شيخ الأزهر لطلاب غزة: علّمتم العالم الصمود والمثابرة    مصدر حكومي: حلف اليمين الدستورية للحكومة الجديدة مقرر له بعد العودة من إجازة عيد الأضحى المبارك    الأعلى للإعلام يكشف تفاصيل حجب جميع المنصات العاملة بدون ترخيص خلال 3 أشهر    انقطاع المياه عن عدة مناطق في أسيوط للصيانة غدا.. المواعيد والأماكن    توقعات بانكماش اقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة بنسبة 9.4% خلال 2024    مياه أسيوط: انقطاع المياه عن قرية المعابدة بمركز أبنوب لمدة 15 ساعة    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل«قصواء الخلالي»: مصر سندنا الأول    البيت الأبيض: سنتخذ خطوات جريئة في قمة السبع لإظهار ضعف بوتين    العراق يفوز على فيتنام 1/3 ... منتخب السعودية يسقط أمام الأردن ... التعادل السلبي يُخيم على مواجهة إيران وأوزبكستان ... منتخب الكويت يخطف بطاقة التأهل الأخيرة فى تصفيات وقطر يتخطى الهند    ريال مدريد ينافس تشيلسي على موهبة برازيلية جديدة    السر في «الكيس الأبيض».. سفاح التجمع يكشف تفاصيل مثيرة حول طريقة التخلص من ضحاياه    العثور على خراف نافقة بالبحر الأحمر.. البيئة: نتعقب السفينة المسئولة وسنلاحقها قضائيا    وزارة الأوقاف تشكل لجنة متابعة الإعداد لصلاة العيد بالساحات والمساجد    خالد النبوي يشكر صناع عمل فيلم أهل الكهف: تعيش السينما بمواهبها الحقيقية    سحلها في الفرح أمام المعازيم.. أول تعليق لأسرة عريس الشرقية: كان سوء تفاهم ورجعوا لبعض    محمد نور يضع اللمسات الأخيرة لأحدث أعماله لطرحها قريبًا    فضل صيام يوم عرفة 2024.. وأبرز الأدعية المأثورة    علي جمعة يوضح أعمال الحج: يوم التروية الثامن من ذي الحجة    قبل عيد الأضحى.. 7 أمور يستحب فعلها قبل التضحية    ماذا يحدث لجسمك عند النوم أقل من 7 ساعات يوميا؟.. مخاطر تعرضك للوفاة    أفضل طريقة لفك اللحوم بعد تجميدها.. عادة خاطئة تفقدها القيمة الغذائية    عالم أزهرى يكشف لقناة الناس لماذا لا يصوم الحجاج يوم عرفة.. فيديو    الإسماعيلي يحدد سعر بيع عبد الرحمن مجدي (خاص)    دي بروين يوجه صدمة مدوية لجماهير الاتحاد    كاتبة أردنية: كلمة الرئيس السيسي في قمة اليوم مكاشفة وكلها مدعومة بالحقائق والوثائق    رسالة جديدة من «الهجرة» للمصريين في دول النزاعات بشأن مبادرة استيراد السيارات    يوافق أول أيام عيد الأضحى.. ما حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة؟    نقابة الصيادلة: الدواء المصري هو الأرخص على مستوى العالم.. لازم نخلص من عقدة الخواجة    وكيل «صحة الشرقية» يناقش خطة اعتماد مستشفى الصدر ضمن التأمين الصحي الشامل    مفاجأة.. بيراميدز مهدد بعدم المشاركة في البطولات الإفريقية    مصدر بمكافحة المنشطات: إمكانية رفع الإيقاف عن رمضان صبحى لحين عقد جلسة استماع ثانية    «ناسا» تكشف عن المكان الأكثر حرارة على الأرض.. لن تصدق كم بلغت؟    عبدالقادر علام: التفرد والتميز ضمن معايير اختيار الأعمال فى المعرض العام 44    «بابا قالي رحمة اتجننت».. ابن سفاح التجمع يكشف تفاصيل خطيرة أمام جهات التحقيق    يورو 2024 - الإصابة تحرم ليفاندوفسكي من مواجهة هولندا    بريطانيا: ارتفاع مفاجئ في معدل البطالة يصيب سوق الوظائف بالوهن مجددا    بدائل الثانوية العامة.. شروط الالتحاق بمدرسة الضبعة النووية بعد الإعدادية (رابط مباشر للتقديم)    حقوق إنسان الشيوخ تتفقد مركز الإدمان والتعاطى بإمبابة    مصرع 39 شخصا في غرق مركب تقل مهاجرين قبالة سواحل اليمن    رئيس الضرائب: المصلحة تذلل العقبات أمام المستثمرين السنغافوريين    قافلة مجمع البحوث الإسلامية بكفر الشيخ لتصحيح المفاهيم الخاطئة    تطوير وصيانة وإنتاج خرائط.. وزير الري يكشف عن مجهودات توزيع المياه في مصر    تطوير مستشفى مطروح العام بتكلفة مليار جنيه وإنشاء أخرى للصحة النفسية    تأجيل محاكمة المتهم بإصابة شاب بشلل نصفى لتجاوزه السرعة ل30 يوليو المقبل    رئيس جامعة بني سويف يرأس عددا من الاجتماعات    عيار 24 الآن.