نعاه الجميع، رائدا من رواد «الصيغة الأصلية» لأدب المغامرات والجاسوسية، من المخابرات العامة إلى قراء وكتاب ، ومؤسسات ثقافية، شهد الكل بالأثر العظيم الذى تركه الدكتور نبيل فاروق ، مؤكدين أنه لن يزول برحيله يوم الأربعاء الماضى عن 64 عاما. والراحل كما وصفه الأديب الدكتور أحمد خالد توفيق، رفيقه فى موطنه طنطا، وفى دراسة الطب، وفى مسيرة الإبداع ، من رواد «الصيغة الأصلية» لأدب المغامرات والجاسوسية. فلم يعتمد دكتور نبيل فاروق كل الاعتماد على الترجمة، كما شاع سابقا فى هذه النوعية من الكتابات. وإنما نقب تنقيبا وراء إنجازات أبطال مصريين ليقدم أعمالا تمزج ما بين الواقع بدقته، والإضافات الأدبية بسحرها. فساهمت شخصية «أدهم صبرى» التى أبدعها نبيل فاروق فى « رجل المستحيل » ، مع إبداع خالد توفيق لشخصية «رفعت إسماعيل» فى «ما وراء الطبيعة» فى ترغيب الشباب فى القراءة واقتناء الكتب. و بخلاف « رجل المستحيل »، و«ملف المستقبل» و«فارس الأندلس» والأعمال التى أعدها خصيصا للإذاعة والتليفزيون مثل مسلسل «العميل 1001» إنتاج 2005، وفيلم «الرهينة» 2006، ومسلسل «من الجانى» 2015، كان ل نبيل فاروق إسهام آخر قرب «محبة القراءة» أكثر فأكثر من قلوب الشباب . ويقصد بذلك كتاباته الشهرية على صفحات مجلة « الشباب » الأهرامية، تحت عنوان «فن الجاسوسية». تركت هذه الكتابات على مدى أكثر من عشرة أعوام، أثرا كبيرا فى نفوس قراء المجلة ، وفقا لما يؤكده الكاتب الصحفى ورئيس التحرير السابق لمجلة الشباب ، محمد عبد الله. يحكى عبد الله أن الكاتب الكبير كان حريصا على تسليم مقاله الشهرى بنفسه، وتصادف أن حضر إلى مقر المجلة، فيما كان رئيس تحريرها حينذاك، الكاتب الكبير عبد الوهاب مطاوع، لم يصل بعد ، فكانت فرصة استثنائية للصحفى الشاب وقتها محمد عبد الله للقاء والحديث. يقول عبد الله عن هذه الفرصة: «دار بيننا حديث مطول حول ( رجل المستحيل ) وحول توظيفه لبعض قصص المغامرات والجاسوسية ذات الطابع العالمى فى مقالاته الشهرية ب الشباب ، وكيف يعقد مقارنة خفية بين أداء العناصر الأمنية فى مجتمعات العالم وفى مصر، ليكشف مدى براعة وتفانى المصريين فى هذا المجال». وعن شعبية الكاتب الراحل بين قراء « الشباب »، يسوق محمد عبد الله دليلا حاسما، فيقول إنه كان مسئولا وقتها عن باب خاص بعنوان «نجمك المفضل على التليفون»، وكان يقوم على فكرة إجراء استطلاع بين القراء لاختيار النجم، الذى يمكنهم التواصل معه هاتفيا مباشرة فى توقيت محدد، ليتلقى أسئلتهم ويجيب عليها. ودائما ما كان دكتور نبيل فاروق النجم الأول على قائمة ترشيحات قراء المجلة لضيف ( نجمك المفضل على التليفون). وعن الطبيعة التحريرية لباب «فنون الجاسوسية»، يحكى عبد الله أن رئيس تحرير الشباب الأسبق عبد الوهاب مطاوع كان بالغ الحرص على مراجعة المادة التحريرية بنفسه، فى مراعاة دقيقة لرسالة المجلة القائمة على توجيه الشباب وتثقيفهم. ويحكى: «كان الكاتب الكبير عبد الوهاب مطاوع يعطى ملاحظات دقيقة حول كل المادة المقدمة إليه ليتم تنفيذها ، إلا فى ما يتعلق بكتابات نبيل فاروق ، فكانت الملاحظة الوحيدة، فى بعض الأحيان، تتعلق بطول النص المقدم والحاجة لاختصاره لمراعاة المساحة المتاحة، وكان نبيل فاروق يحضر خصيصا إلى أروقة ( الشباب ) الأهرامية لينفذ الاختصارات المطلوبة، خاصة أنه الأقدر على تنفيذها لطبيعة النص ذى البعد القصصى». وزادت العلاقة توطدا بين محمد عبد الله و نبيل فاروق ، بعد نشر إحدى القصص من ملفات المخابرات المصرية حول بطولة الفنان الراحل سمير الاسكندرانى، «لتزيد مفردات اللغة المشتركة بيننا، إذ بدأنا نتحدث أكثر فأكثر عن تقنيات وفنون كتابة المغامرات والجاسوسية». ولا ينسى عبد الله للراحل الكبير أنه كان ذا عين ثاقبة ومتابعا جيدا لكل ما يكتب، فيقول: «لاحظ ما كتبته حول القضية الفلسطينية عقب ( اتفاقية غزة أريحا) وتبنى نشر كتابى الأول ( تأشيرة دخول مرفوضة) عام 1999». ويؤكد عبد الله ان تجربة نبيل فاروق فى « الشباب » وغيرها من منصات النشر، تنفى عنه وعن رفيق دربه، أحمد خالد توفيق، اتهامات بأنهم أقطاب «أدب التسلية»، مؤكدا أن أعمال فاروق ساهمت فى تشكيل وعى الشباب فيما يخص ماضى وحاضر الصراع العربى الإسرائيلى. وذلك غير دوره فى تبنى وتوجيه أجيال الكتاب الشباب حاليا، والذين بدأ شغفهم الأدبى بقراءة أعماله والسعى للقاء الكاتب الكبير. خاصة أن الراحل لم يكن يتعالى عن لقاء مريديه أو توجيههم توجيها أمينا، كما فعل من قبل مع مواطنه الطنطاوى أحمد خالد توفيق، دون أن يخشى منافسته له فى محيط «روايات مصرية للجيب» أو كاتبا على صفحات « الشباب » . * نقلًا عن صحيفة الأهرام