موعدنا اليوم مع تساؤل حائر ألا وهو: هل تري أحدث الربيع العربي ربيعا غير مرتقب في أحوال العالم؟ شعور منتشر في العديد ممايطرحه الخبراء والكتاب المعنيون بالسياسة الدولية من زوايا مختلفة يوما بعد يوم. وقد رأينا أن الواجب يقضي علينا أن نواكب هذا البحث علنا نهتدي.. أولا: اتصل الحديث في أحوال العالم منذ مطلع هذا القرن الجديد علي أنه تحول من زعامة القطب الأوحد الأمريكي المهيمن إلي شيء جديد ربما بدأ يتجه الي ثنائية جديدة بين الولاياتالمتحدة ودائرة الغرب التابعة لها من ناحية وبين القطب الصيني الطالع وهو ماأطلق عليه المراقبون تسمية ج2(G 2) ولكن الصين لم توافق علي هذا الأمر بأي شكل من الأشكال. وقد فسر بعض الخبراء هذا الرفض بأن الصين لا تسعي الي إقامة قطبية ثنائية جديدة وإنما هدفها هو أن تحتل مكانتها المؤثرة في عالم جديد متعدد الأقطاب والمراكز والثقافات. كانت هذه أجواء تحليل الموقف العالمي حتي مطلع هذا العام وفجأة ودون سابق إنذار انطلقت انتفاضات وثورات عربية أطلقوا عليها منذ البداية تسمية الربيع العربي وقد جمع هذا التحرك التاريخي الكبير بين وثبات وثورات مؤثرة احتفظت بالطابع السلمي بعد خسائر الأسابيع الأولي( تونس ومصر) وبين حروب أو صدامات مسلحة بالغة العنف في ليبيا واليمن والبحرين وسوريا. ومن هنا تساءل البعض عن العلاقة بين هذا التحرك التاريخي المفاجيء الكبير في منطقة تابعة للنفوذ الأمريكي بشكل مستمر مهما اختلفت صيغ هذه التبعية من ناحية وبين شعار أطلقه القطب الأمريكي حول مطلع هذا القرن ألا وهو شعار أو فكرة الفوضي الخلاقة التي تغني بها طاقم الرئيس جورج دبليو بوش لتبرير حروبه في العراق وأفغانستان. مجرد مصادفة؟ أو ربما مدخل غير تقليدي يضيء الطريق؟ ثانيا: ماالعلاقة بين الربيع العربي وتغيير موازين القوي علي الساحة العالمية كان هذا المدخل بالغ الأهمية منذ نهاية نظام القطبية الثنائية الأمريكية السوفيتية(1991). وتصاعدت حدته كلما تأكد أمر انتقال مركز الثقل من مركزه التقليدي في الغرب الي دائرة الشرق الحضاري حول الصين مركزا منذ مطلع هذا القرن الجديد. في هذه الأجواء أحدث الربيع العربي حالة غير مرتقبة من التحرك وذلك في أهم منطقة عالمية حيث يلتقي الشرق بالغرب والقارات والمحيطات الثلاث وهي أيضا تمركز القطاع الرئيسي من النفط العالمي محرك الاقتصاد. وفي هذا الجو وخاصة في مراكز الصدام المسلح في ليبيا وجنوب السودان وسوريا ظهرت فوارق نوعية لاتتفق مع النظام الثلاثي لادارة العالم, كان المتوقع أن تتحفظ الصين لألا تنضم الي عمليات لا تتفق مع مسعاها العام وبالفعل لم تشارك في عمليات الغرب وحلف الأطلنطي( ناتو) في ليبيا ولم تشارك إلا بسكرتير ثالث في وزارة الخارجية في مؤتمر باريس حول ليبيا الجديدة بينما اعترفت روسيا بالحكم الجديد رغم تحفظات متصلة منذ البداية.. ثالثا: وفي نفس هذه المرحلة أي الربيع هذا العام وهو الربيع العربي تراكمت أحداث بالغة الأهمية لم تحظ بالاهتمام اللازم في إعلامنا العربي رغم أنها علي صلة عميقة بالتطورات القائمة في منطقتنا. ان جوهر هذه التطورات الجديدة يتمثل في توجه الصين إلي دائرة أوروبا قبل التركيز علي علاقتها بالدائرة الأمريكية ثم تخصيص العلاقة بألمانيا بالمكانة الأولي في هذا التوجه الجديد. 1 تري الصين أن الاتحاد الأوروبي يحتل المكانة الأولي بين الشركاء الثلاث أي أنه يتقدم علي الولاياتالمتحدة وكذا الصين, ويري خبراء الصين أن مجموعة الدول الاربع أو الخمس الصاعدة البريك( البرازيل روسيا الهند الصين واحيانا إفريقيا الجنوبية) لا تستطيع أن تلعب دورا كمجموعة واحدة ذات توجه حول مركز قائد أوحد. 2 وكذا يري المحللون أن تحديث الصين يتمثل في محاولة استفادتنا من الأنظمة الأوروبية في مجال الحماية الاجتماعية والقضاء علي فجوات الدخل والاهتمام بالبنية التحتية. رابعا: الجديد في هذا التطور إنما هو: إقامة جسر التعاون العضوي الرئيسي بين الصين وألمانيا بعيدا عن المشاركة في عمليات عسكرية بقيادة دول منظومة حلف الأطلنطي بزعامة أمريكا منذ عقود. وقد تأكد هذا التطور بالغ الأهمية في قلب صياغة العالم الجديد خلال زيارة دين جاباو رئيس وزراء الصين إلي ثلاث دول أوروبية من24 الي28 يونيو الماضي زيارته الي المجر أولا فتحت بابا جديدا ثم جاءت زيارته إلي بريطانيا لترفع مستوي التطور بعد طول تغيب حيث تم توقيع عقود تجارية قيمتها4.3 بليون دولار وكذا اتفاقية في مجالات المعمار والهندسة المدنية والتنمية. وفي هذه الأجواء الجديدة بالغة الأهمية في العالم الذي يحيط بنا ونحن في قلبه فجأة لا يري الغرب إلا اجتماع شركات النفط الكبري توتال ايكسون موبيل داني شل البترول البريطاني جاز بروم لاقتسام كعكة البترول الليبي( هيرالد تربون2011/9/3) هذا بينما رأس فلايديمير بوتين رئيس وزراء روسيا حفل تدشين خط أنابيب الغاز العملاق الجديد نورد ستريم الذي يربط بين روسيا وألمانيا ومنها إلي قارة أوروبا دون المرور بأوكرانيا وهو مشروع جبار وذلك تفاديا لتدخل ضغوط أوروبا علي أوكرانيا للتلاعب في سعر الطاقة حسب أهواء الاتحاد الأوروبي. من ناحية إذن جسر اقتصادي عظيم بين الصين وألمانيا بينما الصين تعانق روسيا عبر سيبريا بواسطة منظمة شانجهاي للتعاون هذا بينما تصبح روسيا وألمانيا المصدر الأول للطاقة في أوروبا.. علاقة ثلاثية جديدة بين الصين وروسيا وألمانيا تتشكل أمامنا بعيدا عن التدخل واقتسام كعكة البترول العربي.. قال صاحبي: يعني ان ابواب العالم الجديد الطامع من حولنا تتفتح امامنا.. هذا بالاضافة الي شبكة المعاملات والمنح من دول الغرب والدول الصاعدة المتوسطة.. اتساءل: هل نبدل امكانات المشاركة في صياغة العالم الجديد بدون جهد الافادة منه؟.. المستقبل والحق يقال المستقبل يبدأ الآن!. المزيد من مقالات د.أنور عبد الملك