حالة التنسيق بين الإخوان وبين التيار السلفي التي سادت المشهد السياسي في الأشهر الأخيرة الماضية ربما تنتهي قريبا تحت قبة أول برلمان بعد ثورة يناير، حيث إن الشواهد تسير في منعطف الطلاق الرسمي بعد فترة زواج استمرت لأسباب انتخابية بحتة سرعان ما تحولت إلي طلاق غير رسمي خلال جولة الإعادة التي جرت منذ أيام علي مقاعد الفردي والتي شهدت تراشقا بالألفاظ بين أنصار كل مرشح من أجل الحصول علي كعكة في مجلس الشعب. رغم أن التيار السلفي منقسم علي نفسه فمنهم من يري أن الانتخابات رجس من عمل الشيطان ويتزعمهم فيها الداعية السلفي محمد سعيد رسلان ومعه مجموعة ليست بالقليلة من أنصاره يقف أغلب الفرق السلفية الأخري موضع المؤيد للانخراط في الحقل السياسي بل يستغلون صور الداعية الإسلامي محمد حسان من أجل الترويج لمرشحي حزب النور كما حدث في الجولة الأولي، وكان طبيعيا أن يقف الإخوان والسلفيون يدا واحدة، خصوصا أن المصالح تجمعهما تحت غطاء إسلامي وتحت شعار تطبيق الشريعة، فكما اختار حزب النور شعار «ماذا رأيت من الله.. حتي تكره شريعته؟» وقف الإخوان بعد أن كان إسلامهم هو الحل لتصبح «نحمل الخير لمصر». روز اليوسف طرحت تساؤلا حول شكل العلاقة بين الإخوان والسلفيين تحت قبة البرلمان، خصوصا بعد بوادر الخلاف التي ظهرت مؤخرا. ناجح إبراهيم - عضو مجلس شوري الجماعة الإسلامية - قال: السلفيون ينكرون علي الإخوان المشاركة في الانتخابات والعمل السياسي بل وصل الأمر للتحريم في بعض الأحيان، ثم جاءت الثورة ولم يشارك بها السلفيون في البداية ثم قربت نتائجها من وجهة نظر السلفية والإخوان وبعد ذلك حدثت الانتخابات وجاءت بما لا تشتهي السفن وجاء كل فريق منهم يتهم الآخر حتي وصل الخلاف بينهما إلي أنصارهما ووصل إلي النساء بين كل فريق وهذا أمر خطير لأنه لا علاقة للإسلام بهؤلاء. وبالتالي ازدات الفجوة بينهم رويدا رويدا. ناجح قال: إن الخلاف بينهما علي السلطة ورغم أن كليهما يريد تطبيق الشريعة وأن كليهما مرجعيته إسلامية فإن آلية التطبيق مختلفة وجاءت السياسة لتفرقهم وأعتقد أن المرحلة التالية ستشهد تفرقا كبيرا وهذا الخلاف سيمتد أثره إلي قبة البرلمان. أما تحت قبة البرلمان فسيكون هناك تباعد بين الإخوان والسلفيين وتناغم بين الإخوان والوفد. وفيما يتعلق بالفرق السلفية الرافضة للانخراط في العمل السياسي فقال ناجح «سيحاول كل تيار استقطابهم لصفوفهم ولكنهم سيقفون علي مسافة واحدة من الجميع». وعلي الأحزاب الإسلامية أن تعلم أنها ليست الإسلام لأن الدين معصوم وهي تخطيء ولا يجوز أن نرفع شعار «نحن من نمثل الإسلام» لأنه حينها ستصبح باقي الفرق كافرة. أما الدكتور كمال حبيب الباحث في شئون الجماعات الإسلامية فقال «أعتقد أن احتمالات عدم التوافق بين التيار السلفي والإخواني تحت قبة البرلمان كبيرة وسيحاول التيار السلفي التأكيد علي هويته المتشددة أما الإخوان فسيحاولون التحلي بسعة الصدر وأيضا التحالف ضد السلفيين قد يكون واردا خصوصا مثلما حدث في بعض الدوائر في جولة الإعادة في المرحلة الأولي للانتخابات. كما أنه غير صحيح أن يظل السلفيون تحت عباءة الإخوان بحجة تعلم الحنكة السياسية لأنهم سيتعلمونها دون مساعدة وأتصور أن التيار السلفي سيعتمد علي بناء كتلة ذاتية ولن يتحالف مع أحد سواء إخوان أو غيرهم، وعلي التيار السلفي أن يطور من خطابه وتعلم كيفية التعامل مع المجتمع لأن الانتقاد سيأتي حتما إذا لم يكن هناك تطور ملحوظ في طريقة التفكير، وأضاف «لنا في عبدالمنعم الشحات عبرة، فقد خسر بسبب تصريحاته الغريبة وأساء لحزب النور وللدعوة السلفية، أيضا في دمياط كان حزب النور متفوقا في المرحلة الأولي وخسر في جولة الإعادة بسبب افتقاره للذكاء. والمرحلة المقبلة ستشهد عزوف الكثير من مناصري السلفيين عن التيار السلفي إذا لم يتوافقوا مع المجتمع. أما في طريقتهم تحت قبة البرلمان فسيظلون كما هم في محاولة لتأكيد الذات منفردين ولن يتحالفوا مع أي تيار آخر، عكس الإخوان الذين سيسعون للتحالف مع التيار الليبرالي علي حساب السلفيين من أجل كسب أرضية جديدة. أما