يبدو أن حاجزا منيعا سيقف بين الناخبين ولجان الاقتراع خلال الانتخابات البرلمانية القادمة, خاصة في ظل التقسيم الحالي للدوائر والذي أصبح يشكل عبئا حقيقيا للمرشح والناخب علي حد سواء, فلا المرشح يستطيع أن يجوب كل المناطق التي تقع فيها دائرته الانتخابية, ولا الناخب سيكون قادرا علي الوصول إلي صندوق الاقتراع, ولا الوقت سيكون كافيا لكي يدلي جميع الناخبين بأصواتهم, ومن ثم فإن الوقت المتاح للتصويت سيخدم قوي بعينها, ويحرم آخرين سيجدون صعوبة بالغة في الوصول إلي مقار اللجان الانتخابية, لا سيما أن الوقت المتاح أمام كل ناخب للتصويت لن يتجاوز بضع ثوان, في حين يحتاج إلي عدة دقائق للإدلاء بصوته!! مشكلة التصويت كما يقول الدكتور عمرو هاشم ربيع رئيس وحدة الدراسات المصرية في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية تكمن في الدوائر المتسعة التي أصبحت أمرا واقعا ومزعجا للمرشح والناخب علي حد سواء, فالمرشح لن يستطيع المرور علي كل هذه المناطق التابعة لدائرته, والناخب سوف يجد صعوبة شديدة في الوصول إلي مقر اللجنة التي سيقوم بالتصويت فيها, وإذا كان المعنيون بالعملية الانتخابية يقولون إنه يجب علي الناخب الذهاب إلي أقرب مدرسة تابعة لمقره السكني لمعرفة مكان اللجنة التي سيقوم بالتصويت فيها فهذه مسألة شاقة, ذلك أن الوقت سيضيع قبل تعرف الناخب علي لجنته الانتخابية, أما معرفة مكان اللجنة من خلال الموقع الالكتروني للانتخابات فهو أمر غير مجد, ومن واقع تجربتي الشخصية فقد قمت بإدخال رقم بطاقة الرقم القومي الخاصة بي, فإذا بي أجد أن المعلومات المتاحة تتعلق بعدد المرشحين الذين علي أن انتخبهم بنظام القوائم أو بالفردي, لكني لم أحصل علي أي معلومة ترشدني إلي مكان اللجنة الانتخابية التي سأقوم بالتصويت فيها.. المشكلة الأعمق التي تواجه الناخبين تتعلق بنحو50 ألف ناخب موزعين علي نحو20 ألف مقر انتخابي في فصل دراسي أو أقل قليلا, وإذا كان كل فصل يستوعب ألف ناخب, وبحسبة بسيطة تجد أن الوقت الذي سوف يكون متاحا لكل ناخب للتصويت لن يتجاوز15 ثانية, في حين يحتاج الناخب إلي ما بين دقيقتين أو ثلاث دقائق, حيث يتم في البداية الكشف عن اسم الناخب في الكشوف الانتخابية, ثم يحصل الناخب علي استمارتي التصويت بالقائمة والفردي, ومن ثم يقوم بقراءة القوائم, ثم يتوجه الناخب خلف الستارة للتصويت, ثم يضع الاستمارتين في الصناديق بعدها يتوجه الناخب لموظف اللجنة, من أجل بصمة الحبر الفسفوري, ثم الحصول علي بطاقة الرقم القومي للانصراف. ويري أبوالعز الحريري عضو التحالف الشعبي الاشتراكي أن قانون الانتخابات الحالي يضر بالعملية الانتخابية ويؤثر سلبا عليها, وتتمثل ملاحظاتي علي القانون في أن الدوائر بالغة الاتساع وتحتاج إلي اعداد غفيرة من المراقبين, والمساعدين وملايين الجنيهات لتغطية الدعاية الانتخابية فضلا عن نفقات البلطجة المقابلة, التي يتحملها من يريد حماية نفسه وأنصاره والذي سوف يستعين ببلطجة تصد البلطجة الأخري التي تساند البعض. أما المدة الزمنية المتاحة لإجراء عملية التصويت فهي غير كافية, ولا تتمكن إلا20% فقط من عدد الأصوات المسجلة في كل لجنة من التصويت. ويؤكد أبوالعز الحريري أن الحل لإجراء انتخابات سليمة يتاح فيها تساوي الفرص بين جميع المرشحين سواء كانوا أحزابا أو أفرادا لتحقيق العدل والديمقراطية. يجب أن يأخذ بالطريقة الهندية والماليزية وغيرها من الدول التي تجعل