إحدي جلسات المنتدى اجتماعات ولقاءات وحوارات حتي الساعات الأولي من الصباح.. هكذا كان حال فعاليات المنتدي الدولي للتعليم العالي والبحث العلمي، فلم يكن ملتقي أو مؤتمراً بمعناه التقليدي، بل خرج هذا الإطار لمعني أكبر وأشمل لنكون أمام محاولات تشخيص ورصد جادة لحال التعليم العالي والبحث العلمي حالياً، مع وضع حلول جذرية وواقعية ورسم »خريطة طريق» ننتقل عبرها بجامعاتنا ومراكزنا البحثية لمصاف الدول المتقدمة.. والأهم أنه بدأ جني الثمار. المشاركة والحلقات النقاشية لم تكن مقصورة علي العلماء والشخصيات الدولية والمسؤلين الرسميين فقط بل امتد لمشاركة الباحثين والطلاب من مختلف الجامعات والمراكز البحثية.. ودارت النقاشات في حلقات عناوينها الرئيسية هي مستقبل الجامعات وتكافؤ الفرص والأنظمة والتقنيات الحديثة وتدويل التعليم بالتوازي مع جلسات منصة الحوار الطلابي. ولعل »منصة الحوار الطلابي» - التي شارك فيها طلاب من مختلف الجامعات في حوار مفتوح مع 50 متحدثا ونحو 30 رائد أعمال في مختلف المجالات وعدد من المستثمرين المحليين والعالميين ، كانت من أكثر الجلسات فاعلية، لأنها جاءت معبرة عن أهمية مشاركة الشباب بالقضايا الوطنية كما قال لنا الدكتور خالد عبدالغفار وزير التعليم العالي والبحث العلمي، موضحاً أن هناك اهتماما كبيرا من قبل القيادة السياسية بالشباب وتفعيل دوره في الحوار وتبادل الرؤي والاستفادة من آرائه ومشاركته في تحقيق أجندة وخطط التنمية المستدامة. وخلال فعاليات المنصة استعرض الشباب تجاربهم الناجحة وخبراتهم العملية التي اكتسبوها خلال فترة عملهم مع تأكيد أهمية الاهتمام بتطوير قدراتهم وفقا لمتطلبات سوق العمل الدولية. وفيما يتصل بملف »التعليم عن بعد» ودوره في مواكبة التطورات التكنولوجية وإتاحة التعليم لأكبر عدد من الراغبين في التعلم، فقد بات واضحا أهمية التعليم الإلكتروني كإحدي الوسائل التي تساعد علي تبني أساليب واستراتيجيات وأنماط تعليمية حديثة لدعم العملية الأكاديمية وتحسين البيئة التعليمية.. ووفقا لرؤية رواد التعليم عن بعد فإن التعليم الإلكتروني يؤدي لتحسين إدارة التعليم وزيادة كفاءته وزيادة قدرة الجامعة علي تجاوز حدودها الجغرافية للوصول لطلاب ومتدربين في مناطق نائية وبلاد بعيدة. كذلك يساعد علي حل المشاكل التعليمية التي تتعلق بنقص الكفاءات الأكاديمية وندرة الأساتذة وزيادة عدد الطلاب. وأوصي المشاركون في المنتدي بضرورة تقديم مزيد من الدورات التدريبية والتعليمية علي الهاتف والكمبيوتر واستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في إنجاح تجربة التعلم عن بعد، وكذلك التوسع في »التعلم المختلط » وهو التعلم المدعوم بالتكنولوجيا.. فالجامعات تسعي لإضافة التكنولوجيا لتنمية المهارات لدي الطلاب وتقليل الفجوة المعرفية والمهارية لديهم..مع مشاركة أعضاء هيئة التدريس في الأبحاث العلمية بالجامعات الذكية لإعطاء فرصة للباحثين لنشر مزيد من الأوراق البحثية فالجامعات الذكية ستكون في طليعة الجامعات لنشر الأبحاث العلمية والابتكار.. لكن كل ذلك لن يتحقق له النجاح وكما يقول الدكتور بدر أبوالعلا رئيس الشبكة العربية لهيئات ضمان الجودة بالتعليم العالي: من غير وجود بنية تحتية وتكنولوجية متكاملة وخبرات مؤهلة ومدربة للتعامل مع التطور المستمر في هذه المجالات..مع التوسع في استخدام التطبيقات والبرمجيات في عملية التعليم الإلكتروني وباستخدام المعايير العالمية لإدارة وتطوير العملية التعليمية. وخلال المناقشات كان هناك نوع من الجدل حول مفهوم »تدويل التعليم العالي والبحث العلمي» لكن الدكتورة شارون ناجي نائب رئيس جامعة كليمسون لشئون العلاقات والتعاون الدولي بالولايات المتحدة، أكدت أهمية تدويل التعليم باعتباره ضرورة لبناء مستقبل المؤسسات التعلمية خاصة أن معظم الجامعات في أنحاء العالم في الآونة الأخيرة تركز بشكل متزايد علي الجهود في هذا المجال.. إن تدويل التعليم مطلب أساسي لتحسين الجودة والتنافسية في العملية التعليمية..وهو ما يوجب أن تكون هناك إستراتيجيات لدي الجامعات تعبر عن هويتها للتفاعل مع تدويل التعليم بشكل مستمر..