تراجع سعر الفراخ.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الخميس 4 يوليو 2024    وزير السياحة والآثار: نستهدف الوصول ل 30 مليون سائح بحلول 2030    ملابس داكنة ولافتات سوداء، متظاهرون داعمون لغزة يحتلون سطح البرلمان الأسترالي (صور)    قصف مدفعي إسرائيلي ل «حي الشجاعية» بقطاع غزة    دراسة: أغلب الأوربيين يساورهم الشك في قدرة أوكرانيا على هزيمة روسيا    رئيس الوزراء الكندي يرفض التنحي ويصر على مواجهة اليمين المتصاعد    «بي إن سبورتس»: الجيش الملكي يقترب من تعيين عموتة    نجم الاهلي السابق ينصح عبدالله السعيد بالاعتزال    انهيار عقار مكون من 5 طوابق بالمنوفية، والعناية الإلهية تنقذ السكان من الموت    حرب شوارع، قوات أمن مركزي ودعم سريع للسيطرة على مشاجرة بالأسلحة النارية بين عائلتين بأسيوط    محافظ الدقهلية: العمل الميداني سر نجاح أي مسئول وقيادة.. ونعمل على حل مشاكل المواطنين ومحدوي الدخل    فرنسا تسحب نوع "كوكاكولا" بسبب مخاطر صحية: لا تشربوه    وزير الري: نعمل على تطوير المنشآت المائية ومنظومات الري ووصول المياه لكل مزارع دون مشاكل    مع تصاعد الحرب في غزة ولبنان.. الشرق الأوسط يجلس على برميل بارود    أول تعليق من نجيب ساويرس على تعيين هالة السعيد مستشارا لرئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة رطب نهارا مائل للحرارة ليلا على أغلب الأنحاء.. والعظمي بالقاهرة 39    أول تعليق من توفيق عبدالحميد بعد تعرضه لوعكة صحية..ماذا قال؟    مفاجأة من وزير التموين للمواطنين بشأن الدعم على البطاقات التموينية (فيديو)    6 نصائح للعناية بالأسنان والحفاظ عليها من التسوس    «هيئة الدواء» تسحب عقارا لعلاج السكر من الصيدليات.. ما السبب؟    «المصري اليوم» تقود سيارة كهربائية في شنغهاي: مصر سوق واعدة    عبد الرحيم علي يشكر الوزراء والمحافظين الذين غادروا مواقعهم    ملف يلا كورة.. قائمة الأهلي.. تعثر الزمالك.. وموقف بيراميدز من المنتخب الأولمبي    مصرع طفلين شقيقين غرقا في كفر الشيخ    العثور على شاب مصاب بطلقات نارية في ظروف غامضة بقنا    زيدان يكشف عن اللاعبين المنضمين لمنتخب مصر الأولمبي في رحلتهم إلى باريس    عمرو أديب الزمالك «نمبر وان».. وكريم عبدالعزيز يرد: أنا اهلاوي مجنون (فيديو)    حظك اليوم برج الجوزاء الخميس 4-7-2024 مهنيا وعاطفيا    قصواء الخلالي: الحكومة الجديدة تضم خبرات دولية ونريد وزراء أصحاب فكر    ميمي جمال: أنا متصالحة مع شكلي وأرفض عمليات التجميل    دعاء استفتاح الصلاة.. «الإفتاء» توضح الحكم والصيغة    أول ظهور لحمادة هلال بعد أزمته الصحية    الأهلي يبحث عن انتصار جديد أمام