منبت الخطأ!! جسد لا علاقة له بالرياضة أساسا من قريب أو بعيد إلا فيما ندر,يلقبونه في كل مدرسة باسم مدرس الألعاب أو ربما تأدبا واحتراما مدرس التربية الرياضية; ملابسه تدل عليه: بدلة تدريب( ترينينج سووت), فانلة ظريفة بألوان الربيع, حذاء رياضي جدا, كرش خفيف لا مانع, تدخين هيستيري,صفارة تتدلي من رقبته ينفخ فيها قبيل صدور أوامره, أيا كانت طبيعة هذه الأوامر, نظارة شمسية نوع المرايا,يشوبها بعض اعوجاج أو ربما قليل من الميل من فرط القدم,دلاية مفاتيح( كثيرة جدا) تطل من طرف جيبه الأيمن أو الأيسر( حسب الاختيار),صداقة عنيفة جدا تربطه دائما بمدرسي الموسيقي أو الرسم( التربية الفنية أقصد) وغالبا ما ينضم إلي هذه الكوكبة من الأصدقاء أمين المكتبة( إن وجد), ولا مانع أبدا من أن ينضم إليهم الأخصائي الاجتماعي.. شلة ظريفة جدا لم تخل مدرسة واحدة من المدارس التي تنقلت إليها بطول عمري المدرسي من واحدة منها.. القاسم المشترك بين افرادها جميعا الشلة هو أنهم لا يعملون! أما وإن كنت تبحث عن علامة مميزة تغنيك تماما عن البحث والاجتهاد من أجل العثور عليه سريعا مدرس الألعاب-, فهي دائما تلك الخيزرانة التي لا تفارق يده أبدا,يطوف بها أنحاء المدرسة!! فهذا المدرس بالذات, دونا عن سائر مدرسي المدرسة, مهمته قيادية; فهو بمثابة وزير داخلية المدرسة الذي تطلقه ادارتها من أجل مواجهة المارقين من الطلاب; فبخلاف أهميته البالغة بالنسبة للطلاب لكونه يملك مفاتيح تلك الغرفة المسماه بغرفة التربية الرياضية التي لا معني لها بالنسبة للطلاب سوي أنها تحتوي علي عدد لا بأس به أبدا من كرات القدم لا أكثر ولا أقل; يفتح بابها في تلك الحصة المنشودة دائما حصة الألعاب لا لشيء إلا لكي يخرج منها صاحبنا كرة أو اثنتين يعطيها لتلاميذ الفصل كي ينخرطوا بعيدا عنه في مباريات مثيرة لزوابع الفناء المدرسي, ذلك الفناء المليء بالتراب, وبعض بقايا نباتات متحجرة لا يعرف أحد يقينا من أين أتت, ولكنني أذكرها جيدا وبخاصة عندما كان يقودني حظي العاثر نحو السقوط علي الأرض بعد معركة شديدة الوطيس مع خصم زميل لنيل الكرة,فلما تسقط علي إحدي ركبتيك أو كلتيهما, ويتصادف سقوطك رأسا فوق هذا النوع النادر( جدا) من حبيبات هذا النبات المنتشر في التراب كالنار في الهشيم, لابد حينئذ من أن تتراشق هذه الحبيبات في ركبتيك أو في راحتي يديك فتكسوها الدماء علي الفور.. وهذا أضعف الإيمان!! بخلاف كل هذه الأدوار, فإن الدور الرئيسي لمدرس الألعاب دوما هو قيادة طابور الصباح, وما أدراك ما طابور الصباح, هرج ومرج يملأ الفناء الترابي, وأشكال بائسة من بشر اقتيدت من عز النوم إلي هذا المكان الكئيب المفتقد لأبسط عناصر الجذب لكي تتعلم المدرسة!! وفي مدارس البنين وما أدراك ما مدارس البنين تحتاج السيطرة إلي مجهود مضاعف, لذا فإن الأمر لا يخلو من اختيار بعض عناصر من الطلاب لتشكيل ميليشيا طلابية كانوا يطلقون