تستشكف المجموعة القصصية "نوارس تشي جيفارا" للكاتبة الإماراتية مريم الساعدي، مساحات جديدة للتعبير عن التوق الإنساني للتواصل وللتحقق، في عالم حافل بعلاقات باردة، يتحرك بمنطق الآلات العمياء، ويستبعد إمكانات التواصل والتحقق. تضم هذه المجموعة أربعين قصة تراوح علي مستوي المساحة بين القصص الطويلة نسبيا، والقصص المختزلة التي تنتمي إلي ما يسمي "القصة الومضة" أو "القصة القصيرة جدا"، كما تراوح علي مستوي التناول بين تجارب متعددة. ويجمع بين القصص ما يجمع، ويفرق بينها ما يفرق، لكنها علي المستوي الفني تنطلق من جماليات متجانسة. في قطاع كبير من القصص، خصوصا تلك التي تقترن براوية متكلمة، يتم اقتناص تجارب تجسد الاغتراب، والنزوع الإنساني للاكتمال في عالم بعيد عن الاكتمال؛ عالم يسير مثل آلة، سيرا أعمي تقريبا، لا يري، في انشغاله بحركته اللاهثة، كيف يمكن لروح الإنسان أن تتشتت وتتبعثر. وتلوح وسائط الاتصال الحديثة، في هذا القطاع من القصص، بلا جدوي ملموسة، لأنها تحقق تواصلا غير حقيقي، أو بديلا هشّا عن تواصل حقيقي مفقود. في قطاع آخر من القصص، ينهض العالم القصصي علي التقاطات من مشاهد دالة، فيها شخوص يتحركون ويتحاورون ويمارسون أفعالا ما؛ لكن هذا كله يلوح بعيدا ونائيا، كأنه ينتمي إلي عالم آخر، ترقبه الذات كأنما من ضفة أخري، دون أن تنغمس أو تستغرق أو تندمج فيه. وبذلك تظل هذه المشاهد محض صور خارجية باهتة، منفصلة عن العالم الداخلي للشخصيات القصصية. وفي قطاع ثالث من القصص، يتم الاحتفاء بالتعبير عن عالم مرجعي بعينه، مسمّي أحيانا، ومشار إلي مفرداته الزمانية والمكانية بوضوح، مرتبط بنمط حياة قديم يتلاشي في مواجهة نمط آخر، جديد، زاحف، مقترن بملامح الحداثة والتحديث. ومع أن هذا العالم الجديد يجلب ما يجلبه من سمات أو ملامح إيجابية، فإنه يقتل في زحفه قيما إنسانية تستحق البقاء. يمثل هذا العمل، في مجمله، إضافة فنية علي مستوي التعبير القصصي القصير عن توق الإنسان لعالم أكثر إنسانية. ويجسد تجارب متعددة صيغت صياغة فنية خاصة بصاحبته. ويلتقط هذا العمل تجارب أساسية تخص الحياة العربية في احتكاكها بتجارب التحديث وما يأتي به من قيم تتصادم أحيانا مع قيم قديمة متوارثة، ويصور هذا خلال التقاطات قصصية فنية رفيعة المستوي. تتناول هذه القصص، بهذا المعني، تجربة إنسانية حقيقية، وتصوغ هذه التجربة صياغة فنية محكمة، مختزلة، بعيدة عن أي ترهل سردي أو بنائي.