مدبولى: مهتمون بمجال ريادة الأعمال لأهميته في تسريع النمو الاقتصادي وتحقيق رؤية 2030    القيادة المركزية الأمريكية: الحوثيون ضربوا بصاروخ ناقلة نفط ترفع علم بنما    مراسل "إكسترا نيوز": الاحتلال دمر 1400 منزل مزدحم بالسكان فى رفح الفلسطينية    مرموش يسجل وينهي موسم فرانكفورت بتعادل مع لايبزج.. وتوخيل يودع بايرن بخسارة برباعية    وزير التعليم ومحافظ بورسعيد يعقدان اجتماعا مع القيادات التعليمية بالمحافظة    لافروف: روسيا منفتحة على الحوار مع الغرب بشأن الاستقرار الاستراتيجي    متحدث فتح: نتنياهو لا يريد حلا.. وكل من يقف جانب الاحتلال سيلوث يده بدماء الأبرياء    «الأوقاف» تفتتح 10 مساجد بعد تجديدها الجمعة المقبلة    من هو أفضل كابتن للجولة الأخيرة من فانتازي الدوري الإنجليزي؟.. الخبراء يجيبون    تعليم الدقهلية تكشف تفاصيل متابعة سير امتحانات الشهادة الإعدادية    كان مقدسًا عند الفراعنة.. عرض تمثال ل"طائر أبو المنجل" فى متحف شرم الشيخ (صور)    19 صورة لاكتشاف نهر بجوار الهرم الأكبر.. كيف بنى المصريون القدماء حضارتهم    عزة مصطفى: عادل إمام شخصية وطنية.. وكل الشرائح العمرية تحب أعماله    الوالدان يستحقان معاملة خاصة.. الأزهر يناقش حقوق كبار السن بملتقى المرأة الأسبوعي    «الصحة» توجه نصائح هامة لمرضى الجيوب الأنفية للحماية من التقلبات الجوية    بالخطوات.. طريقة الحصول على نتيجة الشهادة الابتدائية 2024    كوكا يقود تشكيل ألانيا أمام سامسون سبور في الدوري التركي    رسميًا.. إشبيلية يعلن رحيل مدربه بنهاية الموسم    وزير التعليم: لدينا 46 ألفًا و994 طفلًا من ذوي الهمم.. و159 ألفًا و825 بمدارس الدمج    مذكرة قواعد اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي 2024.. لا يخرج عنها الامتحان    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم توكتوك مع ميكروباص في المنيا    مواعيد القطارات المكيفة والروسى على خط القاهرة - الإسكندرية والعكس    أخبار مصر.. غدا طقس شديد الحرارة ورياح والعظمى بالقاهرة 38 درجة    «معلومات الوزراء» يعلن أجندة وبرنامج عمل مؤتمره العلمي السنوي بالتعاون مع جامعة القاهرة    حصاد تريزيجيه مع طرابزون قبل مواجهة إسطنبول باشاك شهير فى الدوري التركي    برج الثور.. حظك اليوم السبت 18 مايو: عبر عن أفكارك    تاني تاني.. تغيير جلد ل غادة عبد الرازق وأحمد آدم    المعارضة الإسرائيلية: على جانتس الاستقالة اليوم    الحكومة تعتزم تطوير فندق النيل "ريتزكارلتون" بميدان التحرير لزيادة العائد    كيف يمكن أن تساعد بذور الحلبة فى إدارة مستويات السكر بالدم؟    العلاج على نفقة الدولة.. صحة دمياط تقدم الدعم الطبي ل 1797 مواطن    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. علي جمعة يوضح    هل مواقيت الحج والعمرة ثابتة بالنص أم بالاجتهاد؟ فتوى البحوث الإسلامية تجيب    وزير الصحة يشيد بدور التمريض في رعاية مصابي غزة    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    نجم الترجي السابق ل «المصري اليوم»: إمام عاشور قادر على قلب الطاولة في أي وقت    مصرع طفلة دهستها سيارة "لودر" في المرج    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    «الصحة»: وضع خطط عادلة لتوزيع المُكلفين الجدد من الهيئات التمريضية    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    رئيس جامعة بنها يتفقد الامتحانات بكليتي الحقوق والعلاج الطبيعي    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    وُصف بالأسطورة.. كيف تفاعل لاعبو أرسنال مع إعلان رحيل النني؟    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    بالفستان الأحمر.. هانا الزاهد وعبير صبري في زفاف ريم سامي | فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرقابة على الصحافة.. من مدافع نابليون إلى مفرمة السادات!!
