"معيط" يوجه بإتاحة نصف مليار جنيه لدعم سداد أجور العاملين بالصناديق والحسابات الخاصة بالمحافظات    السبت .. جامعة النيل تفتح أبوابها للطلاب وأسرهم الراغبين في التعرف على كلياتها    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    «المالية»: نصف مليار جنيه تمويلًا إضافيًا لدعم سداد أجورالعاملين بالصناديق والحسابات الخاصة بالمحافظات    خطة النواب تناقش مشروع موازنة البرامج والأداء للهيئة العامة للتنمية الصناعية    انطلاق «عمومية المنشآت الفندقية» بحضور رئيس إتحاد الغرف السياحية    كيفية الحفاظ على كفاءة التكييف في فصل الصيف    تفاصيل خطة الاحتلال الإسرائيلي للرد على الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين    يديعوت أحرونوت: وزارة الخارجية الإسرائيلية تدرس سلسلة من الإجراءات العقابية ضد أيرلندا وإسبانيا والنرويج    بعد العثور على خاتم الرئيس الراحل إبرهيم رئيسي.. ما سر ارتداء الخواتم في إيران؟    حقيقة مفاوضات الزمالك مع نجم نهضة بركان المغربي    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    "الرجل الأول والعقد".. كواليس رحيل بوتشيتينو عن تشيلسي    هاني شكري: الكاف المسؤول عن تنظيم نهائي الكونفدرالية ونتمنى فوز الأهلي بدوري الأبطال    محافظ الإسماعيلية يتابع جهود مديرية التموين    المشدد 7 سنوات للمتهم بقتل ابن زوجته بالقليوبية    ترقب المصريين لموعد إجازة عيد الأضحى 2024: أهمية العيد في الحياة الثقافية والاجتماعية    انتقاما من والده.. حبس المتهمين بإجبار شاب على توقيع إيصالات أمانة بالمقطم    تطورات الحالة الصحية للفنان عباس أبو الحسن.. عملية جراحية في القدم قريبا    المتحف القومي للحضارة يحتفل باليوم العالمي للمتاحف    فرقة طهطا تقدم "دراما الشحاذين" على مسرح قصر ثقافة أسيوط    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    «مواني البحر الأحمر»: تصدير 27 ألف طن فوسفات من ميناء سفاجا ووصول 742 سيارة لميناء بورتوفيق    غادة عبد الرازق تعود للسينما بعد 6 سنوات غياب، ما القصة؟    جوارديولا: أود مشاركة جائزة أفضل مدرب بالدوري الإنجليزي مع أرتيتا وكلوب    تريزيجيه جاهز للمشاركة في نهائي كأس تركيا    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    «التعليم»: قبول ملفات التقديم للصف الأول الابتدائي 2024 للأطفال البالغين 6 سنوات    رئيس حزب الجيل: فخور بموقف مصر الحاسم تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة    رئيس جهاز القاهرة الجديدة يبحث مطالب ومقترحات سكان حي الأندلس    تراجع جديد.. سعر الريال السعودي اليوم الأربعاء 22-5-2024 مقابل الجنيه المصري بمنتصف التعاملات    لمواليد برج القوس.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024    بروتوكول تعاون بين نقابة السينمائيين واتحاد الفنانين العرب و"الغردقة لسينما الشباب"    « وتر حساس » يعيد صبا مبارك للتليفزيون    الأزهر يطلق صفحة مستقلة بفيس بوك لوحدة بيان لمواجهة الإلحاد والفكر اللادينى    فدوى مواهب تخرج عن صمتها وترد على حملات المهاجمين    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    لمدة يومين.. انطلاق قافلة طبية إلى منطقة أبوغليلة بمطروح    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    التكييف في الصيف.. كيف يمكن أن يكون وسيلة لإصابتك بأمراض الرئة والتنفس؟    حفظ التحقيقات حول وفاة طفلة إثر سقوطها من علو بأوسيم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    قمة عربية فى ظروف استثنائية    صدمه القطار.. مصرع تلميذ أثناء عبوره «السكة الحديد» بسوهاج    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات المياه والصرف الجاري تنفيذها مع شركاء التنمية    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    استطلاع رأى 82% من المواطنين:استكمال التعليم الجامعى للفتيات أهم من زواجهن    الرئيس الصيني: السياحة جسر مهم بين الشعبين الصيني والأمريكي للتواصل والتفاهم    سيدة «المغربلين»    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    طريقة صنع السينابون بالقرفة.. نكهة المحلَّات ولذَّة الطعم    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كريم عبد السلام: خيط ٌرفيعٌ من العذاب .."مختارات"
نشر في اليوم السابع يوم 16 - 02 - 2011


( من ديوان " استئناس الفراغ - 1993")
خماسية ُالأب
1- هو..ذا
رفضتْ تسقيه الماء بالسكر
وعلىَّ أن أحبها،
هو ذا الإبن أعلى من الرغبة فى السمو.
ملْ برأسك على صدرى
لأرفع المخدات
لن أتحمل صفاء المشهد
إذا تم بربط اليدين بالقوائم الخلفية لحصانين متدابرين
أو بالإلقاء فى بيت الثعابين العاصرة.
العين قبل الانطفاء تتسع ،
إذ يُكمم الفم ، حتى لا يتسرب الألم
وتتجلى ملامح مطاردين
يفتشون عن أمن لحظة.
2- مجرد وَعْلين جبليين
لو أنه لم يكن محتلا ً
يكزّ على أسنانه ويرتجف
بمثابرة سمكة داخل شبكة
ولو أنه لم يرج الله أن يريحه بطلقة فى الفم
ليقدر أن يشم الهواء ويسعل ويبول ،
لكنت حرا فى عدم تذكر
أنه ضرب المدرّسة من أجلى ،
وأجل ختانى أسبوعا كاملا عندما بكيت .
لو أننا أنا وهو
مجرد وعلين جبليين
أكنت أشعر تجاهه
بحنين يقطّعنى
هو أيضا ،
كان سيجهل أبوته لى
بل إنه بالقطع سينسى لذة صناعتى
وقد نوجه لبعضنا ضربات عنيفة
من أجل الحصول على نفس الأنثى .
3- مرآة مقعرة
ركلة واحدة من قدم وهنتْ
كافية للخروج من البيت
وللحديث عن جرح غائر
أثناء تحوله لحصان
كانت ركلاتى تعرف طريقها لجنبيه
بمهارة حوذى
أمسكت بتحدب فى الروح
يتغذى على الدعوات ونظرات الامتنان
مقتفياً آثار خفاش
تعلقتُ ،
هكذا ، تسقط الشوائب التى أصبحت مؤلمة
أحمل الأبوة
صاعدا الطوابق الخمسة،
العيون مرة أخرى ، مغلوبة وساكنة
الستارة الشفافة التى تغطى الحدقة.
إننى مرتبك جدا
كأن بنتا تنظر لى بنهم.
4- كنت أقول لنفسى
عندما أشيخ
ويقعدنى المرض
سيتحول أحد أبنائى لغابة
ويكون الكلام حريقا ينبش الذاكرة
سأدير وجهى عنه
بعد أن أسلط عليه عينى
لتوحيا له أنه أصبح مشوهاً
قد ينهار على قدمى
يغسلهما بقبلاته
أو ينصرف مغمغما بكلمات ضدى
سأدعو زوجتى التى هى أمه بالطبع
للجلوس جانبى ،
وأضع يدى خلف ظهرها
5- أنظرُ إليكَ
على الكومودينو
زجاجة المحلول التى ستسقط
حين يحاول الإمساك بشئ غير الهواء ،
وصورة له وهو يرفع أخى لأعلى
يدٌ ترتكز على كتفى
والأخرى تجذب بإصرار ملاءة السرير
تشاغلوا كأنكم لم تروا شيئا
وسأقول إننى تقيأت ، أو أى شئ آخر
وليبق الصمت سيداتي وسادتي: وممتلئا برعب الأطفال
واختلاجات يدين معقودتين على الصدر
والتشنجات التى خفف من حدتها العناق
تشاغلوا
كأنكم لم تروا شيئا.
------------------------
(من ديوان " بين رجفة وأخرى -1996")
غرقى الهواء
1- ُنطبق قبضاتنا ثم نرخيها
أخبرونا عن أنفسنا بروح تهكمية
فبدونا ممثلين فى أفلام قديمة ،
كل حركة نأتيها تبعث على الضحك .
