وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    قفزة جديدة ب160 جنيهًا.. سعر الذهب اليوم الأحد 19 مايو 2024 بالصاغة (آخر تحديث)    بعد ارتفاعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19 مايو 2024    عماد النحاس: كولر أدار المباراة بشكل متميز.. وغربال كان متوترًا    إجراء من «كاف» ضد اثنين من لاعبي الأهلي عقب مباراة الترجي    «لهذا السبب انفعلت على الحكم».. أول تعليق من كولر بعد تعادل الأهلي أمام الترجي    «الداحلية» تكشف تفاصيل قيام قائدي السيارات بأداء حركات استعراضية بموكب زفاف بطريق «إسماعيلية الصحراوي»    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    رئيس الموساد السابق: نتنياهو يتعمد منع إعادة المحتجزين فى غزة    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    مدرسة ناصر للتربية الفكرية بدمنهور تحصدون المراكز الأولى في المسابقة الرياضية    صرف 90 % من المقررات التموينية لأصحاب البطاقات خلال مايو    مرياح: حظوظ الترجي أكبر من الأهلي في لقاء القاهرة.. ولدينا ما يكفي للعودة بالكأس    مدافع الترجي: حظوظنا قائمة في التتويج بدوري أبطال أفريقيا أمام الأهلي    الشعباني: الزمالك سجل في المغرب فلماذا لا نسجل في القاهرة؟    يسبقه الأهلي فقط.. الزمالك يطارد اللقب القاري ال14 أمام نهضة بركان    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    تتعليمات موسم حج 1445..تأشيرة العمرة لا تصلح لأداء الفريضة    حالة الطقس اليوم الأحد 19 - 5 - 2024 في مصر    رقصة على ضفاف النيل تنتهي بجثة طالب في المياه بالجيزة    شافها في مقطع فيديو.. سائق «توك توك» يتهم زوجته بالزنا في كرداسة    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    ماجد منير: موقف مصر واضح من القضية الفلسطينية وأهداف نتنياهو لن تتحقق    الفنان محمد بوشريح يناقش قضايا اجتماعية في فيلم «صحراء الواحة» لتسليط الضوء على المجتمعات    خريطة تلاوات القرآن المجود اليوم الأحد بإذاعة القرآن الكريم    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    تزامناً مع الموجة الحارة.. نصائح من الصحة للمواطنين لمواجهة ارتفاع الحرارة    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    الهبوط والعصب الحائر.. جمال شعبان يتحدث عن الضغط المنخفض    على متنها اثنين مصريين.. غرق سفينة شحن في البحر الأسود    تونس.. ضبط 6 عناصر تكفيرية مطلوبين لدى الجهات الأمنية والقضائية    من 35 ل 40 ألف جنيه.. ارتفاع أسعار الأضاحي بالإسكندرية 2024    تحليل موعد عيد الأضحى في عام 2024: توقعات وتوجيهات    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    مصرع شخص في انقلاب سيارته داخل مصرف بالمنوفية    إعادة محاكمة المتهمين في قضية "أحداث مجلس الوزراء" اليوم    محمد غنيم: القيادة السياسية حولت بني سويف إلى طاقة نور في الاقتصاد المصري    الحكومة ترد على «تخفيض سعر الفائدة في البنوك خلال الأيام المقبلة» (فيديو)    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    مصر في 24 ساعة| موجة حارة تضرب البلاد.. وهجوم للغربان في الإسماعيلية    مسلم يطرح أحدث أغاني ألبومه الجديد «اتقابلنا» (تعرف على كلماتها)    «فايزة» سيدة صناعة «الأكياب» تكشف أسرار المهنة: «المغزل» أهم أداة فى العمل    «المقصورة الملكية».. المهابة تعانق الجمال فى استاد الإسكندرية الرياضى    حدث بالفن| حفل زفاف ابنة الفنان سامح يسري ونجوم الفن في عزاء زوجة أحمد عدوية وإصابة مخرج بجلطة    وزير روسي: التبادلات السياحية مع كوريا الشمالية تكتسب شعبية أكبر    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    شهداء وجرحى جراء القصف الإسرائيلي المستمر على مناطق متفرقة في قطاع غزة    البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي الأمريكي سيبحث مع ولي العهد السعودي الحرب في غزة    «غانتس» يمهل نتنياهو حتى 10 يونيو لتحديد استراتيجية واضحة للحرب.. ورئيس الحكومة يرد: هذه هزيمة إسرائيل    نقص أوميغا 6 و3 يعرضك لخطر الوفاة    «التصنيع الدوائي»: أزمة اختفاء الأدوية بسبب ارتفاع تكلفة الصناعة على الشركات    أدعية مستحبة خلال مناسك الحج.. تعرف عليها    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    نموذج إجابة امتحان اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي محافظة الجيزة    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    «الأوقاف» تفتتح 10 مساجد بعد تجديدها الجمعة المقبلة    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنوات أربع تحشد للانتفاضة الكبرى
نشر في الأهرام اليومي يوم 08 - 03 - 2019

عرفت مصر الهبات والاحتجاجات والثورات عبر تاريخها. وكان لكل منها ظروف دفعتها لسلوك ذلك الطريق، تلك التى اختلفت نوعيتها، ومجملها أنها إما لدفاع أهلها عنها ضد غزو خارجى، وإما ترجمة لما تعانيه فى الداخل من النظام وقت حدوثها.
