فتحي غانم الإنسان والأديب توليفة انسانية خاصة من المشاعر والفكر والفن والانسانية أديب يحاول أن يتعايش مع الصحفي والصحافة بالنسبة إليه عمل والأدب حياة ورغم كونه صحفياً ورئيس تحرير لأكثر من جريدة، فقد حاول أن يروض الأديب الثائر في داخله الذي يدفعه أن يكون حراً بلا قيود العمل والتزاماته ويتفرغ للفن والأدب. ولقد عرفته أديباً قبل أن التقيه كصديق وزوج، فكانت قراءتي الأولي له في رواياته كالجبل والرجل الذي فقد ظله. وأذكر حادثة طريفة حينما كنت في الدراسة الثانوية فقد أثارت اعجابي روايته (الساخن والبارد) والتي تدور حول أدب الخيال العلمي، وأذكر أني كنت في احتفالية لأوائل الطلبة، وكانت جلستي بجوار رئيس تحرير مجلة آخر ساعة آنذاك الشاعر اسماعيل الحبروك وسألني عن الكتاب الذين اقرأ لهم فقلت فتحي غانم في روايته (السخن والبارد) فطلب مني أن أنطقها بطريقة صحيحة حتي لا يغضب مني المؤلف، وبعد سنوات وزواجي منه قصصت عليه القصة فأدخلها في نسيج احدي روايته، ولقد أردت من هذا أن أجيب عن تساؤلات عديدة كانت توجه إليه عن أبطال رواياته وربطها بأسماء وشخصيات معروفة، والتأكيد علي ما ورد من صفات وأفعال تنطبق علي صحفي أو سياسي معروف، ولقد سألت نفس السؤال فأجاب بأنه يأخذ سمات من شخصية معينة أو مواقف أو حدث ارتبط بشخص ويدخلها في تكوينته الأدبية لتتحول الي كائن يتحرك فهو ليس كاتب سير تاريخية، وأكثر رواياته إثارة للتساؤل هي (رباعية الرجل الذي فقد ظله) وهي تدور حول يوسف السويفي الشاب الذي أصبح رئيساً للتحرير بأسلوب الغاية تبرر الوسيلة، ولقد نسبها البعض لشخصية صحفية شهيرة ونفي هو ذلك بأنه لا يؤرخ لأشخاص، ولقد سئل عن ذلك في ندوة في الكويت بل إن الأستاذ محمد التابعي حين صدرت الرواية اتصل به، وقال له: إن البعض أخبره أنه كتب رواية عنه.. نفس الأمر بالنسبة لرواية (زينب والعرش) فكانت التساؤلات حول شخصية عبدالهادي وقال لي إن الأستاذ مصطفي أمين ذكر إنها تحمل ملامح من شخصيته، وكذلك شخصية يوسف التي نسبت لشخصيتين صحفيتين معروفتين. أما الشخصية التي أوحت له برواية (حكاية تو) فهو اليساري المعروف شهدي عطية وما تعرض له في السجن، وكذلك فإن روايته الأخيرة (صاحبة العظمة وصاحب الفخامة) فقد استعمل فيها تكنيكياً فنياً جديداً استمد بعض السمات من صديق له كاتب يساري معروف وشخصية صاحبة العظمة من بعض ملامح لشخصية عربية. واذا رجعنا لتجربته الأدبية الأولي في الرواية الطويلة وهي (الجبل) والتي لاقت استجابة كبيرة من قراء روز اليوسف وهي تعكس تجربته كمفتش تحقيقات في وزارة المعارف بخصوص شكاوي من أهل القرنة ضد المهندس المعماري الشهير حسن فتحي، حيث سعي الأهالي بكل الوسائل لعدم ترك الجبل مصدر رزقهم الوحيد القائم علي سرقة الآثار وبيعها، والرواية تعكس منظورا معينا، فلكي تدخل تغييرا في محيط حياة الأهالي وتدخل تحديثا يجب أن تنظر للبشر وحياتهم، وإيجاد مصدر رزق بديل من البشر أهم من المبني، ولقد تعرض لهجوم عنيف من احدي السيدات في حفل والتي اعتبرت الرواية هجوما علي الدكتور حسن فتحي، وكانت رواياته تعكس صورة للتغيرات الاجتماعية والسياسية التي تطرأ علي الساحة المصرية، فروايته (كثير من العنف قليل من الحب) تعكس أوضاع المجتمع المصري، وما دخل عليه من تطورات وانفتاح وتأثيرها علي الشعب المصري (وقصة الأفيال) التي تنبأ بموجة الارهاب في السبعينات، وانتهت باغتيال السادات، وكيف يتحول الضابط المسئول عن متابعة خلايا الإرهاب الي أحد قادته، ولقد تحولت الرواية الي مسلسل ولكن الرقابة آنذاك قامت بحذف أكثر من عشر حلقات من المسلسل. ولقد اتصل بوزير الإعلام فأمر بإعادتها، ولكن كان قد تم مسح أشرطة تلك الحلقات، وفي رأيه أن المسلسل بهذه الصورة لم يكن يعكس رؤيته الحقيقية، ومازلت أتساءل عن سبب موقف التليفزيون المصري من رواية (بنت من شبرا) والتي أذيعت في جميع المحطات العربية ماعدا مصر رغم أنها لا تمس أحداً والمعروف أن فكر فتخي غانم ليبرالي لا يحمل سمة التعصب.