نشر في الأهرام العربي يوم 01 - 01 - 2016


تاريخ مشرف فى الدفاع عن حرية الصحافة

فى حوار خاص مع الكاتب الكبير الراحل "كامل زهيرى" .. حدثنى أنه اطلع فى الستينات على كتاب بدار الكتب والوثائق القومية بعنوان: "حرية المطابع"! صدر عام 1879، فى نهاية عهد الخديو إسماعيل باشا، وكانت له ترجمة بالفرنسية بعنوان "حرية الصحافة" !
هذا الكتاب الذى اختفى من دار الكتب منذ سنوات قليلة ! كان مفاجأة لكاتبنا الكبير، أى منذ 136 عاماً ظهر لدينا كتاب يدافع عن حرية الصحافة، وحتى يومنا هذا، مازال الصراع محتدماً وعنيفاً حول هذا المبدأ الأساسى والجوهرى ..
فمنذ عصر الخديوى إسماعيل، الذى أنشئت فيه مدرسة الحقوق ودار الكتب ودار العلوم وكثير من المؤسسات التعليمية والثقافية وشملت سياسة التحديث الحضارى كثير من المجالات، بدأ المجتمع يكتسب تدريجياً بعض الحقوق، ثم واصل المثقفون ومازالوا الدعوة إلى توسيع نطاق هذه الحقوق، واستكمال بناء الحرية ..
ومصر غنية بتجربتها الصحفية الطويلة والعريضة، وهى تثير أى باحث فى تاريخ الحريات.. فمنذ الإعداد للحملة الفرنسية على مصر، كان " سارى عسكر الفرنساوية " نابوليون حريصاً على أن يأتى مصر ومعه أول مطبعة عربية، وتوقف فى مالطة لاستحضار المطبعة العربية من الفاتيكان، وكان شديد الحرص على أن يضعها فى سفينة القيادة "L'Orient" حيث كان يعتبر المطبعة فى أهمية المدفع! لكنه أحضر معه أحدث مرض حضارى يصيب الصحافة والكتابة وهو " الرقابة "! وتولى مهمة الرقابة على صحف الحملة والمنشورات الصادرة باللغة العربية المدعو " فانتورا " .
لقد أتى نابليون مصر بالمدفع والمطبعة، وذهب المدفع وبقيت المطبعة .. لكن بقى معها أيضاً "الرقيب" !
وتجدر الإشارة إلى أنه عندما تقدم " سليم تقلا " فى ديسمبر 1875 بالتماس للتصريح له بإنشاء " مطبعة حروف تسمى الأهرام بجهة المنشية بالإسكندرية .. يبيع فيها جريدة تسمى الأهرام تشتمل على التلغرافات والمواد التجارية والعلمية والزراعية... وبعض ما يتعلق بالصرف والنحو واللغة والطب والرياضيات والأشياء التاريخية والحكمة والنوادر والاشعار وما ماثل ذلك من الأشياء الجائز طبعها " وجاء أيضا فى التصريح " وحيث إنه أخذ على الخواجة المذكور التعهد اللازم بعدم التعرض للدخول مطلقا فى المواد البوليتيقية وامتثاله لقانون المطبوعات ومعاملته بمقتضاه عند وقوع أى مخالفة منه"! أى كان محظورا عليه تناول الشئون السياسية أو " البوليتيقا – poletic " بلغة ذلك العصر!!
