آخر تطورات أسعار النفط بعد اضطراب الإمدادات بسبب العاصفة المدارية "فرنسين"    لحظة بلحظة.. أسعار الدولار اليوم الثلاثاء داخل البنوك المصرية    سعر الفراخ البيضاء وكارتونة البيض بالاسواق اليوم الثلاثاء 10 سبتمبر 2024    مقتل طفل إثر هجوم مسيرات أوكرانية في موسكو    طقس اليوم: شديد الحرارة نهارا مائل للحرارة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 37    اسعار الذهب اليوم وعيار 21 الان ببداية تعاملات الثلاثاء 10 سبتمبر 2024    جامعة الأقصر تحدد قواعد قبول الطلبة والطالبات للسكن الجامعي    القنوات الناقلة لمباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات أمم إفريقيا    رسميًا.. رابط تنسيق المرحلة الثالثة 2024 ( الكليات المتاحة علمي وأدبي )    تعرف على مميزات وموعد إطلاق نظام iOS 18 المرتقب من آبل    المملكة المتحدة تستضيف بلينكن في مسعى لتعزيز العلاقة الخاصة    بعد قراري «الأهلي» و«مصر».. تعرف على حد السحب في البنوك الحكومية    «أونروا»: جيش الاحتلال الإسرائيلي اعترض تحت تهديد السلاح قافلة متجهة لشمال غزة    هل يُخفض الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة؟.. توقعات صادمة    أخيرا ظهر.. كهربا يكشف أسباب غيابه عن مران الفريق وموقف الأهلي (تفاصيل)    تصفيات أمم إفريقيا - مابولولو يسجل في خسارة السودان أمام أنجولا    رئيس إنبي: الأهلي لو رفع سماعة التليفون وطلب لاعب هوديه بنفسي والجلوس مع الخطيب شرف لأي حد    شعبة السيارات: لا استيراد لذوي الهمم إلا بعد بحث اجتماعي.. وتوجه للإفراج عن المعلقة بالجمارك    خبير يكشف توقعاته بعد الاعتراضات المصرية وخطابات مجلس الأمن حول سد النهضة    انهيار عقار الزيتون.. «ناصر» قعد للموت و«نادية» فرت برجليها (تفاصيل وصور)    وفاة نجم «Star Wars» جيمس إيرل جونز    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 10 سبتمبر 2024: فرصة لتجديد العلاقات    إيهاب فهمي يروج لدوره في مسلسل «برغم القانون»: نعدكم بعمل ينال إعجابكم    اللهمَّ اشغل قلوبنا بحبك.. من دعاء الصالحين في نصف الليل الأخير    حكاية «أم محمد» أشهر شواية سمك بسوق الميدان بالإسكندرية| صور    إبراهيم نور الدين: الكاميرا بتحبني ولم أبحث عن الشو ولن أسعى لرئاسة لجنة الحكام    سعاد صالح: نشر العلاقة الزوجية و الأحضان بين الأزواج على مواقع التواصل حرام شرعاً    دنيا سمير غانم تحتفل بعيد ميلاد زوجها رامي رضوان (فيديو)    أطفال ضمن ضحايا مجزرة القصف الإسرائيلى على مخيم المواصى فى خان يونس.. فيديو    حبس وغرامة مليون جنيه.. عقوبة إدارة مركز تجميع بلازما الدم بدون ترخيص وفقًا للقانون    مجزرة إسرائيلية فى خيام النازحين بمواصى خان يونس تسفر عن عشرات الشهداء والمفقودين    داري خرج من الإحماء مصابًا.. رائعة دياز تقود المغرب لهزيمة ليسوتو (فيديو)    مجلس القضاء الأعلى يقر مشروع الجزء الثاني من الحركة القضائية للعام القضائي 2024/ 2025    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. اليوم 10 سبتمبر 2024    حزب العدل يشيد بتعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية    «من حقك تعرف» .. هل يجوز وضع شرط بعدم التعدد فى وثيقة الزواج؟    