الدكتور إبراهيم الزعفراني - أحد أهم قيادات الإخوان المسلمين في الإسكندرية وعضو مجلس شوري الجماعة السابق - فقال «سيكون هناك اتفاق وتنسيق في أمور وخلاف في أمور أخري، والإخوان سيمسكون العصا من المنتصف، فالأمور التي لن يأتي بها نص قرآني واضح سيتسمون بالمرونة وسيحدث اختلاف بينهم وبين التيار السلفي في بعض الأمور ولكن سيظل التوافق بين الإخوان والسلفيين أكبر من التوافق بين الإخوان والليبراليين والمواقف التي سيقف بها الإخوان ضد السلفيين هي نفسها التي سيتحد بها الإخوان مع الليبراليين مثل الحريات التي يؤمن بها الإخوان ولا يؤمن بها السلفيون فسنجد إلزام الشعب ببعض الأشياء الدينية مثل الملبس والحجاب وبعض الأمور التي طالب بها الإسلام صراحة، سنجد السلفيين تحت قبة البرلمان يطالبون بقوانين صارمة وملزمة تطبيقا للشريعة أما الإخوان فسيتركون المجال للمواطن من أجل الاختيار وهنا سيقفون علي استحياء في صفوف الليبراليين. أيضا فيما يتعلق بالسياحة والنظام المصرفي القائم علي الاقتصاد الإسلامي فسيكون موضع خلاف بين الإخوان والسلفيين وسنجد الإخوان مدافعين عن الحريات مع شيء من الحذر وسيتصدر السلفيون المشهد الرافض القاطع الجازم. أما الأمور التي تتعلق بالعادات وتقاليد المجتمع ومحاربة الغزو الثقافي الغربي لمصر والعادات غير المألوفة علي المجتمع سنجد أن الإخوان متحدون مع السلفيين بها ويطالبون بإصدار قوانين تشريعية مؤيدة لوجهة نظرهم. الشيخ محمود عامر الباحث في الفرق الإسلامية قال أ:عتقد أن التنسيق بين الإخوان والعلمانيين والليبراليين سيكون أكبر من التنسيق مع السلفيين وحزب النور وهذا يرجع إلي وجود خلافات أصولية بين التيارين، أيضا سيكون حزب النور به استقلالية واعتزال لما وصل إليه وحقق من اجتهاد وهذا ظهر في الانتخابات ونتائج مرحلتها الأولي وسينعدم العنصر النصراني من تفكير السلفيين. وإذا استمر صعود التيار الإسلامي بأجنحته الثلاثة الإخوان والسلفيين وحزب الوسط سيكون التنسيق بينهم علي نطاق ضيق جدا ولكن في الممارسات السياسية سنجد تحالفا إخوانيا علمانيا ثم تحالفا إخوانيا ليبراليا. أما بخصوص التيارات التي تحرم الدخول في الانتخابات عند بعض مشايخ السلفية فسنجد أطروحات مشابهة لها في أدبيات سيد قطب وعلي جريشة ويوجد بها شيء من التكفير، ولكن بالممارسة ستقل هذه النزعة المنعزلة وستنخرط رويدا رويدا في الحياة السياسية. عامر قال أيضا إننا سنجد تحت قبة البرلمان ترخصا من جانب السلفيين والإخوان في بعض الأمور التي طالما ظلوا ينكرونها علي النظام السابق عندما كان دورهم يقتصر علي المعارضة فقط وأسهل شيء في السياسة أن تقول «لا»، أما الآن عندما أصبحوا أصحاب الولاية فسيواجهون صعوبة بالغة تجعلهم يترخصون في أشياء كثيرة وسينهج أصحاب التيارات الإسلامية إلي قبول أشياء أنكروها علي النظام السابق مثل معاهدة كامب ديفيد وتصدير الغاز لإسرائيل والتبادل التجاري مع الولاياتالمتحدة ولم يجرؤ أحد منهم علي حشد تأييد برلماني من أجل تمرير قانون يلغي اتفاقية كامب ديفيد، وبالتالي سنجد تغييرهم شكليا فقط وليس له أدني علاقة بالمضمون. أما خالد الزعفراني أحد القيادات السابقة لجماعة الإخوان فقال من الطبيعي أن نجد تنافسا الآن بين حزب النور وحزب الحرية والعدالة، أما فكرة وجود انشقاق وقطيعة تحت قبة البرلمان فهي مستبعدة خصوصا أن الإخوان سيحاولون اللعب علي وتر الدين المتشدد الذي وجدوا حزب النور يحصد ثمرته وبالتالي ستكون هناك منافسة من أجل استقطاب الشارع الإسلامي وبالتالي سيظل الإخوان لفترة قادمة يلعبون علي وتر تطبيق الشريعة الإسلامية! وهنا تحدث مغالاة بين الطرفين من أجل كسب ثقة الشارع الإسلامي وسيأتي هذا علي حساب التيار الليبرالي الذي سيجد نفسه محاصرا بينهما فيلعب علي ثقة الشارع المدني وهنا سيحدث تحالف بين الإخوان والسلفيين من أجل تضييق الخناق عليه وسرعان ما يزول هذا التحالف مع زوال المصلحة وسنشهد حالة شد وجذب بين الطرفين، ولكن في نهاية الأمر اعتقد أنه لن يكون هناك تحالف إخواني سلفي تحت قبة البرلمان . جديد.