يرشفون الشاى ، أقاربنا المسنون
ويتوجهون بالكلام لغائبين ،
يعتقدون أنهم يراقبوننا .
لا نقول لهم: نخطط لمعارك ، ننطلق فيها إلى النجاة أو القتل
لا نقول لهم : لم يكن البقاء ممكنا داخل بطون أمهاتنا
بعد عبور الجراحين وهم يرفعون مشارطهم.
الرومانتيكية التى أقسمنا على حمل الكراهية إليها ،
استدرجتنا ، أعطتنا محبة لقلوبنا وأخذت الكراهية إلى النار،
شقت صدورنا وطبعت صورتها فى العمق منا،
كى نتعذب بها كلما أردنا تشويهها
مشينا ،وكل داخلنا إلى الخارج
رءوسنا عالية
الخطوات تسيل من أحذيتنا
أجمل ما فينا نستثقله ونحاول التخلص منه
لم نعد نتذكرما فزنا به،
من شق صدورنا ولم يلائمها
وما فائدة المرايا بأعماقنا .
نطبق قبضاتنا ثم نرخيها
الهواء يتجهز لعمل ما
نعرف ذلك من دومات التراب التى تزداد يوما بعد يوم
نرقبه مرتعبين من وراء النوافذ وهو يبحث عن ثغرة
ولا تتسع أفواهنا للصراخ.
2- دودة داخل حجر
فى أزمنة سالفة
كانت السلالم الممدودة بين السماء والأرض
مرئية للدراويش .
يتهادون كمن تعودوا المشى على الماء منذ ولادتهم
الأصابع، راجعت طريقة المسح على الرءوس
ظاهر اليد ، استعد لتلقى القبلات
التى تتراكم كنقاط تسيل من شمعة .
نظرهم متجه لأقدامهم
حيث تكمن الآيات التى تهب نفسها
لمن يحدق بتجرد ورهبة:
دودة داخل حجر
عين ماء توجد ثم تختفى ثانية
يصعد الدراويش
ترفعهم العلامات إلى أن يسيروا فوق رءوس المريدين
الذين تدمع عيونهم تعاطفا ً
كلما مر درويش بضاحية
هرولوا خلف خطواته
يسقط واحد بين النشيج والبهجة
فتسحقه الأقدام على الفور
يسقط ثان
فينسحق أيضا
كانوا موجودين قبل أى أحد، الدراويش
يجلسون القرفصاء فى انتظار المريدين
الذين يقفزون من الماكينة ويحركون أعضاءهم تحت الشمس
كلما اكتمل صفٌّ
تقدم درويش إلى عجلة القيادة .
كانوا يعرفون الرأس الذى يسهو أثناء التمتمات
فيتعقبونه إلى أن يتوراى
يسمحون له بالهربعبر فرجة يصنعونها
أثناء انهماكهم بالأوراد
المريدون يعملون النهار
ثم يرون الدراويش فى أحلامهم
على هيئة طيور خضر
ترفعهم إلى جبال الياقوت .
3- مقهى الحرية
الملائكة جنب الشياطين
الملائكة بأجنحة فضية مصنوعة من معدن غال لماع
والشياطين بجلود سوداء تقليدية
تبدو قرونها هشة كأنها صنعت من الفبر.
تجاهل طفولة تمتطى الحمير النافقة فى ترعتنا، يقول ملاك ..
البهاق على جلودها جوار لدغات الذبابة
التى تسبب بقعا حمراء بحجم الفطائر
تجاهل غرقى الهواء، يقول شيطان..
بعيونهم الوحشية ، يبصقون دماً فى ردهات المستشفيات
ثم يهربون ليدخنوا الحشيش،
ويضاجعوا زوجاتهم مرة أخيرة.
فات الوقت
حينما كان ينظر كل منهم بتحد نحو الآخر
متعجبا من غباوته
وربما التقت دمعتان مختلفتان
على رخام المنضدة
كلما همهم أحد الفريقين بشئ عن حاله.
4- َحْكىْ
كلما هربا عادت بهما إلى الورشة
فتعمل اللطمات على إفاقتهما.
كل لطمة تقطع نصف دائرة فى الهواء قبل أن تصل إلى هدفها
يدها تهبط وتصعد،
وأذرع الولدين دروع مستقيمة
الأم تضرب،
والأذرع تحمى الوجهين والرأسين
يتوقف الأتوبيس ، فتجذبهما إليها.
قصة هروبهما بصوت عال
لجارها المشغول بصحيفته،
الذى ينظر الآن عبر النافذة
حين لا تجد ردا، تعيرهما بخوفهما من الماكينات
يتوقف الأتوبيس
فيتشبثان بجلبابها
النشال طعن راكبا ، فأحاط ذراعها العنقين معا
واندفع الركاب للأمام ، بينما تقدم آخر من الخلف
لجمع النقود فى كيس من البلاستيك
المرأة التى تقيأتْ ، تسند رأسها على حافة المقعد ،
والجريح يكتم الدم بمنديله ، والعمارات تمشى على الخلف،
والأكف الأربع تمسك بالجلباب ، والرجل المهندم يخرج حافظة نقوده قبل أن يصلا إليه ، والفتاة التى تبولت تبكى دون صوت، وعامل البناء يبتسم لأنه مفلس ، والأم تلقى نقودها فى الكيس ، وعيون الولدين تنبهر بالمطواة.
لا يخططان جيدا
كل مرة ،
تصطادهما الأم من الحديقة نفسها
حيث ينام غرباء طاعنون فى السن.
متطوعون أظهروا قدرة كبيرة على العدو
لا تتناسب مع بدانتهم
يبتسمون بفخر
بعد تسليم الولدين لقبضتها.
5- الكومبارس فى حلمه
إحدى يديه فى جيبه
والأخرى توسوس بعملتى تليفون
كلامه عن السعادة
يعنى سيره فى الطريق إلى الكنز
صباح الخير يا ظلى
بالأمس ُسمح لى بتناوب الصفع
وكنت عنيفا كأننى أعددت للأمر
اعترف البطل:
لم أضربه فى السابق لأنه مخطئ
ضربته فقط
صباح الخير ياصديقى الكفيف
بالأمس أسرَّ لى البطل:
يوما ما ستكون مطرقة
تسعى وراء زجاج
أسرَّ لى أيضا:
أنت أكثر شجاعة منى
تتحمل اللطمات ويداك إلى جانبيك
بفم مذموم
وعينين دامعتين
6- فتاة
فى الصباح الذى يأتى مع الأتوبيسات
تتحرك فى مسار لا يمر إلا بالمزابل الكبيرة
حيث الكنوز فى انتظار مكتشفيها
الكيس البلاستيكى بيدٍ
والأخرى تمسك بعصا التقليب
الشتائم والحجارة
لقطط لا تتخلف عن أى سباق
التوسلات،
لكناسين يريدون أخذ كل شئ لعربتهم
خلفها مساحة من نجيل الحديقة
سويت بالأرض من أثر نوم ثقيل .
7- شاب
فى الصباح الذى يأتى مع القيظ
يتحرك باتجاه أول مخبز فى السلسلة
رغيفان مقابل ارتجال أغنية
ربع جنيه لكل صفعة يتلقاها من الخباز
السجائر ،
من عامل المقهى
مقابل إبراز عضوه لتلميذات يصرخن بصوت غنائى
على مساحة من نجيل الحديقة
ُسويتْ من أثر النوم
يصعد شاب سلالم فتاة
مباركا من النباح
وفى حراسة أعمدة الكهرباء.
-------------------
(من ديوان " باتجاه ليلنا الأصلى -1997")
َأنصتُ إلى البطل .. إلى حركة يديه
اسمه سليم عبد الشافى ويعمل حداداً
ستة أيام فى الأسبوع ، يطوع المعدن
وفى يوم الجمعة ، يستيقظ مع الأذان
يحب النساء البدينات ، ولا يخاف إلا خالقه
كل حصاده ولدان وبنت
يسألهم ؛ ممن تخافون؟
فيجيبونه: لا أحد إلا الله
يا " ثليم"
يناديه ابنه الأصغر
فيضحك من لغة الطفولة المثقوبة
ويهتز بطنه الكبير
فى أمسيات الصيف
تحكى الأمهات عن ذئب
ُسمع عواؤه فى الحى ،
واختفى مصطحبا أقوى الإناث من الكلاب
بعد شهور، عادت الأنثى هزيلة منهوشة
وراءها جرو واحد
صار فيما بعد الذئبة الصفراء
التى تخيف حيَّنا.
