الآن.. الاستعلام عن مسابقة معلم مساعد 2024 (التفاصيل)    تعليم الإسكندرية تنهي استعدادها للعام الدراسي الجديد في 21 سبتمبر الجاري    1342 مدرسة تستعد لاستقبال 825 ألفا و700 طالب في بني سويف    قرار مهم من الحكومة بشأن مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية    «عبداللطيف» يبحث مع أمين «تطوير التعليم» سبل التعاون لتطوير المنظومة    قرار مهم من الحكومة لضبط حركة الأسواق وأسعار السلع    انقطاع المياه عن القناطر الخيرية 6 ساعات غدا.. تعرف على السبب    البيئة :خطوة تفعيل رسوم المخلفات الصلبة البلدية دفعة قوية تضمن استدامة تشغيل المنظومة مالياً    حقيقة ظهور جهاز البيجر بجوار الرئيس الإيراني السابق قبل مصرعه    بنك إنجلترا يثبت معدل الفائدة عند مستويات 5%    حماس: العدوان لن يجلب للاحتلال ومستوطنيه إلا مزيدا من الخوف والدماء    11لاعبا| الأهلي يفتح ملف تجديد عقود لاعبيه    رسالة مؤثرة من حسين الشحات للجماهير بشأن أزمة أحمد فتوح    متحصلة من تجارة المخدرات.. ضبط 3 أشخاص قاموا بغسل 60 مليون جنيه بالقليوبية    شراكة بين الحكومتين المصرية والأمريكية لحماية وحفظ التراث الثقافي المصري    توقعات برج الحمل غدًا الجمعة 20 سبتمبر 2024.. نصيحة لتجنب المشكلات العاطفية    السبت.. مهرجان سماع للإنشاد والموسيقى الروحية في بيت السناري    حزب الله: هاجمنا بسرب من المسيرات المقر المستحدث لقيادة اللواء الغربي في يعرا    مكتبة مصر العامة تختتم فعالياتها الصيفية بمعرض الأنشطة الفنية    أول ظهور لشيرين عبدالوهاب بعد أنباء عن خضوعها للجراحة    من هن مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم وإِخوته في الرَّضاع وحواضنه؟ الأزهر للفتوى يجيب    مساعد وزير الصحة: ملتزمون بتطوير المنظومة وإدخال التقنيات التشخيصية للمستشفيات    "بداية جديدة".. تعاون بين 3 وزارات لتوفير حضانات بقرى «حياة كريمة»    "ناجحة على النت وراسبة في ملفات المدرسة".. مأساة "سندس" مع نتيجة الثانوية العامة بسوهاج- فيديو وصور    "خناقة ملعب" وصلت القسم.. بلاغ يتهم ابن محمد رمضان بضرب طفل في النادي    حادث درنة الليبية.. تفاصيل فاجعة وفاة 11 عاملًا مصريًا في طريقهم للهجرة    بقيت ترند وبحب الحاجات دي.. أبرز تصريحات صلاح التيجاني بعد أزمته الأخيرة    جامعة العريش تُطلق أول مسابقة للقيادات الإدارية منذ إنشائها.. اعرف التفاصيل    عاجل| حزب الله يعلن ارتفاع عدد قتلى عناصره من تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية ل 25    مسؤول أمني: الفيتو الأمريكي يكون العقبة دائما أمام أي قرار لصالح فلسطين    خبير سياسي: إسرائيل تريد مد خط غاز طبيعي قبالة شواطئ غزة    بالمزمار والطبل البلدي.. محافظ المنوفية يضع حجر أساس مدرستين بالبتانون (صور)    بعد 14 أسبوعا.. فيلم ولاد رزق 3 يتصدر قائمة الإيرادات وأهل الكهف يتذيل    أبرز تصريحات الشاب خالد ف«بيت السعد»    إزالة تعديات على مساحة 14 فدان أراضي زراعية ضمن حملات الموجة ال23 في الشرقية    مركز الأزهر: اجتزاء الكلمات من سياقها لتحويل معناها افتراء وتدليس    عاجل.. كولر يرفض رحيل ثنائي الأهلي ويفتح الباب أمام رحيل "النجم الصاعد"    انتشار متحور