...........................
وكانت الثورة الوطنية (1881 - 1882 ) المعروفة بالثورة العرابية من أهم الثورات التى خاضتها مصر، ولكنها أُجهضت، وبالتالى لم يحدث التغيير الذى كانت تسعى إليه. وأصبحت مصر تحت الاحتلال البريطانى الذى أحكم قبضته عليها، وتمكن أن يهيئ المناخ الدولى لهذا الاحتلال، وفقا لنظرية تبادل المصالح.
وكعادة السياسة البريطانية، تعددت تبريرات لندن بشأن المرابضة على الأرض المصرية لأكثر من ثلاثة عقود فى وقت نشطت فيه الحركة الوطنية من جديد لمقاومة الاحتلال الذى انتهز فرصة قيام الحرب العالمية الأولى فى نهاية يولية 1914 ليغير من شكل تواجده.
إعلان الحماية
مضت الإجراءات البريطانية السريعة تأخذ مكانها، ولاسيما بعد أن أعلنت بريطانيا الحرب على الدولة العثمانية صاحبة السيادة المشروعة على مصر حينذاك. ومع أوائل أغسطس 1914وصلت تباعا قوات بريطانية إلى مصر، وأقيمت الاستحكامات رغم إعلان مصر الحياد الذى كان صوريا - وتحكم القائد العام للجيوش البريطانية فى مصر والمصريين.
ووضعت الخطة فى لندن بشأن تغيير الأوضاع فى مصر مع نهاية سبتمبر، وأرسلت للمعتمد البريطانى فى مصر للتنفيذ وتضمنت: إسقاط السيادة العثمانية، وعزل الخديو عباس حلمى الثانى، وإعلان الحماية. وخشى قصر الدوبارة من غضب المصريين، وطالب بالتريث والاكتفاء بالأحكام العرفية. ولكن تأتى خطة أخرى تفضل ضم مصر إلى الإمبراطورية. ويرد المسئول البريطانى فى مصر بأن الحماية أفضل. وهنا تراجعت الخارجية البريطانية عن الضم، إذ وضعت فى حسبانها إمكانية قيام ثورة، فضلاً عن حاجتها لمزيد من القوات، إضافة إلى عدم تأكدها من رد فعل العالم الإسلامى، زد على ذلك رفض فرنسا. وبناءً على هذا تقرر إعلان الحماية البريطانية على مصر. وتحدد التاريخ فى 19 نوفمبر، لكنه تأجل حتى 18 ديسمبر. وبالتالى انتهت التبعية المصرية للأستانة، وعزل الخديو، وتم اختيار الأمير حسين كامل ابن الخديو إسماعيل سلطانا على مصر وفقا للنظام الجديد ليكون صورة لحاكم.
وفى الواقع فإن دستور الحماية كان بمثابة ضم مصر إلى الإمبراطورية البريطانية لما تبعه من تغييرات جوهرية. وأصبح للمندوب السامى البريطانى الصلاحيات الكاملة. ومن اللافت للنظر أنه عندما ثبت عمليا الأهمية القصوى لمصر عام 1916 ارتفع مؤشر رغبة المسئولين الإنجليز فى ضم مصر مع وضع استراتيجية تحول دون ثورة المصريين. وعادت المناقشات مرة أخرى، وتمكنت المعارضة فى البرلمان البريطانى من الوقوف أمام ذلك.
