أصابتني حالة من الحزن الشديد اقترنت بإحساس العجز وانا اشاهد عملية هدم وكالة العنبرين التي كانت موجودة في شارع المعز لدين الله الفاطمي بالقرب من شارع الأزهر. فقد شعرت أن أحد المجرمين قد قرر فجأة أن يرتكب جريمة هدم للتاريخ المصري. وربما يوحي إليه شيطانه ذات يوم أن يهدم الأهرامات او أبو الهول لعله يستفيد من هذه الأرض في بناء مول تجاري. ولا أعرف حقا فيما كان يفكر كل من اقدموا علي ارتكاب هذه الجريمة ونحن يعتصرنا الألم علي آثارنا المهملة التي امتلأت بها ربوع مصر مع التعليلات والتبريرات المضحكة بأن هناك مباني تاريخية غير مسجلة في الآثار لذا لا تعتبرها وزارة الاثار انها موجودة بل تشرع في هدمها. وتذكرت حديثا لي مع مسئول في وزارة الثقافة الكورية وهو يحدثني عن التاريخ المصري ويختبرني فيه ثم سألني ضاحكا كيف تدرسون كل هذه السنوات من التاريخ المصري الممتد منذ 7 آلاف سنة؟ فأخبرته أننا نختار الأجزاء المهمة فقط ولكن هل اخبره الان اننا أصبحنا نهدم آثارنا لأننا لم نعد نعرف قيمتها؟ أم انه مع كثرة الاكتشافات الاثرية مؤخرا لم نعد نهتم بالكثير من آثارنا التي تعاني من الإهمال الشديد منذ سنوات. ولكن الامر من وجهة نظري يتخطي مسألة الادارة والتخطيط وتفكير المسئولين.. فنحن للأسف الشديد معظمنا لديه أمية أثرية تستحق الدراسة في بلد يمتلك ثلث آثار العالم.. فمعظم الناس يتعامل مع الآثار باعتبارها مباني قديمة عف عليها الزمن لا تمثل أية قيمة تذكر ولن يبالي بها أحد اذا دمرناها أو شوهنا معالمها أو حتي هدمناها. وان كنّا نفتقد للوعي المطلوب للتعامل مع الآثار علي كل المستويات فمن الأفضل أن نسير في ركب حملة خليها ونطلق حملة خليها مدفونة لعل وعسي تأتي أجيال قادمة تعرف قيمة آثارنا وتاريخنا الأعرق والأقدم علي مستوي العالم. وقد يكون من المفيد حتي يأتي ذلك اليوم أن نبحث نحن عن المباني التاريخية الموجودة حاليا ونحصنها من غزوات تتار الداخل الذين لا تعنيهم حكايات التاريخ وأمجاد الحضارات وقصص الماضي. وهذه دعوة مفتوحة لكل المهتمين بالتاريخ المصري والآثار المصرية أن ننظم حملة لرصد مبانينا التاريخية بدقة وتحصينها جيدا قبل فوات الأوان. في الوقت نفسه يجب ان لا نغفل تنشئة أجيال جديدة تحافظ علي آثارها وتجيد الترويج لبلدها وتضع نظما وقوانين للتعامل اللائق مع السياح الأجانب والاهتمام بالصورة الذهنية التي سيحملها معه كل سائح عن مصر كلما زار موقعا أثريا دون أن يتطفل عليه أحد او يتسول منه أحد او يضايقه بالنظرات والعبارات الساخرة من شكله او لغته او هيئته. وربما تصبح لدينا أجيال شابة مثقفة وجميلة تتواجد في كل المواقع الأثرية كي تساعد السياح وتجيب عن كل استفساراتهم دون تضليل. وفِي النهاية يجب محاسبة كل من أعطي الإذن ونفذ جريمة هدم وكالة العنبرين.