تتناول رواية «آخر نساء لنجة» للإماراتية لولوة المنصوري والصادرة عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، تجربة خاصة بساردتها المحورية، «ميعاد»، تتصل بعالم متعدد الأبعاد، يحيط بها، ويترامي من حولها، ويمثل ما يشبه «جماعة مغمورة» خاصة، تلتقطها الكاتبة وتستكشف معالم حياتها، بنزوع أنثروبولوجي أحيانا، وقائعي أحيانا وتخييلي أحيانا، وإن تمت صياغته بمنحي شعري في كل الأحيان. تجربة الساردة، ميعاد، هي تجربة الفقد المبكر؛ اليتم الذي يلوح قدرا لا رادّ له، ولا خلاص منه، لا في زمن تحققه الفعلي، ولا في أزمنة أخري تالية تسعي فيها الراوية للفكاك من وطأته. وانطلاقا من هذا اليتم، ترنو الساردة إلي عالمها وعوالم الكثيرات والكثيرين من حولها، في الأماكن التي تنقلت أو رأت من يتنقلون فيما بينها (القرية الأولي، جلفار، أصفهان، لنجة، المحرق..). في تجربة هذه الساردة، فضلا عن اليتم المقيم، أبعاد تتصل بالأحلام والمخاوف والقلق الأبدي، وبروابط الدم وروابط التوق للتحليق، وبالتحرش والاعتداء الجسدي، وب»الريح التي تصفّر في الروح«، وبالموت الذي قد يأتي «من غضب البحر أو من غضب الإنسان»، وبحلم الإنجاب أو حتي «التلقيح كزهرة». في رحلة الوقائع، تجتاز «ميعاد» علاقتين أساسيتين؛ واحدة مع «يوسف» الذي تزوجها ولم يلتقيا علي ساحة مشتركة أبدا، وأخري مع «سالم» الذي جمعها وإياه اليتم والإيمان بالإبداع والتوق للتحليق في عالم أجمل. وفضلا عن هذا تقاوم رغبة أبيها (الذي لم تقترب منه ولم يقترب منها)، في تزويجها بعجوز تراه هي قاتلا. لم تتحقق «ميعاد» في علاقة حقيقية ولا في عمل حقيقي. التحقت بوظيفة بمدرسة لكنها لم تجد نفسها بها. خلال هذه الرحلة، الحافلة علي قصرها الزمني، تظل (بالصيغة التي ارتسمت بها في الرواية) ميعاد تجسد تمثيلا لذاتها الضائعة، وتمثيلا لكثيرات من حولها، بعيدات عن التحقق الجسدي والروحي. حول دائرة عالم ميعاد، تشير الرواية إلي قسمات تتصل بعالم التجار والصيادين والنواخذة، وبطقوس الحياة الأوّلية، وبمحاولات التداوي بالرقي والتعاويذ، وب»معتركات الحياة الدنيوية« التي تتجاور ووطأة الموت الذي يبدو كلي القدرة، كما تتصل بتنامي بنايات الإسمنت، شارات التمدن والتحضر، وتراجع أو تواري البيوت القديمة المثقلة بعبق خاص، بقايا الماضي المعتقة بالتراث. تعتمد كتابة الرواية لغة الشعر اعتمادا أساسيا، وتستكشف من هذه الوجهة مساحة إضافية للسرد الروائي. وفي بناء هذه الرواية إفساح لمساحات مطولة من رسائل (متبادلة بين ميعاد و»سالم«، كلها مشبعة بصياغات الشعر وتحليقه بعيدا عن الأرض)، فضلا عن اقتطاعات من جارثيا لوركا، وراينر ماريا ريلكه، وأبي العلاء المعري.