إن العين لتدمع، وإن قلبى لينفطر حزناً على مصر، إنه شعور مرعب أن ترى من يُسمُّون بالنخبة كلٌ يلهث خلف مصالحه الخاصة، وأصبحوا لا يبالوا بمصلحة الوطن. كنّا فى الماضى نرى النخبة لا تلهث إلا وراء مصلحة الوطن مصلحة الوطن ليس إلا، كان كل مسئول يراعى الله فى عمله لا ينظر إلى ما سيحققه من منافع من وراء منصبه، كان كل مسئول يتبارى بما يحققه من إنجازات وطنية، فسطروا أسماؤهم بحروف من نور فى تاريخ الأمة. أما فى حاضرنا، فأصبح كل فرد من النخبة يرى أنه الإله المُلهم الذى يرى ويُبصر ما لا نرى ولا نبصر، وكأننا عميان وهُم فقط مَن أنعم الله عليهم بنعمة التبصر والتبحر فى بواطن الأمور. إذا كان الهدف من عنجهيتهم هو الخوف على مصلحة الوطن ومصلحة الشعب الذى ذاق مُر السنين، فأهلاً بهم وكنا سنتحمل عبء أفكارهم وأطوارهم الغريبة فى بعض الأوقات، ولكن كيف لنا أن نتحمل هذه العنجهية مع عدم وجود رؤية لأى منهم. إننى لا أتحامل عليهم لأسباب مسبقة، ولكن ما أراه دوماً أننا فقدنا ما يطلق عليه فى كل بلدان العالم مصطلح "النخبة"، هل من هم موجودون الآن على الساحة السياسية فى مصر يمكن أن نطلق عليهم نخبة؟! النخبة يا سادة هى مجموعة من المفكرين فى كل مجالات الحياة السياسية، والعلمية، والأدبية، والفكرية، والاجتماعية، إلخ، لا يفكروا فى شىء إلا كيف ينهض هذا الوط، ويعملون بجِد وتفانى لرفعة وطنهم والشعب الذى يقاسمهم العيش على أرضه، فهل نرى فيمن يدّعون أنهم نخبة أن أحداً منهم يخشى الله فى قول أو فعل؟! ولسوء حظ مصرنا الغالية، مصر الأم الكبيرة التى تحتضن كل ابن عاش وترعرع على أرضها، شرب من نيلها العذب، تغذّى من خيرات أرضها، حزن لانتكاساتها، وفرح بحلاوة انتصاراتها، خرج النخبة من أبنائها وكل منهم يرى أن لديه فكر ورؤية وأنه الأجدر بقيادة السفينة، هذا إذا ضربنا المثل بسفينة نبى الله نوح عليه السلام، وقد نسوا أن نوحا عليه السلام لم يكن قائداً للسفينة من فراغ، ولا أنه كان الأفضل ولكن لأنه عمل بكفاح وصبر وناضل من أجل قضيته ورسالته، ولم يبالِ بسخرية مَن حوله حتى كان وعد الله له بالنجاة. أناشدكم أيها النخبة من منكم فعلاً يملك الفكر والرؤية فليعمل على خدمة هذا الوطن، وألا يربط هذه الأفكار أو الرؤى بالسلطة، ليس بالضرورة أن تصبح مسئولاً كبيراً أو حتى رئيس جمهورية لتنقذنا بالأفكار التى ترى أنها هى حل اللغز للمرحلة التى نعيشها الآن، اتحدوا جميعاً ولا تنشغلوا عن غايتكم بأمور أرى أنها رخيصة، فالمناصب تزول ولكن الأفكار تبقى. أناشدكم أيها النخبة، اعملوا واصبروا ولا تغرنكم الحياة الدنيا، حبوا مصركم كما تحبون أنفسكم ونساؤكم وأبناؤكم، مصر هى الباقيةُ أبداً ولن يُضِرْها مواقفكم لأن مصر بكم وبدونكم ستنهض، ولكنكم ستخسرون الخلود فى ذاكرة بلدكم، ولن يغفر التاريخ لكم مواقفكم. أناشدكم أيها النخبة اتحدوا، يرحمكم الله، ودمتم بخير.