في معرض فرانكفورت للكتاب 2011، ذهبت مع صديقة لي إلي المنطقة المخصصة للوكلاء الأدبيين لمقابلة وكيلة أمريكية، فلفت نظري أن معظم الوكلاء والكشافين الأدبيين literary scouts من النساء. خطر ببالي وقتها أن النشر العالمي عالم تحكمه النساء، وترسخ هذا الانطباع في نفسي أكثر في الاحتفالات الثقافية التي كانت تُقام علي هامش المعرض وعلي هامش معارض دولية أخري شاركت فيها. ومن يتابع الجوائز الأدبية الغربية ويحسب عدد الكاتبات الفائزات بأكثرها أهمية، لن يخطر بباله أن هناك ما يمكن وصفه بالتحيز ضد المرأة وكتابتها. لكن واقع الحال مختلف، فكاتبات غربيات عديدات يهاجمن تهميش المرأة الكاتبة والتحيز ضد النساء عامةً في الأوساط الثقافية هناك، وتحمِّل بعضهن دور النشر والمؤسسات الثقافية المهيمنة مسئولية هذا التهميش بدرجة كبيرة. وفي "بستان الكتب" لهذا الشهر نتوقف أمام الجدل الذي أثير مؤخراً حول هذا الموضوع، والذي بدأ بتدوينة نشرتها الكاتبة نيكولا جريفيث علي مدونتها رصدت فيها بالأرقام أن الروايات المكتوبة عن النساء تخاصمها الجوائز الكبري، فأبطال الروايات الفائزة، حتي تلك الروايات المكتوبة من قِبل نساء، رجال في معظم الحالات! واستكمالاً لما كتبته جريفيث، كتبت الباكستانية كاملة شمسي في الجارديان مطالبةً بأن تقتصر دور النشر البريطانية في عام 2018 علي نشر كتب الكاتبات فقط للفت النظر إلي أن النساء مهمشات في الدوائر الأدبية، ورغم أن اقتراح شمسي غير واقعي ومن الصعب تنفيذه وهي نفسها وصفته بالاستفزازي، فإن أهم ما جاء في مقالها كان التأكيد علي أن تهميش الكاتبات في الجوائز الأدبية، إن حدث، فالسبب الرئيسي فيه يرجع إلي أن دور النشر تميل إلي ترشيح أعمال الكتاب الرجال أكثر من أعمال الكاتبات للجوائز. في جائزة المان بوكر علي سبيل المثال، تدور نسبة أعمال الكاتبات في حدود 40٪ من الأعمال المرشحة، فماذا عن البوكر العربية؟ كم يبلغ عدد الروايات المكتوبة بأقلام كاتبات في كل دورة؟ في دورتها الأولي 2008: 20 من مجمل 128 رواية (15٪). 2009 : 16 من مجمل 104 رواية (15٪). 2010 : 21 من مجمل 117 رواية (17٪). 2011: 31 من مجمل 113 رواية (27٪) وهي أعلي نسبة لروايات النساء في عمر الجائزة، واللافت للنظر أن ذلك العام شهد وصول 7 كاتبات للقائمة الطويلة وفوز كاتبة هي رجاء عالم بالجائزة مناصفة مع الكاتب المغربي محمد الأشعري. 2012: 13 رواية من مجمل 101 رواية (13٪). 2013: 19 من إجمالي 133 رواية (15٪). 2014: 33 من إجمالي 156 رواية مقدمة للجائزة (21٪). 2015: 39 من إجمالي 180 رواية (22٪). وفي دورة 2016: 38 رواية من إجمالي 159 رواية (24٪). أما مشاركة النساء في جائزة كتارا في دورتها الأولي فوصلت إلي 157 رواية من مجموع 711 رواية بنسبة 22٪. لا أظن أن الأرقام السابقة تعبر عن الحضور الفعلي للمرأة الكاتبة في العالم العربي. لا أقول هنا إن الجوائز الأدبية معيار أكيد للحكم علي الجودة الفنية، ما يهمني فقط أن الأرقام هنا دالة علي نظرة الناشرين ودرجة تقديرهم لما ينشرونه من كتابات المرأة. بالطبع كل ناشر حر في اختياراته، ومن المؤكد أنه حريص علي ترشيح ما يراه الأفضل، وأن الحجة الجاهزة دوماً هي أن الكتابة الجيدة هي معيار الاختيار بغض النظر عن جنس كاتبها، كل هذا مفهوم لكن تبقي هذه الأرقام هزيلة بدرجة لافتة للنظر ومثيرة للأسئلة. م. ع