هاني عسل التمرد علي المدرب أو الإخلال بالعقد هو بداية النهاية لأي لاعب كرة علي وجه الأرض, والأمر نفسه ينطبق علي أي مهنة أخري. هذا هو ما أثبته- وبسذاجة شديدة- النجم الأرجنتيني الموهوب كارلوس تيفيز عندما رفض طاعة أوامر مدربه الإيطالي روبيرتو مانشيني بالنزول بديلا في الدقيقة56 من مباراة فريقه الإنجليزي مانشستر سيتي في دوري أبطال أوروبا أمام بايرن ميونيخ الألماني التي انتهت بفوز البايرن بهدفين, فكانت النتيجة أن أعلن مانشيني عن نهاية تيفيز مع الفريق! وقال مانشيني وهو في حالة استياء شديدة تعليقا علي هذه الواقعة: عندما تتقاضي أجرا عاليا جدا في صفوف مانشستر سيتي وترفض الدفاع عن ألوانه, وتعتقد أن الأمر لا يستحق العناء, فهذا الأمر مرفوض بالنسبة لي, ولا أستطيع القبول به.المغامرة غير المحسوبة التي أقدم عليها تيفيز أضرته وأهانته أكثر مما أفادته, فقد قللت من جماهيريته بين محبيه, خاصة بعد أن تعاملت جماهير السيتيزن مع موقفه السخيف علي أنه أنانية مفرطة تسببت في هزيمة الفريق في تلك المباراة المشئومة, كما ستؤدي هذه المغامرة أيضا إلي تخفيض سعر تيفيز كثيرا في عالم الاحتراف الأوروبي, حتي وإن نجح في الفترة المقبلة في الانتقال إلي ناد آخر. كل من شاهد مباراة سيتي وبايرن يدرك تماما أن الالتزام والانضباط كان الفارق الرئيسي بين لاعبي الفريقين, ويدرك كذلك أن هذا الموقف أثر بالسلب كثيرا علي معنويات وتركيز لاعبي مانشستر داخل الملعب, بعكس لاعبي البايرن الذين تلاعبوا بمنافسهم كيفما شاءوا, بل وأهدروا فرصة تحقيق فوز أكبر من الهدفين. وعلي الرغم من أنه لا يوجد خلاف علي أن تيفيز يعد واحد من أكثر لاعبي الكرة موهبة في السنوات القليلة الماضية, فإن تصرف اللاعب وضع الكثير من علامات الاستفهام حول مدي قابليته علي التأقلم مع ضوابط الاحتراف, ففي المجتمعات الرأسمالية الغربية, إذا التزمت وانضبطت وتأقلمت مع قوانين المجتمع من حولك ستصبح نجما لا محالة, وسيرفعك الجميع علي الأعناق, أما إذا ضربت بهذه النظم عرض الحائط وحاولت فرض قوانينك الخاصة أو قوانين البلد الذي جئت منه, وخصوصا إذا كنت قادما من دولة نامية أو حتي ناشئة, فلن يكون لك مكان علي الإطلاق في هذا المكان الجديد, وهذا ما قصده مانشيني. ورغم مرور أيام عديدة علي واقعة تيفيز نفسها, فإن تبعياتها ما زالت مستمرة, وتؤكد أن اللاعب المتمرد غالبا ما يبدأ العد التنازلي لحياته الكروية بعد تمرده, ولن يجد من يشجعه أو يمتدحه علي فعلته سوي المنافقين أو الفاشلين! بعد الواقعة مباشرة, حاول تيفيز الكذب والتلاعب بالألفاظ بشأن ما حدث وتبرير فعلته بأنه لم يرفض النزول بديلا أمام البايرن كما تردد, وادعي أن ما حدث علي مقاعد البدلاء أسيء فهمه, ولكن مانشيني أكد أن الواقعة صحيحة وأنه يعتبر هذا الموقف نهاية لمسيرة اللاعب الأرجنتيني مع سيتي, وعلي الفور تضامنت إدارة النادي مع المدير الفني وليس مع اللاعب كما يحدث في ملاعبنا وقررت إيقاف تيفيز لمدة أسبوعين, مع بدء التفكير في بيعه بأي ثمن إلي من يريد! وقبل أيام, أكد مصدر مقرب من اللاعب الأرجنتيني أن تيفيز الملقب بكارليتوس التقي بمسئولي ناديه مانشستر سيتي في محاولة لحل الأمور بطريقة ودية, في الوقت الذي يستمر فيه التحقيق معه بشأن ما حدث خلال مباراة البايرن في ميونيخ.وكان رد النادي والفريق والجهاز الفني واللاعبين عنيفا علي تمرد تيفيز, حيث كانت المباراة الأولي التي يلعبها الفريق بدونه يوم السبت الماضي أمام بلاكبرن روفرز في الدوري الإنجليزي, وانتهت المباراة بفوز سيتي4- صفر, وكأن الجميع يقولون إن الفريق لن يقف علي لاعب واحد مهما كان اسمه, طالما أنه غير منضبط. وفي هذه المباراة, رفع الجمهور لافتات معادية لتيفيز من بينها لافتة تقول إرحل يا تيفيز, ومن المفارقات أن أحد أهداف سيتيزن الأربعة في تلك المباراة سجلها لاعب متمرد سابق وهو الإيطالي الأسمر ماريو بالوتيللي الذي كان متمردا علي جماهيره وجهازه الفني عندما كان لاعبا في صفوف الإنتر قبل عامين, ولكنه تعلم الدرس سريعا, أو لحسن الحظ تعلمه في سن صغيرة, وبات الآن أكثر