" صورة البطاقة دي أهم صورة في حياتك .. وهي اللي هتعملك قيمة .. وعشان كدا صورتك لازم يكون عليها القيمة... " يستهل الفنان الشاب معرضه بورقة صفراء قديمة لفقرة مجتزئة من سيناريو وحيد حامد لفيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة " .. إنها الصورة الصغيرة التي لازمت معظمنا لفترات طويلة من حياته.. وكعادته منذ أن عرفته .. لم يكن محمد عز أبدا ممن يتعاملون مع الفوتوغرافيا كتسجيل مباشر للحظة أو حتي للقطة جميلة .. ولكنه دائم التفكير فيما وراء السطح .. كل لقطاته تحمل فلسفة من نوع خاص .. وحين اختار البورتريه موضوعا لمعرضه "خيالات رسمة" كان يبحث عن تلك العلاقة التي تربط الإنسان بصورته الشخصية .. تلك الأحاسيس التي تنتابه أمام العدسة .. ثم علاقته بصورته الشخصية ومدي رضاه عنها .. وعلاقة المصور بتلك الصور التي يلتقطها .. يقول عز منذ فترة وموضوع البورتريه يسيطر علي تفكيري .. أردت أن أعيد تقديم البورتريه الكلاسيكي بصورة مغايرة .. وكانت نقطة البداية من خلال مشاركتي بورشة قراءة بمركز الصورة المعاصرة .. حيث تم اختيار كتاب " الغرفة المضيئة .. تأملات في الفوتوغرافيا" للقراءة والمناقشة.. والكتاب ترجمة عربية لكتاب "كاميرا لوسيدا" للفيلسوف الفرنسي رولان بارت والذي قامت بترجمته هالة النمر .. يقول بارت في كتابه "البورتريه المصور هو حقل مسيج بالضرورة.. تتقاطع أربعة تصورات، وتتجابه، وتتشوه. أكون أمام العدسة في الوقت نفسه: الشخص الذي أعتقد أنه أنا، والشخص الذي أريد للآخرين أن يعتقدوا أنه أنا، والشخص الذي يعتقد المصور أنه أنا، والشخص الذي استعمله المصور لكي يعرض فنه" وقد كانت تصورات بارت للبورتريه هي نقطة بداية المشروع من خلال استلهام هذه العلاقات والتصورات في أعمال بصرية متنوعة، حيث ركز المشروع علي البورتريه التقليدي المرتبط ببطاقات تعريف الهوية والوثائق الرسمية لدي الدولة، وحيث توضع هذه الصور وتستمر لسنين طويلة علي أوراق رسمية، وشهادات تعليمية، وهويات دولية.. جدية هذه الصور تختزل أكثر من مجرد النظرة الفارغة، وتحول لحظة وجود زائلة إلي تكرار لا نهائية. يقول عز : فكرت في عمل استديو صغير أصور فيه الناس صوراً رسمية 4 * 6، وعرضت الموضوع علي حمدي رضا مؤسس ومدير أرت اللوا وهي مساحة للفنون المعاصرة تقع في منطقة أرض اللواء، الذي رحب بالفكرة ، وقد ساعدني المكان نظرا لوجوده في الشارع وفي منطقة مكتظة بالسكان .. وكذلك نظرا لثقة الناس في التعامل مع المكان، وبالفعل جهزنا إحدي الغرف بالمكان ونظفناها وأحضرنا أدوات إضاءة بسيطة، وبدأنا مرحلة التصوير وقبل أن أقوم بتصوير أي شخص كنت أشرح له الفكرة وكون صوره ستصبح جزءا من معرض فني أقوم بالإعداد له.. وكنت أطلب من الناس أيضا إضافة إلي تصويرهم صوراً فوتوغرافية، أن أصورهم فيديو لمدة لا تتجاوز دقيقة، حيث كنت أريد أن أجمع تعبيرات الوجه وما يعتمل في نفس الشخص من مشاعر مختلفة وهو في انتظار التصوير ومنها الانتظار والقلق والترقب، وغير ذلك.. بعدها قمت باقتطاع بضع ثوان من الفيديو وقمت بتكرارها بشكل ما بحيث يبقي الشخص جالساً أمام الكاميرا بنفس أبعاد 4 * 6 ولكن من خلال تصوير فيديو.. وكأن الموضوع مستمر..والشخص ينتظر للأبد . استديوهات قاهرية وقد استغرق الاعداد لمعرض "خيالات رسمة" بعض الوقت، ظهرت خلاله أفكار جديدة وتطورت، حيث أضاف عز لفكرته الأساسية موضوعات أخري.. ويعلق قائلا : كنت أريد أن أعرف ذلك الشعور الذي ينتاب الأشخاص الذين أٌقوم بتصويرهم، وأن أضع نفسي مكانهم، فلدي مشكلة مثل كثير من الناس في أن أذهب لاستديو لأتصور صورة رسمية 4 * 6 ، لذا قررت أن أتحدي نفسي وأن أتصور في أكثر من استديو، وفي نفس الوقت أصور الأشخاص أصحاب الاستديوهات الذين يقومون بتصويري، فبدأت البحث عن الاستديوهات خاصة القديمة منها في السيدة زينب، وإمبابة .. وكانت هذه بداية فكرة جديدة للمشاهد الداخلية للاستديوهات القاهرية، وكان أكثر ما أثري ذلك الموضوع هي تلك النقاشات التي أجريتها مع المصورين ، فقد حكي لي كل مصور عن تاريخ الاستديو، وعن الزمن الذي بدأ التصوير فيه والتطورات التي لحقت بالمهنة والتي عكست أيضا تطور