تختفى ثم تظهر وحولها خمسة جراء أو ستة
صفراء وسوداء ومرقطة
من ألوان الجراء، نخمن ماذا كان لون الذكر ، شريكها
حين تغيب، يلهو العيال حتى آخر الليل
تحت أعمدة الكهرباء وحول أكوام القمامة المشتعلة
وتذهب الأمهات إلى السوق ، ويرجعن دون شكوى
بعودتها، يحتل جراؤها الشارع
وهى تحرسهم
الآباء يدورون من حارات جانبية
حتى يصلوا إلى أعمالهم
فى أمسيات الصيف
تحكى الأمهات عن شاب
أيقظ الحى ذات فجر
بعد أن عاد برأس الذئبة ورءوس جرائها.
سليم عبد الشافى لا يحتمى بمطواته الإسبانية
ماركة النجمات الثلاثاء
لم تصل لخصم من الخلف
ولم يرهب بها عاشقين تسللا لفناء منزله
يجلوها بالزيت ويحملها مع التميمة التى خاطتها أمه بملابسه
سليم عبد الشافى لا يفاخر بحكايته مع الكلبة الذئبة
هو لم يفعل شيئا غير ان خاض معركة
نهشت ذراعه
وقطع هو رأسها بمطواته.
أصدقاؤه الذين يدفعونه للكلام
يشرعون فى سرد الحكاية متعمدين الخطأ
عندئذ تتجرك أصابعه
أصابعه ضرورية للكلام
توفق بين الهواء والكلمات
فتساعدنا على ملاحقة كائنات تتخلق وتختفى.
صوبت على خطمها
كان الحجر فى يدى مسنونا ونباحها يقترب
حتى لو قبضت على ذراعك، قلت لنفسى
عد برأسها
بفكيها وأسنانها
بعينيها
بنباحها وزمجرتها
عد بالرعب الذى تبثه فى الأطفال فلا يخرجون للعب
ثم ألقه دفعة واحدة على كومة القمامة المشتعلة.
إلعبوا يأصحابى حتى آخر الليل
يأمهاتنا اخرجن إلى السوق وقتما تشأن
دون أن تنفرط الأشياء بين أيديكن من الرعب
يا أعمامى اذهبوا إلى العمل غير متوجسين
فقد جئت بالأنياب والعينين والنباح
وسألقى بها إلى النار.
قدمت لها ذراعى ،هائجة وعنيدة
أعطيتها ذراعى اليسرى
ضربتى على خطمها ، تبعتها ثانية وثالثة
بعدها فتحت فكيها وتهاوت.
إذا أفلت الخطم ، فكل ضربة تزيد من قوتها
من هياجها واستعدادها للنهش
عندما هوت، كانت الجراء متحلقة حولها
والدم يغطى ذراعى المتهدلة
قدمى على فكيها ومطواتى فى حلقها
الجراء تشممت أمها ونبحت نباحا رفيعا
ورايت الجراء كبيرة تثير الفزع فى شارعنا
فأعملت مطواتى
كان العيال محبوسين فى البيوت
والأمهات يدارين خوفهن
والآباء يفكرون كيف يحمون خطوات الصغار
فأعملت مطواتى
سليم عبد الشافى يعمل حدادا
ستة أيام فى الأسبوع يطوع المعدن
وفى يوم الجمعة يستيقظ مع الأذان
ضخم الجسم ،إلا أنه ينسى دائما ويتحرك كريشة
ضحوك إلا عندما يتكلم عن الخوف
أو يحكى قصة الذئبة
يداه فى حجره
أو على ركبتيه
عندما يصمت.
*
الفَرَحْ
البنات كنسن الزقاق
رسمن دائرة حمراء بنشارة الخشب المصبوغة وبداخلها قلب أخضر
رسمن حدودا للسرادق
ثم نشرن الألوان فى كل بقعة
أتى النجارون فتقافز الأطفال
وأنشأوا معهم أول مسرح فى حياتهم
العمال يقيمون المسرح والأطفال يتقافزون
أن تبنى مسرحا
يعنى أن تثبت الدعامات بالعوارض
بحبال من الليف تطلى بالأحمر للتمويه
صناديق تحوى زجاجات البيرة
خضراء يحملها شبان إلى بيت العريس
أحدهم خبأ زجاجة تحت ملابسه
وانسحب وراء شئ نسيه
آخر يرقص ، إصبعه مطواة فى الهواء
يأخوات العروس
اجذبنها إلى الداخل حتى يطلع المساء
لا تدعن فضولها يتجسس على ما يُعدّ لها خارجا
جردنها ثم دغدغن طيورها
قلن لها : هكذا سيفعل وأفضل منا
أزلن العتمات ورطبن طياتها وزواياها
هذا لأنفه وفمه ، وهذا لسلاحه
لا تأخذن عليها انتشاءها بين أيديكن
لا تأخذن عليها رجفتها ، صرخة فرحها الزائد
أسنانها فى أذرعكن حين تنسين حنوَّ اللمسة
لا تأخذن عليها دفأها أو تأهبها
وزودنها بالنصائح.
الصبى يطوح بالمبخرة
لا تعوقه قدمه المباركة عن كسب عيشه
تأكد أن الهلال لفرح وليس لمأتم
فأتى يتأرجح بوعاء النار وكيس البخور.
من سيرده فى يوم كهذا؟
يهنئ ، يربت على الأكتاف والأذرع
ويتلقى الهبات
لا ينبغى عدها الآن أو النظر فيها
يدسها بجيبه وينفخ فى وعاء النار.
شرفات الجيران امتلأت والشبابيك
الرجال للسرادق والنسوة للتطلع
للمراقبة واستخلاص الحكمة
التى تطفو من جلسات الكلام
الشرفة مخزن للزغاريد والصرخات
حين يتهامس العروسان
أو حين تشرق أول مطواة بيد الشاب السكران
الذى أخطأ الهواء وأصاب وجهه
مستمرا فى الرقص والارتعاش
فى الدوران والرقص
فى الابتسام والتوازن
كل شاب بالسرادق اختارته بنت فى شرفة ليبدأ رحلة الصيد
كل شاب يعلم أن البنت تريد برهانا فيشرع المطواة ويرقص
متطلعا إلى الشرفات فى حيرة..
أين رائحة فريستى وسط الروائح؟
لو يمر الفرح بسلام
لا يترصد فتى لغريمه الذى صالحه
بينما قلبه غير صاف
يريد أن يؤذيه ، فلا يجد أفضل من الفرح مكانا
يأتى وأصحابه وينالون ثأرهم
لكنهم يحطمون ما يصادفهم
من بوسعه منع التموجات حين تلقى حجرا فى الماء؟
لو ينسون ثاراتهم هذه الليلة،
من أجلهم توزع شبان العائلة
اماما وفى الخلف
يبتسمون لضيوفهم، مطمئنين للأسلحة تحت ملابسهم
وعند أول بادرة للعراك
يعود الماء ساكنا بلا تموجات
من يلتفت للرسوم الملونة على الأرض،
الدائرة الحمراء والقلب الأخضر؟
رتبوا المقاعد، فانغرزت قوائمها فى الرسوم
بعثرت الأقدام ما صنعته الأيدى
الأقدام التى تتحرك مع آهات المغنى
فتصعد بالتراب الساكن تحت النشارة المصبوغة.
فى الصباح
تكنس البنات الزقاق ويحلمن
يمضى الشباب إلى أعمالهم
حاملين الليلة الماضية.
*
الموت
فى أول السرادق ، يجلس إخوة القتيل
يتأملون أسلحتهم عند مرور من يكرهونه
ويسبون أمهات الضباط.
مساعدوهم يتفرسون فى الوجوه
بحثا عن علامات لا تدل على الحزن.
السرادق يحيطنا من ثلاث جهات
نقوشه لا تترك لنا ثغرة
التلاوة رديئة، لكننا نهز رءوسنا.
