تحت عنوان"المتشددون لا يتخلون عن موقفهم" نشرت مجلة "الأيكونومست" البريطانية مقالا حول قضية " ألف ليلة وليلة". وجاء في التقرير أن المغامر واللغوي الإنجليزي ريتشارد بيرتون عندما ترجم"ألف ليلة و ليلة" في القرن التاسع عشر و بالتحديد سنة1885، قدمت ضده عديد من الشكاوي، بدعوي إحتواء النص علي مواقف مثيرة للشهوات، التي سبق حذفها من النسخ السابقة المنقحة، إلا أنه كتب في مقدمتها:"علينا تذكر أن الفظاظة و البذاءة مسألة وقت ومكان"، جاء ذلك قبل عام من حصوله علي لقب فارس، وما هو مدان في إنجلترا ليس بالضرورة أن يكون كذلك في مصر. بعض المصريين يتصرفون اليوم مثلما كان يفعل بريطانيو العصر الفيكتوري بالأمس، من جماعة تطلق علي نفسها "محامون بلا قيود"، قاموا بتقيدم بلاغ ضد وزارة الثقافة ، بدعوي أن الطبعة الجديدة من الليالي هي الأكثر انتماء إلي المخطوط القاهري الذي يعود لسنة1835، والذي يشكل حجر الزاوية للنسخة الأصلية لذلك النص المرن الشهير، وكما في الغرب هناك نسخ عديدة متنوعة مأخوذة عنها موجودة في مصر، بالإضافة للطبعة الأكثرها شهرة وهي تلك الموجهة للأطفال. الطبعة الجديدة التي من الواضح أنها موجهة للكبار، نفذت فور صدورها، ويطمح المحامون ضمان عدم إصدار طبعة أخري، ويستندون في ذلك إلي المادة178 من قانون العقوبات في مصر، التي تعاقب"بالسجن لمدة عامين لكل من ينشر ادبا أو صورا مخلة بالآداب العامة و محاولات الإسلاميين الأصوليين حظر طبع أكثر النسخ إنفتاحا من "ألف ليلة وليلة" تعود إلي عام1985، هذا ما تؤكده الدكتورة سامية محرز الأستاذة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، والتي صدر لها حديثا كتاب تحت عنوان"حروب ثقافية مصرية" تؤكد " أن الدعاوي القضائية تخدم الأغراض السياسية عن الثقافية:"وقد تم استخدام الرموز الثقافية كأدوات في اللعبة السياسية بين الدولة و الإسلاميين" ، وتضيف:"إنها وسيلة الإسلاميين للرد علي الدولة، بإحراجها، بسبب أعمال العنف التي ترجعها اليهم". لكن ليس المسلمين وحدهم من يوسمون بالتشدد، هناك قضية يوسف زيدان الفائز بجائزة البوكر العربية العام الماضي عن روايته"عزازيل"، فتعرض لهجوم من ناشطين مسيحيين، إعتمادا علي نفس المادة178، محاكاة لأقرانهم الإسلاميين، باعتبار أن"عزازيل" تعني الشيطان، والمرجح أن لا تكون الأكثر مبيعا، وتدور حول نقاش يعود إلي القرن الخامس بين نسطوريوس بطريرك القسطنطينية، وسيريل بطريرك الإسكندرية، حول قضايا ومواضيع متنوعة لاهوتية وكنسية مبهمة، وهو ما اثار حفيظة بعض الأقباط . جمال الغيطاني ذلك الروائي الرائد، رئيس تحرير آخر إصدار من نسخة الليالي ، إحتشد رفقائه المثقفين للدفاع عن الحكايات في المجلة الأدبية التي يتولي رئاستها"أخبار الأدب"، بعضهم رأي أنه من المناف للعقل حظر عمل أدبي، تنظر اليه دول الغرب كرمز مضئ للثقافة العربية. و أما السلطة، بما في ذلك وزير الثقافة فاروق حسني، فقد ظلت صامته في كلتا القضيتين، إلا أن المرة الأخيرة التي تحدث فيها كانت ضد محاولة جرت سنة2000 لمنع رواية"وليمة لأعشاب البحر" للسوري حيدر حيدر، وقام الطلبة ببعض أعمال الشغب إحتجاجا علي الكتاب لاحتوائه علي تلميحات مسيئة للقرآن، في صورة مزاح بين ملحدين. ولا يزال الناشرين متوقفين عن طبع الرواية، حتي الأدباء الكلاسيكيين مثل أبو نواس، شاعر القرون الوسطي الشهير بشعره الشهواني، الذي هرب إلي "مصر" من"بغداد"، بسبب الرقابة، لم يعد يُنشر، تلك المرة. حسني يحتفظ بالصمت لكن الطبعة الثانية للنسخة الحالية من"ألف ليلة وليلة" مستمرة لحين صدور حكم المحكمة، وإستنادا لما حدث في السنوات الأخيرة، قد يتم رفض قضية المحامين الإسلاميين. كل تلك الخلافات التي نشأت في مصر، انتشرت و ازدادت اشتعالا أيضا في أرجاء الوطن العربي ، قد يعود ذلك جزئيا إلي الناشرين المستقلين المغامرين، وإلي الإهتمام المتزايد في الغرب بالأدب العربي، ولا يزل هناك مقدار وافر من الكتب تظهر باستمرار تتناول التابوهات، وقد تلقي تذمرا من بعض المتشددين، خاصة تلك المحتوية جنس صريح، لكن لم يظهر شئ ضدها بحجم "وليمة أعشاب البحر"، بالرغم من جهود الإسلاميين في استدعاء نصوص القانون، فإن مد الحروب الثقافية المصرية ربما ينقلب ببطء ضدهم.