أما فتحي غانم الصحفي فقد بدأ عمله في الوزارة مع أحمد بهاء الدين ثم انتقل للصحافة، وكانت روز اليوسف هي المدرسة التي تعلم فيها الفن الصحفي، ولقد ذكر أنه في بداية عمله طلب منه كتابة موضوع والالتقاء بأسرة أحد الذين دبروا محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر من جماعة الاخوان في المنشية وحين ذهب وجد أسرة تعيش في حالة من البؤس والفقر الشديد فوصف ما رآه من مظاهر التعاسة والفقر مما أغضب القيادة السياسية، واعتبرت انه سيؤدي الي اثارة التعاطف مع المتآمرين. ولقد أصبح رئيسا لتحرير ورئيس مجلس ادارة جريدة الجمهورية ولقد قص علي موقفاً له مع الرئيس جمال عبدالناصر فقد طلب منه الترشيح لمنصب النقيب وكان الأستاذ حافظ محمود رشح نفسه لنفس المنصب وحين التقاه أخبره الأستاذ حافظ محمود أن الرئيس طلب منه أيضا الترشيح لمنصب النقيب، وكان الرئيس يريد أن يعرف حجم اليسار المؤيد لفتحي غانم عن طريق الأصوات التي سيحصل عليها. كان حبه الأكبر لصباح الخير وروز اليوسف وكانت تربطه بالسيدة روز اليوسف صداقة ومودة، ويشعر أن روز اليوسف بيته الحقيقي. أما فتحي الانسان فيكفي أن أرجع لما كتب عنه بأقلام عديدة بعد وفاته بأنه الرجل الذي لم يفقد ظله، ففتحي فنان في تعامله مع البشر هاديء الطبع إلا حين يكون في حالة إعداد وكتابة لاحدي رواياته، فيصبح كتلة من الأعصاب والأحاسيس وأي تصرف بسيط يثير ثائرته. رغم أن الجو الصحفي بطبيعته جو يدخل الفرد في دائرة العلاقات الاجتماعية فإنه كان يميل للعزلة، وكانت هوايته الرئيسية لعب الشطرنج في نادي الجزيرة، وكان أحد أبطال مصر في تلك اللعبة، ويحتفظ في المنزل بكتب ومع وجود الكمبيوتر كان يمارس هوايته. ولقد التقيت في نادي الجزيرة بأحد معارفي الذي كان يشاركه في لعب الدومينو أيضا فذكر لي أنه رمز لأحد شخصيات الأفيال صداقاته محدودة، وكان صلاح حافظ من أقرب الناس إليه وأدهم حنين وعلاء الديب وكامل زهيري ود.جابر عصفور ود.صلاح فضل بالإضافة إلي الحاجة سعاد مدير الادارة لروز اليوسف ولقد تعرض للوقف عن العمل والعزل في عهد الرئيس السادات هو وصلاح حافظ بسبب ما يسمي بانتفاضة الحرامية حيث خرجت روز اليوسف عن المألوف في بقية الصحف، وكتبت أن الانتفاصة وراءها سوء الأحوال الاقتصادية فعزله من رئاسة التحرير ومنعه من الكتابة ولقد أفادهما في التفرغ لكتابة (سيناريو زينب والعرش). وكان فتحي من الرجال الذين يحترمون المرأة وعملها وكنت حين أستشيره في أمر يبدي رأيه ولكن يؤكد أن علي أن أختار ما اقتنع به، وكنت قارئه الأول حيث كان يطلب مني ابداء رأيي بصفتي قارئا محايدا ليعرف مدي القبول لرواية ولقد ظل فتحي حريصاً رغم مرضه علي الكتابة والتواصل مع قراء روز اليوسف وصباح الخير، وقد واجه حقيقة مرضه بكل شجاعة وايمان، وكان الشيء الوحيد الذي يحرص عليه ألا يراه أحد في فراش المرض ضعيفاً، ولذلك كان يرفض الزيارة، والوحيد الذي سعد بلقائه والتقاه قبل وفاته بأيام كان الرسام بهجت وكان سعيداً به وأهداه رسما له كتب تحته من بهاجيجو الي فتاتيحو. رحم الله فتحي غانم فكان فنانا وإنساناً نقياً لم يتغير ولم يفقد ظله. حين يكون في حالة إعداد وكتابة لإحدي رواياته، يصبح كتلة من الأعصاب والأحاسيس وأي تصرف بسيط يثير ثائرته!