فى مياه من الزخارف
الأحمر هو المسيطر
إلتواءات الأبيض والأسود تحاول الالتفاف حوله
قريبا منى مسنون احتسوا القهوة مرتين
دون خوف من اتهامهم بالشماتة
رفعوها إلى شفاههم بأكف مرتعشة
ثم غاصوا فى حياة قادمة
عيونهم رمادية
تتضح كلما حدقوا فيمن يجاورونهم
لو أتى الموت الآن، سيقبضون عليه من ياقته
إخوة القتيل
لو أتى ، ظاناً أنهم منهارين لمقتل أخيهم
برصاصات الضابط
سيقبضون عليه من عنقه، مجرجرين إياه على الحصى
وأمام الجموع المحتشدة
يسكبون ماء النار على وجهه
يقطعون أصابعه إصبعا إصبعا
ثم يشقون عضلاته ويحشونها بالملح
ولوصمه نهائيا- الموت
يطعنون مؤخرته
تأتى الشرطة فى نهاية الشوط
لكنها لن تجد سوى القتيل المهيب
الشبابيك مُسكرةٌ ، ولا نساء على العتبات
الرجال ذهبوا إلى مدن تذكروها فجأة
يسسكنها أقرباء لهم
الأطفال استبدلوا الأسطح بالشوارع
وأعدوا تلال من الحجارة والزجاجات الفارغة.
*
ملوكُ الليل
فيما نكون نائمين ، يأتى من يمتلكون الليل ،
الليل الأصلى الخالى من شمعة
إذا عاد أحدنا متأخرا يسلبونه ساعته ،
لا يقبلون توسلات
يضاجعون وقوفا ، صديقاتهم أو غريبات سرعان ما يرضخن
يتساوى الأمر
فى مداخل البيوت أو تحت أعمدة الكهرباء
لكنهم يحتفظون بالجرائد فى أيديهم
تحسبا لافتراشها.
فيما يضاجعون
يتوهمون أن آخرين يتلصصون عليهم ، فيتوعدونهم
الشتائم بعد اصطدامها بالنوافذ تتسلل إلينا مغسولة ، محملة بالإيقاع
عيوننا مفتوحة فى العتمة
ونبتسم كلما تصاعد السباب فى الليل
إمرأة تهرول ،
من نافذتى ، أرقب دمها الساخن ودموعها
كيف كانت أعضاؤها متوهجة منذ لحظات
تنير عتمة الزقاق
الجميلة ، ضربها عشيقها القديم
وطعن عشيقها الجديد ، حين دافع عن ملمس أصابعه على فخذيها
تهرول تحت نافذتى ، قاصدة رجالها
لم يتمكن من نسيانها فى أى لحظة ،
عشيقها القديم
يأسه ومرارته
مطواته وأصدقاؤه المقربون
ذكرياته عن ملمس أعضاء لا تتكرر
فى هرولتها
تدخر الصراخ حتى تصل إليهم
ملوك ليل آخر،
ثوار لا يبخلون على السكاكين
ويقودون العالم بالمخارج القوية للحروف.
الكلام نوع من استعراض القوة
الكلام ينفى الآلام والانكسارات
يتكلمون، فيعرفون ماذا تساوى الحياة..
لا أكثر من بولة
طعنة يلقونها وينطلقون فاتحين قمصانهم
ها هى صدورنا أيها المطر
ياظلام
لا ُتخفِ ملامحنا
من ُأهينتْ أنثاه ، يعدو بين الحارات
فتسقط قطرات دمه على التراب
يعوى متمنيا أن تظهر فريسة، أية فريسة،
ورقة شجرة
صوت أو خيال
يضرب أعمدة الكهرباء بسكينه
فينبعث رنين يذهب إلى البهجة لا إلى الشجن
أسرعوا أيها الملوك
هنا موقع المعركة
هنا ستتحرر الدماء كومضات فسفورية
العاشق القديم وأصدقاؤه يختبئون فى زقاق قريب
لا يملكون سوى دمائهم ، يبذرونها
فى الفرح وفى الغضب
فى المحبة وفى الكراهية
صدورهم عارية والسكاكين تنتمى لعصور قديمة
المقبض هو كل اللحظة
والنصل هو الساحر الذى يمتص الضوء
وتتعلق العيون بحركته.
يا أيدى.. تشبثى بالمقابض
الأيدى المنتصرة والأيدى المهزومة
الأيدى التى يغطى الدم أصابعها، ثم يقطر على التراب
الأيدى الخبيرة بالألم الذى تسببه
بطول الجرح وعمقه
بعدد القطرات التى ستسيل .
على الكلاب أن تتوقف عن النباح والتسكع
القطط على سطوح المنازل وفى الفجوات
على قطتين أن توقفا تسافدهما إلى حين وترقبا الضجيج
أينها الجميلة التى أوقعت بين الملوك؟
فى غرفة عشيقها تزفر الأنفاس التى تطببه
تلعق جرحه وتغمره بريقها
بين اليقظة والغيبوبة يناديها
ويتوعد الآخر بجرح من العنق حتى السرة
يلقى بأحشائه على الخارج
يتوعده بين الغيبوبة واليقظة.
خلف النوافذ متفرجون أطفأوا الأنوار
رءوس فى زوايا حادة
تحصن نفسها من الاكتشاف
وترى المعركة التى تحدث أسفل
سباقا بين دماء حمقاء
غامت الرؤيا فى عينى أحد الملوك
انحرف إلى شارع آمن مطوحا بسكينه
الأعداء الذين فى الذاكرة
الذين تكدسوا على مدار سنوات
حضروا أمام عينيه ، وهاهم يجرون فى كل اتجاه
من الذى ستخونه قدماه؟
من ستبتلعه ذاكرة الملك؟
سقط صغير كان يخزن المعركة فى رأسه
عندما انتبه لنفسك، وجد نفسه آخر الهاربين
الملك يضرب فى جميع الاتجاهات
وخصومه يتساقطون من حوله
لم تعثرت أيها الصغير
لم لم تلجأ لزقاق أو باب مفتوح؟
الانهيارات تحسم المعركة
يترك أحدهم ثغرة ينفذ النصل منها لجسمه
فيكسب التعاطف الذى يحتاجه
فى الميزان .. التعاطف وخيلاء القوة
من اختار أن يحمل على الأذرع
يتأوه ويبكى ، كما يحدث بأحلامه
اختار أن يرى تأثير دمه على آخرين
يحرصون على حفظ دمائهم بعيدا
فى أقصى أجسادهم
الشكوى والهذيان فى متناول يده مثل الأطعمة الجيدة.
هل انتهت المعركة؟
لم ينفد الهواء المحمل بالصياح والشتائم
لم تخل الساحة من الظلال التى تعدو
ولم تعدم النوافذ مراقبين
تمرينات لأمراء لم يتوجوا ملوكا بعد
يدرسون الأرض ويكتسبون الخبرة
ينقلون الوقائع ، فيما يستعيدون الضربات الحاسمة
كيف كانوا قريبين من أحد الملوك وهو يطعن
كيف طفر الدم فجأة
وأين أصابهم الرذاذ.
الكلاب تتحرك بحذر
تفصل الروائح المختلطة والآثار
القطط بدأت جولة جديدة من التسافد.
**
(من ديوان " فتاة وصبى فى المدافن -1999")
البوابة الحديدية التى ظلت طويلا لا لون لها
تطلى بالأخضر الزاهى ،
العامل يصفر أغنية ويجول بالفرشاة بين ثنايا الحديد، فتكتسب الزخارف التى على شكل نباتات حياة حقيقية.
إنه البناء يعمل طابقا فوق المدفن ،
صنع سلما بالداخل ، والآن أتى دور الحجرات
الحجر فوق الآخر فى استقامة يندهش لها الأب الذى يراقب اليد وهى تعمل.
البناء يصفر أغنية
بينما الأخت التى تجلب الماء على رأسها من حنفية الزاوية
تهتز فى مشيتها فيغمر الماء ثدييها وعنقها.
الأم جلست على حجر جوار شجرة الخروع ،
تعمل شايا للعمال وتستقبل الجارات.
مع الغروب ، سيأتى العريس من العمل بلحية نابتة، فيما العمال يجمعون أدواتهم ويجلسون فى حلقة يحتسون الشاى
المدفن يتحول إلى بيت من طابقين،
الشباك سيكون فى الوسط وسيطلى بالأخضر الزاهى كالبوابة،
السقف من الخرسانة ، وماسورة المياه تمتد من الزاوية تحت الأرض، وترتفع إلى الطابق الثانى، وستأتى العروس، طالبة الثانوى النحيفة السمراء،
سعيدة وخائفة، وسط الزغاريد وماكينة الكهرباء التى تضئ ثلاثة صفوف من اللمبات الملونة، وأغنيات تحكى عن رجال أقوياء يذبحون قططا أمام زوجاتهم
وزوجات ماكرات يتظاهرن بالخوف من رجالهن ، ثم يحتضنهم بقوة ويفاجئنهم بقبلات وآهات.
