صور.. احتفالا بذكرى 30 يونيو.. توزيع هدايا عينية وورد على المواطنين بالوادي الجديد    رابطة مصنعي السيارات: نظام التسجيل المسبق ليس معطلا والتجار يتعرضون لضغوط لترشيد الاستيراد    وزيرة التخطيط تلتقى نائب الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي    دراسة إسرائيلية: قوتنا العسكرية تتلاشى والحرب مع لبنان كارثية    انتخابات موريتانيا.. نسبة المشاركة تصل إلى 40%    بعد كمينها الأخير.. مدينة جنين أنشأها الكنعانيون ومر بها المسيح وفتحها صلاح الدين الأيوبي‬    منتخب ألمانيا يضيف الثاني في شباك الدنمارك عبر جمال موسيالا.. فيديو    ماذا يحدث لو استمرت مباراة ألمانيا والدنمارك باليورو في التوقف؟    مصرع طفلين في انهيار بئر صرف صحي بأسيوط    غرق شاب في شاطىء إدكو بالبحيرة    قناة الوثائقية تعرض «آخر أيام الجماعة» بمناسبة ذكرى 30 يونيو    محمد فايز فرحات: يجب أن تتراجع الصراعات لتعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات    قاهرة المعز من أعلى نقطة على النيل.. بث مباشر    بأغنية "نويت أعانده".. لطيفة تتصدر تريند "إكس" في عدة دول عربية    محمد حلاوة: ثورة يونيو نقطة تحول تاريخية في مسار الدولة المصرية.. ولابد من تكاتف جميع قوى الشعب للحفاظ على مكتسباتها    مانشستر يونايتد يفتح خط اتصال مع دي ليخت.. والأخير يحدد موقفه    يضم 124 باكية.. محافظة القاهرة تستعد لفتح سوق سوهاج للفاكهة بمصر الجديدة    أحمد موسى يكشف سر تأخير تشكيل الحكومة الجديدة    متظاهرون يتوجهون لمقر نقابة العمال العامة في إسرائيل لإعلان إضراب شامل    رمضان عبد المعز: الصلاة على النبى تنصرك على آلام وأحزان ومصاعب الدنيا    أستاذ تمويل يوضح مكاسب مصر من ترفيع العلاقات مع أوروبا    وزير النقل يبحث مع وفد من كبرى الشركات الألمانية الموقف التنفيذي لعدد من المشروعات الجاري تنفيذها    مبابي يختبر قناعا جديدا قبل مواجهة بلجيكا في أمم أوروبا    حدث في 8 ساعات|أخطاء في بعض أسئلة امتحان الفيزياء.. وموعد تشكيل الحكومة والمحافظين الجدد    وفد شؤون الأسرى المفاوض التابع للحوثيين يعلن وصوله إلى مسقط    الأوقاف تعلن افتتاح باب التقدم بمراكز إعداد محفظي ومحفظات القرآن الكريم - (التفاصيل)    رئيس الوزراء يلتقي رئيسة منطقة شمال إفريقيا والمشرق العربي بشركة إيني الإيطالية    حبس 20 متهماً بتهمة استعراض القوة وقتل شخص في الإسكندرية    وزير الصحة يبحث مع ممثلي شركة «إيستي» السويدية تعزيز التعاون في القطاع الصحي    ليفربول يحاول حسم صفقة معقدة من نيوكاسل يونايتد    حبس المتهمين بإنهاء حياة طفل بأسيوط.. قطعوا كفيه لاستخدامهما في فتح مقبرة أثرية    مانشستر سيتي يخطف موهبة تشيلسي من كبار الدوري الإنجليزي    «مياه الشرب بالجيزة»: كسر مفاجئ بخط مياه بميدان فيني بالدقي    بماراثون دراجات.. جامعة بنها الأهلية تحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو    استشارية أمراض جلدية توضح ل«السفيرة عزيزة» أسباب اختلاف درجات ضربة الشمس    ننشر أسماء الفائزين في انتخابات اتحاد الغرف السياحية    إحالة أوراق المتهم بقتل منجد المعادي للمفتي    عرض أول لفيلم سوفتكس لنواز ديشه في مهرجان كارلوفي فاري السينمائي بالتشيك    القاهرة الإخبارية: لهذه الأسباب.. الفرنسيون ينتخبون نواب برلمانهم بانتخابات تشريعية مفاجئة    جامعة سوهاج: تكليف 125 أخصائي تمريض للعمل