التزاما ومعرفة بمعني كلمة الانضباط. ونكاية في اللاعب, منح نادي مانشستر سيتي رقم فانلة كارلوس تيفيز32 إلي الحارس الاحتياطي كوستل بانتليمون في المباراة التي لعبها الفريق أمام بلاكبرن, وذلك في إشارة إلي أن تيفيز قد لا يعود أبدا إلي صفوف الفريق حتي بعد انتهاء إيقافه. وسبب تمرد هذا اللاعب ربما يكون مفهوما, فهو منذ بداية الموسم كان يريد الانتقال لناد آخر بدعوي عدم قدرته علي الإقامة في مانشستر بعيدا عن ابنتيه, ولكن هذا ليس مبررا لما فعله اللاعب, فقواعد الاحتراف تجبرك علي أن تعطي جهدك وعرقك لفريقك الذي تنتمي إليه حتي آخر يوم في تعاقدك, وبعد ذلك تستطيع الذهاب إلي أي ناد آخر, أما التمرد بهذه الصورة من جانب واحد وعلي طريقة بعض الإضرابات الفئوية الأخيرة في مصر, فهو أمر خارج نطاق القانون, لأن فيه بكل بساطة مخالفة للعقود, وهذه المخالفة إذا كانت تمثل بطولة ونضالا في نظر البعض, فإنها في الدول المحترمة تعد جريمة, مهما كانت المبررات! وكان تيفيز قد طلب بالفعل ترك النادي قبل بداية الموسم الحالي, أي قبل نهاية مدة عقده, ورغم أن أسبابه العائلة كانت جديرة بالاحترام, غير أن تعاقده مع ناديه كان الأكثر أهمية وأولوية, فالذي حدث أن تيفيز لم يجد وقتها أي ناد للانتقال إليه نظرا لأن مانشستر سيتي كان يطالب بالحصول علي50 مليون جنيه إسترليني للتخلي عنه, بينما عقد تيفيز مع سيتي ينتهي بعد ثلاثة أعوام تقريبا.وفي خضم هذه الضجة, رجحت تقارير إعلامية بريطانية أن يكون ما حدث عنصرا مساعدا علي تحقيق حلم اللاعب الأرجنتيني بالانتقال إلي ريال مدريد الإسباني الذي كان قد أبدي اهتماما بالتعاقد معه قبل بداية الموسم, ولكن الحقيقة التي نؤكدها أن النظام الاحترافي الصارم في النادي الملكي الإسباني سيفرض علي الجميع هناك التفكير ألف مرة قبل التعاقد مع لاعب لا يحترم تعاقداته واتفاقاته وفريقه ومدربه, وحتي إذا كانت إدارة الريال كذلك, فلا يمكن أن يكون المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو من هذا الصنف من المدربين! وما سيحدث أن تيفيز لن يكون مطمعا لأي ناد كبير أو محترم, بل ستكون فرصته منحصرة في اللعب لأي من أندية الوسط أو المؤخرة في الدوريات الأوروبية, ولهذا, فلم يكن مستغربا أن تنشر بعض الصحف والمواقع الإليكترونية الأوروبية تقارير عن احتمال قيام مانشستر سيتي بإعارة اللاعب إلي فريقه السابق وست هام يونايتد. وفي أفضل الأحوال بالنسبة للاعب البالغ من العمر27 عاما, فقد يتم الاتفاق علي صفقة تبادلية مع الريال ينتقل بموجبها تيفيز إلي إسبانيا, مقابل تعاقد مانشستر سيتي مع مدافع يحتاج إليه كثيرا وهو الألماني ذو الأصل التونسي سامي خضيرة, ولكن قد تتعثر هذه الصفقة إذا رفض مورينيو المبدأ, وهو الأمر المتوقع! ذكر أن مانشستر سيتي يشترك حاليا في صدارة جدول فرق الدوري الإنجليزي بجانب مانشستر يونايتد بدون هزيمة لأي منهما وبرصيد19 نقطة, ولكن فارق الأهداف لصالح المان يونايتد.الطريف في الأمر أن الأسكتلندي أليكس فيرجسون المدير الفني لمانشستر يونايتد حاول التدخل في القضية وتضامن مع القانون والانضباط في مواجهة تيفيز, ودافع عن مانشيني بقوة, ولكن هذا الموقف عرضه لبعض الإهانات من جانب أستاذ التمرد الشهير دييجو مارادونا المدير الفني الحالي لفريق الوصل الإماراتي ومدرب الأرجنتين السابق, والذي نصح فيرجسون بعدم التدخل في الأزمة بين مانشستر سيتي وتيفيز, وقال له بالحرف الواحد: أرجوك.. إخرس.. ولا تتدخل فيما لا يعنيك, علما بأن لتيفيز مشكلة سابقة مع فيرجسون أيضا عندما كان لاعبا تحت قيادته في مانشستر يونايتد, وكان فيرجسون لا يشركه أساسيا إلا نادرا, مما دفعه إلي ترك النادي, والانتقال إلي السيتيزن. ملحوظة أخيرة: بالمصادفة البحتة, تتزامن أنباء قضية كارلوس تيفيز المثيرة للجدل مع أنباء سعيدة تتمثل في عودة نجم مصري كبير أخيرا إلي مستواه المعهود الذي جعله يوما أحد نجوم أقوي دوري عالمي, ولعل في قصة تيفيز وتناقضاتها بين الموسم الماضي والموسم الحالي ما يؤكد للاعبنا أنه ز س من جديد مهما كانت المبررات! [email protected]