وفى تعليمات الرقابة العثمانية على الصحف العربية غرائب وعجائب، فكان الرقيب - على سبيل المثال – يمنع أن توضع خلال المقال أية نقط بين الكلمات .... فهذه النقط قد تثير خيال القارئ فيقرأ ما بين السطور !
وتاريخ الصحافة فى مصر، الذى يمتد لأكثر من قرن ونصف القرن من الزمان، امتلأ بالصراعات العنيفة بين حيل ووسائل التقييد بقانون المطبوعات، والقانون الجنائى، والمطالبة بإطلاق حرية الإصدار، وحرية التعبير ..
فلم تخل فترة من التاريخ الصحفى لمصر من أشكال هذا الصراع .. ما بين تمسك السلطة بمبدأ "التشوية أو المسخ والمنع" وتمسك قادة الفكر بالإطلاق والحرية، وأشهر أزمات الصحافة كانت فى السنوات 1881، 1909، 1925، 1935، 1951 فى العصر الملكى، و1954، 1960، 1965، 1971، 1995 فى العصر الجمهورى!
فقد شهد العقد الأخير من القرن التاسع عشر، صراعاً عنيفاً حول قانون المطبوعات، كما شهد العقد الأخير من القرن العشرين صراعاً عنيفاً أيضاً حول قانون الصحافة!
أغلقت صحف الثورة العرابية بعد هزيمتها بأوامر من سلطات الاحتلال البريطانية، ونفى قادتها الأفغانى والنديم ومحمد عبده .. وعلى الرغم من أن شريف باشا كان دستوريا ومن أنصار تقييد سلطة الخديو، فإنه تورط فى إصدار أول قانون للمطبوعات فى 26 نوفمبر عام 1881 الذى قال عنه أحمد عرابى إنه صدر " لإيقاف صدور الصحف الوطنية والقضاء على حرية الصحافة، وعندما كلف محمود سامى البارودى " الشاعر – الأمير الاى " برئاسة الوزارة شكل لجنة لإلغاء قانون المطبوعات لكن الأحداث كانت أسرع منه!

أحمد حلمى وأول مظاهرة دفاعاً عن حرية الصحافة
فى الأول من فبراير عام 1909 نشر مقال بجريدة "اللواء" مضمونه: لماذا تفكر الحكومة فى تقييد حرية الصحافة وجاء فيه " لعلها تريد أن تبطش بالناس بطشة سببها طلب الجلاء والاستقلال بالدستور"!
وعقب صلاة الجمعة فى 26 مارس 1909 ومن ميدان الجزيرة الذى يتوسطه اليوم تمثال سعد باشا زغلول خرجت أول مظاهرة ترفع شعار الدفاع عن حرية الصحافة .. قاد هذه المظاهرة الصحفى "أحمد حلمى" رئيس تحرير جريدة القطر المصرى، وجد الشاعر وفنان الكاريكاتير الأشهر "صلاح جاهين " !
وفى 28 مارس 1909 نشرت صحيفة " مصر الفتاة " قرار مجلس النظار (الوزراء ) بإعادة قانون المطبوعات فى صفحة مجللة بالسواد، على الرغم من معارضة بعض الوزراء اعتراض مجلس شورى القوانين على مشروع القانون!
فى يوم الأربعاء 31 مارس 1909 قاد "أحمد حلمى " مظاهرة حاشدة تحركت نحو ميدان عابدين وتصدى لها البوليس بقيادة " هارفى باشا " حكمدار القاهرة .. وفى اليوم التالى، الخميس الأول من إبريل، قاد مظاهرة فى ميدان الأوبرا الخديوية وخطب فى الجموع المحتشدة دفاعا عن حرية الصحافة الوطنية، وألقى القبض عليه ليقضى حكما بالسجن 6 أشهر، ونفى " عبدالعزيز جاويش والزعيم محمد فريد الذى كان نموذجا فريدا للوطنية غير الحزبية، الذى أنفق كل ما يملك على قضية استقلال مصر، كان يؤمن بأن الحزبية غنم ومغانم والوطنية غرم وتضحيات، وأشار فى مذكرته إلى هذه المظاهرات التى خرجت دفاعا عن حرية الصحافة الوطنية.