بمستشفيات الجامعة    وفد من وزارة الصحة يتفقد منشآت طبية بشمال سيناء    برقية تهنئة من نادي النيابة الإدارية للرئيس السيسي بمناسبة ذكري 30 يونيو    مهرجان المسرح المصري يكرم الفنانة سلوى محمد على خلال دورته ال 17    عضو "طاقة النواب": مصر نجحت في عمل بنية تحتية جاذبة للاستثمار    ضحية إمام عاشور يطالب أحمد حسن بمليون جنيه.. و14 سبتمبر نظر الجنحة    بعد إحالته للمفتي.. تأجيل محاكمة متهم بقتل منجد المعادي لشهر يوليو    الأهلى تعبان وكسبان! ..كولر يهاجم نظام الدورى.. وكهربا يعلن العصيان    مصر تدعو دول البريكس لإنشاء منطقة لوجستية لتخزين وتوزيع الحبوب    الصحة: اختيار «ڤاكسيرا» لتدريب العاملين ب «تنمية الاتحاد الأفريقي» على مبادئ تقييم جاهزية المرافق الصيدلانية    مجلس جامعة الأزهر يهنئ رئيس الجمهورية بالذكرى ال 11 لثورة 30 يونيو    الصحة: الكشف الطبى ل2 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    كيف فسّر الشعراوي آيات وصف الجنة في القرآن؟.. بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت    شرح حديث إنما الأعمال بالنيات.. من أصول الشريعة وقاعدة مهمة في الإسلام    اليوم.. الحكم علي كروان مشاكل وإنجي حمادة بتهمة نشر الفسق والفجور    الإفتاء: يجب احترم خصوصية الناس وغض البصر وعدم التنمر في المصايف    حكم استئذان المرأة زوجها في قضاء ما أفطرته من رمضان؟.. «الإفتاء» تٌوضح    «غير شرعي».. هكذا علق أحمد مجاهد على مطلب الزمالك    البنك الأهلي: تجديد الثقة في طارق مصطفى كان قرارا صحيحا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زحام هاديء
نشر في أخبار الأدب يوم 13 - 03 - 2010

أستيقظ علي الرنين، وتمتد يدي للهاتف دون أن أري، ويأتيني الصوت بالنبأ المتوقع:
- البقية في حياتك .
أفتح الشباك لشمس شتوية خجول، أدير صنبور المياه الساخنة وأهز رأسي داخل الحوض مستقبلا الدفء، أدعك عيني بالماء جيدا لأفيق، وأرتدي نفس الملابس التي عدت بها أمس، بالملعقة استحلب بعض العسل الأبيض ثم التقم سيجارة، أخرج من باب البناية في نفس لحظة وصول شقيقي أحمد، سيارته حمراء صغيرة لامعة، يتوقف أمامي فأدلف داخلها كأنني دخلت صالون بيت : موسيقي هادئة ورائحة عطر ومنفضة سجائر ومناديل وحلوي، الموبايل في مكانه المخصص علي التابلوه بينما السماعة علي أذنه يتحدث بها في صوت هاديء، يشير إلي بأن أضبط مرآة الجانب وينطلق بالسيارة ثم ينهي المكالمة: صباح الفل..
الوفاة حدثت قبل الفجر والجنازة بعد صلاة الجمعة، وشارع صلاح سالم رائق علي غير العادة فتتمطي سيارتنا وتنساب دون عناء، ندور بنعومة مع المنحنيات ونسأل عن الطريق فيدلّنا البعض ويضيّعنا آخرون، صوت عبد الحليم ينسال من الكاسيت فيملأ السيارة التي أغلقنا زجاجها، علي يسارنا يبين من وراء البيوت القديمة المبني البراق لمستشفي الأطفال الجديد، ونتوغل بالسيارة أسفل الجسر فنمر وسط سوق الحيوانات، ثمة أقفاص طيور وكلاب وزواحف حتي تهيأ لي أنني أشم رائحة حيوانية رغم الشبابيك المغلقة، درنا حول ميدان صغير مرّتين، ثم اهتدينا إلي الطريق، قرب المسجد أشار لنا عمال بلدية وأوقفوا سيارتنا في جراج مخصص للمسجد، نزلنا وتأكّدنا من إغلاق الأبواب جيدًا
