1 كنت أهرب من المدرسة وأذهب للقراءة في مكتبة مبارك (مكتبة مصر حاليا) واتطلع الي كتب نجيب محفوظ.. عرفته عجوزا طوال الوقت.. لم أره صغيرا قط.. حتي وأنا اقرأ أعماله البعيدة زمنيا أتخيله عجوزا.. يرتعش القلم بيده وهو ينظم دروب رواياته.. وهو يفرد مشاعر شخوصه علي الصفحات.. وأول ما قرأت له الروايات التاريخية التي لم تعجبني ولم أتحمس لاستكمالها.. قد يكون السبب لغلاظة اللغة.. وقد يكون لكوني غير مهتم بهذه المرحلة التاريخية آنذاك.. لكنه جذبني بشخوصه وحكاياته عندما وصلت للمرحلة الثانوية وقرأت أولاد حارتنا.. فتنت بها.وتعلقت أكثر به كلما قرأت جملا علي لسان شخوصه تجيب علي أسئلة تدور بذهني.. لاحظت شخوصه التي كان يشكلها بعناية شديدة وبانتظام كما كان ينظم يومه.. يكثف أيدلوجيات في شخوص كما لو أنه يشرب قهوة الصباح بعد تزويغه من العمل الروتيني.. يجمع متناقضات الوطن في سي السيد.. يدرك الشيب في بنسيون ميرامار.. ويتوقف العالم في أسانسير بين السما والأرض.. لا يميل للتنظير ولا التورط فيما لا يحب.. سأله مرة الاديب يوسف القعيد في آخر حفل لعيد ميلاده والذي أذاعته قناة دريم.. يوسف القعيد : شايف مشاكل مصر تتحل إزاي ؟ محفوظ : أنا لو كنت أعرف كنت سكت.. أكيد كنت قلت وضحك.. وهو يرد هنا علي السؤال المتداول حول وظيفة الفنان..
2 انشغلت بفترات سفري لأوروبا بسؤال لماذا يقرأ الأوربيون نجيب محفوظ ؟..هل لأنه حصل علي جائزة نوبل ؟ هل لأنه توغل وتعمق في المحلية كما لقنونا في الصغر العالمية تبدأ من المحلية ؟ وجهت سؤالا لأحد القراء النرويجيين بالمكتبة :هل تعرف نجيب محفوظ؟قال نعم. هل تحبه؟قال نعم. لماذا ؟ قال: لأن هناك مشتركاً إنسانياً يجمعني به.. أنا لا أعرف مصر جيدا ولا أعرف المناطق التي يحكي عنها نجيب محفوظ ولكني أحب قراءة أعماله لأني أشعر أنها قريبة مني..أقرأ نجيب محفوظ كما أقرأ ماكسيم جوركي كما أقرأ إبسن.. هناك شئ ما يجمعنا جميعا. هذه هي العالمية.
3 الهوس يجعل المهووس يصنع أشياء ويصدقها وحده.. وأنا صغير كنت أشم رائحة كتب نجيب محفوظ وأميزها عن كتب الحكيم أو الكتب الحديثة نوعا ما..و مازال ولعي بكتب وبرائحة كتب نجيب محفوظ موجودة.. وسيظل العم نجيب محفوظ الكاتب المتجاوز أجيالا كثيرة ظهرت بعده.