مصرع شخصين وإصابة 11 آخرين فى حوادث طرق    تبادل إطلاق نار بين حرس الحدود الاسرائيلي ومهربين في صحراء النقب    مستشفى الرياض المركزي.. صرح طبي عملاق في كفر الشيخ| صور    البطل الأولمبي محمد السيد: صلاح ورونالدو الأفضل وهاخد شوبير في ماتش خماسي    إصابة سيدة في حريق هائل بمخزن كاوتش بمركز اطسا بالفيوم    لافروف يبحث مع الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي القضية الفلسطينية    «طبيب مزيف» يجري جراحة مستعينا بمقاطع «يوتيوب».. والنهاية مأساوية    "مصر ضد بتسوانا".. مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء والقنوات الناقلة    هنغاريا تعتزم تحويل مساعدات دفاعية إلى تشاد بدلا من أوكرانيا    أوقاف الفيوم تحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف من المسجد الكبير بالصعيدي    بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى.. ننشر حركة قيادات النيابة العامة    وجبة فاسدة.. العناية الإلهية تنقذ عمال مصنع بأكتوبر من الموت    هل طلبت زوجة عصام صاصا خلوة شرعية معه في السجن؟.. فيديو توضح ما حدث    إخلاء سبيل صاحبة إعلان ميلودي من قسم أكتوبر    سعاد صالح توضح حكم ارتداء الشباب للبناطيل المقطعة -(فيديو)    حدث بالفن| موقف محرج لابنة نجمة وثري يعرض على فنانة مرتب شهري وأول تعليق لبدرية طلبة بعد العملية    سعاد صالح: لا يجوز للزوج أن يأخذ مليمًا واحدًا من زوجته إلا بإذن    سامح قاسم يكتب: سيد درويش.. من ألحان الفقراء إلى صوت الشعب    شارك صحافة من وإلى المواطن    حملة مكبرة لإزالة الإشغالات بأسواق المنشية للأسبوع الثاني    «البياع» رئيساً للمكتب الفني و «أبو زيد» مديراً لإدارة التحفظ    تعرف على فوائد تناول الأسماك يوميًا لمرضى السكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صور ابني الميت
نشر في أخبار الأدب يوم 27 - 03 - 2010

ابني مات ولن يذكره أحد، فلم احتفظ له بصورة داخل اطار مذهب اعلقها في صدر البيت تجدد الأحزان ونحن نلتف حولها في الذكري السنوية أو في المناسبات، ولم أطلق عليه اسما اتبعه بالراحل وأنا اتحدث عنه مع الاخرين حين تهل سير الموتي.
ابني مات ولم املأ الدنيا صراخا عليه كعادة نساء الجنوب اللائي انتمي إليهن. ساكنة كنت ابدو كسكون طرقات المستشفي الخاص الذي أرقد في احدي غرفه المغلقة فقط كنت اقاوم صرخة وشيكة الانفجار، كتمتها بملاءة السرير التي كورتها في فمي، انشطار كاد يزلزلني قاومته بخبطة عنيفة علي الحائط المجاور فانخلع سن الأبرة التي كانت تقطر الجلوكوز في دمي.
من فتحة الكالونة المثبتة في يدي خر الدم فأغرق المكان إلي جواري، انشغلت به وبالممرضة التي حاولت ايقاف الدم بغلق فتحة الكالونة. كنت ارتعش بشدة وكأن انشطارا يهزني بعنف وكنت اقاوم.
اتذكر ما فات أتأمل التجربة بحزن علي وليد بخسته حقه فلم احتفظ به بداخلي اكثر من ستة اشهر وعشرين يوما، ولم اهرول في كل الفضاءات الممكنة فزعا لموته المفاجيء ولم ارتد ملابس الحداد حزنا عليه. وربما اكتب الان لارسم صورة له ولاحتفظ بصورته الوحيدة والاخيرة قبل ان تتآكل مع تهدم الذاكرة.

