"سَلِّمُوا عليَّا وكأنِّي بعيد" هو الديوان الثالث للشاعر المصري صالح الغاز. يحمل ديوانه الثالث خطابات فنية متعددة ولغة درامية عالية غنية بالصور والمجازات والاستعارات والمفارقات من حيث المساحة النصية القصيرة التي جاءت في صيغة جميلة فعلية تشير إلي الماضي القريب والبعيد في الوقت نفسه، مستدعيا شخصيات مهمة كانت ومازالت تعيش في اللاوعي الابداعي لدي الشاعر صالح الغازي نفسه، هذه الشخصيات والأزمنة والأمكنة تبدو لي كأساطير نعيش بداخلها خوفا من العالم الحقيقي الصاخب، ويتكئ الشاعر الغازي في بنية العنوان علي استدعاء متقابلين وهما الذات والآخر ولكن بطريقة معكوسة لموضعهما في الجملة الشعرية فيأتي العنوان في صيغة الجملة الفعلية في قوله: (سلموا عليَّا وكأني بعيد) يصدر السلام الواقع علي الذات الشاعرة من ذاك الآخر الذي ألقي السلام بقسوة وكأن الذات الشاعرة غريبة عنه ولا تمثل له شيئا مهما، وهو ما يشي بالحزن والضيق والتمرد الذي لحق بالذات الشاعرة وكأن الجملة بنفسها تجسد مشهدا دراميا قائما بذاته في حضور الذات والآخر. وجاء الإهداء في صدر الديوان حاملا مجموعة من المؤشرات الدلالية المفتوحة علي المستقبل؛ ملقية الماضي وراء ظهرها، فيقول الغازي : إلي مكان يساع القدم والأحلام إلي الأمل اللي موجود علي طول وبيدور علي بلاد تتبناه يُحَرِّضُ الخطاب الشعري لدي صالح الغازي علي امتلاك الأمل والبحث عنه في كل مكان، رغم أن هذا الأمل يبحث عن بلاد تتبني وجوده وتستثمر بقاءه، لأن الأمة التي تعيش بدون أمل لا تملك مستقبلا واضحا منتجا وقويا، ويبدو أن الذات الشاعرة تبحث عن مكان أكثر اتساعا ليحمل هذه الآلام والآمال معا ... ومن الملاحظ أيضا في شعرية صالح الغازي أن يرتكز في عملية البناء الشعري علي مجموعة من البنيات الشعرية منها علي سبيل المثال بنية التساؤل الممتد فيقول: مين اللي جاي ؟ ما بندورش جايب ولا مش جايب اخلع نعليك وأحزانك رن الجرس تنفتح قلوبنا وتظهر شبابيك ابتسامة يادي النور تمثل بنية التساؤل الممتد بنية مهمة في شعرية صالح الغازي؛ لأنها بمثابة المفتاح الدلالي الأول في بنية النص، وفيما يسمي بشعرية التحفيز الدلالي التي تجعل المتلقي في حالة تحفز مستمرة وترقب وانتظار لما سيأتي بعد ذلك، ونلاحظ أيضا في المقطع الشعري الفائت بنية التناص القرآني الذي ألمح إليه النص من خلال التناص مع سورة طه وحديث النبي موسي عليه السلام مع الله سبحانه وتعالي في قوله عزوجل : "اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوي" ومن ثم فإن التناص القرآني يتجلي بشكل واسع في تجربة الغازي، وهذا يجعل المتلقي في حالة اتصال بنصين في وقت واحد النص القرآني والنص الشعري، وكأن النص الشعري يتلمس مناطق الشعرية في المقدس، وتتجلي بنية المشهد الدرامي في قصيدة بعنوان مقام الشنط فيقول الغازي : ممكن أشيل الشنطة عنك؟ ارتاح من القعاد علي الكنبة ومسكة الريموت زي ست جوزها مات وتقليب الذكريات عن العيلة السعيدة اللي تخليك تحس إنك مالك الكون ده كله وكمساري الأحلام بيفتح القفل الكبير ويرميه من فوق السطوح يصطدم بالأرض تطلع منه شرارة تطير عصافير الشجر تبدو المفارقة الدرامية في المقطع الفائت جلية من خلال الاعتماد علي عملية سرد التفاصيل لشخصية نلتقي بها في كل مكان، شخصية إنسانية تحمل العديد من المتناقضات: الحزن والسعادة الراحة والألم والوجع، هذه المشاهد الدرامية المتناقضة التي تحمل في جنباتها الصراع الداخلي في روح الذات الشاعرة وجسد الآخر الذي يشعر بالممل من الحياة التي لا تحمل جديدا إليه سوي الجلوس لانتظار الموت أو لانتظار ما لايجئ.