وطلب المعتمد البريطانى "جورست" من رئيس النظار بطرس غالى، تقييد حرية الصحافة الوطنية ،وعلى رأسها اللواء والقطر المصرى والدستور ووادى النيل و"لا بد من وضع قيود وحدود لحرية الصحافة حتى لا تتحول هذه الحرية إلى تهور وعدوان "!
وتساءلت صحيفة " الإجيبشيان جازيت " لسان حال سلطات الاحتلال البريطانى " عن هؤلاء البرابرة البوابين والسفرجية وما شأنهم بالصحافة "؟! لم يدرك الاحتلال أن عامة الشعب حتى إن كانوا أميين كانوا يطالبون بالاستقلال والدستور، فهم مصريون وطنيون قبس من روح مصر الأصلية.
كما شهدت الحقبة الحزبية، ما بين دستور عام 1923 حتى قيام ثورة يوليو، صراعاً عنيفاً بين التقييد والانفراج، وبالتحديد فى عهود "مصطفى فهمى باشا" و"إسماعيل صدقى باشا" و"أحمد زيوار باشا" و"توفيق نسيم" .. أو ما عُرف تاريخياً بحكومات "الأقليات الوطنية" !

الصحفى العظيم " محمود عزمى "
أول رئيس للجنة العالمية لحقوق الإنسان: كان الصحفى د." محمود عزمى " عظيما وبسيطا ومخلصا وصاحب رأى وموقف ومؤمناً بعناد وثبات بحرية الصحافة .. فى عام 1924 نشر عدة مقالات قوية فى صحيفة " الأهرام " نقد فيها دستور 1923 مطالبا بحرية إصدار الصحف من دون قيد ومن دون رقابة، كما نشر أمين الرافعى عدة مقالات عن حرية الصحافة فى جريدة " السياسة " ومحمود عزمى أول من وضع مشروع قانون لإنشاء نقابة للصحفيين عام 1936 وعندما أصبح أول عميد لمعهد الصحافة بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول ( القاهرة ) أشرف على اول رسالة لنيل درجة الدكتوراه عام 1949 وكان موضوعها " حرية الصحافة – دراسة مقارنة بين مصر وفرنسا "
فى اكتوبر عام 1949 كان محمود عزمى عضواً فى وفد مصر الدائم بالأمم المتحدة، وفى عام 1950 تقدم إلى هيئة الأمم المتحدة بمشروع " ميثاق الشرف الدولى للصحفيين".
وكان له الدور الأبرز فى صياغة " الإعلان العالمى لحقوق الإنسان " وصدوره فى إبريل 1953¡ وانتخبته الأمم المتحدة بالإجماع رئيسا للجنة حقوق الإنسان، ومن ثمارها الميثاق العالمى للحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية .. أى قبل أكثر من نصف قرن، مما يعرف الآن بمنظمات حقوق الإنسان "المشبوهة" الجاهزة بالأموال والتدريب والتخطيط والنشطاء " من أجل الدولار " وليس من أجل الوطن!

" روزا " .. العنيدة والأجرأ
تلك السيدة العظيمة "فاطمة اليوسف" أو روزا .. النادرة فى النساء والرجال على السواء وكأنها " قدت من حديد "! أسست مجلة روز اليوسف التى صدر العدد الأول منها فى 26 اكتوبر 1925، وفى العام التالى بدأت المقالات الساخنة والحملات الصحفية بأقلام: التابعى، العقاد، إبراهيم عبده، محمود عزمى، لطفى جمعة، صلاح ذهنى ... كما أصدرت جريدة روز اليوسف اليومية، فإنها لم تستمر طويلا.. كانت تحارب فى كل الجبهات وعلى رأسها قضية استقلال مصر ورحيل الاحتلال البريطانى، وهاجمت جميع رؤساء الوزارات وأمراء العائلة المالكة والوزراء ومجلس النواب والأحزاب جميعها وتسخير الكاريكاتير لخدمة الحملات الصحافية، حتى أصبحت أوسع المجلات انتشارا.
