فعاليات الجلسة الأولي للمؤتمر اتفق المشاركون في مؤتمر “المستشرقون والدراسات الشرقية” الذي أقيم بآداب القاهرة علي ضرورة تأسيس قاعدة بيانات خاصة لكل الأبحاث والدراسات الشرقية، تكفل إتاحتها للباحثين واستفادتهم منها، والتوصية بعقد مؤتمر عن الدراسات البينية في اللغات الشرقية، حيث يوجد دراسات جامعة بين الدراسات الشرقية المختلفة، كما أوصوا بعقد مؤتمر حول الأدب الشعبي في الدراسات والآداب الشرقية، وأكد المشاركون علي ضبط المصطلحات الخاصة بإنتاج المستشرقين، وتوافقها مع عقيدتنا، كما أكدوا علي ضرورة التعاون العلمي المشترك مع جامعات الهند وباكستان بعقد لقاءات علمية مشتركة. وكان المؤتمر قد بدأ أعماله الأسبوع الماضي، علي مدار يومين، دارت فيهما ست جلسات، شهدت أبحاثا علمية متنوعة لأساتذة من جامعات القاهرة، المنصورة، قناة السويس، عين شمس، الأزهر، سوهاج، جامعة طيبة، جامعة الجوف، جامعة أم القري (السعودية)، جامعة جواهر لال نهرو (الهند)، رأس المؤتمر الدكتور جلال السعيد الحفناوي- رئيس قسم الدراسات الشرقية بكلية الآداب بجامعة القاهرة ورئيس شرف المؤتمر الدكتورة شادية توفيق حافظ. في مستهل جلسات المؤتمر ألقي الدكتور جلال الحفناوي ورقة بحثية عن المستشرق الإنجليزي (ج. ت. جارت) وكتابه (تراث الهند)، تناولت ترجمة ودراسة تحليلية للكتاب، أوضح فيها أن الكتاب يضم بحوثا وكلمات لعدد من المتخصصين في الهند وحضارتها، وأن الكتاب موسوعة علمية متخصصة في كل فروع المعرفة الإنسانية من آثار هنديةواسلامية، والهند في الأدب الأوربي والفلسفة الهندية والبوذية والهندوكية، وآثار الإسلام الثقافية، وقد حاول (جارت) أن يجمع كل ما كتب من بحوث في التراث الهندي، وبالتالي فهو ليس مؤلفا، بل تضمن أفكار العلماء التي وصلت إلي أربعة عشر بحثا علميا، حيث قدم (رولنسون) بحثا عن الهند في الأدب والفكر الأوروبي، وناقش انبهار الإغريق بالحضارة المصرية القديمة ومعابدها العظيمة وأسرارها الدينية العميقة، مع دراسة عن الإسكندر الأكبر ورحلته عن الشرق، حتي يصل إلي قدوم الإنجليز إلي الهند كتجار، وليسوا مستكشفين أو أثريين، ويؤكد أن الهند تعاني من غياب التعرف علي إنجازاتها وآثارها. وفي الفصل الثاني من الكتاب يعالج (توماس) اللغة والأدب المبكر في الهند، ويشرح باسهاب اللغة السنسكريتية وآدابها مع نماذج من أشعار هندية وتراتيل بوذية. وفي الفصل الثالث يعالج (كودرنجتون) الفقه الهندي، ومدي تأثره بالنماذج الإسلامية والهندية المصرية، أما الفصل الرابع فقد خصصه (داسكبوتا) لدراسة الفلسفة الهندية من مرحلة ما قبل المنطق حتي بداية العصر المسيحي، وركز علي الفلسفة البوذية. وفي الفصل الخامس يناقش (ماساني) نظام الطبقات في الهند وصراع الحضارات وتصادمها، ثم طبقة رجال الدين وطبقة النبلاء، ثم طبقة عامة الشعب، وأخيرا طبقة عبيد الأرض وكيف انهارت هذه الطبقة الأخيرة، وفي الفصل السادس تناول (ديلانيل بوسين) البوذية مع دراسة تفصيلية لتطورها، أما الفصل السابع فقد خصصه الباحث (توماس) للغة والأدب الهندي، وفي الفصل الثامن تناول (مارتين برجر) الحديث عن الفن المعماري في الهند وفي التاسع تناول مرادها كربشتان الهندوكية وتطورها ومدي ارتباطها بالبوذية، وفي الفصل العاشر تحدث السيد عبدالقادر