الحياة فى رفح المصرية نوعان، إما موظفون أو تجار الأنفاق الذين نطلق عليهم نحن الإعلاميين وكذا الشرطة مهربين. النوع الأول بائس يحصل على احتياجاته بصعوبة فى ظل الخناق الأمنى على رفح المصرية، والنوع الثانى لا يهمه الخناق بقدر أهمية دخول البضائع عبر الدروب الفرعية إلى رفح ومنها إلى الأنفاق كل شيء بالحساب. النوع الأول يعد الجنيهات التى يتقاضاها من الوظيفة والثانى لا تفرق الأموال معه لذا ليس من المستغرب أن تجد أطفالا يملكون الآلاف بل الملايين إن صح التعبير، تجار الأنفاق لديهم يقين وقد يكونون على حق أنهم يؤدون واجبا مقدسا نحو غزة، لما لا وهم يحاربون بذلك إسرائيل العدو الصهيونى للمسلمين وللمسيحيين على حد سواء، الأمر إذن ملتبس. اليوم السابع التقى عددا من أهالى رفح يتحدثون عن الأوضاع الخاصة بهم وعن رؤيتهم للتهريب من الأنفاق رغم تحفظهم على المصطلح، صديقى بركات معبد شاعر رفح مستاء على غير العادة ورغم كونه من الصعيد ودماغه ناشفة، إلا أنه أخيرا بعد طول تفكير قرر الرحيل من رفح إلى العريش. قال بركات: لدى أسبابى للرحيل ومثلى الكثيرون، السبب الأول إننا مللنا الحياة فى قلق الأولاد لم يعودوا يحتملون التعرض لغارات إسرائيلية مجددا رغم الشجاعة التى اكتسبوها من معاشرة القصف فى الأول كنا نفزع الآن الأمر بات معتادا. الأمر الثانى الذى يدعونى للرحيل إن الحياة ضاقت والأرض فيها متسع السلع التى تدخل لرفح تصادر وبالتالى أسافر إلى العريش أكثر من مرة لشراء احتياجات الأسرة، وما الذى يجبرنى على ذلك "ما نقعد فى العريش وننقل الوظيفة "، قالها بركات الذى يعمل معلما بالتربية والتعليم. البيوت الحدودية شبة خاوية " ما يغرك الأمر جواها خلية نحل "، هكذا تحدث معى أحد المتعاملين فى التجارة برفح، هناك المئات يتكسبون من التجارة إلى الجانب الفلسطينى، بيوت مفتوحة ورغم الحصار والمصادرة إلا أن القليل يعبر، وأنا اختلف معكم أنتم أهل الصحافة والإعلام تطلقون علينا مهربين والمهرب من يتعامل فى الممنوعات نحن نتعامل فى بضائع عادية نشترى ونبيع إلى القطاع من جانب نحقق أرباحا، ومن جانب نقف مع القطاع، أعرف أن البعض يستغل ظروف القطاع، ويزيد أضعاف ثمن البضائع لكن المخاطرة كبيرة نحن نخاطر بحريتنا من يضبط يسجن وحلنى لما يطلع من السجن، الأمر الآخر أن القطاع لديه أموال كثيرة بدون سلع لا قيمة للأموال إذن نحن نحل الأشكال واسمح لى انتم بتضخموا الأمور شويتين . وصلنا إلى المقهى اليتيم قرب منطقة البراهمة، واعتدت الجلوس عليه فهو مكان مناسب لمتابعة أخبار الأنفاق ورؤية سيارات الشرطة، وهى تحمل الخراف والماعز والبضائع تخرج من البراهمة وتشيعها نظرات الغضب والحزن لأصحاب البضائع المصادرة فى ظل تواصل الحملات الأمنية على الأنفاق. قال محمد وهو شاب رفحاوى تعرفت عليه خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو يجلس "زى ما أنت شايف كل شيء يتم مصادرته والناس خسرت كثيرا لكن يتم تعويض الخسائر، هكذا هى التجارة يوم مكسب ويوم مخسر، والناس لا تعتبر نفسها مهربين الناس تتاجر فى النور والله أنا معاى السلعة الفلانية بكذا تشترى ماشى لا أحد يضرب على يده للشراء، وإن قلت العملية الأيام الأخيرة، وقال: الإعلام له نظرة الأمن فقط قبضنا على مهربين وفجرنا عددا من الأنفاق أين النظرة الأخرى فى غزة ، أخوتنا مسلمون لحم ودم محاصرون نجلس ونحن على بعد خطوات منهم فى وضع المشاهدة أم نساعدهم، الإسلام حث على الوقوف بجوار أخيك المسلم فما بالك إذا كان العدو هو إسرائيل عدو الدنيا والدين ما علينا نحن نتاجر ولسنا مهربين. شاب آخر تداخل فى الحديث قائلا إن البضائع تأتى إلى رفح بأسعار عادية لكن رسوم عبورها من الأنفاق قد يضاعف سعرها لظروف الخطورة، وأضاف أنه يتم بيع السلع المصادرة للأسف بأسعار زهيدة . الشيء الغريب أن الإعلام مجرد ما يضبط نفق أو أكثر لا يتوقف عن الكتابة والنفق يصبح عشرة لية كده المفروض ألا تكتبوا عن الأنفاق نهائيا، أنتم تحاربون غزة لصالح إسرائيل "حاولت إقناعه بأهمية النشر دون جدوي". أمامنا تنتشر مزارع البرتقال على الحدود وبجوارها مئات المنازل التى تحول بعضها إلى مخازن بضائع فى ظل ارتفاع أسعار المنازل الحدودية بصورة رهيبة، مثلا قال لى شاب إن منزلا ثمنه لا يزيد عن 20 ألف جنيه تم بيعه ب 750 ألف جنيه من أجل تجارة الأنفاق من خلاله. مصدر أمنى قال إن الحملات متواصلة ومستمرة لمصادرة البضائع وضبط الأنفاق ويتم بيعها فى مزاد علنى لصالح مصلحة الجمارك ، فيما قدرت مصادر حدودية البضائع التى ضبطت خلال آخر 15 شهرا من أول يناير 2008 حتى نهاية مارس 2009 ب 25 مليون جنيه، تشمل أهم المضبوطات الدراجات النارية والأجهزة الكهربائية والحاسبات الآلية وقطع غيارها وقطع غيار السيارات والحيوانات بمختلف أنواعها والملابس ولعب الأطفال وأدوية ومواد غذائية والوقود والاسمنت ضبطت فى قرابة 461 نفقا وفى منازل ومزارع حدودية. الأجواء الملتهبة فى رفح لا تشغل بال الأطفال الذين يلهون قرب الشريط الحدودى ويشيرون إلى الجنود المرابطين فى النقاط الحدودية برفح المصرية في حب وفى وداعة.