وعاد الإمام عبد الله المبارك الي بلده، دون أن يكمل حجته الثانية يقينا منه أن المال للفقراء أفضل عند الله لمن أدي الفريضة. هل تريد حجة بألف حجة.. هذه نصيحة.. نصيحة وليست فتوي لمن حجوا مرتين.. وثلاثا.. وعشرا.. لاصحاب الحج السوبر. وسوبر السوبر.. من مائة الف جنيه وأنت طالع.. وأهل الحج السريع.. وسريع السريع.. حديثهم قبل السفر »للمهمة الشاقة».. مستوي الرفاهية في كل شيء.. ولا حديث لهم بعد العودة إلا مظاهر الراحة وكأن ما كان ينقصهم.. طواف ورمي جمرات خاص.. بهؤلاء.. »الحجاج». ويتفاخرون في الحديث مش مهم التضحية بالمال.. المهم الراحة وسرعة الرحلة.. طبعاً لأنهم ناس معندهمش وقت.. لا أريد الدخول في النيات، ولا الفتوي في قضية دينية، لست الأهل لها.. ولكني أشير إليها من الزاوية الاجتماعية والاقتصادية والاوجه الاخري لانفاق المال في الخير.. قد يقول قائل.. كل واحد حر في ماله.. وقد يقول آخر الناس أدري بأحوالها.. فقد يكون تكرار الحج طمعاً في المزيد من المغفرة وتكفير الذنوب، وقد يقول بعض الخبثاء.. ولست منهم.. قد يكون مزيداً من الوجاهة الاجتماعية.. أو الواجهة الدينية.. وقد تكون كل هذه الاسباب..فماذا إذا كان في مقدور الحاج أن يحقق كل ذلك دون حجة جديدة. ونحن في رحاب أيام مغفرة عقب الشهر الكريم.. وفي توقيت الاستعداد للحج.. فلماذا لا تكون لحظة تفكر وتدبر وتأمل روحاني والاقتداء بأهل التدين الحقيقي والعلم والخير.. وكثير منهم يعيش بيننا في هذه الايام.. وأذكرهم هنا بقصة الإمام عبد الله بن المبارك، أحد كبار مشايخ العصر العباسي، بينما كان في طريقه للحج من بغداد إلي الأراضي المقدسة، ومعه أحد مرافقيه. وجد فتاة ومعها شقيقها تحمل طائراً ميتاً من أكوام القمامة.. سألها - ما هذا.. قالت لا أجد انا وأخي قوت يومنا.. ولهذا حلال لنا أكل الميتة.. سأل الشيخ مرافقه. كم معنا من المال.. فأخبره ألف دينار.. قال، خذ منها 20 ديناراً تكفينا للعودة الي ديارنا وأعطي الفتاة الباقي من المال، فهذا أفضل من حجتنا هذا العام.. وعاد الإمام عبدالله بن المبارك الي بغداد دون أن يكمل حجته الثانية، يقينا منه أن المال للفقراء والمساكين أفضل عند الله لمن أدي الفريضة. عاش الإمام أحمد بن حنبل يعاني جرحاً في النفس من قصة شيخه المبارك مع الفتاة الفقيرة. وتأثرت فتواه وآراؤه الدينية بهذه القصة، الي درجة أثارت حفيظة اثرياء عصره واشتكوه إلي الحاكم، فزاده ذلك عزيمة في الرد الدائم عليهم، بقوله.. وما الاسلام أن كان علي وجه الارض من يبحث عن قوته في أكوام القمامة.. بل وأفتي.. ان ما يزيد عن حاجة الاثرياء حرام عليهم، مادام في الأمة جائع أو محروم.. وركز ابن حنبل في تفسيره لبعض آيات القرآن بأن الأغنياء مستخلفون فيما يملكون، وأن للمال وظيفة اجتماعية، وانفاقه في أوجه المصلحة العامة والعمل الاجتماعي ورعاية الفقراء جزء أصيل من الإيمان. للإمام أحمد بن حنبل وغيره من الائمة العظام الكثير من المواقف والآراء التي تدعو الاغنياء لإنفاق الأموال لحاجة الأمة، وفي ذلك الخير لهم في الدنيا والآخرة.. ولن