واحتج المصريون على ما كانت تعده بريطانيا بشأن الحد من الامتيازات الأجنبية حتى لا يقيدها أحد، وبالتالى تطلق يدها بحرية كاملة، ومن ثم فقد فشلت مسعاها فى هذا الصدد. وسرعان ما زاد الأمر سوءاً بتولى الأمير أحمد فؤاد ابن الخديوإسماعيل السلطنة وفقا لاختيار الإنجليز فى أكتوبر 1917 وكان مكروها من المصريين.
ومالبث لاحت النهاية للحرب، إذ حدثت بعض التغييرات بقيام الثورة البلشفية فى روسيا ودخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب عام 1917. وفى 8 يناير 1918 أعلن الرئيس الأمريكى ولسون حق تقرير المصير للشعوب، وفى 7 نوفمبر صدر التصريح الأنجلو فرنسى الخاص بإنصاف الشعوب العربية. زد على ذلك ما حدث من استقلال للحجاز وولايات شرق أوروبا عن الدولة العثمانية. وكان لهذا جميعه أثره على المصريين الذين تفاءلوا بالحصول على حريتهم. ولكن جاء تعليق الخارجية البريطانية أن مصر خارج تلك المنظومة وقد أصبحت جزءا من الإمبراطورية البريطانية.
رد فعل النخبة
تعددت الروايات حول صاحب الفكرة فى تشكيل الوفد المصرى الذى يحرك القضية المصرية: يذكر أنه الأمير عمر طوسون نظرا لما لاقاه من مساوئ السلطة العسكرية البريطانية بخصوص الاستيلاء على أرضه بأبى قير. ويذكر أن أعضاء من الجمعية التشريعية هم الذين تحركوا. ويذكر أن رئيس الوزراء رشدى لإدراكه مدى تهاونه اتحد مع عدلى واتفقا مع السلطان للسفر إلى أوروبا للمطالبة بحقوق مصر. ومضت لقاءات النخبة فى طريقها، وكثرت الاجتماعات السرية لإيجاد حل للمسألة المصرية. وعلى الدرب نفسه تحرك فؤاد، وأبدى رغبته للمندوب السامى البريطانى ونجت أن تكون مصر ملكية دستورية، وساوم بتأييده التحركات الجارية ليؤرق بريطانيا.
وفى ختام السنوات الأربع، أعلنت الهدنة فى 11 نوفمبر 1918، وفى أعقابها مباشرة، طلب سعد زغلول وزميلاه على شعراوى وعبد العزيز فهمى لقاء المندوب السامى. وتحدد يوم 13 الذى أصبح عيدا للجهاد الوطنى وتمت المقابلة، وهى بمثابة وثيقة تاريخية بالغة الأهمية، تعبر عن مواجهة صريحة بين مصر وبريطانيا. وقد أدى الثلاثة دورهم بمهارة فائقة، وتمكنوا من الرد على استفزاز ونجت بفهم وشموخ، وعرضوا مطالبهم، ومن أهمها الاستقلال التام، وأن مصر لها مقوماتها التى تؤهلها للحصول عليه. وتوخى زغلول الاعتدال أحيانا، عندما عرض ضمان التحالف بشأن قناة السويس وديون الأجانب، وبيَن أنه الوكيل المنتخب للجمعية التشريعية، وأظهر شعراوى الندية وأنه عضو فى هذه الجمعية، وفى ذلك ما يعبر عن الرأى العام، وصال وجال فهمى كقانونى فى تفسيراته. وقد تحولت الرغبة من السماح بالسفر إلى باريس حيث مؤتمر الصلح فى فرساى إلى لندن لعرض القضية المصرية. وبلَغ المندوب السامى حكومته التى ثارت عليه واتهمته بالتهاون للسماح بتلك المقابلة، وأعدت نفسها لسحبه وتعيين غيره،وذلك فى وقت كانت الدول قد اعترفت بالحماية البريطانية على مصر.