وعلى الرغم من أن المجلة كانت فى البداية وفدية وتدافع عن سياسة الوفد، فإن هذا لم يمنعها من نقد سياسة سعد باشا زغلول! إلى أن هاجمت الوفد وزعيمه مصطفى النحاس باشا بضراوة حتى أعلن براءته منها وحاربت حكومته المجلة! وفى عهود كل الوزارات – حتى الوزارات الوفدية – منيت المجلة بنكبات ومصادرات ومصائب وصلت إلى سجن روزا ثم ولدها إحسان عبدالقدوس ووضعت سلطات الاحتلال اسمهما فى القائمة السوداء وحظر عليهما دخول بريطانيا!
صودرت مجلة روزاليوسف 22 مرة من 30 يونيو 1928 حتى 9 أكتوبر 1951 بخلاف ما صودر من أعداد لمجلات كانت تصدر عن الدار: الرقيب وصدى الحق والشرق الأدنى والصرخة.. وفى العدد " 1000 " كتب إحسان عبدالقدوس: " وقد بلغ مجموع الفترات التى عطلت فيها مجلة روزاليوسف سنتين، كانتا كافيتين لتحطيم رأس أى عنيد وإزهاق روح أى جريدة وأى مجلة، خصوصا إذا أضيفت إليها أوامر المصادرة والغرامات القضائية وأحكام الحبس.. لكن رأس روزا لم يتحطم ولا يمكن أن يتحطم، بل تحطمت من حوله جميع الرؤوس التى حاولت تحطيمه"!
وكان لمجلة روزاليوسف دور بارز فى مناصرة القضية الفلسطينية والعداء للصهيونية.. وعلى الرغم من انتقادها لجميع رؤساء الوزارات، فإنها أشادت – من أجل قضية الوطن – برئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى الذى ذهب إلى هيئة الأمم المتحدة وتحدث عن فضائح وممراسات الاحتلال البريطانى أمام العالم وحمل على الإنجليز بشدة وسماهم "القراصنة" فاستحق تقديرها .. لكن كان جزاؤه أن قتله الإخوان "المسلمون"!
وبقدر ما كانت روزاليوسف عظيمة ،كان صدور مجلة روزاليوسف حدثا عظيما فى تاريخ الصحافة المصرية وتاريخ الجهاد الوطنى .. والحديث عنها وعن دفاعها عن حرية الصحافة يحتاج إلى مجلدات !

عبدالناصر وتأميم الصحافة
ثم قامت ثورة يوليو عام 1952، فى ظل الأحكام العرفية التى فرضت على البلاد، عقب حريق القاهرة فى 26 يناير 1952، وكانت أزمة مارس 1954 إثر خلاف الرئيس محمد نجيب وأعضاء مجلس قيادة الثورة، وانتصر نجيب فى بادئ الأمر، فألغيت الأحكام العرفية، ورفعت الرقابة عن الصحف، وأطلق سراح المعتقلين، وبدت مصر وكأنها فى طريقها إلى الاستقرار فى جو من الحرية والديمقراطية، ونشرت جريدة الجمهورية دراسات مستفيضة عن الدستور ونظام الحكم .. لكن الدعوة إلى الحرية والديمقراطية انتكست نتيجة "اصطناع" مظاهرات قام بها العمال.. تنادى بسقوط "المتعلمين والحرية"!