الداخلية بالدوري    عبدالرحيم علي يهنئ المحافظين الجدد ونوابهم    التشكيل الوزاري الجديد، مدبولي يعقد اليوم مؤتمرا صحفيا بالعاصمة الإدارية    وزراء خارجية روسيا والصين ومنغوليا يناقشون التعاون في المجالات الاقتصادية    "مين كبر ناو".. شيكو يحتفل بعيد ميلاده    3 أبراج تتوافق مع «الدلو» على الصعيد العاطفي    حر وقطع للكهرباء وأخطاء بالأسئلة.. دموع وشموع في امتحانات الثانوية!    «المصري اليوم» ترصد مطالب المواطنين من المحافظين الجدد    حزب الله يعلن قصف مقرين عسكريين إسرائيليين    أول رد سمي من موردن سبوت بشأن انتقال «نجويم» ل الزمالك    ميدو: المنتخب الأولمبي «بيشحت» لاعبيه من الأندية    لميس حمدي مديرا لمستشفى طلخا المركزي    أفعال مستحبة في ليلة رأس السنة الهجرية    أمين الفتوى: لا ترموا كل ما يحدث لكم على السحر والحسد    الكويت تعلن اعتقال مواطنين بتهمة الانضمام لتنظيم محظور    أبرز مشروعات وزير البترول الجديد بالقطاع الحكومي.. تعرف عليها    في أول تصريح صحفي له، محافظ بورسعيد الجديد يوجه رسالة إلى اللواء عادل الغضبان    حدث ليلًا| موعد إجازة رأس السنة الهجرية وحالة طقس الخميس    رئيس مجلس الوزراء يعلن موعد إجازة رأس السنة الهجرية    سعر الأرز الشعير اليوم الخميس 4 يوليو 2024 في جميع الأسواق المحلية    أدعية رأس السنة الهجرية.. يجعلها بداية الفرح ونهاية لكل همومك    اتحاد الصناعات: وزارة الصناعة تحتاج لنوعية كامل الوزير.. واختياره قائم على الكفاءة    والدة شاب تعدى عليه بلطجي بالمرج تكشف تفاصيل الحادث    أستاذ استثمار عن التغيير الوزاري: ليس كل من رحل عن منصبه مقصر أو سيئ    هاني سعيد: بيراميدز لم يعترض على طلبات المنتخب الأولمبي.. وهذا موقفنا النهائي    تعيين عبلة الألفي نائبة لوزير الصحة والسكان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبر عمياء لا تخيط إلا الريح
إلي صديقي الشاعر حلمي سالم، حتي لا تبقي طريح الألم
نشر في أخبار الأدب يوم 18 - 03 - 2012


تِبَاعاً تَرَكَتِ الوُعُولُ أحْرَاشَها
جَفَلَتْ، كما لَوْ أَنَّ طَيْفاً أَفْضَي بِها إلي ماءٍ
لَمْ تَكُنْ سَبَحَتْ في صَفَائِهِ من قَبْلُ.
سَقَطَ عِنَبٌ كَثِيرٌ من دَالِيَةٍ، لَمْ تَسْتَوْفِ بَعْدُ، ظِلاَلَها
بَدَا أَنَّ مَكِيدَةً تَسْعَي الغَابَةُ من وَرَائِها لاجْتٍثَاث ضَبَابٍ كَانَ يَنْحَدِرُ مِنْ فَراغٍ،
كَانَتِ الوُعُولُ ظَنَّتْهُ مَطَراً سَيَرْوِي شَجَرَها، أوْ يُضْفِي علي الغابَةِ رَفَاهاً، لاَ مَثِيلَ لانْهِمَارِهِ.
لاَ شَيْءَ جَرَي بِما ظَنَّتْهُ الوُعُولُ.
الغَابَةُ خَرَجَتْ مِنْ نَوْمِها
وَمَسَحَتْ عَنْ وَجْهِهَا زَغَبَ الفُصُولِ.
