حزب الله طلب من إيران الاتصال بمصر لحلحلة التأزم بين القاهرة وحماس.. وطهران شددت على حتمية قبول حماس للمبادرة المصرية لا القطرية اتصالات ولقاءات بين القاهرةوطهران برعاية ولي عهد أبو ظبي.. وعودة وشيكة للعلاقات مع دمشق إعادة ترتيب العلاقات وتقييمها طبقا لموقف موحد من خطر "داعش".. والقاهرةوطهران يتقاطعا في حتمية مواجهة تهديد النفوذ التركي القطري لمصالحهم تخضع مسألة تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية إلى ثلاثة محددات رئيسية: الأول هو توفر إرادة حقيقية لكل من الطرفين في إقامة علاقة طبيعة ومستدامة تناسب حجم وتأثير الدولتين، الثاني العائد المتوقع من هذا التطبيع لمصر، سواء اقتصاديا أو سياسيا، وهذا الأخير تحديدا يشترط بالدرجة الأولى أن يترتب حسب الطبيعة المرحلية للعلاقة بين إيران ودول الخليج وتحديدا السعودية حاليا، أو إيرانوالولاياتالمتحدة فيما سبق، والثالث هو مستجدات الأوضاع على الساحة الإقليمية والتماس بين موقف القاهرةوطهران تجاه قضايا محددة، على سبيل المثال أزمة الوساطة والتفاوض بين المقاومة والكيان الصهيوني، وعلاقة ذلك بموقف المحور التركي القطري، أو اتفاق على ضرورة مواجهة عدو جديد يهدد الجميع، كتنظيم الدولة الإسلامية داعش. مع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، ومع استنكاف وتلكؤ مصر في ممارسة دورها الطبيعي والأساسي لأسباب الخلاف مع حركة حماس، برزت محاولات تركية-قطرية لإبعاد مصر مرة واحدة وإلى الأبد عن ملف يعد من صميم أمنها القومي، وقوبل ذلك باستجابة حركة حماس، التي رأت عن خطأ في أول أسبوعين من العدوان أنه يمكن الاستغناء عن القاهرة، لكن سرعان ما قوُم هذا الموقف بضغط وصل إلى حد التهديد بالقطيعة من قبل طرف لم يكن متوقعا أن يؤيد الرؤية المصرية تجاه مسألة وقف إطلاق النار كأساس للتفاوض؛ هذا الطرف هو إيران. دلالات عدة أشارت إلى مواءمة إيرانية للبنود التي طرحتها مصر لوقف إطلاق النار، كبداية يؤسس عليها تاليا ما يمكن أن تفرضه المقاومة من أجندة تفاوضية بدافع انتصارات على أرض المعركة، خاصة وأن بدائل الوساطة المصرية المتمثلة في ما طُرح في مؤتمر باريس برعاية أمريكية و قطرية وتركية، يبتعد تماما عن مصلحة فلسطينوغزة والمقاومة، وأن ما طرح في الغرف المغلقة وإعلام المحور القطري التركي فيما يخص غزة كان يستهدف أولا وأخيرا الإضرار بمصر سياسيا، وهو ما رحبت به تل أبيب، التي كانت تُعلن دائما تمسكها بالوساطة المصرية، ولكن مع تأزم موقفها العسكري والميداني، أصبحت تريد مخرجا من أزمتها يقدمه أي طرف، وهو ما وفرته المبادرة القطرية، التي مهدت الطريق لمطالبة الكيان الصهيوني والولاياتالمتحدة بنزع سلاح المقاومة، وهو ما دفع الإيرانيين إلى التدخل والسعي لحلحلة الموقف المتأزم عند كلا المحورين: مصر والسعودية والإمارات، وقطروتركيا، تجاه غزة، برؤية صبت في النهاية إلى تصويب مسار المفاوضات ببوصلة مصرية. بعض من هذه الدلالات جاءت ضبابية بطبيعة الحال، لأنها بالأصل دارت خلف الأبواب المغلقة. فمثلا، وبمثابة سر معلن في الدوائر المقربة من محور الممانعة في لبنان، اجتمعت الفصائل الفلسطينية في بيروت أواخر الشهر الماضي مع مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشئون العربية، حسين أمير عبد اللهيان، لحسم موقف حركة حماس المتذبذب بين القبول بمؤتمر باريس والمبادرة القطرية المدعومة أمريكيا والتي تلقى قبولا عند الإسرائيليين، وبين تأسيس أجندة تفاوضية وفقا للمبادرة المصرية، التي يراها الإيرانيون بديلا آمنا أفضل من المبادرة القطرية وتبعاتها المستقبلية، كما أن السلطة الجديدة في مصر لم يتغير موقفها من حركة الجهاد