كورونا الجديد "إكس إي سي" يثير قلقًا عالميًا    أطعمة ومشروبات تحافظ على صحة القلب (فيديو)    محافظ الإسكندرية يتابع المخطط الاستراتيجي لشبكة الطرق    إخماد حريق نتيجة انفجار أسطوانة غاز داخل مصنع فى العياط    حزب الله يهاجم تمركزا لمدفعية إسرائيلية في بيت هيلل ويحقق إصابات مباشرة    وزير الإسكان يوجه بتكثيف خطة طرح الفرص الاستثمارية بالمدن الجديدة    محافظ القليوبية يقيل مدير مدرسة الشهيد أحمد سمير ببنها    وزير الصحة: صناعة الدواء المصرية حققت نجاحات في أوقات شهد فيها العالم أزمات كبيرة    إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره الطريق فى الهرم    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة ضيفا على موناكو وآرسنال يواجه أتالانتا    «لو مش هتلعبهم خرجهم إعارة».. رسالة خاصة من شوبير ل كولر بسبب ثنائي الأهلي    «الرقابة الصحية»: نجاح 11 منشأة طبية جديدة في الحصول على اعتماد «GAHAR»    ضبط عنصر إجرامى بحوزته أسلحة نارية فى البحيرة    إسرائيل تقدم مقترحا جديدا لوقف إطلاق النار بغزة يشمل بندا خاصا بالسنوار    دياز: لقاء إنتر ميلان كان اختبارا رائعا    مأساة عروس بحر البقر.. "نورهان" "لبست الكفن ليلة الحنة"    كيفية الوضوء لمبتورى القدمين واليدين؟ أمين الفتوى يوضح    حامد عزالدين يكتب: فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم    دورتموند يكتسح كلوب بروج بثلاثية في دوري الأبطال    لو عاوز تمشيني أنا موافق.. جلسة حاسمة بين جوميز وصفقة الزمالك الجديدة    هل موت الفجأة من علامات الساعة؟ خالد الجندى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قافلة التصوف.. الفن الروحي «يغزو» رمضان
نشر في أهل مصر يوم 20 - 06 - 2016

تتوهج ثقافة التصوف وتكتسب مذاقا خاصا فى شهر رمضان الفضيل، فيما تشكل هذه الثقافة معينا لا ينضب لكثير من الإبداعات وتطرح العديد من الأسئلة بقدر ما تقدم إجابات يمكن أن تؤسس لحوار جاد حول قضايا تهم البشر فى كل مكان.
ومن التجليات الإبداعية الفنية للتصوف ذلك الفن المعروف برقصات “المولوية” التى أمست جزءا من “ليالى الأوبرا الرمضانية” فى مصر، فيما أقيم مؤخرا حفل لهذا النوع الإبداعى على “المسرح المكشوف” وتفاعل الجمهور بقوة وإيجابية مع الفنان عامر التونى وهو يقود الاحتفالية التى تميزت بأجواء روحانية رمضانية ومزيج مدهش من الإنشاد والابتهالات فى تناغم موسيقى وحركى بالغ الحساسية الإبداعية.
ولئن كان المعنيون بالتصوف يذكرون بالحقيقة التى تقول إن “الذين تركوا بصمات واضحة وثابتة فى الثقافة الإسلامية هم العلماء الذين جمعوا بين قلب الصوفى وعقل الفيلسوف لأن القلوب ترطب حسابات العقول ولأن العقول تضبط خطرات القلوب” فإن هذه الحقيقة دالة على أهمية المزج مابين القواعد العلمية الذوقية والمصطلحات الفنية المشتقة من صميم التجربة الوجدانية الصوفية المتميزة.
وفيما تحمل كلمات العديد من الكتاب بالصحف المصرية والعربية فى شهر رمضان أنفاسا صوفية محببة فإن هناك العديد من الكتب التى صدرت لكتاب معاصرين عن ثقافة التصوف والصوفية المحلقين بالحب للخالق الواحد الأحد فى هذا الكون وقد تكشف بعض هذه الكتب عن جوانب طريفة مثل علاقة المتصوفة بالموسيقى.