الشَّجَرُ القَدِيمُ تَهَاوَي
والنَّهْرُ سَادَ فِي الأرْضِ، لاَ يَسْتَعْجِلُ الثِّمَارَ، أو عِنَبَ كُرُومٍ ضَرِيرَةٍ. آلِهَةٌ كَثِيرَةٌ وَقَعَتْ فِي شِرَاكِهِ، لمْ تَسْتَوْفِ بَعْدُ نَهَارَها، فَخَرَجَتْ مِنْ ظَلامٍ كَثِيفٍ، خَلْفَها قُبُورٌ، كانتْ في مَاضِيها، خَذلَتْ حاضِرَها.
مَنْ يَكْنِسُ هَذَا الهَوَاءَ بِما يَكْفِي مِنْ حَذَرٍ؟
الشَّارِعُ الوَحِيدُ الَّذِي كَانَ يُفْضي إلي الجَنَّةِ احْتَرَق.
هَلْ ثَمَّةَ طَرُقٌ أُخْرَي يُمْكِنُ اخْتِلاقُها
لِيَمُرَّ الهَوَاءُ خَفِيفاً
بِنَفْسِ خِفَّةِ الشِّرَاكِ الَّتِي لَفَتَتِ انْتِبَاهَ الثَّعَالِبِ ؟
لَيْسَتِ الغَابَةُ مَنْ نَزَعَتْ عَنِ الشَّجَرِ ظِلالَها
قِيلَ؛ إنَّ فَتِيلاً أَفْضَتْ بِهِ شُعَلٌ عابِرَةٌ
هُوَ ما أَتَي عَلَي وُجُورٍ كَانَتْ نِمَالٌ ضَرِيرَةٌ حَفَرَتْها لِتَمُرَّ مِنْها الشَّمْسُ، أوْ حِينَ يَكُونُ الغَيْمُ ضَافِياً، يَرْوِي تَعَبَ الأَشْجَارِ.
هَذِهِ رِيحٌ " لَيْلٍ قَدِيم ".
كَمْ يَلْزَمُنَا مِنَ الوَقْتِ لِلْخُروجِ مِنْ هَذِهِ الظُّلَمِ الَّتِي خَذَلَتْ جُوعَنَا
وأَتَتْ عَلي مَا كُنَّا افْتَرَضْنَا أَنَّهُ الضَّوْءُ الَّذِي بَدَا فِي آخِرِ النَّفَقِ ؟
لَمْ تَكُنِ الشَّمْسُ تَشْبَعُ، لِفَرْطِ هَشَاشَتِها، مِنْ خُبْزٍ، كَانتْ غُيُومٌ عابِرَةٌ أجَّجَتْ زَرْعَهُ، وأَفْضَتْ بالضَّوْءِ إلي نَهَارٍ، خَبَا، كَلَمْحِ بَرْقٍ.
مَا هَذَا الظّلاَمُ الَّذِي يَأْكُلُنَا ؟
ظُلُمَات وَرَاءَهَا ظُلُمَات»لاو تسو«
أَلِهَذَا الحَدِّ تَخْذَلُنَا السَّمَاءُ،
وَالأرْضُ، لَيْسَتْ في ما أَظُنُّ، سِوَي انْعِكَاسٍ لِنَارٍ نَائِمَةٍ،
أَوْ شَرَكٍ وَضَعَتْنَا فِيهِ إرَادَةُ إلَهٍ يَكْرَهُ الشِّعْرَ والنِّسَاء !
لاَ شَيْءَ أَسْوَأَ مِنْ شَجَرٍ بِلا غِنَاءٍ
وَلاَ مَعْنَي لِطُيُورٍ
صَبَغَتْ رِيشَها بِلَوْنَ السَّماءِ.
لَيْسَتِ الحَيَاةُ إِثْماً
وَالنِّسَاءُ؛ أذْكُرُ أَنَّهُنَّ كُنَّ مِلْحَ الأرْضِ، وكُنَّ وَسَائِدَها الَّتِي عَلَيْها نَامَتْ آلِهَةُ ما قَبْلَ الوُجُودِ.