البوابة خضراء وجرس كهربائى يصل إلى الطابق الثانى ، له شقشقة العصافير
والموتى فى الطابق الأول قد أخذوا بالمكيدة ،
محجوبون ، لمزيد من القمع، بستارة زاهية ، تفصلهم عن الأخت والأم والأب.
*
مسارات الصوت فى الهواء
تلك التى احتلتها الأرواح وملأتها بلغاتها الكثيفة واللزجة، ضربها الزلزال
ما لم يخطط له المحتلون
ما أظهرهم مساكين بحق،
أن يسقط الأحياء مع المطر.
الآن
الأرواح تستعد بعزيمتها المشحوذة
خلف الصخور واللغات التى وسدت بها مسارات الهواء،
محاولة ضبط تقهقرها
بينما الأحياء يتصايحون فى مواضع الهمس
ويحسبون كل سنتيمتر جديد يحتلونه.
الأرواح تنظر للأحياء مندهشة من جرأتهم
بينما الأرواح يتجاهلونها متقدمين إلى نقطة اللقاء العادل ،
لا يخجلون من خطواتهم على العظام
ولا يقدسون عزل النهاية فى كانتونات
وإلا ، لم وضعوا أيديهم عليها!
*
بعض الناس مغرمون بالسكينة ، لا يكادون يحركون رءوسهم
إنهم شبان الأربعينيات
تجدهم جالسين أمام بوبات أوكارهم ، على حجارة كبيرة بيضاء
أو مصاطب صنعوها من كسر الطوب
مستعيدين بها ظلال البيوت فى قراهم.
قبل الغروب ، وقد تسلحوا بتجاعيدهم يوجهونها للمارة المسرعين،
يسألون أنفسهم ، إلام يسرع هؤلاء المغفلون؟
أبدل أن يجلسوا أمام المكان الذى سيوارون فيه!
ثم يتخيلون المارة مستسلمين لأبناء يعولونهم على مضض
أو لجنيهات الشئون الاجتماعية
فى إشراقة مفاجئة، يستحسنون سهولة انتقالهم من الدنيا للآخرة..
لن يحملهم مشيعون على أكتافهم
ولن تنقلهم عربات إسعاف
بدل أن يجلسوا على المصطبة كما هم الآن
يضطجعون فى حفراتهم ، آمنين من نظرات المارة
التى تكشف ما يجتهدون فى إخفائه.
*
هنا أطفال يطوحون بأطواق من الكاوتشوك
متخيلين المستقبل على هيئة شاحنة
يتعثرون ثم ينهضون بحماسة ، عارفين التراب الذى يتمرغون فيه
لكنهم يصومون عن اللعب يوم الخميس
يقسمون أنفسهم ويحتلون المواقع المناسبة
بانتظار الغرباء الذين يتوافدون لساعة ثم يهربون
مقلدو المقرئين فى قصار الصور، يدورون من وكر إلى آخر
وراء الكعك والقروش ، فيما الأمهات منشغلات بتمويه الأسرة وأوانى الطهى والكرة الحمراء البلاستيكية.
الأمهات يجلسن على المصاطب خارج الأوكار
كأنما جئن للزيارة
والآباء أيضا جالسون على أحجار متناثرة
كأنما يقرءون الفاتحة لأرواح صديقة
*
الآن انزاحت أربعة أحجار من الجدار الخلفى
فأصبحت أمامنا كوة تكفى لعبور الصبى والفتاة
مع الغبار الذى يعلق بشعرهما وملابسهما
يدخل الصبى أولا
الصبى المسئول عن إزاحة الأحجار بيدين لا ترتخيان
إن حدث وانجرحتْ كفه
سينظر باستهانة إلى الدم ويلعقه ليعرف أن طعمه مالح
الفتاة التى تلحق بالصبى تبتسم فيما تزداد ارتعاشتها
إلى أن يجذبها الصبى لحضنه ويتجه للنافورة المعطلة التى تتوسط الفناء
صفقة عادلة
الأحجار الأربعة بالخارج
والصبى والفتاة بالداخل
يبدآن فى قبلات سريعة لها أصوات مكتومة
لكن الفتاة تعتقد أنها مسموعة لجيران على بعد ثلاثة مدافن
وأنها مضيئة لمتلصصين يعملون لدى أصحاب المدفن ، الذين يخافون قدوم حقراء بأوانيهم ومواقد كيروسينهم وحصائرهم وأطفالهم ذوى المؤخرات العارية.
ثمة متلصصون فعلا
يعلمون بأمر الوكر وينتظرون أن تقع الفريسة ليأخذوا نصيبهم
الصبى يوغل فى مداعباته وضحكاته التى انفجرت فى العتمة
لا يوقفه إلا بكاء الفتاة فيقبلها دون صوت،
لاعقا دموعها
غافلا عن المتلصصين الذين ذهبوا بتدبير قدرى
لتحريك أقدامهم فى جولة.
*
المياه...
الضجيج الذى أحدثه تدفقها من صنبور الزاوية
انتزع الأولاد من لعبهم
عادت المياه
خطفت الفتاة وعاءها وانطلقت
وفى طريقها أخبرت جارتها التى جلست منذ الصباح تنظر إلى الحصى
وتتأمل أصابعها تحت الشمس
عادت المياه
الأوعية من الألومنيوم تعكس الضوء
القرويات يحملنها بيسر على رءوسهن فارغة وملآنة
أما بنات المدينة فيبتسمن للمويجات تلطم وجوههن
عادت المياه
الفتاة تنازلت عن دورها للأم التى يبكى صغيرها،
بيديها اللتين لم يجهدهما الزواج ، رفعت الوعاء إلى رأس الأم
فيما القطرات تغمر الرأسين عند اقترابهما
المرأة الجميلة التى ضمت ثوبها بين فخذيها ، ثم بللت وجهها وشربت ، زجرتها النسوة ، إلا أنهن ضحكن عندما همست بشئ،
أكان عليها أن تغتسل من جنابة ولم تفعل؟
ها هى تضحك قم تسلم قدميها البيضاوين للمياه
تحت سماء تحصى عليها خطواتها المحملة بالإثم.
*
يحدث أن تمر من هنا نهارات صافية ،
مع ذلك يعود أحدهم مبكرا ليجلس أمام وكره
إنه الأب
لم يجد عملا ليومه ، فاستعد للشجار مع أول مار لا يلقى عليه السلام
أو مع دجاجات الجارة
النهار الصافى ذهب بالإبنة إلى عملها فى الثامنة صباحا
بعد أن جملها بزينة رخيصة ووضع فى قدميها جوربا مثقوبا
وفى صدرها أملا بالعثور على زوج
لقد استيقظ الإبن
أيقظه النهار الصافى، فيما يفاضل بين سرقة بيت أو سرقة دكان
مطواة وقطع الطريق ليلا
ملابس سوداء وقناع به ثقبان
الملابس الملونة والسجائر والابتسامات للنهار
والقسوة لليل
الأم التى استبشرت خيرا بهذا النهار الصافى
سكبت مياه الغسيل وانطلقت لشراء الخبز
فى الطريق جففت كفيها بجلبابها ، وعدلت من طرحتها
ثم جمعت الأسرة فى خيالها حول أكواب الشاى بعد الغداء.
*
الأرواح تظهر مع الغروب ، ولا أحد يقدر على مواجهتها
لذا لا يلتفت المحتمون داخل أوكارهم إلى ضجيج الليل
الأرواح تكره المصابيح والكلاب التى تنبح كأنها تصرخ، وحركتها فى دوائر تتسع
هى تسد الممرات بين الأوكار بأجسامها التى على هيئة هواء ساخن
تمر على الحائط الذى يرسم عليه الأولاد بالطباشير ، فتمحو ما عليه من خطوط
على الأحجار التى يستخدمونها كعارضات ، فتسحقها
على النباتات والفسائل التى تعدها بائعة الورد ليوم الخميس ، فتلتهمها
على وكر الخياط ، فتكسر مصباحه المعلق.
