إذا كانت مصر تمتلك بالفعل دساتير متعاقبة وإعلانات دستورية صدرت بالفعل، إلا أنه في حوزتها- أيضا- العديد مما نطلق عليه بمشاريع الدساتير، أي أنها دساتير أعدت لكنها لم تر النور، بعضها ينحاز إلي مدنية الدولة، والبعض الآخر يسعي إلي أن تكون مصر دولة دينية، وهنا نستعرض المشاريع التي لم يصدق عليها الشعب، لكنها في النهاية جزء من تجربته الدستورية. نتوقف عند مشروع دستور الإخوان المسلمين الذي أعدوه عام 1952 في أعقاب ثورة 1952، ثم نستعرض لمشروع دستور 1954، الذي كشفه الكاتب الكبير صلاح عيسي، ويعتبره كثيرون حتي الآن، أرضيه مهمة لكتابة أي دستور عصري، ونتوقف كذلك عند مشروع دستور أعده الأزهر الشريف عام 1978، ونقارنه بوثيقة الأزهر التي صدرت في أعقاب ثورة يناير 2011، كما نسرد الملامح الرئيسية لمشروع دستور اللجنة الشعبية الذي أعده نخبة من المتخصصين في القانون وسياسيين من اتجاهات مختلفة، وتم رفعه للرئيس السابق حسني مبارك في عام 1990، ولكنه لم يعره اهتماما. يضاف لهذا التراث الدستوري مشروع الدستور المعد من قبل حزب الغد عام 2005، كما يتبني حاليا عدد من الشخصيات العامة والسياسيين والقانونيين والدستوريين حملات من أجل كتابة دستور جديد للبلاد بعد ثورة يناير، ومن ذلك حملة " يلا نكتب دستور"، وكذلك ما أطلق عليه بدستور الثورة، الذي أعدته لجنة مكونة من 100 شخصية مؤلفة من كتاب ومثقفين ودستوريين وممثلين عن أحزاب مختلفة. هنا قراءة في مشاريع الدساتير المشار إليها سابقا. دستور الإخوان 1952 : هذا المشروع أقرته الهيئة التأسيسية للإخوان في 16 سبتمبر 1952، أي بعد شهور من ثورة يوليو من ذات العام، وهذا المشروع صاغ بنوده وقتها د. طه بدوي أستاذ القانون بجامعة الإسكندرية، تحت إشراف المستشار محمد كامل رئيس الشعبة القانونية للإخوان، وكان يشغل -قبل ذلك- رئاسة المحكمة العسكرية، وناقشته لجنة برئاسة عبد العزيز عطية عضو مكتب الإرشاد ورئيس المكتب الإداري للإخوان بالإسكندرية، ومشاركة كل من: علي فهمي " محام" والدكتور غريب الجمال " أستاذ اقتصاد" وهما من أعضاء الشعبة القانونية للإخوان، وبذلك الإقرار صار هذا المشروع يعبر عن الجماعة ومن ضمن وثائقها، وهو منشور حاليا علي موقع " ويكبيديا الإخوان المسلمين.. الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين" وفي الموقع نجد شرحا لهذا الدستور يؤكد " أن مشروع دستور الإخوان للدولة المصرية عام 1952 يجعل المرجعية الإسلامية هي الضابط لمواده، فتعاليم الإسلام مواد فوق دستورية، أو مواد حاكمة للدستور، فلا يصدر قانون يخالف الإسلام». وتكشف مقدمة هذا الدستور عن الأهداف الرئيسية منه، ومصادر تشريعه:" هذا اقتراح بمشروع لدستور للدولة المصرية يعتمد في جوهره علي الإسلام فهو مستمد في أصوله من أحكام القرآن وسنة الرسول «صلي الله عليه وسلم» وأساليب الحكم في عهد الخلفاء الراشدين، وإذا فصلت نصوصه علي هذا النحو بدا مسايرا لأصلح ما في النظم الدستورية المعاصرة: النظام الرئاسي المعمول به في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ونظام حكومة الجمعية الذي اخذت به بعض الدساتير الأوروبية كدستور النمسا الصادر في سنة 1920، والدستور التركي الصادر في سنة 1924، والدستور السويسري الحالي، كما بدا خاليا مما في تلك النظم من أوضاع أجمع علي فسادها الفقه الدستوري الحديث، وكذلك بدا المشروع مجافيا كل المجافاة للنظام البرلماني الذي نشأ في إنجلترا ثم انتقل منها إلي غيرها من البلاد كفرنسا وبلجيكا ومصر، وذلك لما ينطوي عليه هذا النظام علي وجه الخصوص- من استقلال رئيس الدولة عن الهيئة التي تمثل الأمة، فلا يسأل أمامها عن تصرفاته... أما الإسلام فلا يعرف العصمة إلا علي أساس أنها لله وحده دون عباده حتي الأنبياء منهم والمرسلين". وفي موضع آخر من المقدمة جاء فيها: " وليس لرئيس الدولة في مقابل ذلك كله أية وسيلة يؤثر بها علي مجلس الأمة، فمجلس الأمة: مجلس دائم، الأصل فيه أنه ينعقد من تلقاء نفسه وليس لرئيس الدولة ولا لوزرائه حق حضور جلساته من حيث المبدأ ولا حق حله علي عكس الحال في النظام البرلماني. وكيان الحكومة مفصل علي تعاليم الإسلام وأساليبه الحقة" وتختتم المقدمة ب" والمشروع -كما يبدو واضحا من نصوصه- يسود أحكام الإسلام وتعاليمه فيخضع لها ولأحكام الدستور جميع التشريعات التي تصدر عن الهيئة الحاكمة، وضمانا