واختفى كثير من صحف العصر الملكى مثل: الوفد والمصرى والبلاغ والمقدم وكوكب الشرق... وبقيت الأهرام وأخبار اليوم والأخبار تؤدى رسالتها، على الرغم من الأحكام العرفية والرقابة على الصحف، وفى إطار محاولة المواءمة بين ما يريده قادة الثورة وما تفرضه عليهم واجبات المهنة وآدابها، من تحرى الحقيقة والدفاع عن حقوق الشعب وأمانيه .. ومع وجود رقيب معين من مجلس قيادة الثورة داخل كل صحيفة ومجلة . كانت النزاعات اليومية، التى كشفت جهل أغلب هؤلاء الرقباء! حتى انتهى الأمر بتأميم الصحف بمقتضى القانون رقم 156 لسنة 1960 المسمى بقانون "تنظيم الصحافة"!
وقد أثار الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، موضوع حرية الصحافة والرقابة عليها، فى أكثر من خطاب عام، منها على سبيل المثال، حديثه فى الهيئة البرلمانية للاتحاد الاشتراكى، فى 25 فبراير سنة 1965، فقال: "فيه نقطة بالنسبة للصحافة، كتير من اللى بأتكلم معاهم، بيقولوا إن فلان الفلانى كتب فى الصحافة، بقصد أنه يعمل بلبلة وإن ده بيضر الحقيقة.. الصحافة كانت تحت رقابة لفترة ثم شلنا الرقابة. لا رقابة على الصحافة! ثم إن القاهرة كعاصمة للكتاب العربى والصحافة العربية والتأثير والإشعاع الموجود منها، فيه محاولات كتيرة لطمسها تصاعدت وتكاتفت هذه المحاولات بشكل أكثر ضراوة فى السنوات الأخيرة إلى أن عملنا مجالس إدارات للصحف وإديناها السلطات، على أساس أن هناك اختلافا فى الرأى، بحيث ما تصبحش الصبح نلاقى التلات جرايد الموجودة نسخة واحدة.. بتموت الصحافة، ولا يمكن إن إحنا نسيب الصحافة تموت.. لا بد الصحافة يبقى فيها تنوع وفيها تعبير وكل واحد يقول رأيه وإحنا نقول هل الرأى ده صح ولا غلط.. فى حدود الإطار بتاعنا اللى هو الميثاق والخط المبدئى اللى قرره الاتحاد الاشتراكى.. وبالنسبة للإذاعة والتليفزيون فيه توجيه إجمالى، لكن ما بنقولش نوسع التوجيه إلى التفاصيل".
وفى لقائه بالصحفيين العرب، فى 4 فبراير سنة 1967، قال جمال: ".. إحنا لنا خط عام معروف، خط اشتراكى تحررى ثورى، لا نسمح فيه بخط رأسمالى رجعى، كل واحد حر، كل رئيس تحرير حر، ولا يستطيع أحد أن يقول له اعمل كده، بنسمع كتير عن حرية الصحافة .. قد تكون هناك حرية صحافة حرة .. هناك فهم خاطئ بيتقال بره إن إحنا بنكتب للجرايد، لو عملنا كده يبقى بنطلع منشور"! والسؤال الذى يفرض نفسه: هل كان رجال الرئيس عبدالناصر مقتنعين بمثل هذه الأفكار ؟ أم أن رجال كل عصر يمارسون تقييد الحريات وعلى رأسها حرية الصحافة، من أجل ما يتصورون أنه يرضى القيادة السياسية، وفى حقيقة الأمر، أنه من أجل الحفاظ على مكاسبهم غير المشروعة ونفوذهم الممتد بلا حدود، دون وازع من ضمير أو مبدأ أخلاقى!
ومن واقع التجربة واستقراء التاريخ، لا يكفى الحديث عن حرية الصحافة فى خطب الرئيس وفى الدساتير، كما يقول "جورج باردو" فى كتابه "الحريات العامة" "الدستور يعلن الحرية، ولكن القانون يحددها، وليس يكفى إعلان حرية ما، لتحقيق تطبيقها عملياً" .
