سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ننشر النص الكامل لكلمة الإمام الأكبر فى لقائه مع القوى السياسية.. الطيب: الرسول صلى الله عليه وسلم وضع مِيثاق الحقوق المدنيَّة والدينيَّة بحرمة الدماء والأموال والأعراض منذ 14 قرنا
الحمدُ الله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على جميعِ الأنبياءِ والمرسَلين.. وبعد : فأهلاً بكم وسهلاً فى رِحابِ الأزهرِ الشريفِ، ودائمًا التقاءَ الإخوةِ له فضلُه وبركتُه، غير أن لقاء اليوم له فضلٌ خاص، لأنَّه يأتى على حِين فترةٍ من التلاقى بين الإخوة، الذين هم سدى النسيج الوطنى ولحمته، ولأنَّه يتمُّ فى هذه الرحاب التى تحبُّكم وتحبُّونَها، والتى تسعدُ دَوْمًا بكلِّ أطياف الجماعة الوطنيَّة المصريَّة دون تفريقٍ أو تمييز . لقد بَقِى الأزهرَ بحمدِ الله على مَدارِ التاريخِ، وأطوارِ الحياة المصريَّةِ المتعاقِبة، بيتَ الوطنيَّةِ المصريَّةِ، نلتقى فيه جميعًا كلَّما حَزَبَنا أمرٌ أو دَعانا داعٍ، لنتَدارَسُ، ما يُواجِهُنا من تحدِّيات، ونُعلِنُ للكافَّةِ فى الداخلِ والخارجِ، ما نلتقى عليه من رأى، وما نتَوافَقُ عليه من قَرار. أيها الحضور الكرام.. قبلَ أربعةَ عشر قرنًا أعلن رسولُ هذه الأمَّة - صلى الله عليه وسلم - فى حجَّة الوداع مِيثاق الحقوق المدنيَّة والدينيَّة لكافَّة الناس.. وذلك عندما قال: «أيُّها الناس، إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم حرامٌ عليكُم إلى أنْ تلقَوْا ربَّكم، كحُرمةِ يومِكم هذا، فى شَهرِكم هذا، فى بلَدِكم هذا...». حدَث هذا قبلَ أنْ تعرفَ الإنسانيةُ مواثيقَ الحقوقِ والمعاهداتِ التى تُؤكِّد على احترام هذه الحقوق. بل إنَّ هذا الإعلان الذى افتتَحت به الحضارةُ الإسلاميَّة تاريخَها قد ارتفع بهذه الحُرمات «حرمات الدماء والأموال والأعراض»، والتى تُمثِّلُ الحفاظَ على مقاصد كلِّ الشرائع والقوانين - قد ارتفع بها من مَرتَبة «الحقوق» إلى مَرتبة «الفرائض والتكاليف والواجبات»، فلا يجوزُ لإنسانٍ أنْ يُفرِّطَ فيها، ولا أنْ يدع أحدًا يُهدرها تحت أى ظرفٍ من الظروفِ. وأحسبُ أنَّكم تُوافِقوننى على الملتَقيات الوطنيَّةَ التى تمَّت فى رِحاب الأزهرِ الشريفِ، منذُ قِيامِ الثورةِ المصريةِ، فى 25 يناير 2011، وصدَرَتْ عنها وثائقُ خمسٌ، كانت كلُّها محاولاتٍ ناجحةً بحمدِ اللهِ لبناءِ موقفٍ وطنى تَوافُقِى، نجتازُ به عقَبةً، أو نعالجُ به مشكلةً واجهَتْ مصيرَ هذه الثورةِ، وأكثَرُ مَن تسعدُ به هذه القاعةُ اليومَ شارَكوا فى هذه الملتَقيات أو بعضٍ منها . لكنَّ هناك عاملاَ آخَر دَعَا إلى عَقْدِ لقاءِ اليوم لا بُدَّ أنْ أُصارِحَكم به، فقد