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 11-6-2024 في محافظة المنيا    رئيس جامعة الأقصر يشارك في الاجتماع الدوري للمجلس الأعلى لشئون التعليم والطلاب    إيلون ماسك: سأحظر أجهزة آيفون في شركاتي    وزير النقل يوجه تعليمات لطوائف التشغيل بالمنطقة الجنوبية للسكك الحديدية    خبير سياسات دولية: زيارة بلينكن للقاهرة نقطة تحول لوقف إطلاق النار بغزة    سحب عينات من القمح والدقيق بمطاحن الوادي الجديد للتأكد من صلاحيتها ومطابقة المواصفات    محمد أبو هاشم: العشر الأوائل من ذى الحجة أقسم الله بها في سورة الفجر (فيديو)    بن غفير: صباح صعب مع الإعلان عن مقتل 4 من أبنائنا برفح    طائرته اختفت كأنها سراب.. من هو نائب رئيس مالاوي؟    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    بعد تصريحاته المثيرة للجدل.. إبراهيم فايق يوجه رسالة ل حسام حسن    فلسطين.. شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أشياء صغيرة
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 05 - 2011

للحياة مفاتنها الخاصة، أشياء تكسبها طعما ورونقا، ربما تكون عابرة، تأتى وتذهب فى ومضة عين لكنها تُعيد صياغة رؤيتنا لكل ما يحيط بنا، تجعلها أكثر رحابة، وتجعلنا أقل تشاؤما. أشياء متناهية الصغر تصنع فارقا هائلا فى أيامنا، نظرة أو ابتسامة أو كلمة قد تبدلنا من حال إلى حال، تحول المزاج والمشاعر إلى النقيض فى ثوان.
بين الحين والآخر كنت أصادفها تحمل رضيعتها. على المقعد نفسه لم تكن جلستها تتغير أبدا: ظهرها متصلب ورأسها منحن، تنظر إلى بلاطات الأرض ولا تتحرك إلا حين يحتاج غطاء الطفلة المثقوب إلى تعديل وضعه، أو عندما تسمع اسمها فتنهض لتتسلم الحصة الشهرية المعتادة ثم تنصرف. ظللت أراها فى نفس المكان لسنتين كاملتين لم تبتسم خلالهما ولو مرة واحدة. لم تنظر إلى أبدا، ولا لأى أحد حاول أن يتواصل معها أو أن يجذبها إلى حوار عادى. كانت تبدو عجوزا رغم الطفلة الحابية التى ترضعها، متجهمة وبعيدة.
للحظة قصيرة خلال إحدى مرات زيارتها، تحولت إلى شابة جميلة ضاحكة، لحظة تخلت فيها عن الشفتين المزمومتين وظهرت أسنانها البيضاء المحبوسة. ذابت من ملامحها التقطيبة وانصهر الجمود.
لحظة قصيرة توهجت فيها المرأة بفرحة حقيقية ودافئة. نَسيَت أنها لا تملك مورد رزق، لا تعرف مكان زوجها المفقود، لم تُقبَلُ أوراقُ هجرتِها بعد، وأنها ههنا لاجئة وحيدة وضعيفة. نسيت ذلك كله لسبب لم أكن أبدا أتخيله.
جاء أحد مسئولى المكان فى ذاك اليوم بكومة من الأغراض المستعملة وطلب منها أن تختار شيئا واحدا تحتاج إليه. فتشت بعينيها الباهتتين ثم انحنت وتناولت حقيبة برتقالية قديمة. نظرت إليها مليا ثم سألته فى تشكك واضح: آخذها؟.. حين تأكدت أن الحقيبة قد صارت لها، رفعت رأسها وخرجت ضحكتها للمرة الأولى. وضعت الرضيعة النائمة على الكنبة وتفرغت بكل كيانها وحواسها لتغوص فى اللون البرتقالى وقد حلَّت على وجهها ابتسامة عريضة وسعت المكان بمن فيه.
رحت أتأملها وأفكر فى الأمر: المرأة التى ظلت منزوية فى داخلها لشهور وربما سنوات والتى لم تلتفت من قبل لكل محاولات الملاطفة والتواصل والترحيب، حتى يظن من يعرفها أن ملامحها لن تنفرج أبدا، أخيرا قد استجابت. شىء لا قيمة له لدى بشر كثيرين جعلها تتألق بلمعة عينين لا تخفى، بنبرة صوت جلجلت كما الأجراس، وبكلمات امتنان تدفقت بعد طول صمت.