الإسلامي، التي رأت أنه كان يمكن الانطلاق من الورقة المصرية لولا طريقة طرحها غير المناسبة، وعليه أيدت الجهاد المسعى الإيراني الرامي إلى إعادة الكرة إلى الملعب المصري مرة أخرى، وبمراجعة حماس لمكتبها السياسي في قطر والذي رفض الاقتراح الإيراني في بادئ الأمر، لحساب الإغراءات القطرية التركية، فهددت طهران بقطع العلاقة مع حماس نهائيا، وليس فقط تراجعها أو تخفيضها كما كان الحال عقب موقف الحركة من الأزمة السورية، وهو ما أجبر المكتب السياسي للحركة على تغير موقفه وكذلك خطابه تجاه الوساطة المصرية، ورأى فيها أنه مع الإخفاق العسكري الإسرائيلي وسعيه للخروج من أزمته بأي وساطة، فأنه يمكن التأسيس على المبادرة المصرية، والتي لو رفض الإسرائيليون التفاوض حولها فأن ذلك يبرئ مصر من شبهة الانحياز لتل أبيب، ويمكنهم بمعزل عن الأولى من الوصول لتسوية قد تحسن بالدرجة الأولى العلاقة المتأزمة بين القاهرة وحماس، وهو الأمر الذي حاولت تركياوقطر عبر إعلامهم ومسئوليهم تعطيله، لكن في الحقيقة كان هناك أيضا رفض واضح من الجانب المصري لتدخل قطري-تركي في شأن غزة, نابع من موقف النظام الجديد من جماعة الإخوان وحلفائها. أيضا، وبشكل تصاعدي، كان خطاب وسائل الإعلام التابعة لمحور المقاومة في لبنانوسورياوإيران يثمن الموقف المصري تباعا، وتحديدا من بداية الشهر الجاري، لحساب تبخيس المقترحات القطرية التركية، التي تهدف في جوهرها إلى تدجين المقاومة ونزع سلاحها، وتحول حماس بالكامل إلى سلطة رام الله جديدة ولكن في غزة. في الفترة ذاتها، تواترت تقارير ومقالات عن تقارب مصري إيراني وشيك نتيجة لحجر غزة الذي حرك الماء الراكد بين القاهرةوطهران، وإن كان الأمر في النهاية منوطا بأبعاد اقليمية ودولية خارجة عن الدولتين، ففي النهاية ينتمي كل من البلدين إلى محورين مختلفين، ويخضع تجاوب القاهرة مع طهران إلى الظروف الإقليمية والأوضاع بين طهران وعواصم الخليج وعلى رأسها بالطبع الرياض، والتي تشتبك بقوة مع طهران في عدة ساحات تمتد من أفغانستان إلى العراق فاليمن وسورياولبنان. لكن هذا لا يمنع بطبيعة الحال تقارب وجهات النظر، في حالة وجود منافس ثالث قوي يهدد مصالح البلدين، وهو المحور التركي القطري، حيث تقع غزة بينه وبين المحور المصري السعودي، ولذلك كان محور المقاومة شريكا ثالثا هدف إلى الوصول طبقا لمصالح أهم إلى تهدئة بالوساطة عند كل من القطريين والأتراك والمصريين وحتى السعوديين، لتخفيف الموقف المتزمت والحاد تجاه غزة، فيما بدا أن الموقفين القطري والتركي لم يتزحزحا عن مبدأ تخسير مصر والإضرار بموقفها السياسي لحسابات أيديولوجية وانتخابية في تركيا، وسياسية في قطر تهدف إلى تسجيل نقاط للدوحة في صراعها خليجيا مع الرياض وأبو ظبي، بالإضافة إلى محاولة إحياء الإخوان المسلمين سياسيا على ضوء انتصارات المقاومة، ولهذا كان التشدد المصري تجاه حماس التي عولت على الرهانات السابقة، ولكن فوت التجاوب المصري تجاه المساعي الإيرانية عن طريق فرد حيز أوسع لحركة الجهاد، التي كانت القناة الوحيدة بين القاهرةوغزة، وهو ما دفع حماس في النهاية إلى القبول بالجلوس على مائدة تفاوض مصرية. في هذا السياق، نشرت صحيفة الأخبار اللبنانية الخميس الماضي حوارا مع الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، جاء فيه ما يؤكد الدلالات السابقة، حيث أعلن نصر الله أنه أقترح على الإيرانيين إجراء اتصالات مع مصر وتركياوقطر، وعقب بقوله إنه على الرغم من صعوبة الموقف المصري في بادئ الأمر، إلا أنه لم يكن يرفض الحديث والنقاش مع كافة الأطراف المعنية، على عكس قطروتركيا، حيث هاجم أردوغان السيسي بشكل شخصي، وكذلك الأمر عبر وسائل الإعلام