ما يصنع من الرجل شهيداً هو القضية لا الموت.. إن ذروة الكرم الإنسانى، هى التضحية بالنفس من أجل قضية يؤمن بها الإنسان وأهم هذه القضايا هى قضية الحرية والكرامة التى يفقد الإنسان فيها روحه وتسيل دماؤه من أجلها، فهؤلاء رمز لعنفوان هذه الأمة وثقتها بمستقبلها، فهؤلاء الشهداء لهم مرتبة الخالدين إلى يوم الدين، وحجزت لهم موقعا متقدما فى ركاب الشهداء والصديقين الذين سبقوهم فى معارك الحرية والكرامة وهى نفسها المعانى التى يتمنى المرء أن يكون فداء لها وشهيدا من أجلها تمثّلا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام (والذى نفسى بيده لوددت أنى أقتل فى سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل) فأى جهاد أعظم وأكبر من الجهاد ضد أنظمة الظلم والفساد والقهر، وأى شهادة أرفع وأرقى من الشهادة فى سبيل الله. نحن نحتفل الآن بذكرى 25 يناير، ذكرى من قرروا أن يحرروا وطنهم والدفاع عن عرضهم وشرفهم وكرامتهم، رغم معرفتهم بأن موازين القوى ليست فى صالحهم فصدورهم عارية أمام الرصاص ومع ذلك قرروا أن يتابعوا مسيرة النضال حتى الشهادة ليرسموا للأجيال القادمة طريق العزة والكرامة، وإذا كان المبدعون ملح الأرض، فإن الشهداء ملح الأرض والتاريخ أيضا، لذلك لا يسعنا إلا أن نقف بكل إجلال وإكبار لأكرم من فى الدنيا، وأنبل بنى البشر، لمن رسموا لنا طريق العزة والكرامة، وجسدوا بشهادتهم قيم الحرية. البعض يحاول بكل ما يملك من قوة لانتزاع هذه الحرية والكرامة، وسد الآفاق أمام هذا المستقبل ومنع قيام النهضة، أقول لهؤلاء، إن ثقافة الاستشهاد التى أصبحت جزءاً حقيقياً من مشروعنا النهضوى لم تعد مقتصرة على الثورة فقط، بلى وعلى الحفاظ عليها أيضا وسنحافظ على الثورة وتكمل مشوارها رغم كل محاولات للنيل منها ستظل الشهادة أسلوب حياة بالنسبة لنا طالما أننا نؤمن بوطننا وحريته وكرامته وطالما أننا نؤمن بأن (الشهداء هم أكرم من فى الدنيا وأنبل بنى البشر)، ونؤمن بأن ما يصنع من الرجل شهيداً هو القضية لا الموت. الذل كل الذل لمن يدافع عن الظالم والمستبد تحت مسمى "طاعة الحكام"، ألا تبا لهذه العقول التى امتلأت بالأمراض وصار الإسلام فى معتقداتهم لا يقول إلا بعبادة الحكام، وكأن الإسلام لم ينزل إلا ليثبت عروش الطغيان، ويغتصب كرامة الإنسان، واللعنة والعار والخزى لمن يحارب الحرية ومن ارتضى العبودية دينا ومنهاجا. وغبى وحاقد هو من لا يعترف بدور ثورة 25 يناير، وما حققته من عزة وكرامة، وأيضا عبر كل مجالات حياة قطرنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وفق ما توفر لهذه الثورة من إمكانيات رغم كل المؤامرات التى حيكت ولم تزل تحاك ضدها. إن ثورتنا جعلت مصر دولة مفصلية فى محيطها العربى والدولى يحسب لها ألف حساب، وعلى ممانعتها لما يريده أعداء هذه الأمة راحت تتحطم معظم المشاريع الاستعمارية فى المنطقة وعلى رأسها المشروع الصهيونى. على العموم لا أريد هنا أن أعدد منجزات هذه الثورة لأن هذا من الغباء والاستخفاف بعقول القراء ممن تابعوا نشاط هذه الثورة منذ قيامه حتى الآن، ولكن ما أريد قوله هنا، إن الثورة لا تسير بخط مستقيم دائما فمعوقات الثورات كثيرة تبدأ غالباً من حاملها الاجتماعى ودرجة وعيه وإيمانه بمبادئ الثورة مروراً بالإمكانيات الموضوعية التى تمكن الثورة من بناء مؤسساتها، وصولاً إلى ما يحيط بها من أعداء يعملون دائماً على إفشالها وانحرافها عن مسارها الصحيح، وثورتنا رغم كل ما حيك ضدها من حيل ومؤامرات لم تزل عبر محيطها بعد واقفة على قدميها، وذلك بسبب طبيعة شعاراتها التى لامست طموحات الشعب الكادح الشعب الذى عانى من الظلم والاستبداد وحكم العسكر عقوداً من الزمن، لم تعد ثورتنا بحاجة إلى التذكير أو التعريف بها فهى جزء من تراث وتاريخ ووعى أبناء هذه الأمة، وإن كتبنا عنها اليوم فكتابتنا ليست أكثر من تأكيد على أننا لم نزل نعيش فعل الثورة. ونحن نحتفل بذكرى ثورة 25 يناير يجب أن نعلم أن هناك من يريد النيل من حريتنا واستقرارنا، ونشر الفوضى الخلاقة فى بلادنا، كما يجب علينا الإيمان بوحدتنا الوطنية وتضحيتنا من أجلها، ففى وحدتنا الوطنية يكمن سر قوتنا أمام أعدائنا فى الداخل والخارج، وبخاصة أعداء الداخل لأنهم الأكثر خطورة على وحدة وطننا واستقراره وتقدمه، فنحن نرى كثيرا من المؤامرات التى تحاول النيل من ثورتنا ومن مكتسباتها، فيجب علينا أن نقف وبكل صلابة فى وجه هذه الحيل والمؤامرات، ويجب علينا أن نعمل على لم الشمل والدعوة إلى التضامن والحفاظ على الوحدة الوطنية، وبالتالى نضمن سلامة هذه الأمة مما يرسم ويخطط لها. فلتكن ثورتنا القادمة ثورة ضد الجهل والتخلف والأمية، ثورة من أجل رفع مكانة الإنسان المصرى فكراً وممارسة لمواجهة تحديات العصر التى غابت فيها كل معانى الإنسانية.