للأسبوع الثاني علي التوالي، نتناول هنا قضية إنهاء العمل بقرار وزراء الخارجية العرب، بتجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية،وهناك ملاحظة اعتبرها غاية في الأهمية، ان هذا التناول مني لايعني علي الإطلاق تغييرا في القناعات، او تبديلا في المواقف، التي عبرت عنها وكتبتها في مقالات عديدة في مقالات سابقة، وتؤكد علي مسئولية النظام السوري في المقام الاول عن الأزمة التي تعيشها البلاد منذ مارس 2011، ولاتصب علي الإطلاق في صالح النظام السوري، ولكنها تأتي في إطار مجموعة من الحقائق، الأول إقرار بحقيقة ان كل المؤشرات تقول ان بشار الأسد واقعي، ولأسباب عديدة في مقدمتها قدرته في التعامل مع الازمة المستمرة خلال سبع سنوات، هو »رئيس بالواقع»، مما يفرض علي الجميع التعامل مع هذه الحقيقة، والثاني ان الهدف هو الحفاظ علي المصالح العربية،في دولة بتاريخ سوريا ودورها وقيمتها الاستراتيجية، في ظل عملية تقاسم النفوذ التي تتم هناك ما بين روسيا وإيران وتركيا وأمريكا. وللتذكرة فقد كانت البداية في نوفمبر من عام 2011، في خضم ثورات الربيع العربي التي اجتاحت عددا من دول المنطقة،حيث قام وزراء الخارجية بتعليق عضوية ليبيا بعد احداث فبراير من نفس العام بعد فترة وجيزة من الأحداث، بينما في الأزمة السورية تمهلوا في اتخاذ القرار حوالي ستة أشهر كاملة، في محاولة لحل الازمة عربيا، ولكنهم وفي اجتماع طارئ عقدوه في القاهرة في نوفمبر من نفس العام، حسموا امرهم واتخذوا قرار تعليق عضوية سورية في الجامعة، لحين التزام الحكومة السورية بتنفيذ بنود المبادرة العربية، التي تم طرحها في بداية الازمة، وتتضمن العديد من البنود في مقدمتها،وقف أعمال العنف، الإفراج عن المعتقلين، ضمان حرية التظاهر السلمي، دعوة جميع أطياف المعارضة للحوار.وطالب القرار الدول العربية بسحب سفرائها من دمشق، لكنه اعتبر ذلك قرارا سياديا لكل دولة. وقد تم اتخاذ القرار بالأغلبية، حيث وافقت عليه 18 دولة، في حين اعترضت ثلاث دول هي سورية وهو امر بديهي، ولبنان الذي التزم منذ بداية الازمة السورية ولطبيعة علاقاته مع دمشق والجوار الجغرافي بسياسة النأي بالنفس عن أزمات المنطقة، بالطبع اليمن في زمن علي عبدالله صالح، وامتنع العراق عن التصويت وقد تبدلت المواقف العربية خلال السنوات الماضية، بل تم مناقشة القضية بالفعل علي المستوي الوزاري في العام الماضي، الا ان دولا عربية ربطت موافقتها بتحقيق نتائج إيجابية من مؤتمر آستانة بين الحكومة والمعارضة، دون ان يمنع ذلك دولا جديدة من الدخول علي خط المطالبة بالتراجع عن القرار، ومنها دول خليجية خاصة الإمارات حيث اعتبر وزير الدولة للشئون الخارجيةً أنور قرقاش أن تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية كان خطأ، وقال إن إبعاد سوريا عن الجامعة العربية ألغي القناة المفتوحة لحل الأزمة في سوريا، وأبعد المنظور العربي عن القضية، علي حساب توسع النفوذ التركي والإيراني والروسي، علي حد تعبيره.ومنها العراق الذي انتقد وزير خارجيته ابراهيم الجعفري في اجتماع للوزراء العرب غياب سوريا عن الجامعة العربية وقال »أدعو أشقائي العرب لإعادة النظر بشجاعة بالغة في هذا القرار، معتبرا أن الخلافات تحل بالحضور، وليس بالغياب. ومنها الجزائر الذي قال وزير الخارجية عبدالقادر مساهل »لدينا علاقات تاريخية مع سوريا وندعو لعودتها إلي الجامعة العربية». وبالطبع لن تمانع دول مثل مصر، ولها موقف ثابت من الازمة يدعو إلي الحفاظ علي كيان الدولة السورية وعروبتها ومؤسساتها،وعدم السماح بتقسيمها وينطبق الامر علي تونس أيضا. والمثير في الأمر دعوة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف علي هامش منتدي الحوار العربي الروسي في ابو ظبي العام الماضي إلي نفس القضية، واعتبر ان ابقاء سوريا بنظامها الحالي خارج منظومة الجامعة العربية لا يساعد علي احلال السلام،وأضاف »يمكن لجامعة الدول العربية أن تؤدي دورا أكثر أهمية وأكثر فعالية لو كانت الحكومة السورية عضوا فيها وفِي نفس المناسبة رد عليه السيد احمد ابو الغيط الذي طالبناه بالتحرك لطرح القضية في مقال الأسبوع الماضي بالقول إن مسألة عودة سوريا لشغل مقعدها »قرار خاضع لإرادة الدول الأعضاء. إذا نوقش هذا الأمر علي مستوي اجتماعات الخارجية أو علي مستوي الأمانة العامة، فإن الجامعة العربية سوف تنفذ هذا القرار. اذا هناك توجه نحو مناقشة القضية، اعتقد ان ظروف ما قبل التسوية النهائية تتطلب سرعة الحسم، فمن يفعل او يتقدم ؟ دون انتظار للدورة العادية لوزراء الخارجية في مارس من العام القادم.