- لا أظن أن مواقف الأدباء والفنانين السياسية الآنية تنعكس علي مستوي ما ينتجونه من أعمال أدبية وفنية. في حال الثورات العربية الراهنة، بدا لي أن الفنانين والأدباء الذين وقفوا مع السلطات كانوا في وضع مرتبك، هزت الثورات مسلماتهم الأيديولوجية وشطحاتهم حول الحداثة والديمقراطية. وبالتالي وجدناهم، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، يؤيدون سفك السلطات لدماء الناس الذين خرجوا ضد احتكار الحُكم والمال والرأي، ويقفون مع دعاوي السلطات المشككة والمزيّفة لمطالب الثائرين عليها. ما يبدو لي أن من حق الأديب أن يعبر عن موقفه بالطريقة التي يراها، بما في ذلك الصمت، أو أن لا يتفق مع الثوريين علي صيغة شكل التحول، أو أن يشكك في مسارات هذه الثورات، ولكنني أظن، مع هذا، أن موقفه هذا سيكون أكثر أهمية إذا جاء من نظرته الفنية الخاصة، لا من زاوية نظر السلطة، فاتخاذه مسافة بينه وبين الأحداث، لحساسيته الثقافية، قد يأتي برأي مهم ومميّز عن تلك الآراء الجمعية. وربّما يكون موقفه بمثابة اختبار أوّل لديمقراطية سلطات هذه الثورات وخشية معلنة من أن تتحوّل إلي سلطات قمعية وديكتاتورية، كما حدث مع سلطات ثورية كثيرة في التاريخ. - أما ما أنتج في مجال "إبداع الثورة" فهو عبارة عن تعبيرات تحريضية سياسية، بمثابة الملصق بالنسبة للوحة التشكيلية. فهذه الأشعار واللوحات والنصوص يمكن إدراجها ضمن فن الملصق السياسي التحريضي، وهي لا تصل إلي مستوي إنتاج اللوحة الفنية، وإن كانت تحمل صفتها. - وأخيرا، هناك في التاريخ الأدبي والفني العربي والعالمي ما يؤكد أن بعض الأدباء والفنانين أنتجوا أعمالا متميزة علي الرغم من علاقاتهم الوطيدة بسلطات استبدادية أو أنهم كانوا ضد ثورات وسلطات اتصفت بالثورية. والمسألة تتعلّق بالمستوي الفني للنص وبحساسيته الإنسانية التي قد لا تماثل حياة أو سلوك الكاتب.