وإلى جانب فحص نصوص الدساتير، فى إطار النظرة العملية التطبيقية، يجب أيضاً أن نفحص القيود الإجرائية التى ترد فى قانون المطبوعات، وأن نفحص كذلك "القيود الجنائية" التى ينص عليها قانون العقوبات، التى تحدد مدى حرية النشر وحرية الرأى ما بين الإباحة والقمع !

"مفرمة" السادات
وأعنف أزمات الصحافة المصرية كانت فى نهاية السبعينيات ومنتصف التسعينيات! فعلى الرغم من أن دستور عام 1971، نص فى المادة 47 على كفالة حرية الرأى، ونصت المادة 48 على حرية الصحافة، وأضافت حرية "وسائل الإعلام" بالمقارنة بالدساتير السابقة، كما نص الدستور أيضاً على "حظر الرقابة" وإنذار الصحف بالطريق الإدارى .. وكانت مجرد الاشارة بانتقاد ما لنظام الحكم تثير غضب الرئيس الراحل السادات حتى قال فى خطاب عام إنه ليس فى حاجة إلى نقابة للصحفيين " وسوف يحولها إلى ناد " ووصل به الامر إلى تهديد معارضيه – فى خطاب عام – إلى استخدام " المفرمة " !! و"أن الديمقراطية لها أنياب "! إلا أن أزمة نهاية السبعينيات كانت شديدة العنف، فانتهت إلى أزمة سبتمبر 1981 الشهيرة، ثم اغتيال الرئيس السادات بعد شهر واحد.
وقد شهدت مصر عدة قوانين متلاحقة قيدت الحريات ومنها حرية الصحافة مثل قوانين "حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى"! وقانون "تنظيم مباشرة الحقوق السياسية" وقانون "حماية القيم من العيب"! وقانون "محاكم أمن الدولة".. ولم يخل قانون من مادة أو أكثر تقيد من حرية الصحافة!
وبينما جاءت التعديلات الدستورية عام 1980، فسمحت بالصحافة الحزبية، ونصت على حق الصحفيين فى الحصول على الأنباء، أى أن هذه التعديلات كانت فى الاتجاه الإيجابى، إلا أن قرارات سبتمبر 1981¡ جاءت تأكيداً لمسلسل القوانين الاستثنائية . وانتهت بإغلاق صحف المعارضة، وعدد من الصحف الإسلامية والمسيحية، واعتقال عدد من الصحفيين، ونقل آخرين إلى وظائف ليست لها علاقة بالصحافة!
وعقب تولى الرئيس مبارك حكم مصر، صدر قرار جمهورى فى 30 يناير 1982 بإعادة 30 صحفياً إلى أعمالهم السابقة، وبدأت الأزمة تنفرج بعودة الصحف المغلقة، وتنوع الصحف الحزبية .. وبقدر ما تمعت الصحافة الحزبية من اختفاء "الرقيب" إلا أن الملاحقة القانونية طبقاً لقانون العقوبات ظلت مستمرة!
وبعض النصوص يعود إلى عهد وزارة "أحمد زيوار" عام 1925، فعلى سبيل المثال، المادة الخاصة ب"إهانة الحكام ورؤساء الدول" تقتصر فى النص الفرنسى المقابل على إهانتهم خلال زيارتهم لفرنسا، بينما يتسع النص المصرى: سواء أكانوا فى زيارة أم غير زيارة .. فتحاسب جريدة "الأهالى" وجريدة "صوت العرب" إلى حد سحب ترخيصها، بينما يلتزم الصمت تماماً عن إعمال النص عند إهانة آخرين !
وتجدر الإشارة إلى كتاب "الصحافة فى العالم" الصادر فى باريس عام 1989 والذى أكد على أن " كثير من الأنظمة العربية ترحب بحرية الصحافة .. بشرط واحد أن تكون خارج حدودها "! وفى الفصل الخاص بمصر، عرض للنظم السياسية والاجتماعية وأوضاع الصحافة المصرية، وأنها تتمتع بحرية نسبية، وأن هناك نوعاً من التطور "الخجول" فى اتجاه الليبرالية! ويصف المجلس الأعلى للصحافة بأنه "الحارس على أخلاق المهنة"! وأنه يقدم "آراءه ولكن لا يستطيع أن يصدر عقوبات" !
