أشعر بامتنان عميق لحركة كفاية الأولي, ومحبة صادقة لرموزها الوطنية النقية, تستند إلي فكرهم وفعلهم ومعرفتي الطويلة ببعضهم. لقد نجحت الحركة في قص شريط سيناريو التغيير بشعاراتها الواضحة. وكسر حاجز الخوف والقمع مهما كان الثمن. وأعتقد بإخلاص أننا في حاجة إلي كفاية جديدة لحماية الثورة, والتصدي للآثارالجانبية لعمليات التغيير الهائلة التي تمر بها, والتي تحتاج منا جميعا. كما أكرر دائما. إلي إعادة التأهيل لاستيعابها و عقلنتها حتي تحقق المرحلة الانتقالية أهدافها. لقد قامت كفاية لمقاومة التوريث والتمديد والفساد. واليوم يجب أن نعلنها عالية كفاية للانفلات, بكل أشكاله وتجلياته, التي قد تؤدي إلي لا قدر الله. بعد إسقاط النظام إلي إسقاط الوطن. ودعونا نستعرض معا بعض هذه التجليات المرفوضة. الانفلات السلوكي, الذي يحرض علي أفعال غير مدروسة العواقب, كمهاجمة المؤسسات التي تعبر عن كيان الدولة, أو تحرجها في تصديها للعدو المشترك. حتي وإن اختلفنا حول أسلوب التصدي. هذا الانفلات يمتد للاعتداء علي الممتلكات العامة والخاصة, ويعطي فرصة كبيرة للبلطجة والخروج علي القانون وانحراف الأحداث, ويعين الشرطة والقوات المسلحة في التصدي الحاسم لهذه السلبيات المدمرة. لقد صار هذا التصدي مطلبا شعبيا حاسما, علي القوي السياسية والثورية أن تدعمه دون إبطاء. الانفلات النخبوي, حيث تحولت بعض أفراد النخبة, بسبب القهر الطويل أو المزايدة أو زيادة الثقل النسبي لها بعد ثورة يناير, إلي التراس الثورة. استحلفهم بالله والوطن أن يدركوا دورهم الحقيقي في أن يكونوا عقل الثورة وليس التراسها. عليهم أن يقنعوا قوي الثورة الصادقة بفضيلة النقد الذاتي واستيعاب نقد الغير, وإدراك الصورة الكبيرة والتحديات المحيطة والسياق العام, وضرورة الانتقال من الشارع إلي الشرعية, واحترام القانون دون شك أو تشكيك وهذا لايعني أبدا التخلي عن أهداف الثورة, التي التف الشعب حولها, وإلا لما تحولت أحداث يناير إلي ثورة أصلا. الانفلات الاعلامي, فهذه هي ثالثة الأثافي. هذا الانفلات المرفوض يشجع نوعي الانفلات السابقين, ويوفر لهما بناء الممارسة والنجومية. كم أتمني أن يعكف المتخصصون علي تحليل مضمون بعض البرامج الحوارية ومقالات التابلوية الصحفية, وغير ذلك من المواد الاعلامية, ليقدموا لنا تصوراتهم عن ميثاق الشرف الاعلامي, الذي يحمي حرية التفكير والتعبير, في إطار حماية الوطن ووعي المواطنين. الانفلات الوطني, الذي يحدد مواعيد المظاهرات الحاشدة. وهذا هو الاسم الجديد للمليونيات. بشكل يتوافق مع تواريخ عزيزة في مسيرتنا الوطنية عيد الشرطة التي قاتل أبناؤها ببسالة, وثورة يوليو المجيدة, وثورة عرابي وعيد الفلاح. بل وتجاوز الهجوم علي سفارة العدو البغيض, التي أكره وجودها علي أرضنا, إلي مهاجمة تمثال نهضة مصر, التي أكتتب الشعب ليتمكن مثالنا العظيم من إقامته, وحتي حديقة الأورمان. من الذي يحرض علي ذلك, ويخطط له؟ ومن يرضي أن تمتد الاهانة إلي حضارة مصر القديمة, باعتبارها فرعونية تستحق السقوط؟ الانفلات الفئوي, حيث تثري الدعوات إلي مدارس بلا مدرسين ومستشفيات بلا أطباء, وأعمال هندسية بلا مهندسين, والبقية تأتي. إن هذا النوع من الانفلات, الذي يعبر في أغلبه عن الانفجار نتيجة عدم الاستجابة للمطالب المشروعة, يجب أن ننظر إليه في ضوء عجز الادارة الحكومية وقصورها المبرر وغير المبرر, وغياب الحوار المجتمعي بين من يديرون العمل التنفيذي والعاملين في مختلف مؤسساته, ولعل ذلك يمثل في حد ذاته نوعا آخر من الانفلات الاداري. لقد حاولت فيما سبق أن أشرح بعض أشكال الانفلات التي تحضرني, والتي أخشي علي الثورة من عواقبها. هذه الأشكال هي التي دعتني إلي التعبير عن الحاجة إلي كفاية جديدة, تمثل التصحيح الأهم لمسار الثورة, حتي لانجد بين جموع الشعب الخارجين علي الوطن, من يقول كفاية ثورة!!! مرة أخري أقول: لا قدر الله, فالثورة حدث كبير ننتظر منه الكثير. المزيد من مقالات د.أحمد شوقى