أعْنِي؛
قَبْلَ أَنْ يَصِرْنَ في مَا أَتَي مِنْ أَحَافير، مَحْضَ عَوْرَاتٍ، تُوشِكُ النَّارُ أَنْ تَأْكُلَها، مَتَي أَفْضَيْنَ بْفِتَنِهِنَّ لِريحٍ عابِرَةٍ، أو لِغَيْرِ بُعُولَتِهِنَّ.
النِّسَاءُ لَسْنَ شَجَراً عَارِياً، تَعْبَثُ بِهِ رِيحُ فِكْرٍ، جَاءَ إلي الوُجُودِ نَائِماً.
النِّسَاءُ، كما أراهُنَّ، ضَوْءٌ، في شُقُوقِ وُجُودٍ، لَيْسَ يَعْبَأُ بِما حَفَّ وُجُودَنا منْ ظَلامٍ.
السَّوادُ لَوْنٌ
وَلَيْسَ حُجَّةً لِحَجْبِ شُمُوسٍ، أَضَاءَتِ الأرْضَ مُنْذُ الأَزَلِ.
الأرْضُ، قَبْلَ الخَلْقِ كَانتْ ضَوْءاً. هكذا أقُول
عُنْوَةً
حَمَلُوا مَصَابِيحَ
لِأَنَّ الظَّلاَمَ فَشَا، ليِسَ في الهَوَاءِ الَّذِي يَحُفُّنا
بَلْ
فِي نُفُوسٍ
لَمْ تَخْرُجْ، بَعْدُ، مِنْ نَفَقِ فِكْرٍ، لَمْ يُؤْمِنْ، مُنْذُ اخْتَلَفَتِ الخَلِيقَةُ
سِوَي
بِمَا خَرَجَ مِنْ قُبُورٍ قَدِيمَةٍ.
كَانَ دْيُوجِينُ الكَلَبِيُّ حِينَ يَحْمِلَ مِصْبَاحَهُ
يُلْقِي بِهِ في أراضٍ، آثَرَ أنْ يَفْضَحَ رُعُونَتَها، ويَزْرَعَ، فِي تُرَبِها ضَوْءاً
رَوَائِحُهُ تَشِي بِعِطْرٍ، شُعَلُهُ جَاءَتْ حَارِقَةً.
فِي الخُرَافَةِ أَمْرَانِ:
الأوَّلُ؛ أنَّ الآلِهَةَ هي الخَيْرُ والخِصْبُ و النُّورُ والجَمَالُ.
لَمْ تَخْجَل الآلِهَةُ مِنْ عَرَاءِ الغابَةِ، حِينَ جَاءَ يُرَاوِدُها الخَرِيفُ، أو نَزَعَتِ الرِّيحُ عَنْها قُمْصَانَها، مِثْلَمَا تَفْعَلُ الأنْثَي بالذَّكَرِ.
كَانَ بَعْضُ الآلِهَةِ، إذَا سَبَحَ رَجُلٌ في خَدَرِ امْرَأَةٍ، أَفْرَدَ جَنَاحَيْهِ علي سَرِيرِهِما، حَتَّي لا يَدْخُلَ بَيْنَهُما شَيْطَانٌ.
الثَّاني؛ لَيْسَ الإنْسَانُ فَاسِداً بالطَّبْعِ
و الأرْضُ لَيْسَتْ مَاءً نَنَامُ فيه لِغَسْلِ ما يُقَالُ أَنَّهُ وَحَلٌ عَلِقَ بِنَا، حَتَّي قَبْلَ أنْ نَصِيرَ مَحْضَ وُجُودٍ يُشْبِهُ الخُرَافَةَ.
حِينَ نَزَعْتُم نَحْوَ اليَقِينِ، فَاوَضْنَا العَقْلَ علي الشَّكِّ
لاَ
شَيْءَ يَجِيءُ كامِلاً
حَتَّي الشَّجَرُ لا يَبْقَي رَاسِخاً في يَقينِ العُشْبِ
وَ الأرْضُ
وُجِدَتْ لِتَكُونَ احْتِمالاً.