بائع الخضراوات عاد سكرانا فى الليل ، وصادفته الأرواح ، فدفعته لأن يعدو بأقصى سرعة ، ثم جعلت الأرض تتحرك تحت قدميه
وفى الصباح ، كان يلهث فى مكانه مواصلا العدو
بينما الأرواح تقهقه فى مخابئها
تطوف الممرات كل يوم، الأرواح
تمشطها بحثا عما يؤكل ، ما يمكن صيده
تضرب الكلاب بأصابعها الطويلة فتعوى
وتقطع المصابيح نصفين بأظافرها
فاكهتها البنات، إذا صادفت إحداهن
جرجرتها إلى زاوية وتعاقبت عليها، ثم سلبت عقلها ومضت
الأرواح تلوك النقود والساعات والأحذية
قد ترتدى الملابس أحيانا
أصواتها عالية..
مزيج من الضحكات والهمهمة والنداءات.
*
لو أن يدا تمنحنا نافذة
لما ضربنا الكلاب ليتحرك شئ
يقول الجد لحفيده وهو يقص عليه الحكاية
هنا أشجار ، لكن ما من يد تهز الهواء
نريد صراخا ياكلاب ، فانبحى من أجلنا ، بينما نؤجج النار فى قصعتها
يقول الجد أيضا
تنبح الكلاب وراء ذئاب الحكاية ، التى أول ما تهبط مدينة ، تلصق أخطامها بالأرض ، حتى تصل إلى مدافنها ، ثم تنبش..
سراديب فى الأرض وسراديب فى السماء
تتحرك الذئاب وراء الفريسة ، وإذا صادفتها نائمة
تطلق عواءها فى سراديب الهواء
ثم تبدأ من قدمها ، تنهش الكعب وتنتظر حتى تصحو
لكنها لا تفرط فيها ، لا ترحمها
انبحى ياكلاب لننام قليلا
لننام آمنين
يد قوية تضرب على الطبل
هاهى تواصل..
بوم بوم بوم بوم
الصوت قريب وغليظ لكنه مرح
مما يجعلنا نضحك متذكرين أشخاصا مهندمين
اختل توازنهم على الأرض
بوم بوم بوم بوم
صوت الطبل كان سلاح الصبى فى الحكاية
قهر به الذئاب ودفعها للفرار
اليد الصغيرة تضرب على الطبل فينكسر الصمت نصفين
يمتلئ الهواء بالبهجة ويتحسس رجل فخذ امرأته
وينسلان إلى الداخل
يتعطل للحظات اللون الأصفر الزاحف على الغصن
عند رأس الميت
بوم بوم بوم بوم
يد قوية تضرب على الطبل
وذئاب تهرب خارج الحكاية
*
دون رفاقه من الشحاذين يعتقد فى الصمت
يعرف عجزه فيعرف موضع قوته، لذلك يبدو متألما فى العمق
للحظات ، يقف شاهرا ذراعه الغائبة كعلامة
لا تلبث أن تعود لاحتلال فراغها بعنف زائد
مثلما يدفعك للنظر إلى ذراعيك
هل تبدوان كسولتين باكتمالهما؟
جلبابه الممزق ، لحيته والوسخ حول أذنيه
لحظات مديدة هى لحظات للتحدى
يقول:
أنا أحمل عنك الألم ، وأنت تعرف ذلك ،
فعليك أن تدفع لى لأستمر فى مهمتى
هذه هى الصورة التى تحب عكسها
عليك أن تبعدنى عن عينيك
وأن تشعر بأدائك للواجب ، أن الحياة وظائف وأدوار
إمسح يدك الملطخة فى جلدى
وامسح أفكارك عن نفسك وعن غاياتك
امسح الجمال نفسه ،
كلما سقط منك على التراب وفى مياه المطر
التى تصنع بحيرات داكنة جوار الأرصفة
ثم أعطنى أجرى وأنا سأتألم عنك
إذا رغبت سأترك لك خيطا رفيعا من العذاب
ما هو ضرورى وكاف لتندفع إلى الأمام
باتجاه لحيتك الحليقة
باتجاه الجمال الخالص، الذى لا ينغصه شئ.
*
بالطباشير الملون والحجر الجيرى
بالطوب والفحم ، رسم الأولاد وجوه من أحبوا على الجدران
صنعوا المراكب التى ستبحر بهم يوما
والعربات الكبيرة التى سيركبونها ، والطائرات التى ستنقلهم إلى سحابة
رسموا الأيدى طويلة ، أطول من الأجساد
والأكف مبسوطة
باتجاه ملابس جديدة
رسموا ابتسامات واسعة وشعورا اجتهدوا فى تمشيطها
ورسموا هواء يداعب الشعور الممشطة
لكن لا أثر للغبار أو ذرات الرمل
العيون مفتوحة وواسعة
والأيدى لا تواجه شرا غير مرئى
الهواء أبيض ومسالم فى المساحات الخالية على الجدران
أقصى استطاعته، مداعبة الشعور الممشطة بعناية.
*
أخطأت ثلاثة مرات فى نطق اسمه.. " سمبو"
وكان يصححه ، فيما يذكرنى بمعنى أن أكون صاحب تاريخ
من بين الكلمات التى رددها ، لا أذكر سوى
" الهواء الذى تحرك فى دوائر"
إلا أنى لا أنسى النظرة الغامرة لعينيه،
بين الانسحاب الكامل والوداعة التى تجذب اليد إلى فراء القطط.
" سمبو" الذى نجا من الرسل المهووسين بسكب المطهرات فى الشوارع، بعد أن شرح لهم قلة حيلته
نجا كذلك من العساكر وعرباتهم المصفحة
وعندما صادف كتابا عن تاريخ أجداده
توجه إلى الأحياء الشعبية بحثا عنهم
إلا أن بائعى الخضراوات أشاحوا بوجوههم عنه
كما نهره السائقون وعمال المقاهى ومدرسو المدارس الابتدائية
وطلاب الجامعة
انتهى إلى هنا، يجدل الأغصان فى أكاليل
تسبح عند رءوس الموتى
وتخفف من عذابهم
لكن الأرواح ظهرت له فى الظهيرة على غير عادتها
هى التى تتسلم المكان بعد صلاة العشاء
وفيما يشبه اللهو ، واظبت على حرق الأكاليل التى يجدلها
ثم جعلته يسير ورأسه إلى الخلف
كلما قطع مسافة فى اتجاه
قطع مثلها فى الاتجاه المقابل
إلى أن يئس من كفها عنه ومن خوفه منها
فاستدار وطاردها بالحجارة ،
ساردا آلاف الأعوام من المعابد والأجداد
*
الوقت قبل الشروق بقليل
كل شئ فى مكانه
النباتات التى يرجى لها أن تصير أشجارا بعد عشر سنوات
والتراب الوثير
الكلاب التى تلهث دائما
والحجر الكبير المشروخ فى منتصفه أمام الوكر الملون
الصنبور الذى يقطر فى الزاوية،
مازال صوت قطراته مسموعا فى الإناء الصفيح
والغربان تركت آثار قفزاتها على التراب
أحد ما يتنفس
من الضخامة بحيث تغطى أنفاسه المكان
المدافن نائمة إلا فتاة وصبيا يتعاهدان
إذا مات هو أولا ستدفن نفسها معه
وإذا ماتت قبله سيسبقها ويختبئ فى قبرها.
(من ديوان " مريم المرحة" -2004 )
مريم المرحة
اختفت مريم ميخائيل.
مريم المرحة، كما يناديها أصدقاؤها
لم تعد تضحك، لأنها غير موجودة
( سمعتُ أن أهلها خطفوها بعد أن تزوجت من حبيبها المسلم )
أمها تلبس الأسود وأصيبت بالسكر،
إخوتها وأعمامها ينظرون إلي الجيران بتحفّز.
في البداية، وقفت أمام المرأة ورسمت طريقا آمنا للمشاعر،
لا يمر إلاّ في أرض الأفكار
وخرجت بفكرة الصداقة.
في الصالة، كانت الأيقونة التي تمثل مارجرجس
وهو يطعن الوحش، قد غطاها التراب،
فشرعت في تلميعها، وقد تخلت عن ابتسامتها،
ثم وضعت صليبا ذهبيا حول عنقها
وانتظرت الصباح لتنظر في عينيه.
في البداية، واظبت علي دروس الكنيسة،
بكت أمام جميع القديسين ليمنعوه من التسلل،
وأحنت رأسها أمام كلمة الخطيئة.
