عندما كنت طفلة صغيرة كنت أحلم بأن أصنع آلة الزمن، ومع مرور الوقت شعرت أنه بإمكاني السفر عبر الزمن ليس من خلال آلة الزمن وإنما من خلال الصورة الفوتوغرافية، فالصورة هي آلة الزمن التي تأخذنا إلي الماضي، إلي تلك اللحظات التي سجلناها لنعود إليها حين نشاء، ولكل صورة ذاكرة حية. بهذه الكلمات عبرت المصورة الفوتوغرافية الشابة أديتي تايلانج عن إحساسها بفن التصوير الفوتوغرافي الذي احترفته منذ أكثر من أربع سنوات وقدمت العديد من الأعمال المتميزة لا سيما في مجال تصوير الموضة والأزياء، وأديتي تايلانج هي ابنة الفنان الهندي سودهير تايلانج أحد أشهر رسامي الكاريكاتير في الهند، وقد قامت بزيارة مصر مؤخرا بصحبة والدها للمشاركة في مهرجان الهند علي ضفاف النيل. وعن بدايتها تقول: درست فنون الإعلان بكلية الفنون بدلهي، حيث ندرس أسس التصميم والإعلان، وخلال فترة الدراسة نظمت الكلية رحلة تعليمية لمدة شهر، نجوب من خلالها جميع أنحاء الهند ضمن البرنامج الدراسي، في ذلك الوقت اشتريت أول كاميرا احترافية، وكان من حسن حظي وجود عدد من زملائي يجيدون التصوير ساعدوني كثيرا بتوجيهاتهم، وبالفعل التقطت العديد من الصور وعند عودتنا كان علي اختيار ما يقرب من 20 صورة ضمن مشروع عن نتائج الرحلة، ولاقت الصور استحسان الجميع ، ومن هنا بدأ تعلقي الحقيقي بعالم الفوتوغرافيا. وتتذكر أديتي بدايتها في احتراف التصوير: "بدأت التصوير منذ ثماني سنوات تقريبا ولكنني اتجهت لاحترافه في 2010 ، حيث كانت البداية الفعلية من خلال تدريب مع إحدي الجرائد الهندية الرائدة وهي إنديان اكسبريس، وكنت في الغالب أقوم بتغطية أخبار المجتمع والموضة والأطعمة، أي أنه ليس تصويرا صحفيا بالمعني الشائع. بعد ذلك توجهت للعمل بمجلة "تايم أوت" وهي مجلة دولية توزع في العديد من البلاد وعملت هناك لمدة ثلاث سنوات، وقد منحتني تلك الفترة خبرات كبيرة فيما يتعلق بتقنيات التصوير والتحكم في التعريض والإضاءة وفهم التكوين وغير ذلك: . أديتي تعرضت لتجربة جعلتها تحترف تصوير الموضة قائلة:"خلال عملي بالجريدة قمت بتصوير أسبوع الموضة الهندية، وقضيت خمسة أيام من أمتع ما يمكن، وقررت أن أتخصص في تصوير الموضة، ولكن ذلك لا يعني أنني لا أقوم بتصوير موضوعات أخري فأنا أيضا أحب تصوير السفر والرحلات، وهناك الكثير من الموضوعات الأخري التي تستهويني، فأنا أحب تسجيل الحياة من حولي، فأنا لا أخرج للتصوير خصيصا ، ولكنني أصور كل الأشياء من حولي، وأصبحت الكاميرا جزءا من حياتي ، أبحث عن الحكايات والقصص التي ترويها كل صورة، حتي لو كنت أمام مشهد خال، فإن دوري هو البحث عن الحكاية وليس التقاط صورة، أتذكر أنني عندما شاهدت مجموعة من أعمدة إشارات المرور الجديدة التي لم يتم تركيبها بعد، وودت أن ألتقط لها صورة ولكن كان لابد من البحث عن قصة وراء تلك الصورة، كان هناك تلك الإشارة الخاصة بالدرجات فانتظرت فترة طويلة ربما ساعة أو أكثر حتي يمر راكب دراجة من أمام الصورة ليكتمل المشهد، هنا الموضوع لا يتعلق بالتحكم بالتقنيات وإنما بالعين التي تلقط الحدث ، مثلا ماعز تتجول خلال شهر الشتاء ترتدي جاكت، وغير ذلك. سألتها: إذن هل تجدين أهمية في أن يتخصص المصور في مجال محدد ؟تقول: "في الواقع مجال التصوير مجال متسع ومتنوع للغاية، وهناك عشرات الأسماء اللامعة في كل فرع من فروع التصوير، ولذا إن كنت ترغب في النجاح في عالم التصوير فلابد من التركيز علي موضوع واحد حتي يمكن الوصول للتميز وترك بصمة فيه، لا سيما في ظل السباق المحموم ووجود الكاميرا في يد الجميع .