المجتمع، كذلك تأثير انتشار الديجتال عليهم وما تبعها من تغيير تلك الطريقة التي اعتادوا عليها سنوات طويلة، وكذلك تغير رؤية الناس للفوتوغرافيا بعد أن أصبحت الكاميرا في يد الجميع، هناك قصص كثيرة وهو موضوع ثري للغاية .. ولذا فما قدمته في هذا المعرض هو مجرد بداية للمشروع الذي سأقوم باستكماله. اضحك الصورة تطلع حلوة سألت عز عن تأثره بفيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة " فأجابني: لقد شدني للغاية ذلك الحوار الذي يدور بين مصور في استديو وبين بياع طماطم يدفع عربته، وقتها كانت صورة البطاقة يتم تصويرها في استديو ووجدت أن هذا الحوار يلخص نظرة المجتمع للصورة الرسمية ، وكيف تعطي تلك الصورة قيمة للشخص ، ربما تعطي انطباعا بأنه ينتمي لطبقة أعلي تمنحه مزيدا من الاحترام، وهنا تتشكل الوجاهة الاجتماعية من تلك الصورة، إن مقارنة ذلك الحوار بما يحدث الآن يعكس ذلك التغيير الذي صحب ثورة الديجتال حتي علي مستوي التفكير في الصورة الرسمية. وربما لهذا السبب فكر عز أيضا في تلك الطرق التقليدية التي تتبعها الاستديوهات الشعبية في تسليم الصور، حيث قام بتسليم نسخة من الصور التي قام بتصويرها بعد تنعيم البشرة وتغيير الخلفية وطباعتها علي نموذج كذلك الذي تستخدمه الاستديوهات. ولم يكتف عز بذلك لقد حرص أيضا علي عرض واحدة من صوره وهو طفل صغير .. حيث يقول: كانت تلك هي الصورة التي استخدمتها في بداية دخول المدرسة والصورة إلي حد ما بها خدوش وألوان باهتة ووجدت أن تلك الصورة لها علاقة وثيقة بفكرة المعرض، وكيف ترتبط بك الصورة الرسمية لفترة طويلة وتستثير بداخلك سلسلة من الذكريات والأفكار ، فلم أكن أحب تلك الصورة كثيرا ومع ذلك عندما أرادوا تكريمي لتفوقي وضعوها في لوحة الشرف وظلت فترة طويلة في هذا المكان دون أن أكون راضيا ، لقد كان الأمر متعلقاً بتفوقي ولكنهم لم يسألوني عن رأيي في استخدام تلك الصورة تحديدا، وأعتقد أن لكل شخص منا ذكريات مرتبطة بصوره التي رافقته في حياته . خطأ تقني بطل أعمال فنية وقد اختتم محمد عز معرضه بمجموعة من تسعة بورتريهات لصديقه السوداني سانتو ، حيث مزج في كل صورة بين بورتريه صديقه ومجموعة من الصور الأخري من بينها صور لمشاهد من المدينة بطريقة أقرب للكولاج، والتي أعطتني انطباعاً بفكرة امتزاج المرء بالمدينة أو ربما بمفردات عالمه المحيطة ، لتعكس الفوتوغرافيا وجهاً آخر من وجوه الصورة الشخصية وارتباطها بما يعتمل في سيكولوجية الفرد وارتباطه بمفردات عالمه كجزء من تكوينه لشخصيته . تلك المجموعة الفنية البديعة - كما فاجأني عز- لم تكن مقصودة ،وإنما كانت نتاج خطأ فني في الكارت الذي كان يستخدمه في التصوير ، حيث يقول عز: "اكتشفت وجود مشكلة تقنية في الكارت حيث يقوم بمزج الصور بشكل عشوائي ، فقررت أن أعرض تلك الصور كما هي ، هي تجارب عشوائية ، النتيجة النهائية خارجة عن إرادتي .. وسوف استكمل هذه التجربة أيضا وهي تعكس وجود عامل إضافي، فحين يتحكم المصور بكل أدواته ثم يأتي عامل إضافي خارج عن إرادته قد تعطي صورا فنية غير متوقعة". إن "خيالات رسمة" لم يكن بالنسبة لي مجرد معرض، وإنما هي سلسلة من الأفكار التي يستكملها عز ضمن مشاريع أخري كثيرة يعمل عليها حاليا .. حيث يستهويه دائما البحث عن الجديد في الفوتوغرافيا بما في ذلك إعادة استخدام الأساليب والأدوات القديمة التي توقف معظم الفوتوغرافيين عن استخدامها لتقديم ما هو أيضا جديد فكريا وطرح موضوعات مختلفة عما هو شائع . الجدير بالذكر أن محمد عزالدين تخرج في كلية الهندسة جامعة القاهرة عام 2007 ، وقد بدأ اهتمامه بالفنون البصرية بصفة عامة قبل دراسته للهندسة بعدة سنوات ثم تركز جهده بدءا من عام 2003 علي التصوير الضوئي، وهو مهتم بفوتوغرافيا الشارع المصري والحياة اليومية والأحداث المعاصرة . وقد شارك في العديد من المعارض والأحداث الفنية المحلية والدولية حيث حصل علي عدة جوائز منها: جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مسابقة الاتحاد الأوروبي الأولي للتصوير 2008، وجائزة العين الذهبية من مسابقة الامارات الدولية للتصوير الفوتوغرافي 2009 وجائزة الشارقة للصورة العربية 2011 .