عن الآثار الثقافية للإسلام في الهند مع التركيز عن التراث الإسلامي بها. وجاء الفصل الحادي عشر بدراسة ل (فوكس سترانجوس) عن الموسيقي وتطورها وارتباطها بالعلوم الأخري، وخصص (أوجن كلارك) الفصل الثاني عشر للعلوم الحديثة في الهند وفضل الهنود في مجال البحث العلمي، وأثر الاستعمار الأوروبي البريطاني في النهضة العلمية في الهند، وتحدث (جوش) في الفصل الثالث عشر عن الأدب الشعبي وتطور الرواية الشعبية، أما الفصل الأخير من الكتاب فكان عن الحضارة الهند بريطانية، وبيّن فيه (جرات) أثر الحضارة الهندية في الفكر الأوروبي الحديث. وتناول د. محمود سلامة علاوي (آداب القاهرة)، موقف المستشرقين من الإسلام وقضاياه، وفيه لفت إلي أن المستشرقين فيهم من أنصف التراث الإسلامي، وأعلي مكانته ولهم في ذلك دراسات وأبحاث وجهود ومؤلفات، لايمكن أن ينكرها أحد، وهناك فريق ثان ربما أساء إلي التراث الإسلامي، إما عن قصد، وإما عن غير قصد، لكن الشيء الثابت أن جهود أغلب المستشرقين قد أفادت التراث الإسلامي، بل وحفظته من الضياع، ولو أردنا أن نقوم بهذا الدور الإيجابي- الذي قام به أغلب المستشرقين لكلفنا الجهد والمال، وربما لم نستطع حفظه (بالحرفية) التي أظهرها المستشرقون، صحيح هناك نفر من المستشرقين حاولوا تتبع اسقاطه، لكن هذا لايعد شيئا أمام الجهود الجبارة التي بذلت لحفظ تراثنا. وأكد د. علاوي علي أنه لايتفق الباحثون في تقويمهم لموقف المستشرقين من الإعلام وقضاياه، فبعضهم أشاد بالدور الذي قام به المستشرقون نحو تراثنا فنظروا إلي أعمالهم نظرة تقدير وإعجاب، والبعض الآخر جعل الاستشراق كله ضررا وبلاءً لانفع فيه، والذين أشادوا بالمستشرقين من كتابنا قليلون في مقدمتهم نجيب العقيقي الذي قال (ولو لم ينفقوا (أي الغرب) علي بعثاتهم في الشرق لما كان من سبيل في الكشف عن معظم كنوزه، ولو سعينا إلي تحقيق تراثنا وترجمته والتصنيف فيه ونشره بشتي اللغات -منذ ألف عام- لاحتجنا إلي استئجار مواهب مئات العلماء ومناهجهم ومعاركهم ودقتهم وصبرهم طوال حياتهم). واقتص د. محمد قطب الدين، كلية اللغة والأدب والثقافة (جامعة جواهر لال نهرو- الهند)، المؤتمر بورقة بحثية عن دور المستشرقين في ترويج اللغة الأردية في الهند، أوضح فيها أن الهند شهدت في القرن التاسع عشر سيطرة شركة الهندالشرقية، علي سياسة البلاد، وبدأت تزداد دائرة تجارتهم في أنحاء الهند، وعلي صعيد آخر، كان الحكام الإنجليز والموظفون باللغة الأردية التي كانت تنطق وتفهم في معظم أنحاء البلاد، فبدأ الإنجليز تعلم اللغة الأردية، وفكروا في ترويجها حتي يسهل لهم التعامل مع الشعب الهندي، وتنمو تجارتهم وتحقق أغراضهم السياسية والتبشيرية. ولهذه الأغراض تأسست كلية (نورت ويليم) في كلكتا في 10 يوليو 1800، لتعليم العلوم واللغات الشرقية، من بينها اللغة الأردية بشكل خاص، وكان المستشرق (جون بورثويك جينكريست) من مؤسسي الكلية، وقد لعبت هذه الكلية دورا رياديا في ترويج اللغة الأردية وتطورها، حيث وجد السياح والعلماء الأوربيون مكانا رائعا لتعلم اللغة الأردية تلبية لحاجاتهم اليومية بالمحادثة مع الشعب الهندي، ونشر رسالتهم التبشيرية. وقدم د. أسلم إصلاحي (كلية اللغة- والأدب والثقافة، جامعة جواهر لال نهرو)، دراسة تحليلية عن (الدعوة إلي الإسلام ل آرنولد وأهميتها في الأوضاع الراهنة، أوضح فيها أن المستشرقين انقسموا إلي فئتين، منهم من أصبح أكثر حقدا وكراهية ضد المسلمين بعد الإلمام بتراثهم العلمي، ومنهم من فتح الله قلوبهم للاعتراف بما قام به المسلمون من الجهود لرفاهية البشرية، ومن هذه الفئة (سير توماس آرنولد (1864- 1930)، البريطاني الجنسية، الذي نذر حياته كلها لإيضاح الحقيقة، أن ديانة الإسلام، هي ديانة الأمن والأمان والتسامح، والمسلمون لم يستخدموا وسائل الجبر والقوة إلا عند الحاجة والاضطرار وذلك امتثالا لما جاء في القرآن الكريم (لا إكراه في الدين). ولاحظ (أرنولد) أن المسلمين الهنود يتعايشون مع أصحاب الديانات الهندية الأخري في ظروف ودية، توصل إلي نتيجة أن الإسلام لايشجع أتباعه علي استخدام القوة والعنف لبسط نفوذهم، فرأي الإسلام ديانة تختلف تماما عن الديانة السيئة التي نشرها أغلبية المستشرقين، ومن هنا ألف كتبا وأبحاثا عديدة منها كتابه الشهير (الدعوة إلي الإسلام). وفي بحثها عن اللغة العربية وموقف المستشرقين منها، نبهت د. مها بنت سعيد اليزيدي (جامعة الجوف)، أن الغرب اعتمد في توسعه علي استخدام وسائل خبيثة وخلق عصبيات اتيلية وإيجاد عقليات انفصالية، حتي وجدت بين العرب اتجاهات متعارضة، اتجاها يميل نحو الغرب، وآخر يزعم أن حضارة بلده آشورية أو فرعونية أو فينيقية ولاعلاقة لها جميعا بالحضارة الإسلامية العربية من قريب أو بيعد لقد كان الاستشراق ومنعا لكل هذا، وكان الاستعمار مستهلكا آنيا له تركزت فيه قوي التآمر الدولي والهجوم علي العالم العربي والإسلامي. وحول التصورات الغربية المعاصرة للإسلام السياسي، كانت مشاركة د. هاجر العبيد (جامعة طيبة)، أوضحت فيها أن مفهوم الإسلام السياسي أكثر المفاهيم إثارة للجدل والتوجس في السياسة المغربية، ومن هنا كان للسياسات الغربية توجهات للجدل والتوجس في السياسة الغربية، ومن هنا كان للسياسات الغربية توجهات في تعاطيها مع الإسلام السياسي، وأيضا اتجاهات تقيمها وتطورها بناء علي خطابات استشراقية من أجل صياغة استراتيجيتها له، تصاعدت فكرة اعتبار الإسلام الأمي العدو العالمي الجديد المتكتل ضد الغرب، ويري المستشرق الفرنسي (فرانسو ابورجا) أن أولي تناقضات النظام العالمي الجديد الأمريكي هي- طبعا- رضاه بزوال الخطوة العميق للأنظمة- الإستبددية التي يستند إليها، هنا نري عمي مستمرا نشأ من الميل الأمريكي المعروف من الأزمة الإيرانية لعامي 1979/1980، إلي تجريم الجيل الإسلامي بكامله دون تميز. وعن كتابات المستشرقين الموضوعية وغير الموضوعية حول القصة القرآنية تحدث د. حمدي بسيوني (جامعة الأزهر)، حيث أوضح أن كثيراً من المستشرقين قاموا بدراسة القرآن الكريم، فأنصف بعضهم في دراسته وأساء الآخر، فالذين أنصفوا التزموا بأدب المنهج العلمي في البحث، والذين أساءوا أكثروا من الادعاءات والمزاعم الباطلة حول القرآن الكريم وقد نال القصص القرآني كثير من هذه المزاعم وتلك الادعاءات الباطلة، فامتلأ بهذه الدعاوي كثير من كتب المستشرقين، وتناثرت هذه المزاعم في الموسوعات الغربية التي اعتمدت علي كتابات المستشرقين، وعندما أخذت شبكات الأنترنت في الانتشار استخدمها بعض المستشرقين في الإساءة إلي الإسلام عامة وإلي القرآن بشكل خاص.