بات مؤكداً أن الدورة القادمة من معرض الكتاب ستكون بقاعة المؤتمرات.. المعرض الدولي سيترك مكانه بأرض المعارض لينتقل بالمنطقة نفسها إلي مكان فخم، وسط تخوفات من ضيق المساحة الجديدة، والرفاهية التي لا تتناسب مع الحالة الشعبوية للمعرض العجوز الذي يصل لدورته الثالثة والأربعين هذا العام.. هيئة الكتاب، الجهة المنظمة للمعرض الدولي، أكدت لأخبار الأدب أن المساحة لن تؤثر علي مشاركات الناشرين، لأن المعرض سيكون للناشرين فقط.. اللافت أن المكان الجديد يتكون من أربعة سرايات فقط، (تصل مساحة قاعة كومبليكس ل 8000 كيلومتر مربع، قاعة الجاليري 3000كيلومتر مربع، قاعة 4 تصل ل6000 كيلومتر مربع، والجسر ألف كيلومتر مربع).. هكذا سيخصص مكان احتفاليات بيع السيارات، والمؤتمرات الدولية للسياحة والبناء، للثقافة للمرة الأولي.. في السطور التالية نستطلع آراء عدد من المثقفين حول رؤيتهم لتأثير عملية نقل المعرض، وملاحظاتهم التي نرجو مراعاتها في دورة قاعة المؤتمرات. في البداية يبدي الروائي يوسف القعيد تخوفه ألا يصلح المكان لاستضافة معرض الكتاب حيث يستنكر في بر متسائلاً:" هل عاينوا المكان فعلاً؟"، يري أن المعرض هناك سيكون متقشفاً.." معرض دايت، بناشرين أقل". يتساءل القعيد "هل سيكون هناك مكان لبائعي سور الأزبكية؟". المعرض بالنسبة للروائي المنتمي لجيل الستينيات هو معرض لكتب الأزبكية المستعملة والقديمة "نسبة كبيرة من رواد المعرض تأتي خصيصاً من أجل كتب السور". اختيار المكان يمثل لغزاً بالنسبة للقعيد، لماذا ترك معرض القاهرة مكانه، "هناك تخطيط لتغيير أرض المعارض" يقول. يرصد يوسف مستقبل أرض المعارض :" أخشي أن تطوير المكان سيرسو به علي شاطئ الاستثمار، لا الثقافة، فيصير المكان مولاً ضخماً". أما الموقع الجديد فهو بمثابة "سجن أنيق"، هو مكان طارد للمثقفين بإجراءاته الأمنية المشددة، حسبما يري القعيد، الذي يتساءل:"هل ستكون هناك فرصة بالمؤتمرات لإقامة مقهي ثقافي؟". يشير القعيد إلي اقتراح سابق للراحل الدكتور ناصر الأنصاري بنقل المعرض إلي أرض فضاء بمنطقة الفسطاط.. حيث يري أن "هذا المكان سيكون أفضل"! إذا قارنا انتقال معرض القاهرة بتجربة انتقال معرض سوريا للكتاب، سنجد أن الأمر مطمئن! فقد انتقل المعرض الدمشقيّ عام 2004 إلي مدينة المعارض الجديدة علي طريق مطار دمشق الدولي، وأدي انتقاله إلي قلة الرواد والمبيعات، فعاد في العام التالي إلي مقره الدائم داخل العاصمة دمشق.. لكن إدارة المعرض قررت نقله مرة أخري للمكان البعيد.. لهذا اطمئن الشاعر عبد المنعم رمضان عندما علم من "أخبار الأدب" أن الموقع الجديد ليس خارج القاهرة، بل هو قريب من الموقع القديم.."كنا نسمع أنه سينتقل إلي خارج العاصمة". لكن بالنسبة للموقع الجديد :" أتمني أن يحرمنا من الضجيج وباعة المأكولات والشرائط، لكن أخشي أن يكون الدخول بالملابس الرسمية".. الجملة السابقة لرمضان تعكس تخوف عدد من المثقفين من فخامة المكان الجديد، خاصة أن الأنشطة المرتبطة به أغلبها احتفاليات لبيع السيارات، ومؤتمرات دولية للسياحة والبناء، ولم يسبق له استضافة فاعليات ثقافية إلا عدداً من دورات مهرجان السينما! لكن رمضان يرصد طبيعة المكان الجديد وتأثيره علي المعرض السنوي للكتاب، الذي سيكون بموقعه الجديد أشبه "بزنقة الستات، حيث لن تتسع الممرات للرواد، ولا عرض الكتب". رغم ذلك الموقع الجديد سيسمح بأن يكون المعرض مكاناً متحضراً. "المكان المغلق، والهادئ، سيجعل معرضنا مثل معرض بيروت..وهذا جميل" لكن سؤال رمضان الوحيد هو :" هل سيرتفع سعر تذكرة الدخول؟ بمعني هل سيظل المعرض للبسطاء!؟" القاص سعيد الكفراوي يعجز عن تخيل معرض الكتاب بقاعة المؤتمرات " معمار الرفاهية هذا مناسب لحفلات الغناء، والمهرجانات الفنية، وليس للاحتفاء بالكتاب". ويوضح قائلاً :"أنا كرجل تآلف مع المكان القديم، رغم أنني لا أحتفي كثيراً بالأشياء، أجدني رافضاً للانتقال". يعتبر الكفراوي الانتقال "لا مبرر له..