طه حسين وسوزان بريستو لم يهتم كثيرون ممن وثقوا في رسائلهم الأكاديمية حياة عميد الأدب العربي دكتور طه حسين، بالعلاقة الانسانية الرومانسية التي عاشها حسين مع فتاته الفرنسية التي أحبها من صوتها واقترن بها وكان لها فضل إعانته في رؤية الحياة بعينيها. وظل طوال حياته محتفظا لها بالجميل والوفاء الانساني عندما كتب ذات مرة إليها يقول: "بدونك أشعر أني اعمي حقا.. أما وأنا معك.. فإني اتوصل إلي الشعور بكل شيء.. واني امتزج بكل الأشياء التي تحيط بي "وقد ظلت باقية علي الوفاء بالحب الجارف الذي أحبته له منذ أن رأته لأول مرة، لأنها لم تتعامل معه من منطق العطف علي شخص كفيف يحتاج المساعدة، إنما شخص دخل قلبها بعقله فملك كل مشاعرها. لهذا كتبت بعد رحيله تقول: "ذراعي لن تمسك بذراعك أبدا.. ويداي تبدوان لي بلا فائدة بشكل محزن.. فأغرق في اليأس.. أريد عبر عيني المخضبتين بالدموع.. حيث يقاس مدي الحب.. وأمام الهاوية المظلمة..حيث يتأرجح كل شيء.. أريد ان أري تحت جفنيك اللذين بقيا محلقين..ابتسامتك المتحفظة.. ابتسامتك المبهمة.. الباسلة.. أريد أن أري من جديد ابتسامتك الرائعة". روي د. طه حسين، أنه تعرف علي سوزان بريستو، من صوتها عندما كانت تقرأ مقطعا من شعر راسين فأحب نغمات صوتها وعشق طريقة إلقائها وتعلق قلبه بهذا الطائر الأجنبي الذي حط في أعشاش قلبه الحزينة متذكرا قول بشار بن برد " والأذن تعشق قبل العين أحيانا"، كان حبه لهذه الفتاة الفرنسية بمثابة التزاوج الروحي بين ضفتي المتوسط ومحاكاة حضارة الشرق مع الغرب. "سوزان" من عائلة كاثوليكية، لهذا ظلت مترددة في الزواج من طه حسين لأنه ليس على ديانتها، إلا أن عمها "القس" بالكنيسة قال لها: "مع هذا الرجل يمكن أن تثقي بأنه سيظل معك إلى الأبد وسوف تسعدي أبدا".. فتزوجته في التاسع من أغسطس1917 وفعلاً ربما تعيش المرأة مع رجل أعمي أحبها بقلبه قبل أن يراها بعينيه أجمل وأسعد أيامها بدلاً من أن تتزوج رجل لديه عينين يري بهما كل نساء الدنيا فيهفو قلبه لتلك وتتعلق روحه بأخرى.. فكيف وهي تتزوج من دكتور وأديب ورجل لديه الإصرار على قهر الإعاقة التي ولدت لتكون سبباً في دخوله التاريخ الأدبي من أوسع أبوابه! قال د. طه حسين عن يوم لقائه بها: "كأنه تلك الشمس التي أقبلت في ذلك اليوم من أيام الربيع فجلت عن المدينة ما كان قد أطبق عليها من ذلك السحاب الذي كان بعضه يركب بعضا والذي كان يعصف ويقصف حتى ملأ المدينة أو كاد يملؤها إشفاقا وروعا وإذ المدينة تصبح كلها إشراقا ونوراً". طه حسين الذي جاء من قريته فقيراً، كان يتناثر الأكل علي ملابسه عندما يأكل، ولا يعرف كيف يعتني بها، جاءت سوزان لتغير حياته بالكامل, فأصبح ممتناً لها، وقال لابنته عنها: إن هذه المرأة جعلت من أبيك إنسانا آخر! تقول سوزان في كتابها "معك" عن طه حسين أنه كان يعاني من نوبات كآبة، فعندما تأتي هذه النوبات، ينعزل ولا يقابل أحداً، ولا يتكلم ولا يأكل، وكانت زوجته تعرف بحكم معرفتها من بلدها بأن هذا يسمي اكتئاباً، لكنها خشيت من طه أن يعالج من هذا الاكتئاب حتى لا تجرحه، حيث كان شديد الحساسية بسبب إعاقته البصرية. فلم ترد أن تزيد الأمر عليه، كانت تقول بأن نوبات الاكتئاب، كانت تشعرها بأنه سيسقط في بئر عميقة لا يستطيع أحد الوصول إليه.. وهنا كان يعتزل العالم، ولا يعود يرغب في أي شيء مهما كان، حتى أبنائه رغم حبه الجارف لهم كان يتجنبهم ويعيش عزلة تامة، منقطعاً عن كل ما حوله. وتقول إن لو كان هناك شيء يساعده على أن يتخلص من هذه النوبات فلا شك بأن إنتاجه سوف يكون أفضل وأكثر! من كتاب "معك"