وفى كتاب “كتب وناس” يقول الكاتب والروائى الراحل خيرى شلبى إن تحرر الموسيقى الغنائية المصرية من الروح التركية بدأ بشكل مكثف فى أوائل القرن العشرين على أيدى الطرق الصوفية، موضحا أن هذه الطرق استخدمت الموسيقى عن وعى عميق يحكمه دور مقصود.
وحسب رؤية خيرى شلبى فإن الطرق الصوفية أعادت الموسيقى إلى أصولها كعنصر فاعل فى توصيل الذاكرين إلى مرتبة الوجد الصوفى ووضعوا مقامات شهيرة وقسموا هذه المقامات تبعا لمراحل بلوغ الوجد الصوفى.
وكان المنشد فى حلقات الذكر يمسك بمفاتيح أجساد الذاكرين تبعا لقوة موهبته الصوتية ودرجة ثرائه النغمى فينفض الأجساد نفضا يحولهم على أوتاره الصوتية إلى ريش فى مهب الريح ولم تكن جهود المنشدين - كما يؤكد خيرى شلبى - نابعة من فراغ أو قائمة على اجتهاد عشوائى يتصادف نجاحه إنما هناك أكبر رصيد علمى موسيقى فى التاريخ العربى الحديث سكت عنه المؤرخون لسبب أو لآخر ذلك هو رصيد “جماعة إخوان الصفا”.
وهذه الجماعة كانت تضم لفيفا من خيرة كبار المثقفين والأدباء ولاسيما ذوى الميول الصوفية وكلهم كانوا على درجة عالية جدا من الثقافة الرفيعة والتقدم العلمى المذهل فى الفلسفة والرياضة والفلك والطبيعة والكيمياء وعلوم اللغة والتفسير والحديث وقبل ذلك علم الكلام وهى شخصيات من طراز ابى حيان التوحيدى.
ومن يقرأ رسائل إخوان الصفا يفاجأ بأن رسالتهم فى الموسيقى رسالة فذة حتى أن الكاتب الراحل خيرى شلبى وصفها بأنها لم يسبق لها مثيل فى الدقة العلمية والوصول باللغة العربية إلى مرحلة من الشفافية استطاعت به تقنين مالايخضع لقانون.
ورسالة “إخوان الصفا” عن الموسيقى - كما قال الكاتب الراحل خيرى شلبى - كانت ولاتزال أهم مصدر لدراسة هذا الفن واستلهامه إبداعيا ومما لاشك فيه أن تلاميذهم ومريديهم ودراويشهم من الأجيال التالية قد ورثوا هذا العلم وأضافوا إليه وأبدعوا من خلاله ووظفوه فى خدمة الروح الإنسانية وتهذيب النفوس أعظم توظيف.
وللصوفى الشهير محيى الدين بن عربى قول مأثور ضمن رسالة كاملة من مأثوراته حيث يقول “كل فن لايخدم علما لايعول عليه” وفى ضوء هذه المقولة يتبين أن إبداع الصوفية فى الموسيقى كان يخدم علم الموسيقى.
ومن عباءة المنشدين خرج الذين طوروا الغناء العربى ووصلوا به إلى ذروة عالية من القدرة على التأثير القوى فى الوجدان حتى أن الذين نبغوا فى الغناء الدنيوى هم أولئك الذين هضموا المقامات الصوفية واستوعبوا تجلياتها كابرا عن كابر كما يقول التعبير العربى الشهير ومعظمهم كان يعمل فى بطانات المنشدين القدامى ثم أصبحوا بدورهم أعلاما لهم بطاناتهم الخاصة التى يتخرج فيها أعلام جدد.
فليس صدفة إذ أن أعلام فن الموسيقى والغناء فى مصر فى أوائل القرن العشرين وأواسطه كانوا شيوخا ومنشدين مثل الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب والشيخ درويش الحريرى والشيخ يوسف المنيلاوى والشيخ محمود صبح والشيخ ابو العلا محمد والشيخ على محمود والشيخ زكريا أحمد والشيخ سيد درويش.