لَمْ نَرْضَ بِغَيْرِ مَا يَأْتِي مِنْ مَجْهُولِ فِكْرٍ، كان الشِّعْرُ مُنْذُ الأَزَلِ، لاَزَمَتْ أَشْطَارُهُ فَدَاحَةَ أَوْزَانِهِ، وَوَازَتْ بَيْنَ جَمْرٍ مَاتَ نائِماً، لِأَنَّهُ اخْتَارَ الصَّدَي صَدًي لِغِنَائِهِ، وَبَيْنَ عِطْرٍ نَاهَزَ الخَيَالَ، وأَبَي إلاَّ أَنْ يَكونَ النَّهْرُ هُوَ سَرِيرُ انْشِقَاقِهِ.
حَتَّي حِينَ كُنَّا نَنَامُ، فَنَحْنُ لاَ نُغْلِقُ نَوَافِذَ شُرُفَاتِنا. الشَّرَاشِفُ التي عَلَيْها وَضَعْنا تَعَبَ أَيَّامِنا القادِمَةِ، كَانتْ تَسَعُ كُلَّ أَوْهَامِنا. بَيْنَ طَيَّاتِها، كانَ النَّهارُ يَطْلَعُ مِنْ بَيْنِ شُقُوقِ ظُلَمٍ،
كانَ اللَّيْلُ رَماداً لانْهِمَارِه.
مَنْ حَبَسَ السَّمَاءَ بَيْنَ غَيْمَتَيْنِ، وَصَبَغَ البَحْرَ بِلَوْنِ الرَّمَادِ ؟
فِي الخُرَافَةِ، أيْضاً، قِرَأْتُ:
بَقِيَتِ الطُّيُورُ، وأَصْنَافُ الدَّوَابِّ، ومُخْتَلِفِ الخَلائِقِ، التي كان حَمَلَها نَبِيٌّ، في قَارَبٍ، لا يَسَعُ ظِلَّ غَيْمَةٍ، تائِهَةً بين السَّماء والأرضِ تَبْحَثُ عن كلماتٍ بها تُسَمِّي وُجُودَها
لاَ
أَرْضَ
لاَ
سَمَاءَ
كَائِنَاتٌ تَسْبَحُ في الفَراغِ
بِلا اسْمٍ
وَتَحْيَا فِي وُجُودٍ
لاَ
معني فيهِ لِشَيْءٍ
سوي لِآثَامِ الخَلِيقَةِ يُسَاوِرُنِي قَلَقٌ لَمْ أَتَدَبَّرْ مَكامِنَهُ. قَلْتُ؛ أَسُوقُ مَزَاعِمِي صَوْبَ مَجاهِلِها، قَدْ أَسْتَوِي في شَرْطِ الوُجُودِ، إذا أنا فَهِمْتُ كيفَ يُدِيرُ اللَّهُ غِيَابَهُ، دُونَ أنْ يَراهُ عَبْدٌ.
أليْسَ " لِلَّهِ المَكْرُ جَميعاً "
فَلِمَ، إذَنْ، أَنْتُم تُقْبِلُونَ علي غَيْر ما بِهِ يُدارُ الكَوْنُ، وَتَحْيَا الخَلِيقَةُ؟
لِمَ
هَذِهِ الظُّلَمُ تِبَاعاً تَتَوَالَي، كَما لَوْ أَنَّ الضَّوْءَ لمْ يَكُنْ يَكْبُر بَيْنَ أصَابْعْنا، حينَ كُنَّا نُفَكِّرُ في إعادَةِ خَلْقِ الوُجُودِ،
أَوْ
وَضْعِ السَّماءَ بَيْنَ نَهْرَيْنِ:
وَاحِدٌ يَصُبُّ في الغابَةِ، لِيَحْمِي الشَّجَرَ منْ كَسَلِ الوُعُولِ
و الآخَرُ، لَيْسَ سِوَي خُدْعَةٍ، يُمْكِنُ إعادَةُ رَسْمِهِ وِفْقَ ما يَقْتَضِيهِ الخَيَالُ.