تأثر المال والاقتصاد
انعكست وقائع الحرب على المالية المصرية، واستفادت البنوك الأجنبية من الأوضاع المضطربة، واختفى تداول الذهب، وأُلزم التعامل بالنقود الورقية، مما أسفر عن تضخم مالى لا حل له. وبالطبع فرض على المصريين إجراءات قاسية. وهنا تدعمت رؤية إنشاء بنك وطنى لإنقاذ مصر، وكان لطلعت حرب مجهوداته فى ذلك الميدان، إذ ارتبط الاستقلال المالى بالاستقلال السياسى.
وعانى القطن كمحصول نقدى من تذبذب الأسعار بين الارتفاع والانخفاض، وكان للأخير النتائج السيئة، حيث امتنعت البنوك عن التسليف، وأُغلقت البورصة، وتوقفت حركة السوق، وما لبث أن احتكرت بريطانيا المحصول، وخسرت مصر الكثير من أجل ذلك. وبالنسبة لباقى المحاصيل، فقد تحكمت السياسة البريطانية فى الزراعة لحساب تموين قواتها، وتلبية احتياجات المهاجرين إليها من الأرمن واليهود. أما عن الصناعة، فإن الرأسمالية الأجنبية كانت لها سطوتها، ولكن ظروف الحرب وتوقف الواردات شجع بعض المصريين على النزول لساحتها، واسهمت الصحافة فى التشجيع، وتشكَلت لجنة التجارة والصناعة عام 1916 لتتولى مهمة تحقيق المصالح المصرية، وتعددت الصناعات التى ازدهرت وقتذاك. وعن التجارة, فإنها ارتبطت بما سبق، وإن كانت المضاربات وجشع التجار معظمهم أجانب والاحتكار والتلاعب بالأسعار قد طغى. وحاولت الحكومة التدخل بالدعم واللجان المتخصصة وبطاقات التموين، ولكن ذلك لم ينقذ الأسواق.
أوضاع المجتمع
تأثر كبار ملاك الأراضى من الحرب نظرا لاعتماد الكثير منهم على محصول القطن الذى وجهته السياسة البريطانية وفقا لمصلحتها، أما المثقفون الذين ينتمون للطبقة الوسطى فقد تعرضوا لظروف الحرب القاسية من غلاء أسعار وعدم دفع رواتب ولاسيما للموظفين والاستغناء عن بعضهم والبطالة وتقييد الحريات وسيطرة الأجانب وتمتعهم بامتيازاتهم. وبالنسبة للتجار فقد عانوا من المنافسة الأجنبية، وما طرأ على المجتمع من سلبيات، ما عدا الذين عرفوا باسم «أغنياء الحرب» الذين طفوا على السطح وربحوا الكثير بطرقهم الفجة. وساءت حالة العمال نتيجة لما أقدمت عليه السلطة العسكرية الإنجليزية من معوقات، إذا أغلقت دور النقابات، وأكثرت من الاعتقالات، وتفشت بينهم البطالة التى أثرت على أسرهم، فقاموا بالإضرابات ولكنها لم تأت بنتيجة. وانهارت أحوال الفلاحين بما ألحق الضرر بالمحاصيل، وضغط عليهم فى تحصيل الضرائب والديون، وارتفعت إيجارات الأراضى، وفرضت على كاهلهم الالتزامات فى تنفيذ أوامر السلطة بالجمع القسرى لرجالهم. وانتشرت الأمراض الاجتماعية من فقر وبؤس ووفيات وسكن أرصفة وجرائم كثرت أنواعها، وفظائع ما كانت تقوم به قوات الإمبراطورية التى عاثت فى الأرض فسادا وبخاصة فى المناطق الشعبية. ثم انتشار الأمراض المعدية. وعلى الرغم من تكميم الصحافة، فإنها صوَرت المشاهد الحية لما أصبح عليه المجتمع وما شابه من سوْءات.
وفى الوقت نفسه، كان هناك رد فعل من المفكرين الذين احتضنوا الاشتراكية، ووجدوا فيها أنها تحقق الحلم المنتظر والمرتبط بالثورة على الأوضاع الاجتماعية المتردية. وطالبوا بتحرير المرأة عمليا وتحرير القضاء وإصلاح قضاء الأحوال الشخصية. وفى وسط تلك الأجواء نهض المسرح، وانتشرت الجوقات، وعُرَب الأدب الغربى، وانتعش التمثيل، وأصبح للمسرح الفكاهى المكانة. ووضح النقد الذى التُقط من المسرحيات، ولم تتمكن السلطة الحد منه تماما.