وأشار الكتاب إلى أن التعامل مع الصحف الأجنبية المتداولة فى مصر، يتم عبر مكتب تابع لوزارة الإعلام، من حقه فرض الرقابة على بعض المنشورات الأجنبية قبل السماح بتداولها فى السوق المصرية.. ويشير الكتاب أيضاً إلى عدة انتهاكات لحرية الصحافة فى مصر.. منها: طرد مراسلى قناة "A.B.C." الأمريكية وصحيفة "Le Monde" الفرنسية فى 10، 13 سبتمبر 1981 بزعم ترويج أخبار مغرضة .. ومصادرة صحيفة "الأهالى" فى 9 سبتمبر 1987، وإجبارها على حذف مقال يتعلق بالهجمات التى تعرض لها دبلوماسيون إسرائيليون وأمريكيون فى القاهرة، والذى عرف فيما بعد بقضية "تنظيم ثورة مصر" .. وفى 30 أغسطس 1988، ولأول مرة فى عهد الرئيس مبارك، تم إغلاق صحيفة "صوت العرب" بسبب نشرها مقالات نقد للأسرة المالكة فى السعودية .
ويلخص الكتاب أوضاع الصحافة المصرية، بأنها "كانت تخضع خلال المرحلة الناصرية للمراقبة المطلقة الحكومية، ولم تكن هناك صحافة معارضة .. وبعد سنة 1970، كان هناك نوع من التطور الخجول، وتم السماح بصدور عدد من صحف المعارضة، ولكنها توقفت بعد ذلك بسبب العراقيل الحكومية المتعمدة .. وفى عصر مبارك، تمتعت الصحافة – كما أشار الكتاب - بقدر من الحرية النسبية، والنبرة العامة تسعى إلى تعبئة القراء من أجل مساندة الدولة فى اتجاهاتها السياسية، والرقابة ملغاة رسمياً .. ولكنها مستمرة ومهيمنة! وقد تكون نوعاً من "الرقابة الأبوية" على حد تعبير الرئيس الراحل السادات ! وكأن الكاتب أو الصحفى لم ولن يكون ناضجاً أبداً !!
وتجدر الإشارة إلى أن " نقيب النقباء " والصحفى والكاتب العظيم كامل زهيرى، كان مدافعا عنيدا عن حرية الصحافة ومؤمنا بحق النقد من أجل المصالح العليا للوطن، وهو صاحب المقولة " المعارض يشد أزر المفاوض " الشعار الذى رفعه أيام السادات مع بداية مفاوضات كامب دايفيد، وكتب أكثر من مرة: " لأننى أؤمن بحرية الصحافة، وحق النقد وحقوق المعارضة فليس من حق أى سياسى مهما كان موقعه أو مكانته ادعاء العصمة عن الخطأ أو احتكار الصواب "!
وكتب أيضاً: " لولا الحرية ما جاء مصر مثقف أو داعية من المشرق أو المغرب وقد أفادتنا هذه الحرية – النسبية – فى أن يجيئ إخواننا الشوام لإصدار الصحف، أو بدأ حركة المسرح وهذه الحرية هى التى جعلت القاهرة بين العالم العربى وعبر أجيال مثل باريس لأوروبا "! ." ومما يثير الدهشة أن بعض الأنظمة العربية تؤمن تماما بحرية الصحافة والإعلام لكن خارج حدودها.. وبصفة خاصة ضد مصر "!
ولا بد أن نقر بأن الصحافة المصرية اليوم – القومية والخاصة - تشهد عصراً غير مسبوق من الحرية لا تعرفه المنطقة العربية بكاملها ودول مثل تركيا وإيران وغيرها.. وسيبقى دائما سلطان الكلمة اقوى من كلمة السلطان !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.