"لا تزال المسافات بعيدة بين العالم العربي، إذا تعلق الأمر بالكتاب". يفسر الفلسطيني يحيي يخلف سبب إصداره لأحدث رواياته، عن دار الشروق بالقاهرة، ويضيف "لفترة طويلة ظللت غير معروف إلا بالنسبة للنخبة المصرية، وتلك الخطوة ستسهم في تعريف القراء المصريين بي، خاصة وأن الدار ستنشر كل أعمالي". في هذا الحوار يتحدث الروائي الفلسطيني عن الحفاوة المصرية في استقبال عمله الجديد، ورؤيته للثورة المصرية، وتأثيرها علي القضية الفلسطينية، والمصالحة بين فتح وحماس، وكيف يري المشهد السوري، ولكن كان الأنسب أن أبدأ معه، من القاهرة، ومن روايته "جنة ونار". يقول "تلك أول مرة تصدر لي رواية، من مصر. في السابق كنت أنشر في بيروت، تحديداً في دار الآداب. رغبت في أن تصدر "جنة ونار" من القاهرة، لأنني أعتبرها عاصمة الثقافة والكتاب العربيين، وكان يحزنني ألا تُوزع كتبي بالقدر الكافي، في مصر، بحيث أنني معروف للنخب التي كانت تتابع أعمالي منذ روايتي الأولي التي حظيت بشهرة كبيرة (نجران تحت الصفر)، ونحن، الكتّاب العرب، تتلمذنا علي إبداعات الأدباء المصريين، وكان الكتاب المصري زادنا الثقافي، منذ الستينيات، وخصوصاً في الفترة الناصرية، حيث شهدت مصر نهوضاً ثقافياً وثراء في الإصدارات المهمة، علي صعيد الرواية والشعر والدراسة والعلوم الاجتماعية والإنسانية، وأيضاً كنا نتواصل مع كتاب وأدباء مصر، وكان يجمعنا بشكل خاص معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي يعتبر أكبر المعارض العربية، بيروت أيضاً كانت عاصمة للكتاب، لكن الظروف والأزمات التي مرّت بها، لعبت دوراً في تراجع دورها الريادي، لكن لنقل إنها وعواصم أخري كانت مكملة للمشهد الثقافي العربي. وعموماً لقد سعدت جداً بصدور الرواية من القاهرة، والطريقة التي استقبل بها المثقفون والإعلام الرواية". ذهب يخلف إلي دار الشروق طوعاً، وهو يعلم أنها ستحتكر أعماله، يشرح وجهة نظره في ذلك: "من المهم أن يكون للكاتب عنوان واحد، دار نشر واحدة، بمثابة المكان الذي يسكن فيه إبداعه، وأنا ضد التوزع علي دور نشر كثيرة، لذلك أعتقد أن دار الشروق ستكون عنواني". خالد مشعل قال إن الثورة المصرية أعطت أملاً في استعادة فلسطين، كيف يري صاحب (نجران تحت الصفر) "يناير"؟ يقول: "لا ثورة بدون ثقافة، ولا ثورة بدون أدب وفن ثوريين. تلك الثورة لم تأت من فراغ. هناك تراث فكري ونضالي للشعب المصري، تمثل في بداية القرن الماضي، في انطلاق نهضة مصر، والنهضة العربية، منذ رفاعة الطهطاوي، ومحمد عبده، والكواكبي، والأفغاني، ورشيد رضا، ومن ثم طه حسين، والعقاد وسلامة موسي، ولطفي السيد، وغيرهم من القامات العالية، وامتدت تلك النهضة إلي العالم العربي، وساهمت في إثرائها قامات من بلاد الشام والعراق والمغرب العربي، ومن ثم ساهم، من بعد ذلك، العديد من المفكرين في الخمسينيات والستينيات، وحتي عشية الثورة، في مجالات الآداب والفنون والفكر السياسي، وغيرها، وكانت مصر تشهد، دائماً، حراكاً