نزيد في الغلو كرأي الامام ابن حزم، والذي اعتبر في أموال القادرين حقوقا واجبة غير الزكاة.. إلي حد فرضه علي الأغنياء توفير حاجة الفقراء، وإن لم يفعلوا ذلك طواعية جاز للحاكم إجبارهم علي ذلك. وكثيراً ما كان يقول.. إن الاستغفار وطلب المغفرة ليست كلمات تقال.. وإنما هي توبة القلب والعمل الصالح للناس والأمة. لكل حاج يستعد للحجة رقم كذا - بعضهم نسي العدد - تأمل حولك ستجد الكثيرين، الذين يتدثرون بالعفة وكرامة النفس في السؤال.. وهم في أمس الحاجة لكل قرش.. وستجد من يعانون شظف الحياة ودعواتهم لله بالستر والعيشة الكريمة.. فكن انت يد الله في الأرض. ولكل عالم من أهل الدعوة.. وأهل الثقة والرأي والمشورة، ألا تستحق هذه القضية الاهتمام منكم في هذه الأيام.. وهل يمكنكم تبني حملة إعلامية للتوعية الدينية والمجتمعية للأثرياء من هواة الحج كل عام، وتكثيف الدعوة للتبرع بهذه الاموال للفقراء والمحتاجين، وإعمال المصلحة العامة للمجتمع.. أعتقد أن في ذلك صلاحا للدين والدنيا. ابن تفيدة الفيلسوف هو.. ككاتب مختلف، وكإنسان مختلف أكثر.. يمثل حالة نادرة من الوفاء والعشق الأبدي لأمه.. قد يكون من الجائز أن يعبر عن حبه لأمه في كتاباته أو إهداء كتابه، ولكن أن يحمل الكتاب اسمه مسبوقاً باسم أمه الحقيقي وليس »كنية» مثلما سبقه البعض، فهذه هي حالة السيد الهادي النادرة، عندما حمل كتابه الجديد »الرقم والمعني» اسم المؤلف أبن تفيدة - السيد الهادي.. ووضع صورة والدته علي الغلاف الثاني الذي يحمل كالعادة صورة المؤلف وتعريفا به.. وكان بالطبع أن أهدي الكتاب اليها بجملة مختصرة »إلي ملكة الحكمة.. أمي» ولذا لم أجد غرابة فيما يقوله عن أمه.. حملت اسم أبي حتي موت أمي.. وسأحمل اسم أمي حتي موتي، فمن يحمل اسم أمه يتطهر،. وكأنه أراد تكريم أمه في دنياه، مثلما كرمها الخالق في الآخرة، بالمناداة علي الشخص باسم امه. سبق للسيد الهادي أن اصدر عدداً من الكتب المثيرة للجدل، منها، سعداء بالصدفة.. معذبون بالوراثة.. وكتاب الانتحار والانسان الثالث، وحوار مع المرآة، والموت يتجه غرباً، وأدب الاقتصاد. وهكذا في كتابه الجديد »الرقم والمعني.. في رياضيات التعريف وفلسفة الكم». نجد أنفسنا في جولة جديدة من الجدل والنقاش، مع كاتب يثير بحدة عصف الذهن، بما يطرحه علينا من قضايا فكرية وفلسفية جديدة علي القاريء المصري، بل وعلي الفكر العربي والفلسفة بصفة عامة.. ومن هنا يصعب علينا تحديد وصف بذاته لكاتب مثير للجدل دائماً، وإن كنت اعتقد أن أقرب وصف هو المفكر الفيلسوف.. مفكر يبتكر، وفيلسوف يزلزل العقول بالجديد، ليس مجترا لمدارس الفلاسفة، وهو ما يقدم للقاريء متعة الفكر والثقافة، ودهشة المعرفة بما غاب عنا، رغم ممارستنا له طوال 24 ساعة.. القاريء مع هذا المؤلف المبتكر دائماً، ليس مستلقياً يعيش لحظات متعة مثيرة وتنقضي مجرد أن يطوي الكتاب، وإنما هو مشارك.. يقف مع كل جملة.. يتأمل.. يستغرق.. يندهش، وقد يضيف من ذاته وواقع تجربته الخاصة. ما يطرحه كتاب »الرقم والمعني» يحتاج الي نقاش أوسع بالبرامج