تداول نشطاء صورة لجندى أمن مركزى فى محيط كوبرى قصر النيل والدموع فى عينيه.. كانت هذه الصورة أول شىء تطالعه عينى وأنا أتصفح صحف الصباح الإليكترونية، وقد حركت فى هذه الصورة الكثير من المشاعر الملتاعة والغاضبة فى آن واحد. هذه الصورة التى أرى أنها تعبير عن المأساة التى يعيشها هذا الجندى البسيط وجموع كثيرة من بناء هذا الوطن، وتلخص الحال المأساوى التى نعيشها فى مصر وهى الحال التى صنعها بعض النخبة وثلة ممن يحسبون على العمل السياسى والإعلامى. نحن لا شك نمر فى مصر بظروف جد استثنائية، وسط حالة من الاستقطاب، والاستئثار والإقصاء والغضب والخوف، والفوضى غير المسبوقة.. باختصار شديد، بلدنا مصر يمر بأسوأ مرحلة تاريخية فى حياته المعاصرة. وهذه الحالة غير المسبوقة هى من صنع أيدينا، ولا دخل لطرف ثالث داخلى أو خارجى فى صنع هذه الحالة.. التى تستعصى على الفهم والإدراك. القيادة السياسية تعانى من ضبابية الرؤية، ولا تقف على أرض صلبة، فهى فى حالة اهتزاز مستمر، أو حالة ارتباك وضعف وتخبط. والنخب السياسية تعانى من حالة انفصام فى الشخصية وازدواجية المعايير، وتقعر فى الفكر السياسى. والإعلام يعانى من انعدام الرؤية الإستراتيجية، وأحادية الفكر، وانسداد فى قنوات التواصل الموضوعى الهادئ والمتزن. ولا شك فى أن هذه الظروف والحالة الاستثنائية التى تعيشها مصر الآن، سيطرت عليها الثأرية السياسية، والكيدية التى تنتج تصلبا فى الرأى، وتنشئ الكثير من سحابات الغشاوة البصرية والبصيرية التى تحول دون سلامة الرؤية، وصوابية التعاطى مع المشهد، وتغيب الحكمة والتبصر بالكثير من الأمور التى تأخذ بيد الوطن إلى بر الأمان. هذه الحالة الفريدة من الثأرية السياسية.. إن استمرت سوف تأخذ بالوطن إلى المجهول.. إلى حيث لا وطن. إن الإحساس المرير الذى عاشه جندى الأمن المركزى، لا يمكن أن يستشعره إلا كل من ارتدى هذا الزى "الكاكى" وخدم فى القوات المسلحة أو الشرطة المصرية. أنا واحد ممن ارتدى هذا الزى إبان حرب التحرير فى أكتوبر 1973، ولمدة تزيد على السنوات الخمس، وأتخيل نفسى مكان هذا الجندى الذى بذل زميله، الذى هو أنا ضمن عشرات الألوف من الجنود الذين حاربوا كل حروب مصر على مدار التاريخ، وبذلوا كل غال ورخيص، وأرى إن من ضحيت بنفسى وبمستقبلى كى يتحرر الوطن من المعتدى.. يأتى اليوم الذى يعتدى فيه مصرى آخر عليه.. ويدفعه إلى قتله أو قتل نفسه دفاعا عن النفس.. هى لحظات لا يستشعرها إلا من ارتدى هذا الزى الشريف.. وأمسك بهذا السلاح دفاعا عن الوطن.. والذى أصبح بين عشية وضحاها وبسبب مصالح سياسية ضيقة.. مهما عظمت ومهما كانت مبررة.. مطالب بأن يوجه هذا السلاح إلى أخيه فى الوطن دفاعا عن نفسه.. ودفاعا عن الوطن الذى تعامى أو تغافل البعض ممن يطلقون على أنفسهم النخبة السياسية أو الإعلامية أو شىء آخر.. عن رؤيته والإحساس به. صدقونى.. إن الدمعة التى سالت من عين هذا الجندى البسيط.. تعبير عن أزمة يعيشها هو وأقرانه، سقطت فى قلبى.. خوفا على هذا المصر- الوطن- التى أحببناها.. ودفعنا فى سبيل حريتها واستقرارها وأمنها الكثير من الدم والعرق والكثير الكثير مما لا يمكن تعويضه. أخشى أن تستمر دموع هذا الجندى المصرى الأصيل.. ولا نجد يوما من يكفكفها.. من المخلصين المحبين لهذا الوطن. وأخاف على هؤلاء وأولئك إن بحثنا عنهم يوما.. أن يقولوا ذهبوا "فى غيهم" وضلالهم بحثا عن الوهم.. والثأر وشهوة السلطة.. والحكم. وأناشد العقلاء من أبناء هذا الوطن.. أن يساهموا فى أن يعود هذا الجندى وقد كفكف دمعه.. إلى موقعه وإلى وحدته العسكرية كى يدافع عن تراب هذا الوطن.. مثلما يفعل الشرفاء فى كل وطن. فلا نامت أعين الجبناء.. وهم يعرفون أنفسهم..!! .