زارَنا هنا خِلالَ الأسبوعِ الأخيرِ، مجموعةً من الشبابِ الوطنى المصرى، الذين فجَّروا ثورةَ الخامس والعشرين وقاموا بها مع كلِّ فئاتِ الشعبِ، مُشفِقين ممَّا تمرُّ به بلادُنا العزيزةُ، وتتعرَّضُ له من مَآزِقِ، فلم يكتَفُوا بالإشفاقِ، واجتمعوا هنا أكثرَ من مرَّةٍ مع طائفةٍ من العُلَماءِ، وانتَهوا إلى جملةِ أُصولٍ أو مَبادئ، رأوا فيها أنَّها يُمكن أنْ تُعالج أخطرَ جَوانِبِ الموقفِ الراهنِ وتُعيننا على اجتِيازِه، وهى بينَ أيديكم يَطرَحونَها علينا، ويَدعوننا إلى النظَر فيها ثم تَبَنِّيها، وإعلانها على النَّاسِ فى صِدْقٍ وأمانةٍ وشُعورٍ وطنى بالمسئوليَّةِ لإيقافِ بعضِ التَّصرُّفاتِ التى اندَفَعتْ إليها بعضُ الجماهيرِ، ولوقفِ الجمُوحِ الذى طالَ الدِّماءَ المصريَّةَ، وهدَّد حقَّ الحياةِ الذى هو أصلُ كلِّ الحقُوقِ الإنسانيَّةِ، وحقَّ الأمن والأمانِ الذى هو المطلَبُ الأساسى لكلِّ مُواطنٍ عادى هدد كل فرد أنْ يَأمَنَ على بيتِه وعلى أولادِه ذاهبينَ إلى المدرسةِ أو عائدينَ منها، وعلى أهلِه وجيرانِه، ثم على مُقدَّرات وطَنِه التى تتعرَّضُ للخطرِ الشَّديد . وإنِّى لأَعتَرِفُ بأنَّنا نُواجِهُ موقفًا كذلك الذى دفَع حافظ إبراهيم رحمه الله أن يقول على لسان مصر التى تتحدث عن نفسها : نحنُ نَجتازُ مَوْقفًا تَعْثُرُ الآرَاءُ ... فيهِ، وَعَثْرَةُ الرأى تٌرْدِي نظَرَ اللهُ لى فأَرْشَدَ أبنائِى ... فشَدُّوا للعُلا أى شدِّ ومصر – كما نعلم - هى كنانةُِ اللهِ فى أرضِه، ووصيَّةُِ أنبيائِه ورسُلِه وقد جعل الله فيها، شبابًا مثلَ هذا الشبابِ الطاهرِ، الذينَ قاموا بهذِه المبادَرةِ ودعونا إلى هذا اللقاءِ، وأشعُرُ معهم أنَّنا ينبغى أنْ ننظُرَ فى هذا البَيانِ، أو تلك الوثيقةِ التى انتَهَوْا إليها، بمُشاركةِ كَوْكبةٍ من العُلَماءِ الأزهريِّينَ، وأكثَرُها على كلِّ حالٍ ثوابتُ لا خِلافَ عليها فيما أعتَقِدُ. ورأى إن سمحتم – أيها الإخوة، هو التأكيد على النقاط التالية: أولاً: الالتزام بقَداسة وصِيانة حُرمات الدماء والأموال والأعراض فرديَّةً أو اجتماعيَّةً كانت هذه الدماء. فواجبٌ دِينى ووطَنى إنسانى صيانةُ كلِّ قطرة دمٍ لكلِّ مصرى، ولكلِّ مَن يعيش على أرض هذا الوطَن؛ لأنَّ صيانةَ هذه الحرُمات هى قاعدة الأمن والأمان، الذى يُمثِّلُ منطلق البناء والتنمية التى تُحقِّقُ أهداف الثورة، وتُعيد إلى مصرَ مكانتَها اللائقة إقليميًّا وعالميًّا. ثانيًا: إذا كان التنوُّع والتعدُّد والاختلاف فى الفكر والسياسة، هو سُنَّة الله التى لا تبديلَ لها ولا تحويل، يُمثِّلُ الضَّمانةَ ضدَّ الانفراد بالقَرار الذى يُؤسِّسُ للاستبدادِ، فإنَّ واجب تيَّارات الفكر والسياسة فى بلادنا الالتزام بتوظيف التعدُّديةَّ والاختلاف، وسِلميَّة التنافُس على السُّلطة وسِلميَّة التَّداوُل لهذه السُّلطة، مع إعلان التحريم والتجريم لكلِّ ألوان العُنف والإكراه لتَحقِيق الأفكار والمطالب والسِّياسات. ثالثاً: دعوةِ كلِّ المنابر الدِّينيَّة والفكريَّة والثقافيَّة والإعلاميَّة إلى نبْذ كلِّ ما يتَّصل بلُغة العنف فى حلِّ المشكلات، مع قِيام كلِّ هذه المنابر بحملةٍ مُنظَّمة لإعادة الحياة الفكريَّة والسياسيَّة إلى النَّهج السلمى الذى امتازَتْ به ثورة هذا الشعب العظيم. رابعًا: جعل الحوار الوطنى الذى تُشارك فيه كلُّ مُكوِّنات المجتمع المصرى دون أى إقصاءٍ هو الوسيلة الوحيدة لحلِّ أيَّة إشكالات أو خِلافات.. فالحوار هو السبيلُ إلى التعارُفِ والتعايُشِ والتعاوُنِ على إنهاض هذا الوطنِ؛ ليُحقِّق طموحات سائر المواطنين. أيها الإخوة الحضور.. إنَّ العملَ السياسى لا علاقةَ له بالعُنفِ والتخريبِ، سلامتَنا جميعًا ومصيرَ وطنِنا مُعلَّقٌ باحترامِ القانونِ وسيادتِه، وتلك مسئوليَّةُ الجميعِ حُكَّامًا ومحكومين . ومن ثَمَّ فلا ينبغى أنْ نتردَّدَ فى نَبْذِ العُنفِ وإدانتِه الصَّريحةِ القاطعةِ من أى مصدرٍ كان، وتجريمِه وطنيًّا وتحريمِه دِينيًّا، ولا يجوزُ مُطلَقًا التحريضُ على العُنفِ، أو السُّكوتُ عليه، أو تبريرُه أو التَّرويجُ له، أو الدِّفاعُ عنه، أو استغلالُه بأى صورةٍ . وأنَّه ينبغى أنْ نُربِّى كوادرَنا على ثقافةِ العمَلِ الدِّيمقراطى، والالتزامِ بالحوارِ الجادِّ، وبخاصَّةٍ فى ظُرُوفِ التَّأزُّمِ، مع مُراعاةِ مَبدَأ التَّعدُّديَّةِ وأدبِ الخلافِ، والتقيد بآداب الحوار، والبعد عن الألفاظ الجارحة التى تزيد المواقف اشتعالاً . ودعونى أيُّها الإخوةُ أتَرَحَّمُ على أبى الطيِّبِ القائلِ : جِراحاتُ السِّنَانِ لها التِئامٌ ... ولا يَلتَامُ ما جَرَحَ اللِّسَانُ وأمرانِ آخَرانِ أكَّدَتْهما هذه الوثيقةُ : الأولُ : حمايةُ النَّسيجِ الوطنى من أى تهديدٍ، ومن أى اختِراقٍ أجنبى غيرِ قانونى، وإدانةُ المجموعاتِ المسلَّحةِ الخارجةِ عن القانونِ أيًّا كانت . والآخر والأخير: هو حمايةُ الدولةِ المصريةِ، لأنَّها أيُّها السَّادةُ رأسُ مالِنا الوطنى جميعًا، لا ينبغى أنْ نسمَحَ بتَبدِيدِه أو تَفكِيكِه أو العَبَثِ به بأيَّةِ صُورةٍ من الصُّوَرِ، فساعَتَها لا قَدَّرَ اللهُ لن يَبقَى فى الساحةِ إلا الشَّيْطانُ. (وفَّق اللهُ مصرَ.. شبابَها، وقادتَها، وعلماءَها، وثورتَها، إلى اجتيازِ الخطرِ وإعلانِ الحقِّ، والالتزامِ به، وكَبْتِ العدوِّ، وإرضاءِ الصديقِ . وفقكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.