كان اللقاء الأول بينهما, كان يبحث عن شمس الحياة ليطرد الليل من داخله. هكذا كنت علي مشارف اللقاء. شحوب في وجهي. نظرة شادرة في عيني. رعشة في يدي. اقوي ماكان في: ضعفي. صدق من قال: لاتعط الأمل موعدا إنه يعرف متي يزورك. بدأ التلاقي بحذر من جانبه, ودهشة من ناحيتها. اختارت ان يلتقيا في مكان عام. وهو وافق علي اختيارها. ولم يشأ ان يري نفسه وهو يبدأ بالخلاف في علاقة علق عليها الكثير. بعد ان سرق الزمان منه عمره. صحا ذات صباح ليجد ان الخمسين اصبحت وراءه. وبدأ الركض نحو حفرة الستين. التي لايخرج احد منها سليما. عندما كان في الطريق للقاء الأول. هاجمته عبارة فان جوخ: بعد سن الخمسين يبدأ الانسان رحلة العودة. يشعر كل صباح بموت جزء منه. وعند مشارف النهاية يكون قد مات. قال لنفسه: كلما رسمت جديدا أموت قليلا. أما هي فقد خمن أنها ثلاثينية. حدق فيها بذهول. هشت بيدها أمام وجهه. قالت: الرجال يمتدحون جمالي. يحتارون من أين يتدفق. قال لها: جمالك يعلو فوق كل مديح. ويتأبي عن أي مقارنة. سأل نفسه: كيف نبت نور فجرها في سواد ليلي؟ ولولا أنه يدرك أن أسوأ ما يفعله رجل في أول لقاء مع فاتنة لا حد لجمالها. أن يسألها عن عمرها لفعل. لكنها كانت تسير بتمهل بين الخامسة والعشرين والثلاثين. أي أن عمرها نصف عمره. أنت قصة حب ساعة عمري الخامسة والعشرين. ماذا تقصد؟ الساعة التي تأتي بعد النهاية بساعة. استفهمت من جديد. فقال في نفسه إنه أمام كائن بيتي. علي الارجح تفتقر الي التجارب, كما يبدو مظهرها وطبيعة ملمسها أنها مرفهة. لم تجر وراء الاتوبيس ولم تنحشر في الميكروباص. ربما لم تشر لتاكسي في الشارع لتستقله. هاله جمالها. حاول ان ينحي عن عقله العبارة القديمة. كلما ازداد جمال المرأة خف عقلها. ومن جديد لم يشأ أن يكون متسرعا في أحكامه. لم يكن عنده ما يخفيه. فكل ما في حياته معروف. يحيا في فضيحة معلنة. فكثيرا ما كان يدفع ضرائب الشهرة. أما هي فقد بدأت ترد علي اسئلته. دونما استعداد للتطوع بأن تقدم له ما لم يطلبه منها. تبدو متحفظة. عندما كان يراها قبل هذا الصباح الذي جلس معها فيه. كان يتصورها إنسانة مغسولة من الهموم والاوجاع. كانت ضعيفة الذاكرة لما تريد ان تنساه. هكذا خيل له علي البعد. كنا نبدو في بعدنا كالصحراء والماء. ومع ذلك ما أسرع اقترابنا. خاف أن يقول لها إنه تعلم منها أن الزمن اختراع من صنعنا نحن فتتهمه بالتزيد في المجاملات. رأي خاتم الزواج في إصبعها. فلم يسألها السؤال التقليدي. وترد هي بالاشارة إليه وتديره حول إصبعها دلالة علي دخولها سجن الزوجية الذهبي. ولكن سؤاله كان عن الزوج. قالت كلمة واحدة: بحار. ليست الشواطئ هي التي تبتعد لكن المراكب هي التي تسافر, كانت لكلماتها ظلالا جعلته شغوفا للاحاطة بهذه المرأة. رد: يتزوج في كل ميناء امرأة. قالت: ربما, فالرجل كالمغارات التي لانعرف لها نهايات. ولماذا قبلت الزواج منه؟ احسست أنني ربما اعرفه منذ فترة طويلة. وأني ربما أحبه ذات يوم. فله عينان حانيتان. أكملت: لايعتنيني هذا الامر الآن, كنت تمنيت أن أصبح أول اهتماماته. تساءلت يسافر صيفا ليعود في الصيف الذي بعده. ردت عليه كأنها قرأت افكاره. كان الزفاف في الشهر الماضي. وسافر, وان كانت لم تجرب بعد الغياب. من هو زوجها؟ رجل يستأذن سعادته ليدخل في هناء ليقترب من سرور ثم يتعب من حبور. ولكنه اختار مهنة تجعله عندما يمشي يجرجر الموت في رجليه. فكر إن رسمها ورسم نفسه كيف تكون اللوحة؟ كنت اريد رسم الشمس. أما هي فقد كانت تبحث عن ضوء القمر. لاتناقض. طريقنا واحد. طريق البحث عن المجهول. أخشي أن تهرب مني كالشمس حتي وإن عادت كالأمل. كانت تعيش بمفردها قبل الزواج. وعادت الي نفس الوحدة التي لم تكن غريبة عليها بعد سفره. أما الآتي فلا تريد ان تعرف عنه أي شئ. قال لنفسه بحارا فليكن. أمده خياله. بمزيد من المسكنات. كلانا كان مرتبطا مع انها لم تسألني عن زوجتي فعرفنا كيف نحافظ علي ما بقي من حريتنا. قال لها: اعرف بحارا سافر وزوجته حامل وعاد وابنه في التعليم الثانوي. ارتفع حاجباها من الدهشة. وإن كانت لم تعلق ولم تبد عليها الرغبة في التسكع مع هذا النوع مع الكلام. بدأ يدندن. ولكن لنفسه. الجميل اني قد قابلتك. ثم اردف: لا رده الله من سفر. يموت غريقا وعلي قلبه حجر. لم تفزع. ولم تصرخ. ولم تغضب. فقط قالت: ولكن الخطر الحقيقي عليه سيكون من أسماك البحار البعيدة. سألها بلهفة: أية اسماك تعنين؟ ردت عليه بهدوء باسم: القرش أو الحوت أو مايقابلهما من البشر. استدرك وهو يغالب خيبة أمل طارئة: ولكن سيدنا يونس قضي وقتا جميلا في بطن الحوت. قبل أن ينجو. قال لها: الفارق بيننا انك تبحثين عمن يحقق احلامك. أما أنا فأبحث فقط عمن تكون بطلة احلامي. أنا أنتظر الحب وانت ينتظرك الحب. مهما كثرت الفوارق بيننا فسوف اختصر المسافات. لان بحار الأمل لن تجف ابدا. فقد وجدت المثال الذي طالما بحثت عنه. قالت لنفسها: لايزال لايعرفني, من الذي وضع هذا المجنون في طريقي؟ همست: ساعة ويذهب كل واحد لحال سبيله لكنه مبادر. رجل قادر علي وضع أي امرأة في حالة إحاطة مستمرة. حتي بعد ان تتركه سيطاردها رجع صدي كلماته الكثيرة. الكلام علي لسانه مثل النار تشعل آخر كلمة أول الكلمة التي وراءها. أما هو فقد ادرك مدي تعاسته. فسعادته المعلنة عند تخوم الافق لن تتحقق إلا بعد اختفاء إنسان آخر يعرفه أو لايعرفه أو ربما تعرف عليه في قادم الايام. لأول مرة يري موت إنسان, لا يحتفظ في ذاكرته بصورة له. بداية حياته التي جاءته في لحظة النهاية. احتار ماذا يسميها: بداية النهاية أم نهاية البداية؟ هل تناسي أن يقول لها عن نفسه إنني أمتلك هذه الموهبة المدمرة: ان اقول الصدق حتي وإن بدوت قاسيا؟ وهكذا أصبح حاله بعد اللقاء, يناجيها عندما يصمت. ويهاتفها عندما يتكلم. ويناديها وسط زحام الشوارع. عندما يصبح انتظاري لك هو انتظارك لي. سنكون قد وضعنا اقدامنا علي أول طريق قد ينتهي بنا من جحيم الواقع الي جنة الحب. ليس مهما الوقت الي ذهب ولاماتبقي منه. ولكن ماذا نصنع بما تبقي. كنت أراك في احلامي, أسألك: الست أنا الذي تبحثين عنه؟ تقولين: بل انت الذي تبحث عني. أصبح أملي خطا في الأفق ولكنه لم يعد سرابا. أملي أن اكتشف هذا الافق, أن ألمس ألوان قوس قزح التي لونت سمائي, من هي؟ قال الليل: انت الزائرة المتأخرة في حياتي. قال الفجر: ولماذا لا أكون الفجر الذي يسبق منامك؟ وقلت أنا: لماذا تخاتلني تمارين للبكاء؟