مفتتح: أيها الفقد يا كم كويت الجباه... وكويت القلوب بلفح لظاك الجنون... أيها الوجد أنت لنا خير سلوي تعصم الروح من خطفات المنون...
الفتي من (جهينة) والنخيل حزين... كان يملأ هذا الفضاء بذوب الحنين.. هائماً في ملامح أرض تُشَاغله، حين تسكنه بشموخ النخيل... إن (سوهاج) في قلبه تتبدي بسموق حميم.. والبيوت التي بات يحرسها الشجرُ المستطيل... و (جهينة) ترفد أعراقه بنبوغ بنيها وخفايا تطلعهم للخلود... وببأس لفرسانها تستدير تراوده عن عرائس إلهامها ثم تسكب في قلبه، ذلك اللهب المستحيل.. حين فارقها ظل سمت التفرد والانتماء، يوجهه... صوب وجهته في الطريق الطويل.. فمضي حاملاً قيم الأرض... وطهارة هذا التراب المقدس... بينما القلم الرمح في كفه مشرعاً لاينكسْ... تتردد في قلبه خاطرات (لابن إياس) كان منتظراً مولداً لفتيِّ.. يتوافق فيه هواه، ليلفح وجدانه بالهيام، وشوق الفتي العبقري الأصيل... والشهود كثر بينهم يتألق (ابن الأثير) حوله (الجاحظ) و(ابن زُنبُل) ذاك المفوه والمجتلي "الرمال" (ابن تغري بردي) و(المقريزي) الجبرتي ابن خلدون والعسقلاني ورفاعة شيخ شيوخ عباقرة التنوير... ثم شاعر بادية للجنوب.. الجهير... وتراث الجدود يفاجئه بالتماعة هذا الهزيع الأخير... بينما الفارس العربي بوجه (جهينة) في صبح (سوهاج)... في عيدها جاء يشعل في دمه وقدة العنفوان الجميل وعلي الشط كان مع الجند في أشرف حرب و(ناصر) عاد يقود رجال الغضب لقتال العدو (حرب الإستنزاف التي طالما جُهلت) عاد فيها الزعيمُ ليسقيَ أعداءنا مُرَ كأس الهوان المَهُول و(المراسل) يلبس خوذته لا يهاب الردي و(جمالٌ) يحب (جمالاً) بغير مدي ويسير مع الصف يشحن أبطاله بلظي الثأر.. ثأر الصعيد العصوف... باندفاع جسور مخيف... واجتراء الخطا صوب مجد العبور الصؤول... فإذا عاد كانت (حكايات هذا الغريب) تفجر فينا السؤال العصيَّ الجواب العجيب... والمآسي ندوب تذوب... والأماني طيوب... آه و(الزيني) يتدحرج في عصرنا من جديد عاد يسرق أحلامنا بالدهاء الغوي اللعوب... لا يثوب إلي رشده لا يثوب.. لا يتوب عن الغي لا.. لا يتوب وفتانا في قتام الرؤي يستريب.. كل يمامات إبداعه بلسان من الترجمات أريب.. والتصوف يخطفه.. حيث يلبس خرقته فوق جلد شغاف الفؤاد فتفيض الينابيع تحمل صوتاً له امتداد جديد وغير مُعَاد.. ليعيش به (ألف عام).. وسط هذا الزحام.. فمضي زاهداً تترامي بباطنه قوة المبصرين... و(الودود) يبصرُ أحبابه... ويسوق لهم سبلاً ورؤي للوداد... لا يزور مداها السواد... والفتي يتوهج فيه الثراء... ليبطنه بامتلاك سيول المداد والتجلي من الجلوة الباطنية... يفرش وجدانه باليقين.. وهنا تبدأ الجلوات.. و(التجليات) والتواريخ تعصر كل رحيق اللغات بوجدانه.. حين تغرس حربتها في حشاه... فتساقط أمطارها ديماً من عبر... آه من أين تشرق كل الصور؟؟!!! منذ أن زار مبضع جراح طب القلوب... فؤاداً.. توتر حين تصوف.. فشكا عنف دقاته وتوقف... فإذا بالمشيئة تفرض سلطانها وتعيد له النبض من الخفقات... والفتي خاشعٌ يتلقي من الأفق نور الهبات... صاعداً سكة السالكين... ويغوص إلي حيث يبصر ما لايبين... بعدها.. سار في درب من يبصرون... منشدا خلف سلطانهم... كُلٌ مَن في حماكَ يهوَاكَ، لكن أنا وحدي بكُل من في حماكا يحشرُ العاشقون تحتَ لوائي وجميعُ الحِسان تحت لواكا فجأة.. يستدير التراث فيخطفه للأماكن.. يتقري النتوءات تنطق جدرانُها فتبوح بأسرارها.. وزخارفُ فنّ العمارة، تُهديه سرَّ البهاء بها في أدق تفاصيلها... و(الجمالية) تعطي له مايريد.. حين تعبقُ في روحه بالمرايا، ورائحة للبخُور سرتْ فائرة وحده راْد أفقاً صار مرجعه والفوارس دوماً تجود والليالي تفيض بكل الرؤي المبهرة مثلما تجذب الروح كانت بشدِّ استمالته ظافرة.. آه والقلب يثقله همُّ أرض تئن... والأماسي تكرر أحداثها... ثم لاتطمئن.. فتوجع قلب الفتي بالهموم... وسط عصر توالت علي شمسه هجمات الغيوم.. فاعتراه نزيفٌ من البوح يعلن أن اكتمال الدوائر يفضي لهذا المدار (المدار الرحيل) آه ياروعة التخييل وعيون الرجاء يبللها دمعها ويسيل.. غير أن الفتي قد طوي جانحيه وأغلق جفنيه نحو غياب عجول.. فاستبد الرجيف بقلب النخيل... وبكي في (جمال) فتاه النبيل.. وتردد عبر النشيج واصطخاب العجيج : يادموع البيوت... : الخوارق ليست تموت... فبكت في (جهينة) حتي الرمال.. وبكي شجر السدر.. هذا الفتي اليعربي الأصيل.. والغياب الحضور... يلف الشداة وإن ضم عودَ (جمال) النحيل... حيث يبقيه تاجاً لرأس النخيل... إن حزن جهينة ليس له من مثيل...