أَلَيْسَتِ السَّمَاءُ شُرْفَةً، لَمِ تَفْتَحْ شَرَاجِبَها بَعْدُ لِهَوَاءٍ، رُبَّما، رِيحُهُ جاءَتْ مِنْ فَسَادٍ ؟
يَكْفِي أنْ تَفْتَحَ كَفَّيْكَ صَوْبَ السَّماءِ، لِتَرَي كَيْفَ يَسَعُ الغَيْمُ الغَابَةَ، والشَّجَرُ لَمْ يَزَلْ يُكابِرُ نَزَقَ السُّيُولِ.
وفي شَرائِعِ القَنْصِ، يَكْفِي أنْ تُطْلِقَ الرَّصَاصَ في الهَوَاءِ لِتَسْقُطَ الفَرائِسُ تِبَاعاً. » ثَمَّةَ مَنْ يَقُولُ الآلِهَةَ «
هَذِهِ
لَيْسَتْ جَرِيمَةً
فَلا
تَخْشَ العِقَاب.
" سَتَنْجُو إنْ كُنْتَ تَعْرِفُ الغِنَاءَ "
وَسَيَصْبُو بِكَ الشَّجَنُ، إنْ انِتَ عَرَفْتَ كَيْفَ تُضْفِي علي الظُّلْمَةِ بَعْضَ البياضٍ.
أنْ تَضْرِبَ القُمَاشَ، مَثَلاً، بِما تَبَقَّي مِنْ أَصْبَاغٍ في زَغَبِ الفُرْشَاةِ، لِيَخْرُجَ مِنْ يَدِكَ مَاءٌ، لَمْ تَشْرَبِ التُّرَبُ قَبْلَهُ ماءً، بِنَفْسِ حَلاوَةِ هَذا المَاءِ.
والسُّؤال:
ألَيْس المَاءُ ضَوْءاً يَجْرِي بَيْنَ فُرُوجِ الأصابِعِ، ما نَزَالُ لَمْ نُسْبِغْ ثِمَارَهُ علي فُتُورِنا ؟
مَنْ وَضَعَ الأرْضَ في جَيْبِ السَّمَاءِ
وَ أَحَلَّ الغَيْبَ في المَعْلُومِ !؟
أَمْ أَنَّ الطَّرِيقَ مَا يَزَالُ مُعْتِماً، لِذَا كَانَ لِزَاماً أَنْ يَلِجَ اللَّيْلُ النَّهَارَ
كَمَا يَلِجُ السَّوَادُ البَيَاضَ !؟
أَقَبْضُ رِيحٍ كُلُّ هذا
أَمْ
بِدَايَةٌ قَادِمَةٌ، لَمْ نُدْرِك، بعدُ، ما سَتُفْضِي إليه!؟
أليس المُسْتَبِدُّ بالغَنِيمَةِ، أَوفَي عَلَي الطَّريدَةِ مِنَ الصَّيَّادِ !؟
هَلْ أَنْتَ مُقْتَنِعٌ بِهَذا النَّزْرِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ، وأَنْتَ مَنِ اسْتَبَحْتَ دَمَكَ لِقَلْبِ التُّرَبِ، وذَهَبْتَ بِريحٍ، ما حَلَّ بَعْدَها لَمْ يَكُنْ سِوَي إبَرٍ عَمْيَاءَ لا تَخِيطُ إلاَّ الفَراغ!؟
النَّهْرُ ما يَزَالُ جارِفاً
لاَ تَسْتَمْرِيءْ هُدْنَةً، لَيْسَتْ سِوَي قِشْرَةٍ تُخْفِي شَرَراً
إذا ما انْفَطَرَتْ جِمَارُهُ جاءَتْ علي الأَخْضِرِ، لا اليابِسَ وَحْدَهُ.
