الانتخابات فى كل المجالات لها سمات مُحددة، تتكرر فى كل مكان فى العالم، وإن اختلفت الوجوه والبلدان، وفى الرياضة، تتجلى مع كل انتخابات لرئاسة ناد أو اتحاد أو لجنة ما هذه السمات التى تكشف الوجه القبيح للانتخابات، من تجاوزات يقوم بها المرشحون فى حملاتهم، مخالفات تتم أثناء العملية الانتخابية نفسها، وطعون وانتقادات تشكك فى نزاهتها وصحتها بعد انتهائها. ولأنها سمات واحدة فى العالم كله، فقد شهدت كرة القدم الأوروبية قبل أيام، نموذجًا صارخًا فى تجاوز كل الحدود اللائقة للعملية الانتخابية، نموذجًا شابه بل وتجاوز ما نراه فى انتخابات الأندية عندنا فى بلادنا التى تعانى الرياضة فيها أزمات إدارية وأخلاقية لا انتهاء لها. هذا التجاوز، كان من الرئيس السابق لريال مدريد، فلورنتينو بيريز والذى أعلن ترشحه لرئاسة النادى خلال الانتخابات المقبلة التى ستُقام بعد انتهاء مباريات الموسم الكروى الحالى، بيريز الذى بدأ حملته الانتخابية بداية قوية، كثف فيها اتصالاته بعدد من أبرز اللاعبين على مستوى العالم وأقنع بعضهم بالفعل بالانضمام للفريق فى حال فوزه بالانتخابات، خرج منه تصريح قبل أيام، فتح الباب لانتقادات كثيرة، وتساؤلات أكثر عن السياسات التى سيلجأ إليها بيريز فور توليه مسئولية الفريق الملكى. بيريز قال للصحافة الإسبانية، وتحديدًا صحيفة "آس" إنه سيسعى فى حال فوزه بالانتخابات إلى التخلص من اللاعبين الهولنديين المتواجدين فى الفريق توفيرًا للنفقات، وقال إن الهولندين المتواجدين الآن فى قائمة الفريق الملكى لن يكون مُرحبًا بهم داخل النادى فى حال فوزه. التصريح، جاء ضمن سلسلة من التصريحات اليومية التى يُدلى بها بيريز للصحافة خلال حملته الانتخابية، ولكنه تجاوز فى أهميته كل تصريحات بيريز التى ملأت كل الصحف ووسائل الإعلام خلال الفترة الأخيرة، حيث حملَ تهديدًا مُباشرًا وصريحًا لستة لاعبين يتواجدون فى قائمة الفريق الملكى وهم .رويستون درينثى، كلاس يان هونتيلار، رود فان نيستلروى، آرين روبين، فيسلى شنايدر، رافايل فان دير فارت.. وهى سياسة غريبة وجديدة، أن يقوم أقوى المرشحين لرئاسة ناد معين بتهديد مجموعة من اللاعبين بالاستبعاد حين يتولى رئاسة النادى، دون أن يذكر سببًا مُقنعًا لهذا الاستبعاد سوى جملة واحدة وهى أنه يريد توفير النفقات لدعم الفريق بصفقات جديدة، وهذا لن يأتى على حد قوله إلا بييع اللاعبين الهولنديين! والتساؤل البديهى، الذى قفز لذهن كل من قرأ الخبر والذى رددته بعض الصحف الإسبانية هو.. هل لا يوجد لاعبون يستطيع بيريز الاستغناء عنهم سوى هؤلاء الستة؟ ولماذا اختص رجل الأعمال الإسبانى ذو ال 62 عامًا اللاعبين الهولنديين دون غيرهم؟ وفضلاً عن هذا وذاك، هل هذا هو التوقيت المُناسب لمثل هذه التصريحات؟ وهل الفريق الملكى الذى يحتاج أن يبذل لاعبوه كل ما فى وسعهم للتمسك بالأمل الضعيف المُتبقى لهم فى المنافسة على لقب الدورى فى حاجة لمثل هذا التصريح فى الوقت الحالى؟. إذا بدأنا بالتساؤل الأخير، حول مدى ملائمة هذا التصريح للمرحلة التى يمر بها الفريق الملكى حاليًا، فنظرة واحدة على جدول مسابقة الدورى تؤكد أن بيريز تسرع فى هذا التصريح الذى شتت انتباه أكثر من لاعب وجعلهم يبدأون فى البحث عن عروض خارجية لتأكدهم من فوز الرجل الإسبانى بالانتخابات المقبلة للنادى الملكى. ويحتل ريال مدريد بعد مرور 34 جولة من الدورى الإسبانى المركز الثانى بفارق سبع نقاط عن برشلونة المتصدر، والفريق فى حاجة ماسة لأن يقدم لاعبوه كل ما لديهم، وأن يركزوا فقط داخل الملعب، وهذا لن يتحقق بالطبع بعد تصريحات بيريز. أما عن السبب فى اختيار الهولنديين، فالتبرير الذى ساقه بيريز بتوفير النفقات وتحديدًا مبلغ 100 مليون يورو فيبدو غير مُقنع، لأن هناك أربعة لاعبين من بين الستة هولنديين المتواجدين فى الفريق إذا تم بيعهم فلن يتحصل الفريق من ورائهم على هذا المبلغ وهم.. ديرنثى وفان دير فارت وشنايدر والمخضرم رود فان نيستلروى، ولم يتبق للوصول لهذا المبلغ إلا بيع أحد اللاعبيّن الهولنديّيّن المتبقييّن وهما آرين روبين وكلاس يان هونتيلار.. والأول رغم كثرة إصاباته إلا أنه أحد أمهر وأبرز لاعبى الفريق خلال الموسم الحالى، أما الثانى فلم يمر على قدومه للفريق إلا أشهر قليلة، وقد سجل لريال مدريد 8 أهداف فى أقل من 4 شهور، كما أنهما يتميزان بصغر سنهما "25 عامًا". كما تسبب هذا التصريح، فى حملة شرسة شنتها الجماهير الهولندية على النادى الملكى، وطالبت الجماهير لاعبيها برفض فكرة الانتقال لريال مدريد فى المستقبل مهما كان المقابل المادى للصفقة أو الراتب الذى سيتحصل عليه اللاعب نفسه، ليخسر الريال قاعدة جماهيرية كبيرة فى هولندا، وتتسبب تصريحات بيريز فى خلق حالة من العداء والكره لهذا النادى. يُذكر أن بيريز، سبق وتولى رئاسة ريال مدريد من يوليو 2000 حتى فبراير 2006، ودأب فى هذه الفترة على استقدام النجوم إلى سانتياجو برنابيو، حيث ضم ريال مدريد فى هذه الفترة لاعبين مثل زين الدين زيدان ولويس فيجو وديفيد بيكهام ومايكل أوين وغيرهم من اللاعبين المتميزين، ولذلك أطلق الإعلام على الفريق فى هذه الفترة مجرة الكواكب أو "الجلاتيكوس". وسيتقدم بيريز بأوراق ترشحه لرئاسة النادى الملكى فى 15 مايو الجارى، وهو المرشح الأول لرئاسة النادى بسبب ضعف منافسيه وقوة برنامجه الانتخابى.