القطرية، وهو ما رآه الأمين العام لحزب الله تهربا من مساعدة حقيقة من جانبهم لغزة، لأنه وبحسب قوله: "إذا كنت تريد مساعدة غزة فإنه يجب أن تحكي مع مصر، والفلسطينيون أنفسهم يقولون إن أي حل أو تسوية غير ممكنة بمعزل عن مصر". بخلاف الموقف في غزة، من الواضح أن هناك تفاهمات إقليمية تترتب حسب خطر أكبر من كافة الخلافات بين المحور المصري السعودي وبين محور المقاومة، هذا الخطر هو المجموعات الإرهابية المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية داعش، فمن العراق إلى لبنان تجرى تسويات إيرانية-سعودية عنوانها الرسمي التأهب ومحاصرة الخطر الداعشي ومنعه من التمدد، وهنا يطرح بطبيعة الحال مدى إمكانية التقارب المصري الإيراني مجددا، خاصة وأنه من الواضح أن الخلاف الثانوي بين الدول السابقة تنحى مؤقتا لحساب مواجهة الخطر الأكبر، وإن كان هذا لا يعني سوى تغليب المصالح، فأولا بالنسبة إلى مصر يضيق التباين بينها وبين محور المقاومة يوما بعد يوم، فموقف مكونات هذا المحور لم تدعم الإخوان المسلمين، بل اكتوى بنارها مثلما مصر، ومن لف لف الإخوان من الإسلاميين، الذين وقفوا مع مرسي قبل عزله بثمانية عشر يوما في الصالة المغطاة بالقاهرة، ليعلن قطع العلاقات مع سوريا، وسط حشد وتأييد من آلاف الإسلاميين، الذين على تنوعاتهم واختلاف مشاربهم الفكرية، اتفقوا وعملوا منذ 2011 على تعطيل وإعطاب كافة محاولات التقارب بين القاهرةوطهران، مستخدمين الخطاب الطائفي التكفيري تجاه جل مكونات محور المقاومة، وبالتالي كان منطقيا أن ترحب إيران بثورة الثلاثين من يونيو وبانتخاب السيسي رئيسا لمصر، وحضور عبد اللهيان حفل التنصيب ممثلا عن الرئيس الإيراني حسن روحاني، وتعقيبه في وسائل الإعلام أن المحادثة مع السيسي، تفتح أفق لتطور في العلاقات المصرية الإيرانية غير مسبوق. تتهيأ أجواء مناسبة الآن لتطوير العلاقات المصرية الإيرانية، وبالتبعية ما يمكن أن ينعكس في استعادة العلاقة بين القاهرةودمشق، فمنذ شهور قليلة شهدت العلاقة بين دول الخليج وإيران تحسنا ملحوظا، كان في انتظار أن يتوج بتصفية الأجواء بين الرياضوطهران، إلا أن ذلك لم يكن ليحدث دون ترتيب الأوضاع في العراقولبنان، وحتى بعد زلزال اجتياح داعش في العراق، والتي باتت توابعه تهدد السعودية ودولا عربية أخرى، فإن التسويات صارت واجبة، وبالفعل بدأت بعودة رجل السعودية الأول في لبنان، سعد الحريري، إلى بيروت بعد غياب ثلاثة أعوام، وقبول إيران ورضا الولاياتالمتحدة وبالطبع السعودية برئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي، وذلك يرجعنا إلى المبدأ الأساسي الذي حدده السيسي إبان حملته الانتخابية كمرشح للرئاسة بأن العلاقة مع إيران تمر عبر الخليج العربي، وأن أمن مصر لا ينفصل عن أمن الخليج، "هم أهلنا ويهمنا أن يعيشوا بسلام. كل ما نسعى إليه مع إيران هو علاقة عادلة". وفيما يبدو، وحسب بعض التقارير فإن ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد، هو عراب هذا التقارب. خلاصة القول إن مجريات الأوضاع في المنطقة وتطوراتها السريعة، تحتم وجود تقارب بين مصر وإيرانودمشق، سواء بشكل مباشر، أو عبر وساطات وفي إطار تحرك محوري، وقد تكون عودة العلاقات بين القاهرةودمشق ممهدة للتقارب بين القاهرةوطهران، ويحكم حجم وسرعة هذا معطيات كثيرة أهمها مواجهة الفوضى الداعشية. باختصار، صارت عملية إعادة ترتيب وتقييم العلاقات بين دول المنطقة تتم وفق هذه الضرورة، ويتقاطع في ذلك كل من المحورين المصري-السعودي-الإماراتي، والإيراني-السوري-حزب الله، ويبقى أن الذي حفز عملية التقارب بينهم بالإضافة إلى الخطر الداعشي، هو الموقف شبه الموحد من المحور القطري- التركي.