مصريون فى ميدان الحرب
بعد أن حوَلت السلطة العسكرية مصر إلى معسكر كبير، وأغدقت عليها لندن الصلاحيات الكاملة لتحقيق الاستراتيجية الحربية الإنجليزية، وبعد أن انتشرت فى ربوعها قوات الإمبراطورية من كل مله وجنس ولون، عرَجت على استغلال المصريين، وبدأت بالجيش، حيث شاركت قوات مصرية فى مواجهة حملتى الأتراك على الحدود الشرقية، فأدت دورها بنجاح فى عدة معارك، وتعرض البعض منها لإصابات. كذلك حاربت القوات فى دارفور جنوب الحدود المصرية وانتصرت فى المهام التى وكَلت لها وخلفت المعارك قتلى ومصابين. أيضا أسهمت القوات فى عمليات على حدود مصر الغربية ضد السنوسى، كما أُرسلت قوات إلى الحجاز لمساعدة الشريف حسين ضد الدولة العثمانية. أما عن الرديف الذى جُمع، فإنه عاش فى أسوأ الظروف من تأخر رواتب وخلافه. وفرض على مصر أن تقدم أدوات الحرب مثل القنابل وغيرها.
وبجوار ذلك، فرض على مصر إمداد بريطانيا بمنْ يقوم بالأعمال غير القتالية، وعليه تم تشكيل فيلقين: الأول فيلق العمال لحرفيتهم ومهارتهم وطاقتهم البدنية من أجل تعبيد الطرق ومد السكة الحديد وحفر الآبار والخنادق وإقامة الاستحكامات ونقل معدات التليفون والتلغراف والمهارات والذخائر والتموين. وفى البداية كان أمر الالتحاق بالاختيار، ثم تطلب أمر السلطة الإجبار. وتغرَب العمال عن بلدهم وسافروا بعيدا إلى الدردنيل وغاليبولى ومدروس وغرب أوروبا والعراق. وأنشئت مصلحة خصصت لهم. أما الفيلق الثانى فاختص بالجمَّالة، ومهمتهم أن يتولوا عمليات النقل فى ميادين الحرب بأوربا وخصوصا فرنسا. وفى البداية كان التحاقهم بالسلطة اختياريا ثم تحول إلى إلزام. وقد مورس أشد أنواع الضغط والقسوة فى جمعهم من قراهم. وقد عمل الفيلقان فى مناخ صعبة للغاية، ومع ذلك أثبتوا شجاعتهم وكفاءتهم، وقد أشاد جنرالات الحرب الإنجليز ومسئولون ببسالتهم وسجَلوا ذلك فى كتاباتهم وفى مضابط البرلمان البريطانى. ومات وأصيب ومرض الكثير من العمال والجمَّالة، ويتضح ذلك من ملفات أذونات المعاش الخاص بهم. كما أن رحلة العودة إلى مصر كانت فى غاية البؤس والشقاء.
خدمات أخرى
أُرغمت مصر على أداء الخدمات الصحية للقوات البريطانية، وتواصل الإجبار على دفع الأموال للصليب الأحمر وغيره، إضافة إلى الأراضى التى تم الاستيلاء لصالح السلطة، وكذلك إلزام الوزارات والمصالح بالعمل لسد متطلباتها، ولقد قُيدت المبالغ التى صرفتها الحكومة المصرية لها من حسابات العُهد والأمانات التى سلفتها للحكومة البريطانية ثلاثة ملايين وخمسمائة جنيه مصرى كان الجنيه الإسترلينى يساوى 97.5 من القروش حتى نوفمبر 1918.
