جامعة سوهاج تنظم دورات تدريبية في التسويق وإدارة الجودة للطلاب    في يومها العالمي.. لغة الإشارة ليست مجرد ترجمة للحديث المنطوق    وزير الأوقاف: التصوف خط الدفاع الأول في مواجهة الإرهاب    رحلة منتدى شباب العالم.. من شرم الشيخ إلى منابر الأمم المتحدة|صور    عضو "منتجي الدواجن": نعيش مرحلة حساسة وزيادة السعر تجعلنا مجرمين في حق الشعب    محافظ أسيوط يتفقد مركز شباب المندرة قبلي بمنفلوط للاطمئنان على سير العمل    وزير الصحة: المنظومة الصحية في مصر قوية ومتطورة ومتمرسة للتعامل مع الأزمات    وزير المالية: فخورون بما حققناه جميعًا.. حتى أصبح البنك الآسيوي أسرع نموًا    زيلينسكي يزور مصنعا للذخيرة بولاية بنسلفانيا الأمريكية    الجيش الأردنى يحبط محاولة تهريب مواد مخدرة محملة بواسطة طائرة مسيرة    حسين السيد يسافر إلى السعودية على نفقته الخاصة لمؤازرة الزمالك في السوبر الأفريقي    العين الإماراتي: سننظم رحلات إلى مصر لحضور مواجهة الأهلي في كأس الإنتركونتنينتال    برشلونة يعلن إصابة حارسه «تير شتيجن» بتمزق كامل في وتر الرضفة بالركبة اليمنى    محمد صلاح يتواجد في التشكيل المثالي للجولة الخامسة في الدوري الإنجليزي    وزير الصحة: الدولة لن تخفي شيء عن المواطن بخصوص وباء أسوان    تنازل ضحيتا الفنان عباس أبو الحسن عن الدعوى الجنائية أمام المحكمة    المجلس الأعلى للثقافة يُكرم الروائي الكبير يوسف القعيد    سيني جونة لدعم إنتاج الأفلام يعلن عن المشروعات المشاركة في الدورة السابعة    القاهرة الدولي للمونودراما يهنىء محمد سيف الأفخم لاختياره رئيسا فخريا للهيئة الدولية للمسرح    إحالة 3 أطباء للتحقيق بمستشفى الغنايم المركزي    «معندناش حاجة نخبيها».. وزير الصحة: الدولة لا تخفي أي شيء في تعاملها مع الحالات المرضية    في خدمتك| كيفية الوقاية من ميكروب «الايكولاي» بعد إصابات أسوان    الرئيس السيسي يهنىء قادة السعودية بذكرى اليوم الوطني    بيراميدز يكشف حجم إصابة محمد حمدي ومدة غيابه    ووكر قائد مانشستر سيتي يتهم الحكم بتوريطه في هدف لصالح أرسنال    جامعة الجلالة تحصل على الاعتماد الدولي IERS لبرنامج تكنولوجيا العلاج التنفسي    «أبو الغيط» يلتقي وزير العلاقات الخارجية في بنما    قطع أثرية مقلدة.. رحلة مباحث القاهرة للإيقاع بعصابة المشاغبين الستة    قرار جديد بشأن عاطل متهم بالتحرش بفتاة في حدائق القبة    حبس سيدة بتهمة سرقة رواد البنوك بزعم مساعدتهم    استقالة موظفى حملة المرشح الجمهورى لمنصب حاكم نورث كارولينا    حكومة غزة: جيش الاحتلال ارتكب مجزرتين في مدرستين بمخيمي النصيرات والشاطئ    الجيش الإسرائيلي: ضرب أكثر من 300 هدف لحزب الله في لبنان حتى الآن    تعيين وكلاء ورؤساء أقسام جدد بكليات جامعة بنها    إعلام إسرائيلي: حزب الله قد يضرب أهدافنا في تل أبيب.. ومستعدون للرد    رابط نتيجة تقليل الاغتراب للمرحلة