ثَمَّةَ مَنْ يُرَاوِغُ الرِّيحَ
أَوْ
يُمْسِكُ بِبَعْضِ زِمامِها،
وَثَمَّةَ مَنْ خَذَلَتْهُ الأَشْرِعَةُ، فَهَالَهُ ما هَبَّ مِنْ ماءٍ
لَمْ يَحْتَمِل قِيَادَتَهُ
فَشَرِبَ النَّهْرُ رِيحَهُ.
ألَمْ يَكُنِ التَّارِيخُ عِنْدَنَا أعْمَي
تَقُودُهُ عَرَبَاتٌ عَمْيَاءُ، فِي طُرُقٍ عَمَيَاءَ؟
حَتَّي العَكأكِيزُ الَّتِي عَلَيْها يَتَوَكَّأُ
كَانَتْ عَمْيَاءَ.
تاريخٌ، لم تَرْوِهِ الأُمَمُ
حِبْرُهُ، كانَ مَحْضَ ظَلامٍ، ودَمُ
بِضَرَبَاتِ مَطَارِقَ، تِبَاعاً سَقَطَتْ ثَمَاتيلُ آلِهَةٍ قَدِيمَةٍ
وَ أُخْرَي، في المَهَبِّ، ما تَزَالُ علي أُهْبَةِ أنْ يَأْكُلَها المَوْجُ،
أوْ يُلْقِي بها في فَمِ آلِهَةٍ خَرَجَتْ مِنْ لَيْلٍ قَدِيمٍ.

سُقْراطُ، أدْرَكَ، حينَ وَقَعَ في مُفْتَرَقِ التُّرَبِ، أنَّ الغَيْبَ لَيْسَ ما يَعْنِيهِ،
فالأرْضُ هِيَ خُبْزُ الإنْسان
أعِنَبُ الآلِهَةِ تُريدُ
أمْ
طَعامَ يَدٍ تَصْنَعُ خُبْزاً، مِنْ عَرَقِ أَجْسَامٍ، عَاشَتْ
علي شَظَفِ زُرُوعِها الفاتِرَةَ.
لَمْ تَعُدِ الشُّعُوبُ قَهْوَةً يَشْرَبُها الحاكِمُ علي طاوِلَةِ قِمَارٍ،
أو يُفَاوِضُ بها، علي دُيونٍ لاخْتِبَارِ جَوْدَةِ ما يَشْرَبُهُ مِنْ بُنٍّ،
أو ما يَأْكُلُهُ مِنْ فَوَاكِهَ مَوْسِمِيَةٍ.
مَهْما يَكُنِ الْتِبَاسُ المعني، في ما يجري، فالمشْهَدُ يَبْدُو حافِلاً بالمَجاز.
الاستعاراتُ القَدِيمَةُ لا تَصْلُحُ لِقِراءَةِ لُغَةٍ جَاءَتْ خالِيَةً مِنْ تَرَفِ اللِّسَان.
" الشَّعْبُ يُريد... " شَجَرَ تُفَّاحٍ، لِيَطْرُدَ الشَّيْطانَ من لِسَانِ آدَمَ. وَدَالِيَةَ عِنَبٍ، لِيَسْقِي بِشَفَافَتِها، شَغَفَ اللِّسَانِ. وَعَرَبَةً، لِيَسُوقَ بها الغَمَامَ إلي حُقُولٍ طالَما رَاوَغَها المَطَرُ.
" الشَّعْبُ يُريدُ ... " وَتَراً، لِيُضْفِي شَجَناً علي ما كانَ في الغِناءِ منْ نَشَازٍ.
من ديوان قيد الكتابة؛ " إبر عمياء لا تخيط إلا الريح يليه محض شراب "


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.