●●●●
أحيانا ما نمر بأحداث كبيرة لا تؤثر فينا تأثيرا ظاهرا، بينما أخرى صغيرة تقع فتمنحنا شحنة من التفاؤل.. تهدينا حماسا لبداية جديدة، تجعلنا نفكر أن ثمة حياة ملونة بغير الأبيض والأسود يمكننا أن نحصل عليها، وأن هناك أشياء فقدناها نستطيع أن نستردها مرة أخرى. بالنسبة للمرأة الوحيدة لم يبد أنها قد فكرت كثيرا، لكن الأكيد أنها كانت تقفز هنا وهناك وتتصرف كما يفعل الصغار حين يحصلون على لعبة جديدة، هو جزل الأطفال اللذيذ، يفرحون سريعا ودون حدود، تخرج ضحكاتهم سهلة وحقيقية. سعادتهم لا يمكن التشكيك فيها ولا التفتيش عن مصدرها، فلا أوقات معلومة لها ولا أسباب يمكن بالضرورة فهمها أو استساغتها. السعادة الداخلية من العسير حسابها أو التنبؤ بها: لا منطق مستقيما ولا نتائج مترتبة على معطيات.
حين نكبر تقل الأشياء القادرة على إبهاجنا وتتراجع، نندمج فى علاقات وحسابات معقدة ونفقد التلقائية، تستغرقنا التفصيلات المتشابكة وتمتصنا داخلها، فلا نتمكن من استقبال المؤثرات البسيطة التى ربما تكون أكثر عمقا وجمالا.
قليلون هم من يظلون محتفظين بسريرة صافية، بروح الفرح الطفولية. قليلون هم، القادرون على التقاط البهجة من الهواء المحيط، وعلى التمتع بتلك السعادات الصغيرة التى تنبعث من ركن خفى لا يراه الآخرون.
رغم أننا قد نخجل فى بعض الأوقات من الإعلان عن مشاعرنا، عن فرحة صغيرة تولدت داخلنا، نفكر أن سببها قد يبدو تافها وسخيفا فنهملها حتى تذوى وتختفى، ورغم أننا فى أوقات أخرى قد نؤجل الاحتفاء والفرح بدعوى الانتهاء من مسئوليات لا تنتهى، ورغم أننا جميعا نلهث مع إيقاع الحياة السريع ونعانى عدم القدرة على التقاط الأنفاس، مع ذلك تبقى داخلنا مستقبلات الفرح، تبقى حساسيتنا للأشياء الصغيرة التى طالما أسعدتنا. يتوهج داخلنا جزء ذاتى وينتفض حين تمسه شذرات من مباهجنا القديمة، يتألق بعيدا عن الآخرين وبمعزل عن المنغصات والضغوط التى تملأ أيامنا. جزء نجهل أنه هناك حتى يُستَثار ويدفعنا إلى التفاعل، يعطينا نكهة حميمة.. دون تعمد أو قصد.
هل نحتاج فى بعض الأحيان لأن ننسل من وسط الهموم، نترك أنفسنا قليلا دون حسابات متواصلة، نتخفف من الرتوش، نفتش عما تاه، نسمح لمشاعرنا بالوجود والتحقق، نعطيها مساحة عادلة وسط مشاغلنا التى تتواصل دون انقطاع؟. هل نحتاج فى بعض الأحيان إلى هدنة لا نتساءل فيها لعشرات المرات عن النتائج والعواقب المحتملة، وعما سوف يراه فينا الناس، نتريث قليلا، ونجرب الوقوف أمام الأشياء التى نعبرها دون اهتمام ودون تركيز؟ نلتفت إليها علَّها تزيل الغبار والصدأ الذى يتراكم فوق مستقبلات الفرح والسعادة فيعيق عملها؟
ربما نفعل بقليل من الرغبة والإرادة، وننقل سعادتنا إلى المحيطين، فالفرح فى بعض الأوقات مرضٌ مُعدٍ. فرحة المرأة الوحيدة بحقيبة قديمة، تخلصت منها صاحبتها بعد أن لم تعد لها حاجة بها، انتقلت إلىّ وإلى الجميع، جعلتنى ابتسم فى سعادة بعد أن زالت من ملامحها تجاعيد العبوس. البشر قادرون على تجاوز الآلام، وهم أيضا قادرون على اقتناص مسببات السعادة مهما تاهت وسط الزحام، بل على إعادة خلقها من جديد. أشياء كثيرة وصغيرة نملكها بين يدينا، قادرة على منحنا أياما طازجة. أن يفرح المرء فإنما يؤكد وجوده وإنسانيته، يعلن أنه حىّ وأنه قادر على الانتصار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.