ولكن ذلك لا يعني التوقف عن تصوير موضوعات أخري". وعن الفرق بين الاحتراف والهواية تقول: يختلف الاحتراف عن الهواية في كثير من الأمور، فعندما احترفت كان لابد من التعرف علي التقنيات وأهمها توجيه الضوء، واستخدام وحدات الإضاءة، خاصة في تصوير المنتجات والأطعمة والموضة، وعلي المصور المحترف أن يطور من إمكانياته باستمرار، ويواصل الدراسة والاطلاع علي أحدث الاتجاهات الفنية في عالم الفوتوغرافيا، كي تتمكن من فهم أحد أشكال الفنون عليك أن تطلع علي كل من سبقوك، كل ما تم تقديمه وكيفية تنفيذه. وعندما تشعر بالرضا عن أعمالك يعني وصولك للنهاية. وفي هذا السياق أذكر عندما بدأت عملي بالجريدة كان يُطلب مني مهمة يومية التعرف علي أعمال اثنين من المصورين العالميين ودراسة أسلوب كل منهما، وظللت علي هذه الحال فترة طويلة. وقد أفادني ذلك كثيرا في تطوير رؤيتي. سألتها: هل تشعرين بتطور في تجربتك الفنية: لا شك أن هناك فارقا كبيرا منذ بدايتي حتي الآن ، فبالإضافة إلي أنني أصبحت علي وعي كامل بكيفية التحكم في الكاميرا وتحديد سرعة الغالق وفتحة العدسة والتعريض والأيزو في وقت قصير، لم تعد تلك الصور التي كنت أحب التقاطها في البداية تستهويني، ما كان يعجبني في البداية اختلف تماما مع الوقت والخبرة ، لم يعد الأمر يتعلق بصورة مبهجة أو ألوان جميلة ، لم أعد أبحث عن بورتريهات السعادة أو الحزن، أصبحت أكثر وعيا بالصورة وما تعكسه". كثير من المصورين لهم طقوس خاصة قبل التصوير هل توافقيني علي ذلك: نعم "أحب الاستعداد جيدا بالقراءة ودراسة الموضوع الذي سأقوم بتصويره، فتصوير البورتريهات والشخصيات مثلا من أصعب ما يكون، حيث ينبغي عليك أن تلتقط روح الشخصية التي تقوم بتصويرها، فأحيانا يكون من الصعوبة بمكان أن التقاط تلك الروح عندما لا يكون أمامك وقت طويل للتعرف علي الشخصية التي تقومين بتصويرها ، فعندما يطلب مني مثلا التقاط صورة لفنان بارز أقف أمام التحدي في أن تعكس روح أعماله في ذلك البورتريه ، ولذا أحرص علي دراسة الشخصية التي سأقوم بتصويرها قبل أن أقوم بذلك، ولا يتوقف الأمر عند الشخصيات فقط وإنما بالأحداث والأماكن وكل شيء". هل تتذكرين من استفدت منهم في تجربتك: "نعم هناك الكثير من الأسماء اللامعة، إلا أنني تأثرت بستيفين مايزل وهو المصور الذي يقوم بتصوير غلاف مجلة فوج إيطاليا علي مدار العشرين عاما الماضية، وتتميز صوره بالجرأة والروعة ولا أدري إذا كان لدي من الجرأة للتصوير بهذه الطريقة، فصوره تتميز بجرأة دون إثارة. وهناك أيضا برابودها داس جوبتا وهو مصور هندي توفي العام الماضي اشتهر بتصويره للموضة والأزياء وبصور الأبيض والأسود، وحصل علي العديد من الجوائز، وهو فنان متميز اعتاد أن يصور كل شيء في ضوء النهار ولم يستخدم الأضواء الصناعية، كنت أتمني أن أعمل مساعدة لها وكان من سوء حظي أنه توفي حتي قبل أن ألتقي به وأتحدث إليه". أعلم أن والدك فنان كاريكاتير هندي مشهور سوديهر تيلانج هل أثرت شهرته عليك؟ أجابت: أولا الناس تتوقع الكثير مني نظرا لشهرة والدي، إلا أن وجودي في أسرة فنية مدني بالدعم فوالدي رسام كاريكاتير وعمي الأصغر ممثل ومخرج والدتي صحفية، ومنذ طفولتي لم يكن هناك ضغط لتوجيه مسار حياتي العملية كما يحدث في معظم الأسر الأخري، حيث تسعي الأسر ليكون أبناؤها أطباء ومهندسين، كل ما كنت أعرفه أنني أحب الفن ولم أكن أعرف تحديدا ما هو الاختيار الأفضل، كل الخيارات كانت متاحة أمامي والفن كان يحاوطني من كل اتجاه . سألتها: وهل يتدخل والدك في أعمالك ؟أجابت:ليس تدخلا أو نقدا ولكنها مشاركة فهم يخبرونني برأيهم صراحة، ولكن المعيار الأساسي في عملي هو أن أرضي عن الصورة قبل نشرها. أخيرا هذه أول مرة تزورين فيها مصر ما انطباعك؟ كانت معرفتي الأولي بمصر عن طريق الدراسة، فعندما درست تاريخ الفن درست عن مصر وعن الحضارة المصرية في التاريخ، كنت أتخيل الأهرامات والحياة الأخري لدي الفراعنة ، وقد شاهدت فيلم »المومياء« عدة مرات، ولذا كانت داخلي الكثير من الصور الذهنية عن مصر، وشعرت بسعادة غامرة أن أتمكن فعليا من زيارة مصر ورؤيتها رأي عين بدلا من تخيلها، وعندما وصلت لمصر اكتشفت أننا متشابهون في كثير من الأشياء، بل إن ملامحنا متشابهة للغاية، وكنت أتمني أن أقضي وقتا أطول في مصر للتعرف عليها عن قرب.