سياسياً وفكرياً ووطنياً. كل ذلك كان الأرضية الفكرية لهذه الثورة. ما جري في ميدان التحرير، هو نتيجة حراك طويل له أبعاد ثقافية وسياسية، وحققت الثورة ما يمكن أن نسميه بثنائية الأصالة والمعاصرة، وتلك المعاصرة تمثلت في تسخير التكنولوجيا، أو ما نسميه بالثقافة الرقمية، التي عجلت بالانفجار أو الشرارة التي انتقلت بسرعة البرق إلي العالم العربي، وما كان لهذا التغيير أن يشمل أقطاراً من العالم العربي، لو لم يبدأ التغيير من مصر. يري يخلف أن الثورة المصرية ستكون قوة داعمة للقضية الفلسطينية، وللحقوق الوطنية للفلسطينيين، وهي عودة، وتقرير مصير، ودولة مستقلة عاصمتها القدس، بمعني أن الثورة ستعيد لمصر دورها الريادي في العالم العربي وفي الشرق الأوسط وفي السياسة الدولية: "أيام النظام السابق لم يكن للعالم العربي أي دور في السياسة الدولية، إذ كان اللاعبون، في الشرق الأوسط، هم إسرائيل وتركيا وإيران، وفقدت مصر، في ذلك الوقت، دورها كقوة إقليمية مؤثرة في الأمن والسلم الدوليين، وفي إيجاد مكان لائق تحت الشمس في الأمة العربية. مصر التغيير ستنتزع زمام المبادرة، وأنا علي ثقة في أنها ستكون اللاعب الأساسي في الشرق الأوسط ومفتاح السلم العادل في المنطقة". في مايو الماضي كانت هناك دعوات لانتفاضة فلسطينية ثالثة، وحدثت تحركات، لكن الحركة سرعان ما انقلبت إلي سكون، لماذا هذا الصمت العربي؟ هل الدول العربية مشغولة فقط بما يجري داخلها الآن؟ يجيب: "خلال العقود الثلاثة الماضية كان هناك انقسام ومناورات سياسية في العالم العربي، ولم تكن هناك دولة مركز تستطيع أن تلعب دوراً من أجل وحدة الصف في العالم العربي. في هذه الظروف وبعد الخروج من بيروت لم يعد أمام منظمة التحرير إلا أن تمارس العمل السياسي، لكن المفاجأة كانت عام 87 عندما أخذ الشباب الفلسطيني زمام المبادرة، وخصوصاً جيل الشباب، وأطلق الانتفاضة الأولي، التي رفعت من شأن القضية الفلسطينية، وأوصلت صوتها إلي عمق الرأي العام العربي والعالمي، لكن تلك الانتفاضة، التي استمرت حوالي ست سنوات، لم تحقق أهدافها في إزالة الاحتلال، لأن الوضع الدولي كان ظالماً ومنحازاً لإسرائيل، كما أن العرب كانوا قد استبعدوا خيار الحرب، ولم يستطيعوا الضغط من أجل تحقيق سلام عادل، وبعد حرب الخليج، جاء مؤتمر مدريد الذي أطلق مفاوضات عبثية، أعقبتها اتفاقية المبادئ في أوسلو، وحصلت عملية سلام غير متكافئة، بحيث لم تحقق الاتفاقية أي نتائج تُذكر، لأنها، أولاً، كانت مجحفة، وثانياً، لأن الوضع العربي كان يتحرك في إطار محورين، الأول، ما يسمي ب(الاعتدال) الذي لم يشكل قوي ضاغطة علي إسرائيل، ولعب دور الوسيط، والثاني ما أطلق عليه (الخطاب القومجي) الزائف، ذلك الخطاب رفع الشعارات ولكنه لم يطلق رصاصة واحدة. ما بين هذين المحورين لم يعد للعامل العربي، في السياسة الفلسطينية، أي أثر في تقويتها، أو الضغط علي إسرائيل حتي تنسحب، ورغم أن القضية عالقة حالياً، وسط ظروف صعبة وملتبسة وقليلة الخيارات