الثالثة 2024 والدبلومات الفنية فور إعلانها على الموقع الرسمي    مواجهة مشكلة المخلفات الزراعية بالتطبيقات الحديثة في الوادي الجديد    وزيرة التنمية المحلية تبحث تقنين أوضاع عيادات الأسنان على مستوى الجمهورية    محافظ المنوفية: مبنى التأمين الصحي الجديد أسهم في تخفيف الزحام والتكدس وصرف الأدوية    جامعة القاهرة تعلن برنامج ال100 يوم للقوافل التنموية التي تشارك بها في مبادرة «بداية»    مواعيد وقنوات عرض مسلسل تيتا زوزو الحلقة 3.. خلال ساعات    وفاة والد الإعلامية حياة عبدون .. موعد الجنازة والعزاء    منظمة خريجي الأزهر تناقش مكانة المرأة في الإسلام بورشة عمل للطلاب الوافدين    الأزهر للفتوى يوضح تواضع النبي الذي كان عليه    «حياة كريمة» تُعيد الأمل.. توزيع أدوات مدرسية لمستقبل أكثر إشراقًا    تشييع جنازة اللواء رؤوف السيد بمسجد الثورة بعد صلاة العصر    طلائع كفر الشيخ ضمن معسكر «حياة كريمة» بمركز التعليم المدني في دمياط الجديدة    هكذا استعدت جامعة المنوفية لاستقبال الطلاب الجدد فى العام الدراسي الجديد    ضبط تشكيل عصابي نصب على المواطنين في القاهرة    علي جمعة: ترك الصلاة على النبي علامة على البخل والشح    خلال 24 ساعة.. ضبط 30129 مخالفة مرورية متنوعة    المستشار الألماني يلتقي زيلينسكي وأردوغان ولولا في نيويورك    ماذا قال محمد صلاح لأحمد فتحي بعد اعتزاله كرة القدم ؟    إصابة فى مقتل    تفاصيل عزاء نجل إسماعيل الليثي.. نجوم الفن الشعبي في مقدمة الحضور (صور)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-9-2024    حالة الطقس اليوم الاثنين 23-9-2024 في محافظة قنا    فودافون تتصدر منصة "إكس" بعد تعرض الشبكة لعطل مفاجئ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" نهر الجنون" قصة لبشرى أبو شرار
نشر في اليوم السابع يوم 17 - 04 - 2009

توشحت مستشفى " الشفاء" بالعتمة, عتمتها لها عيون تضىء من قناديل شاحبة, تنشد معزوفة الرحيل, تجدل من آهات المصابين، تاريخ وطن, تدق بيدها المرتعشة على هاتفها, تطلب "غزة" على صوت غارات تهتز لها شاشات التلفاز, تنشد صوتا يصل إليها من هناك, تبثهم روحا بأنها معهم, رغم نأى المسافات:
هل أنتم بخير؟
ضربات الجو تحاصرنا, نزعنا أضلف الشبابيك, البرد يهاجمنا.
لا يهم البرد, ما يهم هو النجاة.
لا ننام الليل, أخال صرخات أطفالى تعلو ضربات الأباتشى .
سكن الخط , عاد صوته يتأرجح على خيوط من هواء.
خبرينى عن العالم من حولنا ؟
قلوب الناس معكم, التظاهرات عمت العالم, اصمد يا أخى.
بصوت مأزوم, تهالك على عقارب الوقت:
مشكلتى الطحين, لم يتبق ما يكفينا لأيام قادمة, لجأ لبيتنا أناس من أطراف جباليا, السلاطين, بيت لاهيا.
هم منكوبون, من منهم أراد أن يهجر بيته, لا يهمك رغيف الخبز, عليك بالبقول, استعض عنه بأى شىء .
أعمدة الخرسانة تتطاير فى الهواء, لتسقط أشد عنفا من قذيفة.
اصمد يا أخى.
تتهاوى خيوط من هواء, وتسكن غصة فى الحلق, تسقط عليها حروف الكلمات, يعاود المذيع ظهوره من مستشفى "الشفاء" تغوص فى أعماق الصورة, مستشفى "الشفاء" على أسرتها سجى والدها للحظة رحيل, وأمها واحتضارها هناك, تسمع صوتها مسافرا, توصى بأن يظلوا متحابين, ولا يتفرقوا أبدا, خرجوا من بواباتها دون لحظة وداع, حالت بينها وبينهم معابر مغلقة, مستشفى وطريق يأخذها إليه, عند نهاية شارع الوحدة, زيارات للمرضى, وحرص أمها أن تخصها بحمل الحلوى, لتكون أول من يدخل على أحبة تزورهم ......
ومنها عادت أمها بطفلة فقدت جميع أهلها, عادت بها لتقاسم أخيها فى حليب أمه, وأطلقت عليها اسم " حكمت "
ما سر مستشفى " الشفاء " فى ملحمة شعب, وتاريخ وطن ؟!.......
منه خرجت كل الحكايات, الباكية, والساخرة .....
زوجة خالها يوم وضعت وليدها, خرجت من المستشفى بصحبة زوجها, وقبل أن يصلا البيت, يسألها, هل المولود بنت أم ولد, على سهوم الوقت قالت بلهجة ناعسة, أنها لم تعرف بعد , وكيف وقفا فى زاوية من الشارع, يخلعن عنه لفافاته ليعرف صبى أم صبية ....
كانت تطلق الضحكات على خالها وزوجته, اللذين خرجا من مستشفى الشفاء..
يعود الصوت من غزة :
اليوم خبزت "أزهار" مائة رغيف فى تنور الطين .
صار بيتها هناك ملجأ للفارين من أتون النار, وكيف صارت قطوف العنب, شواهد من الفسفور الأبيض, طائرات الأباتشى تبحث عن أجساد الصغار تحت الأغطية الصوفية, يتضور الطفل بجوار أمه جوعا, يبحث عن ملاذ حنون, يتدفق الدم لزجا, ساخنا, فتغرق فيه صرخاته, يهدأ, يرخى ساعديه لجوارها, يستسلم لنعاس حزين, على مرثية فقده الأبدى ......
ينتشله رجل الإسعاف, يضمه إلى صدره, يرتعد خوفا, يعاود البكاء, باحثا عن صدر أمه, تلتقطه نسوة غريبات, سألن عن اسمه, يتحاذرن, يشتد بكاؤه, تصرخ إحداهن:
وليد ....
يعود صوت الزنانة, ليتعانق مع صوت قذائف ارتجاجية, تميد الأرض, تتساقط شواهد فسفورية تشابه قطوف العنب, تهبط كقطع إسفنجية, تبحث عن أجسادهم, لتذوب عليها, تتجذر فى مساماتها, لا تمحيها سنوات قادمة ......
تتقدم الأباتشى مترنحة, حبلى بحمولتها المميتة, تبحث عن غفوة بريئة, تقض منامها, عن ابتسامة طفلة , تؤدها , ينهار الجدار , تنكفىء الأسقف , تتطاير الأعمدة , يتلوى الدخان , تصرخ الطفلة التى صارت وحيدة بين أكوام الردم, تمتد يد تنتشلها, تتشبث بشارة على صدر رجل الإسعاف, تلتصق به, وصوت صفاراتها يدوى فى كيانها الصغير, يصل بها لمستشفى " الشفاء " يحاول انتزاعها عن صدره, تتشبث بكل قوتها, تقاوم أيدى تنتزعها عنه ......
أى علاقة تلك التى قامت بينهما فى رحلة الدقائق الخمس ؟!.... يترفق بها , يهدهد خوفها, والفزع يقفز من مسامات وجهها, تقطب جروحها, ويثقب فى جلدها ليسرى فى يدها محلول الحياة .......
يغيب رجل الإسعاف, يقتفى صوت الزنانة, الباحثة عن أجساد الصغار تحت الأغطية الصوفية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.