لذلك خول المشروع القضاء والرقابة علي دستورية القوانين" دستور 1954 عود الفضل في الكشف عن مشروع هذا الدستور للكاتب الكبير صلاح عيسي، فقد تم إهماله، إلي أن عثر عليه ونشر بنوده في مقالات مسلسلة بجريدة الوفد عام 2000، ثم تم جمع ذلك في كتاب بعنوان " دستور في صندوق القمامة"، وقد وجدت هذه الوثيقة في معهد الدراسات العربية، ويري المستشار طارق البشري أنها النسخة الشخصية للفقيه الدستوري السنهوري باشا، الذي كان عضوا بلجنة الخمسين، التي أشرفت علي كتابة دستور 1954، وحملت الأوراق التي تم العثور عليها عنوان " نص المشروع قبل التعديلات التي أدخلتها لجنة الصياغة في يوليو وأغسطس .1954 ويري صلاح عيسي أن نص مشروع هذا الدستور يبدو وكأنه استبصار مبكر بالمزالق التي سوف تتعرض لها مصر، بعد أن زحف العسكريون علي السلطة في أعقاب ثورة 1952، من هنا حرص الذين صاغوه علي أن يسدوا كل الثغرات التي يمكن أن تنهي بتركيز السلطات في يد واحدة، فأحاطوا الحريات بسياج من الضمانات التي تحول دون العصف بها، ومن التنظيمات التي تكفل استقلال السلطات وتعاونها، وتضمن أن تكون الأمة - بالفعل- مصدر كل السلطات، وألا تكون هناك سلطة بلا مسئولية، وعند النظر إلي التشوهات التي لحقت بأوضاعنا السياسية العامة، يبدو بوضوح أن مشروع دستور- 1954 الذي رفض مجلس قيادة الثورة تطبيقه واستبدل دستورا آخر به، يقوم علي هيمنة السلطة التنفيذية علي الدولة والمجتمع- لا يزال صالحا حتي اليوم لإزالة العدوان الدستوري الذي انتهي بمصادرة حق الأمة في أن تكون مصدر السلطات.وإذا تأملنا مواد هذا الدستور، نجد أنها تميل نحو تدعيم الحريات والحق في تشكيل الجمعيات والأحزاب، وحق العمال في الإضراب في حدود القانون، ويحظر إصدار قوانين تنظم ممارسة الحقوق، يترتب عليها المساس بالحقوق، وكانت بنوده تميل إلي أن تأخذ مصر بالنظام البرلماني. مشروع دستور الأزهر عام 1978 : جاء هذا المشروع تنفيذا لتوصيات وقرارات المؤتمر الثامن لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد بالقاهرة في أكتوبر 1977، حيث تضمن توصيته الأولي وضع دستور إسلامي ليكون تحت طلب أية دولة تريد أن تأخذ الشريعة الإسلامية منهاجا لحياتها، وبناء علي التوصية السابقة، صدر قرار شيخ الأزهر في 5 يناير 1978، بتشكيل اللجنة العليا لإعداد الدستور، علي أن تأخذ في الاعتبار الاعتماد علي المبادئ المتفق عليها بين المذاهب الإسلامية كلما أمكن ذلك. تشكلت اللجنة العليا من: فضيلة الإمام الأكبر عبد الحليم محمود " رئيسا"، فضيلة الأستاذ الدكتور الحسيني هاشم، المستشار السيد عبد العزيز هندي، الشيخ حسين مخلوف، د. عبد الجليل شلبي، الشيخ عبد الجليل عيسي، المستشار عبد الحليم الجندي " مقررا"، المستشار عبد الفتاح نصر، المستشار الوزير عبد المنعم عمارة، المستشار علي منصور، د. محمد حسن فايد، الشيخ خاطر محمد، المحامي محمد عطية خميس، د.محمد شوكت العدوي، المستشار مصطفي عفيفي، المستشار مصطفي كمال. تكون هذا الدستور من 93 مادة، نصت المادة الأولي علي أن المسلمين أمة واحدة، وأن الشريعة الإسلامية مصدر كل تقنين، ودارت مواده في الأبواب التالية: الأمة الإسلامية، أسس المجتمع الإسلامي، الاقتصاد الإسلامي، الحقوق والحريات الفردية، الإمام، القضاء، الشوري والرقابة وسن القوانين، الحكومة، أحكام عامة وانتقالية. وحدد الدستور أن تكون للدولة إمام، وتجب الطاعة له، وإن خولف في الرأي، وأن تكون البيعة العامة لإمام تحت إشراف القضاء، ويشترط للمرشح لرئاسة الدولة: الإسلام، الذكورة، البلوغ، العقل، الصلاح، العلم بأحكام الشريعة، ويتم تعيين الإمام ببيعة عامة من جميع طبقات الأمة طبقا للقانون، ويجوز للمرأة أن تطلب الاشتراك في الانتخابات متي استوفت شروطه، وتمكن من الانتخاب، ويخضع الإمام للقضاء، وله الحضور أمامه بوكيل عنه، ولأصحاب الحق في البيعة عزل الإمام متي تحقق سببه، وبالطريقة التي يبينها القانون، ويحكم القضاء بالعدل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية. وثيقة الأزهر 2011: لم يكن دستور الأزهر السابق هو المحاولة الوحيدة للأزهر للمشاركة في وضع دستور، بل في أعقاب ثورة يناير، اصدر ، ما أطلق عليه بوثيقة الأزهر، وهي مختلفة تماما في التوجهات عن دستورهم السابق، فلأول مرة يتبني الأزهرما أطلق عليه بالدولة الوطنية، التي تقوم علي التعددية وعدم