عبر السنوات الماضية كان مكاناً لخدمة الكتاب والترويج له.. أرض المعارض كانت صالحة جداً للاحتفاء بالكتاب". قاعة المؤتمرات لا تصلح حسبما يري الكفراوي خاصة أنها "كانت تكفي بالكاد رواد مهرجان القاهرة السينمائي حينما كان يقام بها في الدورات السابقة.. المكان ضيق، هل ستضاف إليه مساحات بالخلاء لتكون خياماً للناشرين، وإذا حدث ذلك، هل سيقي ذلك الكتاب من مطر الشتاء". رغم ذلك يري أن المشكلة ليست في المساحة فقط، بل " إن معمار الرفاهية الخاص بقاعة المؤتمرات هو المشكلة.. المكان الفخم، الرخام، الزجاج، الصالونات.." كل هذا يتنافي مع تصور الكفراوي لمعرض الكاتب :"ليس مكاناً شعبياً يلتقي فيه المواطن البسيط سنوياً بالكتاب". يعتبر أن توقيت الانتقال غير مناسب :"أيام الجزيرة كان معرض الكتاب ناجحاً، وكان عدد الناس أقل، لم يتجاوز عدد المصريين 50 مليوناً، وكان الرواد أقل، ولكن المعرض انتقل مع زيادة عدد الرواد، والسكان أيضاً، وعندما انتقل لأرض المعارض ركز الراحل سمير سرحان علي تكثيف النشاط الثقافي المصاحب للمعرض، وتزايد عدد الندوات، لكن ما جدوي النقل الآن بعدما اعتاد الناس المكان، وصارت الاحتفالية الوحيدة سنوياً للمواطن المصري" يطرح الكفرواي عدة تساؤلات:" هل يشكو الأمن من أن المكان القديم يشكل تجمعاً للمثقفين يهدد بقيام مظاهرات، أو توزيع بيانات؟ أم أن الهدف إلغاء النشاط الثقافي المصاحب، الأمسيات الشعرية، والمقهي الثقافي؟". ميزة معرض القاهرة المساحة الضخمة، واهتمامه بالبيع فقط. أما بقية معارض العالم فمساحات العرض فيها محدودة، والهدف منها ليس بيع الكتاب، بل تسويق حقوق نشره وترجمته. لكن المعرض سيفقد هذا الاختلاف حسبما يوضح الروائي مكاوي سعيد، حيث يقول: " إنهم يحيروننا.. في السابق نقل المعرض من الجزيرة إلي أرض المعارض لضيق مساحة الأولي، والآن الانتقال لموقع أقل من حيث مساحة العرض". الموقع الجديد قد يؤدي لخلق "زحام وهمّي"، بسبب ضيق المساحة سيكون وجود 15 زائراً بأحد الممرات بمثابة زحام مثلما يحدث في معرض أبي ظبي. يتوقع مكاوي أن يهاب الجمهور دخول المؤتمرات :" المكان ربما يؤدي لأن يصبح المعرض لفئة محددة.. من يريد التثقف يبحث عن الكتب القديمة في الأزبكية. يتساءل مكاوي أيضاً :" هل سيكون الدخول بالملابس الرسمية؟"، ولكنه يضيف بوصفه مسئولاً عن الدار للنشر والتوزيع:" مع المساحة الضيقة، فإن الهيئة ربما ستجعل أولوية المشاركة للناشرين أعضاء الاتحاد"! لا يريد علاء خالد الدفاع "زيادة عن اللزوم عن المكان القديم". يري علاء أن المعرض كان يحتاج لتغيير. "الثقافة عندنا أن المكان الخاص بتجمعات المثقفين، لابد أن يكون أليفاً زيادة عن اللزوم، ونتعلق به، لكن أرض المعارض لم تكن مكاناً مناسباً لمعرض الكتاب.. تحول الموضوع إلي حالة شعبية يباع فيها كل شيء، لكنها ليست حالة مناسبة للكتاب. المسافة الكبيرة التي تمشيها من المدخل إلي سرايا الكتب". يري الانتقال فرصة ليصبح المعرض"أكثر هدوءً وانتقائية.. كنا نشاهد زخماً، وازدحام جدول الندوات بالأسماء، لكن لا تشعر أن هناك شيئاً يحدث بالفعل. كان المعرض عاطلاً". من جانبه يسأل الشاعر شعبان يوسف "الصديق المثقف حلمي النمنم :هل سيستوعب المكان الجديد "دور النشر التي تتوالد يومياً؟" يخشي شعبان أن يكون قرار الانتقال "عملية طاردة لهذه الدور الجديدة كما يخاف أن يكون الهدف "إحكام السيطرة علي المثقفين، تقليل عدد الرواد، وتقليص مساحة الجرأة في النشاط الثقافي المصاحب للمعرض.. حتي لا يكون هناك شغب ثقافي". إجمالاً يري يوسف أن القرار يبدو كمحاولة "لتقليص الظاهرة وتأمينها"!