غريبة هي الآلية التي يتحول عبرها كتاب ما إلي ظاهرة في عالم النشر، تنبع الغرابة من عدم وجود قواعد محددة - حتي في أكثر أسواق النشر انضباطاً - تساعد علي التنبؤ بفرص النجاح الكبير من عدمه، فطوال الوقت تحدث مفاجآت تدفع الناشرين والموزعين إلي إعادة النظر في أفكارهم المسبقة. والأمثلة كثيرة علي كتب رُفِضت من ناشرين مرموقين بحجة أنها لن تحقق أي نجاح، ثم تحولت بعد نشرها إلي ظاهرة عالمية وكنز لمن غامروا بنشرها. لكن أغرب ظواهر النشر تمثلت في النجاح الساحق الذي حظيت به رواية "ستونر" للأمريكي الراحل جون ويليامز خلال عام 2013، نجاح دفع المتابعين لوضعها جنباً إلي جنب (فيما يخص المبيعات) "هاري بوتر" و"ظلال جراي الخمسون". المفاجئ في نجاح "ستونر" المستمر حتي الآن أنها رواية مهمة ولا تنطبق عليها المواصفات المعتادة في الكتب التي تبيع ملايين النسخ، والأهم أنها صدرت لأول مرة قبل ستين عاماً ورحل مؤلفها سنة 1994، وظلت لعقود منسية، فحين صدرت لأول مرة باعت حوالي 2000 نسخة وقوبلت بصمت شبه تام من الصحافة الثقافية، قبل أن تنفجر شهرتها مؤخراً لتحتل قمة قوائم الأفضل مبيعاً علي امتداد أوروبا؛ من فرنسا إلي بريطانيا، وإيطاليا وأسبانيا وهولندا. كانت منشورات »Vintage« قد أعادت نشر "ستونر" في بريطانيا في 2003 ولم تلفت انتباهاً كبيراً، كما نشرتها "نيويورك ريفيو أوف بوكس" في 2006، ولكن الرواية تلقت قُبلة الحياة حين قررت الروائية الفرنسية أنا جافالدا ترجمتها إلي الفرنسية، ومن فرنسا تحديداً انطلقت رحلتها كرواية شديدة الرواج. انشغل كثيرون بتحليل أسباب عدم الاهتمام ب"ستونر" وقت صدورها، معتبرين أنها ربما لم تكن مناسبة لفترة الستينات، حيث كان جيل الغضب هو العنوان الأبرز لمرحلة كاملة، وحيث الصخب وال"روك أند رول" والهوس بالتمرد والانعتاق والوصول إلي الحافة سواء في النجاح الباهر أو السقوط المدوي، و"ستونر" قصة أستاذ جامعة عادي في اخفاقاته. كما انشغل كثيرون أيضاً بمحاولة فهم أسباب تحولها المفاجئ إلي تلك الرواية الظاهرة، متسائلين عن عدد الروايات المنسية والمتروكة لغبار أرفف المكتبات، والتي بإمكانها تحقيق نجاح مشابه. لكن أياً ما تكون الأسباب، من الجميل أن تعود رواية جيدة إلي الحياة بعد الموت، ومن المثير للانتباه أن يكون للترجمة والانتقال إلي ثقافة جديدة دور في رد الاعتبار لعمل قوبل بالتجاهل واللامبالاة في ثقافته الأصلية. دور الروائية والمترجمة أنا جافالدا هنا، يُذّكر بدور الناشر والكاتب الإيطالي روبرتو كالاسو في وضع الروائي المجري ساندور ماراي في مكانه، المستحق بجدارة، بين أساتذة فن الرواية في أوروبا والعالم.