محاولات الحركة الوطنية
مع بداية الحرب، تمكنت الإجراءات الصارمة التى طبقت بهدف وأد الحركة الوطنية، وكان للحكمدار الإنجليزى مدير الأمن السيطرة الكاملة، إذ انتشر البوليس السرى، وعُقدت المحاكمات العسكرية، وحُلت النقابات، وأُغلق نادى المدارس العليا،ومُنعت احتفالات الموالد وغيرها، وذلك وفقا لقانون الأحكام العرفية. وبالطبع كان التركيز على أتباع الحزب الوطنى الذى يدخل تحت لوائه مثقفون ومتعاطفون مع الدولة العثمانية وألمانيا، والذين سار فى ركابهم الكثير من العامة، وكانوا يمارسون نشاطهم داخل البيوت وينتظرون قدوم الأتراك والخديو المعزول. وقد عبَّرت أدبيات الفترة عما يصبون إليه. وقد آمن الشعب بأنه فى هزيمة الإنجليز النصر لهم. وحدثت بعض الانتفاضات من عمال الإسكندرية ثم انتقلت إلى القاهرة، وساندها الناس الذين طالبوا بالعيش وإسقاط الظلم، ولكن قبض عليهم. وامتلأت السجون بالمعتقلين ومن بينهم ضباط جيش، ونفى البعض مثل الشاعر أحمد شوقى. وسادت حركة مضادة فى الأزهر.
وجرت محاولات للاغتيال من هنا نقول إنها جاءت من منطلق الحركة الوطنية حيث مثَّلت أداة لمعاقبة الخائنين المتعاونين مع الإنجليز وغير المعنيين بالقضية الوطنية فى عامى 1914، 1915، منها محاولة اختصت بالمستشار الإنجليزى دنلوب الذى كان مكروها ولم تتحقق، ومحاولة جرت مع السلطان حسين يوم توليه العرش لأنه قبله فى ظل الحماية ولكنها فشلت. وكادت محاولة أحد أتباع الحزب الوطنى أن تنجح أثناء الموكب السلطانى ولكن الرصاصة انحرفت ولم تصب السلطان وحكم على الشاب بالإعدام. وتبعها محاولة أخرى بالإسكندرية وهى أيضا بواسطة شاب ينتمى للحزب الوطنى، إذ ألقى على موكب السلطان قنبلة، لكنها لم تنفجر، وحكم على الفاعل بالإعدام وخفف إلى الأشغال الشاقة المؤبدة. كذلك تعرض وزير الأوقاف الذى كان أحد المنفذين لسياسة الإنجليز لطعنه بالسكين من شاب وصدر عليه الحكم بالإعدام. وتواصلت الكراهية للسلطان فعندما زار مدرسة الحقوق تغيب الطلبة فى يوم الزيارة، وحينما ذهب للأزهر صاح طلبته فى وجهه. كما عثر فى قصره على منشورات تختص بتهديده.
وعلى الرغم من الأيدى الحديدية وقعت تلك الأحداث. وقد اتجه المصريون إلى نوع آخر من النضال الوطنى، تمثَّل فى الأغانى والأشعار والأزجال والأهازيج والمأثورات الشعبية ذات الإسقاطات، وانتشر ذلك فى أنحاء مصر ولم يستطع الإنجليز أن يصدروا أحكامهم العسكرية عليها. ومما يُذكر أن الروح المصرية لم تتأثر حتى بالاعتقالات وكان أثناء القبض على الشباب تعلو أصواتهم بهتاف « تحيا مصر حرة «. ويجب أن نسجَّل أن الحركة الوطنية المصرية سرت خارج مصر على يد الحزب الوطنى، إذ قام محمد فريد بدوره فى الاتصالات بالأطراف المعادية للإنجليز، وأعد المنشورات وحضر المؤتمرات التى دافع فيها عن القضية المصرية. كما كان لدور الطلبة المصريين الدارسين فى الخارج مجهوداتهم تجاه بلدهم.
وبذلك يتبين أنه أصبح من المؤكد أن السنوات الأربع أى الفترة التى عاشتها مصر أثناء الحرب العالمية الأولى 1914 1918 قد حشدت كل قواها الاجتماعية وهيأتها تماما للقيام بالثورة. وكانت مصر تنتظر المقابل الذى دفعت ثمنه غاليا إبَّان تلك السنوات، لكنها لم تجد إلا الجحود ونكران الجميل والصلف الإمبريالى من الإنجليز الذين عدّوا مصر ملكا لهم يفعلون ما يشاءون. من هذا المنطلق أقدموا عل نفى سعد زغلول ورفاقه لإجهاض أى حركة مضادة لهم، فى وقت وصل الشعور المعادى لبريطانيا مداه وبلغ ذروته، والنتيجة المتوقعة انفجار ثورة 1919.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.