ميدان السيدة عائشة هاديء رغم ازدحامه، وصلاة الجمعة انتهت والآن يقيمون صلاة الجنازة، حاولنا أن نلمح شخصًا نعرفه بالخارج فلم نفلح، وقفنا مستندين إلي سور حديدي يحيط مساحة خضراء توسطت الميدان، في قلبها ضريح صغير تحكي نقوشه أن ها هنا يرقد أحد خدم المسجد من أهل الله، أشعلت سيجارتي من سيجارة أحمد، ووقفنا نراقب بعض سكان الميدان من باعة وعساكر بوليس ومتسولات يرتدين الأسود، بينما جلست بالقرب منّا امرأة تشوي الذرة، وسمعنا ضجة وتكبيرات وبدت حركة عند أبواب المسجد وخرج ناس يحملون نعشًا لكننا لم نعرف منهم أحداً، وخرج غيرهم وغيرهم وتعددت النعوش والجنازات، وأعلي وجوه مألوفة ميّزنا النعش المقصود فاقتربنا منه، لكنه سرعان ما اتجه بين الزحام إلي سيارة نقل موتي، وبدأت السيارة تتحرك فأسرعنا إلي سيارتنا، خرجنا من الميدان متتبعين سيارة الموتي والسيارات التي أحاطت بها، بدأت السحابة اللطيفة تنقشع فاشتدت الشمس مع طلوع العصر وإن بقيت نسمة فتحنا لها الشبابيك، خرجنا مرة أخري إلي صلاح سالم وطالت الطريق واتضح أن المدفن ليس في المقابر القريبة، تابعنا التحرك خلف القافلة الصامتة وشرد كل منا في عالمه، سلمتنا الطريق إلي أخري أوسع تمرح فيها سيارت النقل العملاقة فطلبت من أحمد أنْ يحترس، علي الجانبين بيوت تحت الإنشاء تناثرت عبر صحراء، انكسرت الشمس مرة أخري وانعطفنا فجأة إلي طريق ضيقة أصبحت تزدحم رويدًا رويدًا، أحياء شعبية نصف ريفية وقافلتنا تسير بحذر وسط أطفال فضوليين، وبين البيوت المتلاصقة تُهنا عن رفاقنا قليلا ثم وجدناهم مجددا أمامنا وقد سدّوا الشارع بالسيارات المتوقفة، أوقفنا سيارتنا ونزلنا وعبرنا بين السيارات إلي نهاية حارة مفتوحة، اتضح أن وراءها خلاء مقابر
مشيت وأحمد علي أرض غير منبسطة متجاوزين طابورًا بشريا امتد من بوابة المقبرة، عبرنا بين مدافن أسمنتية تحاشيت النظر إلي مداخلها التي اختفي نصفها في التراب، اقتربنا من الزحام عند المدفن المفتوح ولمحت اللحّاد من بين المتجمعين يعمل بهمة، وفي الوسط وقف شاب نحيل بلحية خفيفة وجلباب أبيض يعظ الناس ويذكّرهم، يفاجئني أحمد بأن يهمس لي: انظر.
أنظر حيث أشار بخفية، سور المقبرة عال وفوقه أسلاك شائكة وزجاج مكسور جارح، يتابع أحمد همسًا : المصريون والموت، سور وأسلاك شائكة!
أكاد أبتسم ثم أضبط نفسي، أتلفتّ حولي وأقرأ المكتوب فوق المدافن المنخفضة، مدفن العاملين بشركة مصر للطوب المسلح، مدفن العاملين بمصنع مواسير طرة، أستغرب كثيرًا لفكرة أن تجمع الوظيفة بين الناس في اضّطجاعهم الأبدي، ورغمًا عنّي يتجه تفكيري إلي زملائي بالمكتب فينقبض قلبي، وأعود للواعظ فأجده قد انتهي وثمة حركة بين الناس، وينزل جسد إلي المدفن فيرتفع نحيب في الصمت، ونبدأ في السلام والتعازي وعند خروجنا ألمح بين الناس مزيدًا من الوجوه المألوفة.
نخرج بالسيارة من الحي المزدحم إلي الطريق مرة أخري، نشغّل الراديو هذه المرة بدلاً من الكاسيت، يسألني أحمد عن العمل فيذكّرني دون قصد بمدافن الوظيفة، أجيب بكلام عابر، وأسأله عن مها، يبتسم لأول مرة: سنُخطب رسميًا بعد العيد.
- مبروك.
يتجه بي نحو طريق بيتي، أنظر في الساعة وأتأمل المساء الذي بدأ يخيم، فأطلب منه توصيلي إلي وسط البلد، فيدور عائدًا مرة أخري بالسيارة ونصعد الكوبري الذاهب إلي التحرير، في منتصف الكوبري أتذكر أنني أرتدي نفس ملابس الأمس، أشم ياقتي خفية ولا أستطيع أن أميّز إن كان ثم رائحة عرق، أخجل من أطلب منه العودة مرة أخري إلي طريق منزلي لأبدّل ملابسي، أنزل في التحرير، أشتري بعض السندوتشات من مطعم في الميدان، وأشير إلي تاكسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.