إلا أن الشعب الفلسطيني الذي صنع الانتفاضة ما يزال متمسكاً بحقوقه الوطنية، كما أن شبابنا الذين تأثروا بالتغيير الذي جري في مصر رفعوا شعاري إنهاء الاحتلال، وإنهاء الانقسام، والأخير تحقق إلي حد بعيد، وبقي أن ننهي الاحتلال، ونحن علي ثقة في أن الشعب الفلسطيني يبتدع وسائله النضالية في الكفاح، ويبحث عن خيارات مقاومة، ويعرف ان الطريق صعب ولكنه لا يعبأ بتلك الصعوبة". وزيرة الثقافة الفلسطيني الأسبق يري المصالحة بين فتح وحماس في القاهرة إنجازاً مهماً: "الشعب الفلسطيني اختار التعددية والديمقراطية أسلوباً ومنهجاً، ورغم الصعوبات فإن الديمقراطية ستتكرّس. هناك عيوب تظهر دوماً في البدايات، ولكن اتفاق فتح وحماس، وكذلك الفصائل الأخري خطوة إيجابية علي الطريق الصحيح، غير أن الطريق إلي الديمقراطية لا يزال محفوفاً بالمخاطر، لأنه يوجد، في الطرفين، من يعيق ويضع العراقيل، ولكن، في النهاية، لا يوجد بديل عن المصالحة، ووحدة الجبهة الداخلية". حماس سلطة مقاومة فاشية، لا ترحم الفلسطينيين الذين يخرجون عن خطوطها الدينية، وفتح سلطة لا تفتقر إلي الفساد، والشعب الفلسطيني لا يعرف كيف يقاوم بينما تثقل عليه الإثنتان، يعلق يخلف "الحركة الوطنية الفلسطينية تحتاج إلي تجديد، وإعادة بناء وتطهير، نحن لم نستورد قيادة، الظروف جلبت القيادات، التي أعتقد أن معظمها ليس مقنعاً للشعب الفلسطيني. ربما ونحن، في صحبة صناديق الاقتراع، سنختار، والخيارات لن تكون من فتح وحماس. هناك مجتمع مدني، وقيادات شابة، ومستقلون. إذا أجريت انتخابات تشريعية ورئاسية سيختار الشعب الفلسطيني كل ما هو جديد، لأنه سئم الوجوه القديمة". فلسطينيو الشتات في الأغلب منحازون لبشار الأسد، بينما فلسطينيو الداخل يرونه جزاراً، إنه يلعب علي إثارة مشاعر الفلسطينيين بحديثه عن نضالهم وبتأكيده علي أن السلطة الفلسطينية هي السلطة الشرعية الوحيدة في العالم العربي، ولكنهم، رغم ذلك يرونه طاغية. كيف يري يخلف المشهد السوري؟ يقول "نحن بالتأكيد مع الشعب السوري ولسنا مع النظام، والشعب السوري من أكثر الشعوب عروبة ووطنية، وسوريا احتضنت المقاومة الفلسطينية منذ البداية، وكان السوريون يدعمون الحركة الفدائية. النظام السوري قمعي، وربما من أخطر الأنظمة العربية، فالحريات غائبة تماماً، وما نراه اليوم، من زج للجيش في ضرب الاحتجاجات الجماهيرية، أمر لا يقبله عاقل، لأن مكان الجيش السوري في الجبهة لا المدن، وبهذه المناسبة أحيي القوات المسلحة المصرية، التي رفضت قمع ثوار التحرير، وحمت الدولة، كذلك الجيش التونسي. ما يحدث في في سوريا وليبيا يعكس صورة الديكتاتور في العالم العربي، ونحن علي ثقة في أنّ الثورة السورية ستحقق أهدافها وستبني سوريا من جديد، سوريا الديمقراطية التي ستأخذ مكانها اللائق في خارطة العالم العربي. سقوط النظام السوري الوحشي المخابراتي قادم لا محالة لأنه لم يأخذ العبرة من مصر وتونس، وما يرفعه من شعارات وممانعة أثبتت الأحداث أنها زائفة".