في البداية، قطعت آلاف الكيلو مترات عدوًا
في أحلامها، ووراءها المطاردون، يحملون المشاعل،
ويمشون بخطىً ثابتةً،
كأنما يدركون أنها ستصل إلي الحائط ثم تتعثر
وأنهم سيحيطون بها مبتسمين، يُهيّجهم رعبُها.
تركته في البداية، يُقبّل صليبها الذهبي ويديها فقط.
بعد أن قبلت شفتيه، أصبحت قوية،
وعندما شاهدا فيلم غاندي..
أحصيا أصابعهما ثم شرعا يعملان:
هنا منضدة ومقعدان، الموقد في الركن
وهنا السرير، نستخدم الستائر فواصل فتتسع الحجرة،
الحياة شاقة، لكننا لم نختر الإقامة في غيرها
هنا، الساعات المسروقة في النهار،
علي الأرض، الحب يتحرك ويرفرف
متنقّلا بين الجدران،
هنا نخلع قناعينا العابسين في الخارج
ونضحك من قدرتنا علي التشخيص:
-ما الحياة سوي ظل يمشي
=إنها حكاية يحكيها معتوه
-أيها الليل الذي يسعى إلينا
= إننا أعزلان في انتظارك
أمسكت من تحبه نفسي
= أمسكته ولم أرخه.
حكي لها عن لعبة الطائر والتمساح..
الطائر يُنظّف أسنان التمساح، الذي يفتح فكيه مستسلمًا، فإذا أطبقهما فجأة
يعاقبه الطائر بشوكة في لسانه، فيفتح فكيه علي الفور،
لكن، إذا وقف الطائر بين أنياب التمساح ...
حكت له عن محبتها للعذراء
لأنها قوية بالمحبة،
وديعة، رغم معرفتها بأنها تملك
وحكت له عن مرض أمها.
أخبرها عن إجراءات الحماية
وعن الجيران المتربصين،
أخبرته عن الخطاب الذي ستكتبه لأمها،
عن خالها الذي يدافع عن الحياة بحياته
وعن صاحبة البيت الطيبة.
في البداية،
انتظرها علي رصيف المترو
لكنها لم تكن وسط الزحام
فقرر أن يتأخر في الموعد القادم
( سمعتُ أن أخاها وأعمامها استجوبوها
برفق ثم تصاعدت النغمات إلي العذاب )
في البداية،
كتب ورقة وعلقها علي باب الحجرة
ثم جلس يدخن علي المقهى،
وعندما صعد، وجد عبارته علي الورقة مائلة
" أنا أيضا اختفيتُ "
( سمعتُ أن عمها الذي يمتلك صيدلية في المنيا
أمرهم بالكف عن تعذيبها
أطعمها بيديه وضمد جراحها
وفي اليوم الثالث، قبل جبينها البارد وعاد إلي صيدليته )
في البداية،
ذهب إلي عملها بخطوات غاضبة
لكن ثرثرة الموظفات البدينات دفعته
إلي القفز علي سلالم بيتها،
لينزل بجرح قطعي في رأسه.
( سمعتُ أن أهلها وضعوها في صندوق،
الصندوق تحت الأرض السابعة
حتى لا يجدها حبيبها
الذي ينبش الأرض حول بيتها ليلاً )
في النهاية
اختفت مريم ميخائيل
التي يناديها أصدقاؤها: "مريم المرحة "
في الليالي القمرية
تعبر سريعا فوق شرفة منزلها
فتنتاب أمها نوبة القلب.
*
(من ديوان " نائم فى الجوراسيك بارك- 2008")
أغلق عيني على أمل أن لا شيء يدوم
أعرف أصدقاء يخافون النوم
يظلون في يقظتهم أطول فترة ممكنة
وينتصرون ل " ما أطال النوم عمرا"
لكنهم في لحظة يسقطون في إعيائهم
وتنهشهم الكوابيس
*
أنادي على الأحلام
كمن ينادي على أخيه من الضفة الأخرى للنهر
وهو يعتقد أنه سيعبر إليه
*
مع الوقت أتعلم من محبة النوم
كيف أتصالح مع الكوابيس
تنذرني قبل مقدمها علي ، كأنما تعتذر
وتأتي كضربة سريعة وقوية ،لا تؤلم، بل تعبر
*
عندما يتحقق لك مدخلك إلى النوم
لا تفتقد شيئا آخر
فجأة، يهبك العالم المشهور عنه الغلظة
رحما ثانيا ، ملاذا للاختباء
أنا نائم، إذن أنا حرٌّ وسعيد
أنا نائم، إذن أنا لست خائفا
*
من فقدوا طريقهم إلى النوم
لا يجدونه فى تخومه أو أعرافه
يفتعلون السكون، رافضين أن يمسحهم الملاك
برفة من جناحه الأبيض
إلى أن يُسقطهم النوم
مثل الفاكهة التى تعطنت على غصونها
ثم يلفظهم إلى شقائهم من جديد
*
من النادر هنا أن يلجأ أحد إلى النوم
لينصفه من العالم
يشربون ماء البحر لإرواء العطش
لأنهم نسوا العذوبة
*
لابد وأن يشعر الملاك بأنك سعيد برفة جناحه على جفنيك
وأنك راغب حقا في الذهاب إليه
ليس إعياء أو سأما
بل كمن يضع قدمه في شقة جارته الأرملة
*
حيث يتراجع الأمل في العالم، في الآخرين
يتقدم الأمل في ملاك النوم
ويكون: الوسن والغفوة والإغماض والتهويم
والهجوع والهجود والغشية والرقود
والسبوت والاستكانة والاضجاع والهكر والنعاس
للنوم كل هذه الأسماء والدرجات
يمكنني إذن أن أدخل إليه
ولا أخرج لأي يقظة كانت
*
كل يقظة هي ظهور الغريب
في بلد يكره الغرباء
*
أفكر أن أهاجر إلى النوم
في الحرب يبنون الملاجئ
مخازن رطبة مظلمة تحت الأرض،
أما ملجئي فوثير وناعم ومنفتح على كل البقاع
*
عندما أنام، أختفي دون أن أعرف أين اختفيتُ
تأخذنى قدماي فى جولة بلا تعب، طالما تقتُ إلى إنجازها ولم أفعل..
أقطع بحارا مليئة بالعجائب، وأتجول بين
الجزر أبيع وأشتري، ومثل السندباد، أتعلق بالخشبة،
عندما يغرق مركبي ويأكل السمك باطن قدمي، حتى يلفظني
الموج على جزيرة ومنها إلى مركب جديد وأرض غريبة،
إلى أن أصادف بلدي وأحكي الحكاية
*
أعود من النوم لألقي السلام على بشر متوحشين
لا لشيء
إلا ليدركوا كم أنا لا شيء تقريبا
*
نومي هو مرافعتي
فى محاكمة ظالمي لي
*
عقدت صفقة مع الملاك،
أختار رحلتي، بداية ونهاية وطريقا ممتدا بينهما.
في النوم جنة ما،
الرغبة تتحقق فور أن تخطر على بالك
ولا يمكنك التوقف عن الرغبة أو التجوال
لا أحد يصدك
أو يضع الفخاخ أمام قدمك
حتى القاتل لا يتخلص منك،
بل يقتلك لتعود وتشير إليه بين عينيه:
ياقاتلي
*
فى اليقظة، الهروب دائم وليس هناك جهة
ليس هناك مخبأ أو طوق للنجاة
فى اليقظة يد الجلاد،
الذي يبقي عينيك مفتوحتين
لتريا عذاب من تحب
*
في اليقظة
لا سبيل أمامي لإنكار الدم الذي يسيل تحت قدمي
ويلطخ حذائي
لايمكن أن تتغير طبيعته، عندما أعتبره مياها متسربة من مصبغة،
لا سبيل لإنكار الجسد الصغير
الملقى في القمامة،
إنها طفلة وقد تورم وجهها والتوت قدمها تحتها،
وقد وقعت عيناي على الكدمات تغطي جسدها النحيل
حتى لو أغمضت عيني بعد ذلك
هل تعود تلك الوقائع من حيث أتت!