التصويت في الصندوق الواحد يستمر لمدة3 أو5 أيام بهدف تمكين جميع الناخبين الراغبين في الادلاء بأصواتهم من ذلك, وهذا يتطلب من اللجنة العامة الموافقة علي أن يستمر التصويت في كل مرحلة من ثلاث إلي5 أيام, وهذا لا يتطلب تعديل القانون في هذا الخصوص لأن هذا الإجراء الذي تتخذه لجنة الانتخابات بهذا الخصوص هو اجراء تنظيمي لحين تطبيق القانون. وبشكل عام يري أبوالعز الحريري أن صفة العامل يجب الا تحددها شهادة من الاتحاد العام للعمال كما أن شهادة صفة الفلاح يكفي فيها امتلاكه لحيازة زراعية, أي الضباط الذين يدخلون الانتخابات تحت صفة العمال والفلاحين فإن هذا يعتبر تطبيقا معيبا في القانون, لأن القانون يشترط أن يكون دخل المرشح الوحيد من الزراعة أي لا يجمع بين معاش الفئات, وأحكام القضاء الإداري التي قضت برفض صفة الفلاح عن الكثيرين ممن تقدموا بحيازات زراعية لأنه ثبت للمحكمة أنهم يمتلكون شركات ولديهم سجلات تجارية. ويقترح الحريري أن تكون الجمهورية دائرة واحدة والأخذ بنظام القوائم النسبية غير المشروطة أي التي تضم إما قوائم حزبية مستقلة أو قوائم حزبية مخالفة مع بعضها البعض أو بين أحزاب مستقلين أو بين مستقلين فقط, وفي نهاية التصويت الذي يتم علي ثلاث مراحل تقسم الأصوات الكلية علي عدد المقاعد المطلوبة وتحصل كل قائمة علي مجموع أصواتهم مساويا لنفس المجموع فيما يخص كل نائب في التقسيم العام لمجمل الأصوات. ويشترط أن يكون المقعد الخامس في كل قائمة للمرأة أيا كان ترتيبها أو حسب ترتيبها في القائمة. ويؤكد أبوالعز الحريري أن هذا الأسلوب يحقق جوهر مباديء الثورة بتمكين شبابها من التمثيل في البرلمان حسب مجمل الأصوات التي تحصل عليها قائمتهم, ويمكن أيضا للعمال والفلاحين الذين تتزايد حركتهم الاستقلالية أن يتواجدوا بنسب متكافئة ويمكن للمصريين في الخارج الترشح والتصويت والتمثيل ليشهد البرلمان المصري أول امتدادات الشرايين المصرية التي تربط مصر بأبنائها في الخارج, وتمكن كل مواطن مصري من أن يكون له صوت فاعل في الانتخابات, ومن ثم يتواجد السلفيون والاخوان المسلمون كل بقدر حجمه موضحا أن هذا الاقتراح يضعف من رأس المال الممول خارجيا وداخليا من التأثير في شراء الأصوات. ويمكن الأخذ بنظام الانتخاب بالقائمة الموحدة باعتبار الجمهورية دائرة واحدة تقوم بالأساس علي التنافس السياسي وتشل حركة رأس المال, والبلطجة, تدفع الأحزاب والقوي السياسية إلي العمل السياسي الجاد والذي هو المستهدف الحقيقي من الديمقراطية, مما يسهم في ايجاد حياة برلمانية تتزايد صحتها وبالتالي يزداد عدد المرشحين الذين يصلحون أن يكونوا نوابا يمثلون الشعب المصري بشكل حقيقي. ويؤكد المستشار جهاد الألفي رئيس محكمة جنايات المحلة أن قانون الانتخاب عليه الكثير من الملاحظات تتمثل في تمكين فلول الحزب الوطني المنحل بما يتضمنه من اتساع للدوائر الانتخابية فضلا عن أن القانون يتيح الفرصة لصالح أصحاب رأس المال والعصبيات وأصحاب النفوذ, مما يؤدي الي تسلل فئات غير مرغوب فيها إلي البرلمان المقبل. ويطالب المستشار جهاد الألفي بضرورة أن تجري الانتخابات بالقائمة النسبية غير المشروطة وأن يعاد النظر في تقسيم الدوائر حتي تتحقق العدالة بين كل المرشحين وحتي لا يرهق من يريد الترشح, لأن هذه الدوائر بشكلها الحالي تحتاج الي جهود كبيرة وأموال كثيرة للدعاية والمتابعة وهذا أيضا يرهق أي مرشح خاصة الذين سيترشحون علي المقعد الفردي.