الفضائية والمنتديات واللقاءات الثقافية.. وهو ما لا نجيد صنعه للارتقاء بالحياة الثقافية وتقديم الادباء والمفكرين المصريين الجدد للعالم. وذلك علي غير ما نفعله في الاحتفاء بأي كاتب أجنبي.. يدور كتابه دورته بعد صدوره في مراكز البحث ولقاءات وندوات الفكر.. لتدور حوله بعد ذلك ماكينة إعلام غربي جبارة، تصنع في يوم وليلة نجماً بازغاً في عالم الفكر والأدب، ثم ندور نحن أخيراً في فلكهم، نجتر ما يقولونه عن المفكر وكتابه، وحتي دون تأمل ونقاش، فلماذا لا نفعل هذا مع أبنائنا.. إنها ظاهرة تحتاج الي الاهتمام.. في كندا بلد الغربة التي يعيش فيها المؤلف الآن، حازت كتاباته علي الاهتمام الذي نطالب به هنا.. اتحاد الكتاب الكنديين ورئيسه فيل ويلسون اهتم بنقاش الفكر والفلسفة الجديدة التي يطرحها السيد الهادي في كتبه، الكسندر فور أستاذ علوم الانسانيات بجامعة اوتوا استشهد في كتابه »العقل العربي» بنظرية السيد الهادي في العلاقة بين الرقم والمعني.. وفي مصر لابد من نقاش ينير العقول ويفتح الآفاق، حتي لو اختلفنا في الرأي، علي حد قول المؤلف.. اختلف معي في الرأي مثلما يختلف الليل والنهار، واتفق معي علي ان اليوم الواحد لا يكتمل الا باللونين، الأبيض والأسود. الكتاب.. إضافة جديدة للمكتبة العربية، لم يتناولها كاتب من قبل ومن أمتع ما سيجده القاريء في الكتاب الصادر عن دار سما للنشر في 200 صفحة فصلاً كاملاً اختار فيه المؤلف 250 مقولة تشهد بخروج الحكمة من الرقم مثلما خرجت علي يد من سبقه من الحكماء والفلاسفة من حروف اللغة. حديث العمالقة محمد التابعي.. أستاذ العمالقة من أجيال الصحافة.. مؤسس وصاحب مجلة آخر ساعة.. قبل أن يشتريها الاخوان مصطفي وعلي أمين.. كان أستاذاً لنجوم الصحافة، وصديقاً لكل دوائر أهل السياسة والفن، وضيفاً رئيسيا يحتفي به في المنتديات الثقافية والسياسية والاجتماعية.. وكما وصفه الراحل الكبير أنيس منصور، كان عواماً في بحر السياسة والحب، وطرفاً في التبديل والتغيير فيها.. عاش ألف مرة.. ومات مرة واحدة. وهو علي فراش المرض قبل رحيله بدقائق وكأنه يودع الدنيا.. قال لأنيس منصور، كنت أريد أن أكتب النعي الذي تنشره الصحف ليوم وفاتي.. فسأله أنيس.. كنت حتقول إيه يا استاذ.. أجاب.. ولا حاجة.. أقول.. تراب يضاف إلي تراب، وأنت تقول إيه يا أنيس بعد الشر عليك.. صمت أنيس وقال وكأنه ينعي نفسه والدنيا.. قائلاً.. يولد الواحد منا وطوله نصف متر ويموت وطوله متر ونصف.. كل هذا العذاب من أجل متر.! فعلاً حديث العمالقة حتي في الموت استراحة النفس إذا ضاع منك أمل.. تجددت آمال، لا يحتاج المرء فيها إلا لبعض الصلابة لمقاومة المحن الطارئة.. لا تجعل أمانيك مبعثاً لشقائك ومورداً لتعاستك.. إلفظها إذا ما أحسست منها بوادر حرمان، تمني لتنال وتسعد، ولا تتمني لتشقي بالحرمان مما تتمناه. يوسف السباعي دعوة للفكر من نزع الي أمر.. وجد حجته من يفقد براءته.. لم يعد إنسانا في الحب.. لا يصلح جبر القلب بعد كسره المعرفة ليست ما تسمعه الأذن وتراه العيون، ولكن ما تلمسه الروح من التراث العربي