وترتكز علي دمج كافة المؤسسات المعنية والأطراف المستفيدة لتتماشي مع رسالة الجامعة..وعلي سبيل المثال هناك بين جامعة كولنسن مع جامعة عين شمس في مجال العمارة. وأكد الدكتور غيث فريز مدير مكتب اليونسكو الإقليمي بالقاهرة أن التعليم الجامعي هو الركيزة الأساسية من أجل تحسين المستقبل..كما أن الاقتصاد القائم علي المعرفة يعد أداة يمكن استخدامها لرفع الوعي بالدبلوماسية العلمية..والتعاون العلمي الدولي بين دولتين ما يكون من خلال القنوات العلمية وهو ما يطلق عليه العلم من أجل الدبلوماسية وإذا نتج عن هذا التعاون ما يخدم مصالح الدولتين فإننا نشير هنا إلي الدبلوماسية العلمية. أعود مرة أخري للدكتور خالد عبدالغفار وزير التعليم العالي والبحث العلمي لأسأله عن مكاسبنا من ثمار هذا المنتدي فيقول: بالفعل بدأنا في جني ثمار المنتدي الدولي العالمي للتعليم العالي: أول هذه الثمار هو حجم المشاركة فيه..حيث شهد مشاركة واسعة من 8 آلاف عالم وأستاذ وباحث وطالب من مختلف الجامعات ومراكز الأبحاث من مصر والخارج، وأقروا 11 توصية من بينها اعتماد أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030، لتوفير تعليم عالي الجودة باعتبار ذلك أمرا حاسما من أجل تحقيق اقتصاديات مزدهرة..مع ضرورة إعادة إحياء ثقافة التعلم بين الطلاب لتقييم تجربة اكتساب المهارات الجديدة بدلا من الاهتمام بالشهادات فقط إضافة إلي التركيز علي القيم التي يتم إنشاء الجامعات من أجلها بما في ذلك التسامح والتضامن والحوار بين الشباب..وتصميم برامج مخصصة لتلائم احتياجات سوق العمل في المستقبل إضافة إلي التعاون والاندماج بين القطاعات الصناعية والتجارية للحصول علي أفكار وخدمات ومنتجات مبتكرة. واتفق المشاركون علي تنظيم المنتدي سنويًا لمتابعة التوصيات ومواكبة وتيرة التعليم العالي سريعة التغير. ومن بين الثمار التي تم جنيها أيضا توقيع عدد كبير من اتفاقيات التعاون المشترك ووضع آليات عمل مشترك مع كثير من الجامعات والمؤسسات العالمية..بهدف دعم وتطوير التعليم العالي والبحث العلمي لمواكبة التغيرات العالمية الحديثة في مجال التكنولوجيا المصاحبة للثورة الصناعية الرابعة. ومن بينها خطاب نوايا بين وزارة التعليم العالي وجامعة هيروشيما اليابانية للتعاون بين الجانبين في تطوير جامعة الجلالة في مجالات الهندسة وطب الأسنان والتربية والتعليم التي تتميز بها جامعة هيروشيما علي أن يتولي الجانب الياباني مساعدة جامعة الجلالة في تطوير المناهج وتطوير برنامج مشترك بين الجامعتين والعمل بموجب هذا الخطاب في توقيع المزيد من الاتفاقيات المستقبلية..كما تم توقيع مذكرة تفاهم مع جامعة فيينا الطبية للشراكة بينها وبين جامعة الجلالة الطبية المقرر إنشاؤها وبموجب مذكرة التفاهم تتولي جامعة فيينا التعاون مع جامعة الجلالة الطبية في توفير البرامج الدراسية التي يمكن تنفيذها وتطوير كلية الطب والمستشفي الجامعي التابع لها والمعهد الأكاديمي من خلال المشاركة في وضع المواد التعليمية وتطوير برامج تدريب أعضاء هيئة التدريس وتنفيذها في مصر وفيينا حسب الحاجة من وقت لآخر وتقديم الدعم الفني من خبراء الرعاية الصحية في جامعة فيينا لنظرائهم في جامعة الجلالة الطبية في مجالات المناهج الطبية وضمان الجودة وتطوير برنامج البحوث و اختيار الطلاب والتنظيم الهيكلي وتطوير المبادئ والخطوط التوجيهية واللوائح.. كما تم توقيع اتفاقية إطار استراتيجية مع شركة هواوي مصر لتطوير مبادرة »مصر محور شباب متطور» ويتم من خلالها تدريب طلاب الجامعات من قبل خبراء دوليين وربطهم بشركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في السوق المصرية والقارة الإفريقية وتوفير مواهب عالية الجودة في هذا المجال. والجميل أنه سيتم تنظيم المنتدي العالمي للتعليم العالي والبحث العلمي بشكل سنوي لمتابعة المستجدات العالمية، مع إنشاء مفوضية تابعة للمنتدي لمتابعة تنفيذ التوصيات التي سيخرج بها المنتدي بمشاركة العديد من الدول إلي جانب بحث الموضوعات التي سيتم طرحها في السنوات المقبلة.