات جميع الجهات العاملة في هذا المجال.. والأهم من ذلك كله الانتقال الي الربيكي تلك المدينة الصناعية الهائلة التي أقامتها الدولة لهذه الصناعة..ويعطل انتقال المدابغ المنتشرة الان في منطقة عين الصيرة الاختلافات التي لاتنتهي بين اصحاب المدابغ والدولة.. اذ ان عديدا من أصحاب المدابغ يرفضون الانتقال الي الربيكي ويحاولون الان الحصول علي تعويضات ثمنا لاخلاء منطقة عين الصيرة من المدابغ بعد ان قرروا التوقف عن العمل.. والغالبية الجادة وافقوا علي النقل واقترحوا استلام الارض في الربيكي وبناء المصانع بمعرفتهم ومازالت المباحثات جارية ولكن يجب ان يبدأ العمل فورا بعد ان توقف تصدير الجلود.