في مساء الأربعاء الماضي 12/4/0102 كنت استمع - كعادتي - إلي الفقيه المستنير، الشيخ خالد الجندي، وكان بصدد تفسير قوله تعالي: »لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون« (آل عمران29)، حيث فسر كلمة »تنفقوا« بردها إلي أصلها المجرد: »نفق« وأن معناها: (هلك وفني). وهنا اتوقف مع شيخنا الجليل، لنقول إن اللغة العربية ليست لغة معجم، وإنما هي لغة سياق، فالسياق هو الذي يحدد معني الكلمة، ونمثل لذلك بالفعل (قضي) إذ أن معناه لن يتحدد إلا بالسياق الذي يرد فيه، أقول: قضي نحبه (مات)، وقضي دينه (سدده)، وقضي بسجنه (حكم عليه) وقضي نهاره في المذاكرة (امضي وقته) وقضي حاجته (أتمها)، وهو الأمر نفسه مع الفعل (نفق)، أقول: نفق الرجل (مات)، ونفق البيع (راج)، ونفقت السلعة: (غلت ورغب فيها)، وهو أيضا ما ينطبق علي الفعل (أنفق)، فأقول: أنفق القوم (نفقت سوقهم)، ونفق ماله (قل ونقص) وأنفق المال: (صرفه)، والإنفاق: (ماينفق من المال)، من هنا نري ان (الإنفاق) هو: (انفاق المال) وهو المعني المقصود في الآية الكريمة، لأنه إنفاق استثمار لا يعادله استثمار بشري. وبما أن القرآن يفسر بعضه بعضاً، نستعيد هنا قوله تعالي: »مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة« (البقرة162) وقوله تعالي: »ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين« (البقرة 562) أي أن الإنفاق استثمار، لا ضياع وهلاك، حتي لو كان إهلاكا في الخير. وصيغة (أنفق) لا يمكن أن تعطي معني (الإهلاك) ذلك أن الفعل في اللغة العربية ثلاثة أقسام، أولها الفعل المتعدي، أي الذي ينصب مفعولاً به، أقول: (شرب الطفل اللبن) والفعل اللازم، وهو الذي يصل إلي المفعول به بحرف الجر، أقول: (مررت بسمير) و(سلمت علي خالد) والفعل الثالث ليس له مفعول أصلا، مثل (نفق - قضي - قام - وقف) ومادام الفعل (نفق) بلا مفعول، فلن يكون له مصب يستقبل فاعليته، وبهذا يكون الإهلاك بلا فائدة، أما (أنفق) فله مصب يصب فيه، ومن ثم قلنا عنه إنه استثمار في البر. أقول قولي هذا، وأنا أدرك أن الشيخ علي علم بذلك، لكنها وجهة نظر قد تكون مغايرة، وهذا ما علمنا إياه الإمام الشافعي رضي الله عنه: (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب).