جبالي يدعو الأحزاب السياسية إلى سرعة موافاة "النواب" بأسماء ممثلي الهيئات البرلمانية    وزير الداخلية يهنئ الرئيس السيسي وقيادات القوات المسلحة بذكرى انتصارات أكتوبر    ألفاظ خارجة في المحاضرة.. أستاذ جامعي يثير الغضب بالمنوفية    بث مباشر.. أولى جلسات مجلس الشيوخ بدور انعقاده الخامس    الحوار الوطني يدعو للمشاركة بالآراء في قضية الدعم.. ويؤكد: نفتح المجال أمام الجميع    محافظ كفر الشيخ: قوافل «بداية» تقدم خدمات في الصحة والتعليم لأهالي الكوم الطويل    ‫الزراعة تطلق 7 منافذ متنقلة لبيع المنتجات بتخفيضات 25٪ فى القاهرة    الوزراء يوافق على 2200 جنيه سعراً استرشادياً لأردب القمح موسم 2024/2025    إطلاق برنامج الشهادة الدولية المزدوجة بين جامعة القاهرة وإيست لندن    زيادة رأسمال الشركة الوطنية لخدمات الملاحة الجوية إلى 5 مليارات جنيه    10 مليارات دولار حجم صادرات الصناعات الغذائية والحاصلات الزراعية    محافظ المنوفية: رصف طرق في قويسنا والمنطقة الصناعية بطول 1200 ضمن «حياة كريمة»    «المستقلين الجدد»: ندعم الدولة من أجل الحفاظ على الوطن ومواجهة التحديات    الصحة الفلسطينية: 51 شهيدا و82 مصابا فى 5 مجازر إسرائيلية بغزة    9 معلومات عن صاروخ «الفاتح».. قصة «400 ثانية من إيران إلى إسرائيل»    الجيش الأردنى يحبط محاولة تسلل وتهريب كميات من المواد المخدرة قادمة من سوريا    الإصابة تضرب لاعب جديد في الأهلي قبل مواجهة السوبر المصري    فودين: بدأت الموسم ببطء منذ اليورو.. وأحاول العودة على الطريق الصحيح    مدرب يد الزمالك: مجموعتنا كانت صعبة وكأس العالم فرصة جيدة للإعداد لأفريقيا    علي معلول يهدد فرص نجم الأهلي في الرحيل    تفاصيل اتفاق الزمالك مع الجزيري بشأن تجديد عقده وإنهاء أزمة المستحقات    وزير الشباب والرياضة يتابع مجموعة ملفات عمل تنمية الشباب    عبدالواحد: المبالغة في الاحتفال؟!.. نريد جماهير الزمالك أن تفرح    ضربة موجعة لمعلمين المكيفات والسلاح في 9 محافظات.. سقوط 15 من تجار الصنف والحصيلة ملايين | صور    القبض على المتهم الخامس فى واقعة سحر مؤمن زكريا وعرضه على النيابة    رئيس مياه القناة: مستعدون لاستقبال فصل الشتاء بالسويس والإسماعيلية وبورسعيد    ضبط 27 طن لحوم ودواجن وكبدة فاسدة بالجيزة خلال سبتمبر الماضي    النيابة تطلب تحريات مصرع عامل تكييف سقط من الطابق الثالث في الإسكندرية    عيد ميلادها مش النهاردة.. سر عودة مديحة سالم إلى طليقها بعد مرور 20 سنة    مهرجان الإسكندرية السينمائي يعرض بحر الماس ضمن فعاليات دورته ال40    وزارة الثقافة تعلن فتح باب التقدم لجوائز الدولة التشجيعية لعام 2025    إيمان العاصى وابنتها وأميرة أديب وعائلتها ضيوف صاحبة السعادة    محافظ البحيرة تفتتح معرض دمنهور للكتاب بمشاركة 25 دار نشر.. فيديو    مواليد 3 أبراج محظوظون خلال الفترة المقبلة.. هل أنت منهم؟    الجمعة المقبل غرة شهر ربيع الآخر فلكياً لسنة 1446 هجريا    رئيس جامعة الأزهر: الإسلام دعا إلى إعمار الأرض والحفاظ على البيئة    تقي من مرض السكري.. 6 أطعمة تضبط نسبة السكر في الدم    المساواة في تكلفة الولادة.. نائبة وزير الصحة تكشف عن إجراءات خفض "القيصرية"    136 حالة بسبب الأدوية.. مركز سموم طب بنها يستقبل 310 حالات تسمم    رئيس الهيئة العامة للاعتماد: القطاع الخاص شريك استراتيجي في المنظومة الصحية بالجمهورية الجديدة    الجمعة المقبل.. غرة شهر ربيع الآخر فلكياً لسنة 1446 هجريًا    كلاكيت ثالث مرة.. سهر الصايغ ومصطفى شعبان في دراما رمضان    ضبط شركة إنتاج فنى بدون ترخيص بالقاهرة    البحوث الإسلامية يختتم فعاليات «أسبوع الدعوة».. اليوم    رئيس الوزراء: جهاز الشرطة له دور وطني في الحفاظ على أرواح وممتلكات المواطنين    الرئيس السيسي يهنئ غينيا وكوريا وتوفالو بيوم الاستقلال والتأسيس الوطني    السيسي يستقبل قائد قوات الدفاع الشعبية بجمهورية أوغندا    سقوط 6 تشكيلات عصابية وكشف غموض 45 جريمة سرقة | صور    مساعد وزير الصحة: مبادرة «بداية» تهتم بالإنسان منذ النشأة حتى الشيخوخة    أذكار الصباح والمساء مكتوبة باختصار    محمد فاروق: الأهلي يجهز عرضين لفك الارتباط مع معلول    جيش الاحتلال الإسرائيلي يوسع نطاق دعوته لسكان جنوب لبنان بالإخلاء    بالصور.. نجوم الفن في افتتاح مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط    حكم زيارة قبر الوالدين كل جمعة وقراءة القرآن لهما    انتخابات أمريكا 2024| وولتز يتهم ترامب بإثارة الأزمات بدلاً من تعزيز الدبلوماسية    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأربعاء 2 أكتوبر    أمين الفتوى: الأكل بعد حد الشبع حرام ويسبب الأمراض    عاجل - أوفينا بالتزامنا.. هذه رسالة أميركية بعد هجوم إيران على إسرائيل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدران العُزلة السياسية
نشر في صدى البلد يوم 28 - 12 - 2011

لا أعرف من هو ذلك العبقرى الذى أشار على المجلس العسكرى ببناء الجدران فى شوارع القاهرة، فالبداية كانت بجدار شارع محمد محمود، ثم امتدت لشارعى قصر العينى والشيخ ريحان، فالجدران لا تبنى إلا حين تنعدم الثقة، وهى عادة ما تعبر عن اليأس من تحسن العلاقة بين «طرفى الجدار»، ويكفى النظر لخبرات الجدران العازلة فى العالم. فجلها بالمناسبة بنى إما لانعدام الثقة بين «طرفى الجدار» أو لأسباب عنصرية فجة. فالجدار الذى فصل برلين الشرقية عن الغربية، وجدار نيقوسيا الذى يفصل قبرص التركية عن اليونانية، مثلهما مثل الجدار الذى يفصل بين الكوريتين وجدار بلفاست الفاصل بين أحياء المدينة، كلها تم تشييدها لانعدام الثقة، بينما تتجلى العنصرية فى الجدار الإسرائيلى على الأرض الفلسطينية، وهى التى تبدو ملامحها أيضا فى الجدار الذى تبنيه الولايات المتحدة ليفصلها عن المكسيك. وجدران شوارعنا ليست بطول تلك الجدران الأخرى، لكن المفهوم واحد والدلالات خطيرة.
فبناء جدران وعوازل فى قلب القاهرة وفى شوارعها الحيوية ينطوى على رسالة بالغة الخطورة تبعث بها السلطة السياسية إلى المصريين مؤداها أنها تُقر بأن انعدام الثقة قد وصل لذروته ولا أمل فى علاجه، ومن ثم فلا حل سوى العزل. عزل الجيش عن شعبه، وعزل الأمن عن الشعب المفترض أن يحميه! والرسالة تنطوى على معنى آخر لا يقل خطورة، وهو أن هيبة السلطة واحترامها فى مصر لم تعد تأتى عبر تحقيق مصالح الناس وسيادة القانون وإنما صار طريقها الوحيد هو استخدام العنف أو العزل.
والعبقرى الذى تفتق ذهنه عن بناء تلك الجدران لم يدرك أموراً غاية فى البساطة. فجدران وسط القاهرة نتيجتها بائسة، فهى بمثابة إلحاح مستمر على أذهان المصريين يذكرهم يوميا بأحداث نوفمبر وديسمبر الدامية، وما صاحبها من انهيار الثقة، الأمر الذى يكرس الأزمة ولا يحلها، والجدران تعمق ثنائية «نحن وهم» البغيضة، التى هى هذه المرة أكثر بغضاً، لأنها بين مصريين يرتدون الزى الرسمى ومصريين يرتدون الملابس المدنية. ثم إن الطاقة المبذولة فى حماية الجدران والسهر على احترامها تحول الأزمة الحالية من أزمة تتعلق بحماية المصريين وصيانة كرامتهم إلى أزمة تتعلق بحماية الجدار وصيانة تماسكه!
والجدران العازلة فى شوارعنا الحيوية، والمطلوب منها أن تخفى كل طرف عن الآخر، تكشف فى الحقيقة أكثر مما تخفى. فهى واحدة من تجليات حالة العزلة المتزايدة، التى صارت تعيشها السلطة فى مصر. فأنت تستمع للبيانات الرسمية فتجد نفسك أمام عالم آخر تماما غير ذلك الموجود على الأرض، وتتابع الإعلام الرسمى فتجده فى وادٍ آخر تماماً يعيد إنتاج صورته القديمة باعتباره بوقاً لمن يحكم مصر بغض النظر عن هويته، والخوف كل الخوف أن تزداد عزلة السلطة فتعيش فى عالم خاص بها، فيزداد انفصالها عن الواقع، وهو بالضبط ما حدث لنظام مبارك فى عامه الأخير، والمفارقة التى أحزنتنى هى أننى كنت قد كتبت هنا قبل الثورة بخمسة أسابيع فقط أحذر من الحالة التى صارت عليها نخبة نظام مبارك.
وقتها قلت نصا إن «النخبة الحاكمة فى مصر صارت تعانى بوضوح من ظاهرة «التفكير الجمعى»، وهى ظاهرة إذا ما تمكنت من جماعة بيدها صنع القرار تكون النتائج كارثية، و«التفكير الجمعى» حالة تنتاب جماعة ما حين تنغلق على نفسها وتنعزل عن الرؤى المغايرة.. وحين تصاب جماعة ما بهذا الداء يتراجع فيها تماماً الاهتمام بدراسة الحقائق بشكل واقعى.. فيعيشون فى واقع آخر متصور تخلقه الجماعة، وعادة ما تعهد الجماعة لبعض أفرادها بإنتاج حجج «موضوعية» ما يلبث أن يتبناها كل أفرادها دفاعا عن سلوكها، ويرددها الكل بنفس التعبيرات تقريبا، وتتوهم الجماعة أن رؤيتها تحظى بإجماع واسع خارج نطاقها، باستثناء خصومها الذين ترسم لهم صورة كاريكاتورية تجعل من التفاهم أو حتى التفاعل معهم مسألة ليست ضرورية على الإطلاق ما داموا على هذه الصورة البائسة».
ما أحزننى حقاً حين عدت لهذا المقال الذى كتبته قبل الثورة هو أن أعراض «التفكير الجمعى»، التى عجلت بنهاية مبارك بدأت تزحف ببطء على النخبة الحاكمة فى مصر اليوم، وبيانات اللواء عمارة والدكتور الجنزورى المنفصلة عن الواقع تمثل أول المؤشرات.
بعبارة أخرى، فإن الجدران العازلة فى شوارع وسط القاهرة ليست هى المشكلة ولا هى الحل، لأنها من تجليات الأزمة الأعمق التى تعيشها اليوم دوائر السلطة فى بلادى، لذلك فإن بناء تلك الجدران أو هدمها لا يحل المشكلة مادام جوهر الأزمة بلا علاج، والخروج بمصر من محنتها يحتم على المجلس العسكرى ووزارة الجنزورى التخلى فورا عن حكاية «نحن وهم» البغيضة، والكف عن شيطنة «هم» وإضفاء الملائكية على «نحن»، وعلى المجلس العسكرى تحديدا أن يعمل جديا على استعادة الثقة التى منحها له المصريون يوم توليه، فاستعادة هذه الثقة لابد أن تكون الأولوية الأولى للمجلس الأعلى قبل أن يترك السلطة لسبب بسيط هو أن مصر فى حاجة لتضميد جراح كل أبنائها، ولاستعادة صورة القوات المسلحة ناصعة البياض إلى الأفئدة والقلوب، واستعادة الثقة لا تكون إلا بالاعتراف الصريح بالخطأ والمصارحة الكاملة. لكن الأهم من هذا وذاك هو التعامل مع شعب مصر على أنه عظيم فعلاً لا قولاً فقط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.