*
حتى في الكوابيس
يمكن أن ننهر الشر
يمكن أن نمسح السوء فيزول
*
أضع عديدا من المقاعد متتابعة
من غرفة النوم حتى باب شقتي
ودائما أجلس على كل مقعد لحظات قبل خروجي
حتى لا أُقذف إلى الخارج مرة واحدة
أتدرب على الالتقاء باليقظة
لأنني أحملها على كتفي
*
أسير وأنا أخبئ نومي بداخلي
أخشى أن يكتشفه أحد
أو أن تفضح البوابات الإلكترونية التي أعبرها،
كيف أحمل ما أحتمي به
*
صرخات بعد منتصف الليل
وجارتي تعلن موت زوجها، وتكسر نومي
تتشبث بثيابي دون أن تتوقف عن الصراخ،
كأنها تريد مني أن أعيد زوجها إلى الحياة
لو كنت مع أحلامي
لاستطعت أن أقول لزوجها
عد إلى الحياة
ولقلت لصراخها: اختبئ فى مخزنك
حتى تتحول إلى موسيقى الحب
*
أحب نومي
لأني أتعلم الابتسام داخله.
*
( من ديوان " قصائد حب إلى ذئبة – 2009" )
حزنُ ما بعد الغرام
عندما أدخل من بابكِ
أود لو أبقى ولا أخرج
أنت سلالةُ الملوك الذين جعلوا أبوابهم منخفضة
تجبر الداخلين على الركوع والزحف،
أركع وأزحف آتيا إلى بابك
فأدخل ولا أدخل
*
تبتلعيننى وتهمهمين:
أنا حوتكَ، وشجرة يقطينكَ التى عليك تلتف
بإمكانى ألا أطلقكَ
تقولين وأصدقك
أسألك: هل دخل يونس من باب مثل بابك؟
*
لا أريد رحمكِ نوعا من الباب الدوار
أدخل لأخرج
وأخرج لأدخل
أريده باب حصن
أدخله وأحتمى وراءه
لا ينفتح إلا بقدر ثغرة أنظر منها إلى العالم
أو لنقل ، أنا القوقع وأنت محارتى
أخرج منك وأنا أحملك وأتجول فى الحياة
ثم أدور وأنكمش داخلكِ
*
ألمسك وتنتهى اللمسة
أقبلك وتنتهى القبلة
أيمكن أن أظل ملامسا لك كل لحظة ،
أن أقبلك قبلة لا تنتهى
إلى أين ينسرب الحاضر هكذا من بين أصابعنا
اقبضى علىّ بقوة
لا تفلتينى
ربما إن ظللت ألمسك هكذا
نهزم الموت
*
جربى أن يكون رأسى داخل زهرتك
زهرتك رحيمة بى
أحن على من عقلك
تريدين طفلا ، أنا طفلك الدائم
دعينى أدخل وأتطلع إلى عالمى المسحور ،
الليل الخالص هنا
ندى الفجر
صندوق الدنيا
كل ما مضى وضاع
هنا العودة ،
هنا اللقاء وموعد الوصول
*
خبأت الشراب تحت ملابسى
رشوت الحارس ،وألقيت السلام على جيرانك المتوحشين
والآن ، أنت حصانى
وأنا آكلك فى زمن المجاعة
أنت شجرتى وهدفى
وأنا وحيد القرن الذى انغرس واقتلعك
ثم مضى يعدو حتى سقط فى البحر .
أظل هكذا ، أضرب رأسى فى حائطك الطرى
يدى فى عجينك
وشفتاى على رقبتك
تمتد اللحظة وتتمدد
يتوقف الزمن وأنا أروح وأجيئ ،
ناقل حركة فقدوا السيطرة عليه
كل زمنى أقضيه هكذا
كل طاقتى أفرغها وأنتهى ،
افتحى باب الملكة لأدخل بكاملى وأسكن ،
ياكهفى ومغارتى وكنى ووجرى وعشى وجحرى وشرفتى على البحر
*
لا أقل من أن أموت داخل رحمك
وأن أُدفن فيه
أعددت شاهدا لقبرى
جلوت العكن الأخير ، صفحة المرآة ، العتبة
وكتبت بالفلوماستر:
هنا يحيا
هنا يقوم
*
"من كتاب الخبز – قيد الطبع"
ترانيم الخبز
ترنيمة الأب
يا فتّاح يا عليم
أنت ترانى فى عملى قبل جميع العمال،
قبل أن يصحو الخفير ويصنع الشاى الأسود على نار الخشب
وقبل أن تغادر الكلاب مواضع رقودها،
ساعدنى إذن حتى أنصرف قبل زملائى بنصف ساعة،
نصف ساعة فقط
ساعدنى حتى أسبقهم إلى كشك التوزيع،
لو انتظرت حتى موعد انصرافهم لن أجد رغيفا واحدا يؤكل أكلاً
أنا بدين كما ترى ؟
ساقى تؤلمنى وقلبى واهن وصوت تنفسى يصل إلى جارى،
بالأمس هرولت لأجارى زملائى فتعثرت وانكسرت نظارتى
لن أسبق هؤلاء النحفاء أبداً
عدد منهم يملكون دراجات صينية
وآخرون يعرفون طرقا مختصرة إلى كل أكشاك الخبز .
ولن أستطيع أن أرشو الخباز بسيجارة ، بعد أن أقلعت عن التدخين
هل يرضيك..
أيان ذهبتُ وجدت زملائى يبتسمون وهم يحملون أرغفتهم الساخنة
كأنما يسخرون من خطواتى
نصف ساعة فقط
نصف ساعة
ترنيمة الأخ الأكبر
أيها الأخ الصغير الحبيب
الأخ المجتهد فى تحصيل دروسه
المطيع لأخيه الأكبر
ليلتصق هذا الجنيه بكفك الحبيبة
كما تلتصق عشرون رغيفا داخل الكيس البلاستيكى
أيها الأخ الصغير الحبيب
الأخ الراغب أن يرفع رأس أخيه الأكبر
لتمض من فورك الآن
لاتفتح كفك إلا لتناول الخباز هذا الجنيه
لا تشرد ، فيسقط الجنيه ويضيع
أى أخى المطيع
عندما يناولك الخباز الأرغفة العشرين
وتطمئن عليها فى الكيس بين ذراعيك
إياك أن تتأخر أيها الحيوان الكسول
وتتركنا جائعين.
ترنيمة الأم
يا رب
ارزقنى العافية
حتى أسبق جارتى فى الصف
ارزقنى خبزا أحسن من خبزها
هى تطعم خبزها للبط وأنا أطعمه لأبنائى
هى تأكل الرغيف من منتصفه كالماعز
وأنا ألملم اللقيمات بعد عيالى الجائعين
هى تضحك للخباز وتمازحه
وأنا اشتعل رأسى شيباً
ولم يعد لدى سن يضحك
أو شفاه تبتسم
يا رب، لا تجعل النسوة البدينات يدفعننى إلى الخلف
وامنح الخباز سعة صدر
حتى يرضى أن يبدل بالتالف من أرغفتى أخرى صالحة.
ترنيمة الجدة
إلهى وأنت جاهى
لا تدعهم يأكلون الأرغفة الطرية
ويلقون إلى بالكسرات الناشفة
إلهى وأنت جاهى
لم يعد لدى أسنان للكسرات الناشفة
فى الماضى لم يكن يعوقنى شيئ ، ولم أكن أشتكى
لكن الكسرة الناشفة تجرح لثتى
وتمنع عنى النوم
حتى إن دموعى تسيل من الألم
ويحسب هؤلاء الأشقياء أن ذبابة تطن فى عينى
إلهى حنّن قلوبهم علىّ
هؤلاء الشياطين
الذين لا يفكرون إلا فى ازدراد الطعام
كما لو كانوا يأكلون فى آخر زادهم.
ترنيمة الأخ الصغير
كل يوم على الذهاب للمخبز
كل يوم أزاحم حتى أصل إل بداية الصف
كل يوم تلتسع يداى من الأرغفة الساخنة
يارب
ألم أساعد العجوز على عبور الشارع
ألم أتوقف عن ضرب القطط بالحجارة
لمَ لمْ تحقق أمنيتى ، وتحوّل من أجلى رغيفا إلى فطيرة ساخنة
عندما أضع الأرغفة فى الكيس البلاستيكى
أغمض عينى وأقول: رغيفى سيصبح فطيرة ساخنة بالسكر
وكل مرة
أفتح عينى ، فأجد الأرغفة على حالها
يارب
هل سأنتظر هكذا طول العمر ؟
لقد مللت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.