عليها اسم الشرطة المدرسية: طواقي حمراء, وشارات مثبتة علي الساعد حمراء أيضا مكتوب عليها باللون الأسود الشرطة المدرسية!! ثلة من الأرذال وكنت واحدا منهم بالمناسبة جل عملهم هو فرض النظام والانضباط, والإيحاء بسلطة ما بداخل المدرسة في مواجهة أي خروج عن الشرعية!! وكان هؤلاء الأرذال الشرطة المدرسية في كل مكان ينتشرون: أمام الباب الرئيسي للمدرسة, وفي الأدوار,وأمام المدخل المؤدي إلي غرفة( السيد ناظر المدرسة), وعند الأسوار, وفي الفناء!! أما في أثناء طابور الصباح,فهم في مقدمة الطابور, وعند مؤخرته, يجوبون الصفوف كالذئاب الجائعة بحثا عن بصيص خطأ: تلميذ يتحدث إلي زميل له, تلميذ يتناول لقمة سائغة, تلميذ يرتشف جرعة ماء ربما تلميذ يضحك, ربما تلميذ يكح, وربما تلميذ لم يفعل شيئا بالمرة.. سلطة مطلقه( شرطة بقي)!! فما هي إلا ثوان حتي ينقض شرطي المدرسة علي ضحيته كالصقر الجائع, يجذبه من ملابسه, وطبيعي جدا أن ينكر( المتهم) ما وجه إليه من اتهام, وطبيعي جدا أن تبدأ المقاومة تتصاعد شيئا فشيئا!! فلما يزداد الجدل, هجوم هيستيري نحو الهدف من جميع أفراد( الشرطة المدرسية) الموجودين في محيط الواقعة, وسط استياء زملاء( المتهم), وإذا استلزم الأمر, محاولات لتكتيف( المتهم) وشل حركته باستخدام الأيدي المجردة, ولا أحدثك طبعا عن زوبعة ترابية ناشئة عن هذا الحراك, وغالبا ما ينتهي المشهد بنداء عبر الميكرفون يصدره القائد الأعلي للشرطة المدرسية مدرس الألعاب بأن هاتوا الواد ده!! يخرج الزميل( المتهم) ناكسا رأسه وسط مئات التلاميذ يقتاده أفراد الشرطة المدرسية في زهو شديد إلي حيث مدرس الألعاب, ويظل واقفا عند الحائط تحرسه مجموعة من زملائه في الدراسة ولكنهم في هذه اللحظة ليسوا زملاء وإنما حراسا شرطيين; و كما لو أنه قد ارتكب جرما شنيعا أو اخترق ناموس الكون أو اعتدي علي تقاليد المجتمع, كان هذا( المتهم) ينتظر مصيره!! ينتهي الطابور المدرسي ولكل طالب وقتئذ شأن يغنيه,ويتوجه السيد مدرس الألعاب إلي الفتي الماثل تحت حراسة أفراد الشرطة المدرسية, فيكون عليه أن يفرد راحتي يديه طوعا أو كرها, لينزل بها وبه مدرس الألعاب شر عقاب بواسطة ما يمسك به في احدي يديه دائما: الخيزرانة!! عشر ضربات أو ربما عشرين ضربة, بحسب ما يجود به السيد مدرس الألعاب, وما يرتضيه له ضميره, وأعتقد أيضا أن ذلك كان يعود إلي طبيعة مزاجه في صباح ذلك اليوم; فربما يكون المزاج عاليا فيعفو تماما عن( المتهم), وربما يكون المزاج في منتهي السوء فيكون العقاب ضعفين( إنت وحظك).. عشرون ضربة من خيزرانة في برد الشتاء عقابا علي جرم غير مفهوم من وجهة نظر فئة مستثناة بغير سند هم أفراد( الشرطة المدرسية), الذين كانوا مميزين عن سائر التلاميذ عند مدرس الألعاب فقط.. ولم يكونوا هم الأكثر انضباطا أو التزاما أو حتي تحصيلا هكذا تربي النشء, وهذا هو منبت الخطأ!! المزيد من أعمدة أشرف عبد المنعم