يسعي مرصد الأزهر الشريف لكشف وتفكيك ظاهرة معاداة الإسلام في الغرب من خلال مناهج علمية تقوم بها لجانه المختلفة، ويؤكد د. طارق شعبان، مدير المرصد، أن ظاهرة اليمين المتطرف قد تنامت في السنوات الأخيرة في الدول الغربية، وكان تركيز أصحابها الأُول علي المهاجرين، خاصة المسلمين منهم؛ حيث دعا أتباع هذا الفكر المتطرف إلي طرد المهاجرين وغلق الأبواب أمام أية موجات هجرة جديدة، متخذين مسار العنف سبيلًا نحو تحقيق أهدافهم، ولمَّا لم يجدوا نتائج مثمرة أخذوا يستغلون الأدوات الديمقراطية من أجل الوصول إلي السلطة، ومن ثمَّ تنفيذ أهدافهم عن طريق المؤسسات الشرعية والقانونية، من خلال سنّ التشريعات والقوانين. ويضيف مدير المرصد أن هذه السياسة آتت أُكُلها؛ حيث وصلت بعض هذه الأحزاب بالفعل إلي السلطة كما هوالحال في إيطاليا والنمسا، ولا تزال نظيراتها في دول أخري تسير في هذا المضمار، تتقدم فيه أحيانًا وتتراجع في أحايين أخري. أحزاب متطرفة ويشير د. محمود نجاح، مدير وحدة اللغة الإنجليزية بالمرصد والتي أصدرت الدراسة، إلي الأسس التي قامت عليها هذه الأيديولوجيات التي تتبنَّاها هذه الأحزاب والجماعات اليمينية في الغرب، بأنه في كتابه »أيديولوجيا اليمين المتطرف»، تناول »كاس موده» بالبحث عدة أحزاب يمينيّة متطرفة في ألمانيا، وفنلندا، وهولندا، وخَلُص إلي الأسس الأيديولوحية للفكر اليمينيّ المتطرف، والتي حصرها في عدة مبادئ تُمثل بدورها مراحل متتالية، أولها مبدأ القومية أوالانتماء العنصري للوطن؛ حيث بيَّن أن أتباع هذا الفكر يسعون إلي تحقيق الاتساق في بلادهم علي مستوي الدولة، وهوما أطلق عليه »موده» (الوحدة السياسية)، وكذا علي مستوي الأمة، وهوما أطلق عليها (الوحدة الثقافية). وقد أدي هذا الاعتقاد إلي المبدأ الثاني القائل بأفضلية العرق الأبيض والتعصب له والعداء لكل ما هو أجنبي. وهو الأمر الذي تولد عنه في النهاية المبدأ الثالث المتمثل في النظرة الشوفينية للرفاهية، بما يعني اعتقادهم أنه يتعيَّن علي الدولة عبر سياساتها الاجتماعية أن تضمن رفاهية أفراد عرقيتها فقط دون الأجانب، أي ضرورة ألا يؤثر الوجود الأجنبي علي الرفاهية الفردية للمواطن. أما المبدأ الرابع فيتمثّل في إيمانهم الراسخ بالقانون والنظام؛ حيث يرون أنه ينبغي علي الدولة أن تتبني نظاما قانونيا صارما وأن تنفذه بكل قوة وحزم. جرائم كراهية ويُتابع د. نجاح أن الدراسة أشارت إلي ما أدي إليه شيوع هذه الأيديولوجيات، والأفكار، وتبنِّي بعض كبري وسائل الإعلام وكبار الساسة علي مستوي العالم لها إلي تأثر بعض مواطني هذه الدول بهذا الخطاب تأثرًا كبيرًا لدرجة حدت ببعضهم إلي ارتكاب جرائم كراهية ضد المسلمين، بل تطوّر الأمر ليصلَ إلي الإقدام علي مذابحَ مروعة باسم المحافظة علي العرق الأبيض ونقائه، كان آخرها مذبحة مسجدي »كرايستشيرش» بنيوزيلندا؛ حيث أقدم الإرهابي المتعصب المتطرف »برينتون تارنت» علي قتل (51) مصليا في دار عبادة، وبثّ ذلك مباشرة علي أحد مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يُبْد أي ندم، أو يُظهر أي أسفٍ عند مثوله أمام المحكمة بعد القبض عليه بوقت قصير، بل إنّه أظهر إصراره علي أفكاره من خلال الإشارة بعلامة النازية خلال مثوله للمحاكمة. ويوضح أنه نتيجة الإيمان العميق لهذه الأحزاب والجماعات بفكر القومية، فإنّها تعادي أيضًا مشروع الوحدة الأوروبية؛ لأنَّها لا تريد أن تذوب القوميات بعضها في بعض، وهو ما نتج عنه تأسيس حركات، وأحزاب في دول مختلفة تدعو لترسيخ هذا الأمر؛ حيث ظهرت في ألمانيا حركة »ألمانيا للألمان» وفي هولندا ظهرت حركة باسم »هولندا للهولنديين»، وربما يظن المتابع لهذه الموجة الأخيرة المتشددة لليمين المتطرف أن هذه الأيديولوجية المتطرفة وليدة هذا العصر، ولكن واقع الأمر أن الموجة الأولي لها قد بدأت في وقت مبكر للغاية بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة؛ حيث كانت تعدُّ امتدادًا للأيديولوجية النازية والفاشية، وقد تأسّس علي إثرها بعض الأحزاب السياسيّة في إيطالياوألمانيا بين عامي 1946 و1949.