قضيت وقتا طويلا في فك اجزاء السرير الصغير، بدأت أولا بالستارة الوردية الناعمة طويلة كانت علي عكس ما يبدو أخذت الكشكشات والكرانيش من طولها. مع اخر جزء انفصل منها من السرير كورتها ووضعتها بجانبي ثم رفعت المرتبة الصغيرة المزينة كسوتها بعرائس مبتهجة. وبدأت في فك جوانب السرير، مع انفصال أول ضلع منه اهتز ومع خروج الضلع الثاني انهار الضلعان الاخيران كومت المرتبة والستارة فوق السرير المنهار ونهضت.
وكنت قد زينت جدران غرفته المفترضة بصور اطفال ذوي وجوه مبتسمة. أنزلت أول صورة كانت لطفل يعارك الهواء ليعتمد علي خطوته الأولي بمزيج من الفرح والحذر يبتسم. قبلت الوجه المبتسم. تجنبت البكاء وواصلت عملي بشبه هدوء. انتزعت الصور واحدة وراء الاخري ثم طويتها جميعا علي وجوه الاطفال المبتسمة ووضعتها فوق كومة الأشياء التي انوي خروجها. سريعا فتحت الدولاب واخرجت شنطة ملابسه، لم يبللها بعرق مهده الطيب، ولم يغمرها بأنفاسه لأحتفظ بها. فتحت الشنطة وأخرجت القطعة البيضاء، هي آخر ما تبقي من ثوبه الوحيد والأخير فردتها وبدأت اخرج ملابسه قطعة قطعة. كانت بألوان جميلة تناسب مرحلة المهد ببراءتها العميقة، اشتريتها ضمن اشياء أخري بعد ما زادت حركته في بطني وبدأ يوسع حيز اقامته طرزت حواف بعضها ورسمت علي صدور اخريات بخيوط حريرية ملونة شمسا ونهرا طيورا وزهورا مبهجة، كوفرتات صغيرة تزين حافتها كرانيش ناعمة، بطانية ناعمة تزين ساحتها المخملية صورة لبكار بملامحه الجنوبية المبتهجة، لفائف بيضاء بفوستونات علي الحواف وضعتها كلها في القماشة البيضاء وربطت جوانبها الأربعة كل واحدة بالتي تقابلها ثم حملت الصرة وبرفق وضعتها ضمن الأشياء التي انوي خروجها، السرير والمرتبة، والصور الملفوفة علي وجوه الاطفال. تابعتها وهي تخرج من البيت مثل موكب جنائزي حزين، وكان سقوطي علي أول كرسي مثل انهيار مروع. اسندت رأسي علي ظهر الكرسي وبكيت.

أرتب صورة من الأقدم إلي الأحدث مرة والعكس مرة أخري وامام كل صورة اتوقف لأستعيد ذكريات التقاطها.
اقدم صورة كانت وعمره اسابيع قليلة كان مثل بقعة مضيئة تزيح قتامة حولها. البقعة المضيئة كانت علي الشاشة كتلة دموية نابضة تسبح بعشوائية، ابهجتني وجعلتني تلقائيا اضع يدي اسفل بطني علي مكانه المفترض وانا اخطو بحرص وكأني اجنبه سقوطا محتملا بعدها صور عديدة لايلحظ الفروق بينها الا متخصصا تطورات عديدة تابعتها ارهاصات حياة نبض القلب الذي سمعته عبر الأجهزة الطبية احسست به فيما بعد، نبضة صغيرة مثل رفرفة عصفور، ثم صارت نقرة خاطفة علي جدار البطن الذي بدأ ينتفخ معلنا عن وجوده. النقرة صارت رفسة شقية تجعلني اتوقف عن تطريز الثوب الذي في يدي واستمتع بآهة عفوية اطلقها مع شكة الابرة لاصبعي وانا اكمل تطريز ثيابه.