ومن هنا لم يكن من الغريب أن يلفت عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين للأهمية الثقافية لفنون التلاوة والتجويد والإنشاد والموسيقى على وجه العموم كتشكيل للزمان وهو مجال أسهم فيه المتصوفة بالكثير بقدر ماتتوزع إسهاماتهم الثقافية على مجالات عدة وبعضها لايخلو من تداخل وتشابك مثل مجالات البلاغة والفن والجمال.
وفى شهر رمضان تحفل الصحف ووسائل الإعلام المصرية والعربية بعديد من النفحات الصوفية والمقالات والطروحات التى تتناول الطرق الصوفية بأقلام مثقفين مصريين وعرب وأسماء رموز وأعلام التصوف مثل محيى الدين بن عربى وجلال الدين الرومى والحلاج وابن الفارض ورابعة العدوية وابو الحسن الشاذلى وابو العباس المرسى والسيد البدوى وصولا لعبد الحليم محمود ومحمد متولى الشعراوى وأحمد الطيب.
وتكشف تلك المقالات والطروحات عن حالة شغف بأحوال الصوفية ويتيح الحب تفهم حالات الوجد والتوحد التى تتلبسهم، فيما يستعرض البعض حالات لأعلام المتصوفة مثل الحلاج الذى كانت مآساته عنوانا لمسرحية شعرية للشاعر المصرى الراحل صلاح عبد الصبور والنفرى “صاحب الوقفات والمخاطبات” وابن الجوزى والسهروردى ناهيك عن أبو الحسن الشاذلى وأبو العباس المرسى.
ويتفق العديد من المثقفين فى مصر والعالم العربى على وجه العموم على أهمية الدور الذى ينهض به التصوف فى تعزيز قيم التسامح ومواجهة التطرف، فيما أضحت التربية الأخلاقية فى التصوف الإسلامى فى بؤرة اهتمام الدرس النفسى والاجتماعى والدينى.
وحتى فى الثقافة الغربية ثمة اهتمام كبير وواضح بالتصوف ويعكف بعض المفكرين هناك خاصة من المتخصصين فى قضايا التصوف والصوفية على بحث دور التصوف فى تذليل العقبات أمام الحوار بين المختلفين دينيا وعقائديا مثل ذلك الكتاب الذى أصدره المستشرق الإيطالى واستاذ التصوف الإسلامى الدكتور جوزيف سكاتولين بعنوان “تأملات فى التصوف والحوار الدينى”.
وإذا كان المستشرق الفرنسى الراحل لويس ماسينيون قد اشتهر بكتابه الصادر فى جزئين بعنوان: ”عذاب الحلاج شهيد التصوف فى الإسلام” فإن للدكتور جوزيف سكاتولين عدة كتب وإصدارات فى التصوف منها: ”ديوان ابن الفارض” و”التجليات الروحية فى الإسلام” وكذلك جاء كتابه “تأملات فى التصوف والحوار الدينى” فى جزئين يتناول الجزء الأول موضوع الحوار الدينى وأبعاده فى عصر العولمة، بينما يركز الجزء الثانى على عالم التصوف والحياة الدينية الروحية.
وكما فى نشوة الصبا تبدع اللغة أجمل الأشياء فإن الصوفية الحقة وهى تحمل المتعة الروحية والراحة والسلوى من آلام الحياة تقترن أيضًا بالتفاؤل والإيجابية، فيما سيبقى دور الطرق الصوفية فى نشر الإسلام بإفريقيا وآسيا محفورا بحروف من المجد فى الذاكرة الإيمانية للأمة.
ولعل ثمة حاجة لمزيد من الاهتمام البحثى فى مجالات الثقافة والمأثورات الشعبية والأنثربولوجى والفلسفة والتاريخ والاجتماع بالواقع الصوفى فى القارة الإفريقية، فيما تؤكد مؤشرات عديدة على قوة وفاعلية وأهمية دور التجمعات الصوفية فى الحياة الإفريقية وخاصة فى تلك المناطق الواقعة غرب القارة السمراء.
وتجليات المشاعر الصوفية قد تجعل بعض الناس من أصحاب الأذواق الرفيعة يحسون بالحقيقة كما لو كانت شيئا ماديا وعندئذ تختلط المادة بالمجرد فإذا بهؤلاء الذين لايتصورون المجرد يبصرونه ويلمسونه وقد انزاح الفاصل بين المجرد والمادى.
وللكلمة عند الصوفية مجد وأى مجد ولعل فهم ثقافة التصوف يقدم إجابة لسؤال مثل: ”كيف يمكن لكلمة بفضل ماتعنيه من شكل وموسيقى وعلاقة بغيرها من الكلمات أن تكون صاحبة شخصية ككائن حى وقوة سحرية بقدر ماتعبر عن نفس إنسانية”؟!.
وثمة حاجة أيضًا لفهم الأسس الفلسفية للمتصوفة والتنظير المعرفى - الوجدانى لحقيقة السجال بين “أهل الظاهر وأهل الباطن”، فيما يؤكد أصحاب الأقلام من المتصوفة على أنه “من الخطأ تناول المسألة وكأن هناك منافاة حقيقية بين أهل الحق من كلا الجانبين”.
ويقول الدكتور حسن الشافعى رئيس مجمع اللغة العربية “الأزهر تعانق منذ 8 قرون مع الصوفية لما تمثله من قيم روحية وأخلاقية”، موضحا أن “التصوف الحق قوة بالمعنى الاجتماعى”.
وقد يكون أحد أسباب الالتباسات فى العلاقة بين التصوف والشريعة أو بين مايسمى “بأهل الحقيقة وأهل الشريعة” أن “البعض من المتصوفة يتحدث عن التصوف بصورة جعلت الآخرين يظنون خطأ أنه دين آخر داخل الدين فنفروا وتخوفوا منه” وثمة اتفاق على أن هؤلاء الذين أساءوا للتصوف من داخله “لم يأخذوا منه إلا اسمه ورسمه” مع تأكيدات واجبة على أن “الصوفى الحق هو الذى كملت لديه التربية النبوية والأخلاقية تماما كما أنه لاتصوف بلا تشرع”.
وحسب تقديرات الدكتور عبد الهادى القصبى رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية فى مصر فإن عدد المتصوفة على مستوى العالم ككل فى ضوء البيانات المتاحة يصل إلى 200 مليون شخص، فيما ينوه باحث جاد مثل الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجى الأستاذ بجامعة القاهرة بانخراط العديد من المتصوفة المصريين فى الأنشطة ذات الطابع الوطنى.
وإذا كان الدكتور حسن الشافعى قد ذهب إلى أن “التصوف الحقيقى هو أقوى القوى الاجتماعية فى العالم الإسلامى” فإن هناك حاجة ماسة لتأمل الصورة الحقيقية للصوفية بكل زواياها وعمقها التاريخى واستخدام أدوات معرفية عربية-إسلامية فى التفسير والتحليل والتنظير بدلا من الاعتماد المخجل على أدوات الباحثين فى الغرب ناهيك عن أن هذه التبعية تؤدى لمزيد من الهيمنة الغربية والتشوهات البنيوية والضلال المعرفى وهى مسألة مختلفة عن التواصل المطلوب والانفتاح المنشود من موقع الندية لا التبعية وبإدراك أصيل للحقيقة المتمثلة فى أن أى نص يتكون أصلا فى مجال ثقافى هو بدوره جزء من بنية مجتمع.
وإذ يدرك الغرب أن التصوف جزء حيوى فى نسيج العالم الإسلامى ومن ثم فهو أحد العوامل المؤثرة فى تشكيل الخطاب الثقافى والعلاقات الدولية فاللافت بالفعل أن التصوف الإسلامى أمسى موضع دراسات متعددة فى جامعات الغرب وتتردد هناك مصطلحات مثل سياسات التصوف وانعكاساتها على الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط، كما تتردد أسماء الطرق والجماعات الصوفية فى هذه الدراسات مثل النقشبندية والجيلانية والقادرية.
ومن الذى بمقدوره أن ينكر دور الحركات الصوفية فى نشر الإسلام فى إفريقيا وبآسيا الوسطى ووصولا لنهر الفولجا فى روسيا وحتى تخوم الصين وأن الصوفية فى جوهرها كما أشار الإمام أبو حامد الغزالى منذ القرن ال11 الميلادى هى علاقة بالغة الخصوصية بين العبد والرب؟!.