»المواد السكرية والعطور النفاذة يشعر بها فتزيد حركته«.
هكذا قالت ذوات الخبرة، فصرت احرص علي تناول كميات كبيرة من العصائر المسكرة واضع مزيدا من العطور التي تبهجه فيمارس اصراره علي توسع حيز اقامته، فيخبطني بضربات صغيرة تبهجني فأنتشي وأوقف كل الافعال الممكنة سوي الانتظار، وأود لو امسك اللحظة واوقفها عند دفقة الحياة تلك التي يبثها في أوصالي.
أحدث صورة كانت عبارة عن لقطات متتابعة، اكتمل تكوينه كبر لم يستطع الجهاز ان يلتقط صورة شاملة له كانت تتكشف اجزاء جسده الصغير مع انزلاق الجهاز علي بطني هذه عين... اذن... قدم... يد.. و... و... قلب ينبض.
اجزاء صغيرة لملمتها وشكلت منها صورة طورها خيالي وانا اكمل علي ثيابه مويجات النهر اضع اشعة الشمس او اكمل جناح عصفورة علي صدر ثوبه رأيته امامي يرفس اغطية مهده ويحبو ثم يتعثر امامي في الخطوة الأولي، تتعري ساقاه في بنطلون العام الماضي، وتشق شفته، وينزف عقب احدي نوبات شقاوته اقول »تعيش وتاخد غيرها« رأيت قامته تستطيل حتي يفوقني طولا رجل يملأ دنيتي في غمرة نشوتي حلمت بأن يكون ويكون ويكون ويكون.... وكان نزيف حاد افزعني وأفزع الدكتور فلم ينتظر بنفسه دفع بي التروللي بينما الممرضة تلهث ورآنا بكيس دم وعبوة جلوكوز..
يالله انقذ وليدي يا الله انقذ وليدي ياالله.. ياالله انقذ رجلي... يالله.. يالله... آآآه... آآآّه.. آآه.. آه..
لم نسمع صرخته لألتقط أنفاس الخلاص، لم يبهجني بصوته لأتغلب علي اعياء المخاض، عرق غزير غمرني، رعشة خوف وقلق، لم تطمئنني الممرضة بابتسامتها المعهودة ولم يهنئني الدكتور بالسلامة. وخزة في القلب تحولت إلي قبضة قوية قاسية تخلعه من مكانه وتجعلني وحدي اطلق آهة طويلة تشعل هواء العالم حولي بالحزن.

ها أنا اصل لاخر صورة تلك التي اخشي ان تتآكل مع تهدم الذاكرة. وجه مخنوقة براءته مزرق بالموت، عينان مغمضتان، انف عريض المقدمة، وفم مفتوح وكأنه يعاون الانف في سحب الهواء، كان مكتملا غير منقوص، بأذنين، ورجلين ويدين، كان صغير الحجم فاقد الروح.
آخر صورة كانت لجسد صغير ملقي إلي جواري، حرمه الموت من ان ارضعه حناني، ابكي وانا اتناول ثوبه الوحيد والاخير بيد مرتعشة ذلك الثوب الوحيد الذي لم اصنعه له، ها انا الان مجبرة علي لفه به، فردت القماش علي السرير، ونظرت إلي يدي كثيرا قبل ان احمله (كنت استشعر خشونة يدي علي جسده) لففته أولا بالقطن الناعم ثم لففته بالقماش الابيض، اختفي الوجه المزرق والجسد الضئيل تحول إلي اسطوانة تحوي جسدا ميتا اربط الجزء العلوي منها اعلي رأسه مباشرة بشريط ابيض من نفس القماش، وبسرعة اربط الجزء السفلي اسفل قدميه، اثبت الجسد الصغير في الاسطوانة برباط في المنتصف. بيد مرتعشة كنت أصب العطر علي جسده، وأضع يدي علي وجهي وابكي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.