ويمكن الانطلاق من هذا التوصيف للقول إن التصوف الحق يوسع من نطاق الحرية الإنسانية ويخدم قضية الحرية فى مواجهة كل أشكال الطغيان فيما لايجوز تناسى أن أحد الاسئلة الكبرى لثقافة التصوف كجزء من التقاليد المعرفية الإسلامية ككل وهو “كيف السبيل للمعرفة الحقة وما الذى نستطيعه ويجوز لنا معرفته كبشر؟”.
فالتصوف الحق ثورة إنسانية تماما، كما أن عملية النمو الروحى بكل مجاهداتها هى اختيار للإنسان بكامل حريته وملء إرادته ولايجوز فرضها من خارج الإنسان ولاموضع فيها لنفاق ومن ثم فهى “عملية ديمقراطية تماما”.
والعلاقة بين الصوفية وطلب الحق والحقيقة وثيقة للغاية بقدر ماتصب فى مجرى ثورة العقل والضمير والوجدان وتؤسس لمزيد من ثقافة السؤال وتشد بالفضول المعرفى باحثين غربيين للكتابة عن مصر المتصوفة.
وفى دراسة مستفيضة للرؤية النقدية لابن خلدون للصوفية على مستوى الخطاب والفلسفة والسياسة، أظهر الباحث جيمس ونستون موريس المتخصص فى الفلسفة الإسلامية والحاصل على الدكتوراه فى لغات وحضارات الشرق الأدنى من جامعة هارفارد اهتماما كبيرا بالجوانب والأبعاد الاجتماعية والسياسية والمعرفية للصوفية، مؤكدا أن التصوف كان بمثابة المعين الصافى والمنجم الثرى للعديد من التجليات والصيغ الإبداعية البعيدة الأثر فى الثقافة والحياة بالعالم الإسلامى.
وهكذا لم يكن من الغريب أو المدهش أن يقف مفكر فى حجم وقامة ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع أمام التصوف بالتأمل والتحليل عبر الإبحار فى هذه الموجات الإبداعية المتشابكة والمعبرة عن الأبعاد الثقافية للتصوف بجذوره العميقة فى الوجدان العربى-الإسلامى.
وعلى طريق المعرفة - ولج مفكرون مصريون وعرب من أبواب ثقافة التصوف ساعين للنهل من هذا العالم الثرى وتحتفظ الذاكرة الثقافية العربية بإسهامات جليلة لأستاذ الفلسفة الراحل الدكتور عبد الرحمن بدوى صاحب كتاب “شهيدة العشق الإلهى”.
وكان الأديب المصرى الراحل الدكتور زكى مبارك قد قدم للمكتبة العربية كتاب “بين التصوف والأدب”، كما قدم الإمام الأكبر الراحل وشيخ الجامع الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود سلسلة غنية من كتب التصوف والثقافة الصوفية، فيما أبحر صاحب نوبل وهرم الرواية المصرية والعربية نجيب محفوظ فى التصوف ضمن بحاره الإبداعية، كما يتبدى على وجه الخصوص فى رواية “ليالى ألف ليلة”.
وإذا كان السؤال المؤرق للمبدع العظيم نجيب محفوظ قد انصب على النظام الذى يحكم الكون فإن إجابته الإبداعية على هذا السؤال الكبير والتى تجلت فى إبداعات روائية عديدة إنما اعتمدت إلى حد كبير على معين التصوف وإشراقات الصوفية.
وإذا كانت الثقافة الصوفية فى أحد معانيها قراءة مجاهدة للذات والوجود ثم الكتابة أو الشهادة بعد هذه القراءة فإن تلك الثقافة لها مذاقها المحبب دوما فى شهر رمضان ونفحاته المباركة بقدر ماتنطوى على أهمية فى موضوع هام كتجديد الخطاب الدينى.. حقا ماأروع قلب ينهل من شهد المحبة ويذوب عشقا وشوقا لحبيب ليس كمثله حبيب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.