أكد "حسين عونى بوطصالى" السفير التركى بالقاهرة فى الذكرى ال89، لإعلان الجمهورية فى خطاب له للمصريين نقلته السفارة التركية بمصر، على عزم تركيا تعزيز العلاقات الثنائية مع مصر وحرصها على توطيد الشراكة معها، وإليكم نص الخطاب: الإخوة والأخوات المصريين الأعزاء: يمثل يوم التاسع و العشرين من أكتوبر، ذكرى إعلان الجمهورية التركية، و هذا العام نحتفل بالذكرى التاسعة و الثمانين لدولتنا الجديدة، ولم يتبق سوى أحد عشر عاما لأخوتكم الأتراك حتى يحتفلوا بالذكرى المئوية، لإعلان الجمهورية. وعلى مر السنوات التسع و الثمانين الماضية، استطاعت الجمهورية التركية النهوض من بين ركام إمبراطورية منهارة، لتتحول إلى ديمقراطية برلمانية سليمة وسريعة النمو. و بعد المرور بالعديد من الأزمات، ونتيجة تضحيات عظيمة من جانب مؤسسى جيل المستقبل، أصبح فى استطاعتنا أن نحتل المركز السابع عشرة عالمياً و السادس أوروبيا من الناحية الاقتصادية، بل وأصبحت أكبر الأسواق على مستوى منطقتنا، والأكثر اندماجاً فى النظام الاقتصادى العالمى. ونحن ندين بهذا النجاح ليس فقط لقادتنا الإقليمين، ولكن أيضا لشعبنا الذى أظهر من التحمل والالتزام بما هو لازم للنمو المستدام، بعد أن اقتربت نسب الإنتاج والدخل القومى من التريليون دولار "بمعدلات سعر صرف العملة"، وما يقرب من 10 ألف دولار كدخل للفرد الواحد، لقد أصبحت تركيا الآن قادرة بل وحريصة على تقاسم خبرتها مع الدول الصديقة الأخرى، وتوسيع شراكاتها و بالطبع بدء من مصر. أما مصر، فهى تتمتع بالأولوية الأعلى، لتصبح شريكنا الإستراتيجى، ليس فقط من وجهة نظر ثنائية، ولكن أيضا كبوابة إقليمية ومتكاملة إلى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، ونحن ممتنون للقيادة والشعب المصرى للشراكة التى أقاموها مع تركيا فى المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ونعتقد أن الشراكة بينهما هى التى سوف تضاعف الفرص المتبادلة وتفتح آفاقاً جديدة، للتعاون الثنائى والإقليمى والدولى، إن منطقتنا تمر عبر أوقات عصيبة، وهذا الجزء من العالم ليس بمنأى من المشاكل والتوترات، إلا أننا نؤمن بأن تركيا ومصر سيكون بينهما تعاوناً أقوى تلبية للاحتياجات الخاصة بهما، وكذلك احتياجات الدول و الشعوب المجاورة. يجب علينا ألا نخاف من اختلافنا عن بعضنا البعض، حيث إن هذه الميزة هى فى الحقيقة مصدر ثرائنا، ومن ناحية أخرى، ينبغى أن نعمل بعزم و إصرار لإعادة اكتشاف و إحياء تراثنا الثقافى المشترك الذى بالتأكيد سوف يقدم لنا قدراً هائلاً من مساحات التعاضد والتعاون. إن الشعب التركى يتفهم تماماً تطلعات وتوقعات الأشقاء المصريين، بل والصعوبات التى تواجههم، نحن نعلم بالتغيرات المؤلمة التى تحدث فى الموازين الإقليمية والدولية، ولكننا أيضا واثقون من أن حكومة وشعب مصر، لن يستطيعوا فقط أن يتغلبوا على القيود، ولكنهم أيضا سوف يخلقون نموذجا وتجربة فريدة وناجحة لإلهام دول و شعوب أخرى فى المنطقة، نحو الديمقراطية ونحو حريات أكبر، ونحو دولة القانون والعدالة والازدهار. نحن نتفهم تماما أن يكون لدى بعض الدوائر شكوك حول جدوى ومدى استمرارية التضامن والشراكة بين دولتينا الناميتين، وردنا على تلك الشكوك هو قرارنا والتزامنا بالاستثمار فى مصر المستقبل، لقد تعهدت الحكومة التركية من جانبها مؤخرا، بتقديم حزمة اقتصادية تبلغ قيمتها 2 مليار دولار، لمساندة إحياء وتحقيق الاستقرار للاقتصاد المصرى، وقد تعهدنا بذلك الالتزام دون أى شروط مسبقة. وقد شهد الرئيس محمد مرسى خلال زيارة العمل التى قام بها إلى تركيا فى 30 سبتمبر 2012، التوقيع على البروتوكول الخاص بحصة المليار دولار الأولى من الحزمة المشار إليها، إن الشعب و الحكومة التركية لم يشيحوا بنظرهم بعيدا ولا نحن انتظرنا أن تقوم الدول والبنوك والمؤسسات الأخرى بتقديم المساندة. عندما وقعنا اتفاقية التجارة الحرة فى عام 2005، كانت تجارتنا الثنائية وقتها تقدر بأقل من 500 مليون دولار، و دخل الاتفاق حيز التنفيذ فى عام 2007، وهذا العام الذى يشهد العام الخامس لتطبيق الاتفاقية، سوف تصل تجارتنا، بل ومن الممكن أن تتجاوز ال5 مليارات دولار، ألا تعتقدون أن هذا تعاون مستدام؟، قبل خمس سنوات كانت الاستثمارات التركية فى مصر غير موجودة بل وعاطلة، أما اليوم، فنحن نتحدث عن ثلاثمائة مالك لمشروعات تجارية، و أكثر من مائة مصنع، تقوم بتوظيف خمسين ألف عامل مصرى باستثمارات تبلغ 1،5 مليار دولار، وتضخ ما لا يقل عن 500 مليون دولار من القيمة المضافة، جالبة مئات الملايين من عائدات التصدير إلى الاقتصاد المصرى، لقد أصبح رجال الأعمال الأتراك مصريين، من خلال إعادة استثمار أرباحهم مرة أخرى فى مصر، إنهم يستثمرون فى مستقبل هذا البلد، و إستراتيجيتهم هى النمو وبناء المستقبل معا، إذا لم تكن هذه الرؤية مستدامة فأية رؤية هى إذن؟، نحن لم نزل نؤمن بأنه فى القرن الواحد والعشرين، سوف تظهر كل من أرض النيل وأرض الأناضول القدرة والإصرار على العمل كشريكين متضامنين، ليس فقط نحو مستقبل أكثر ازدهارا من أجل الأجيال القادمة، ولكن أيضا نحو الحد من التوترات و الخلافات السياسية والثقافية الراهنة، لتعزيز الجسور القائمة وبناء قنوات جديدة بين الحضارات والثقافات والأديان. وكما أكرر فى كل مناسبة، بأنه كما سبق و فعل المصريون أكثر من مرة على مر التاريخ من خلال بناء الأهرامات وحفر قناة السويس، فإنه عندما يتقارب الشعبين التركى والمصرى لبعضهما البعض، فسوف تكون القارات بدورها أكثر تقارباً وسوف تهدأ الصراعات، وبالتالى يتوفر و يزدهر مرة أخرى مناخ جديد للأعمال والتنمية، حيث تسطع الشمس ببريق أكبر فى سماء البحر الأبيض المتوسط، وحيث شارفت فترة عملى التى استمرت لمدة ثلاث سنوات فى بلدكم الجميل على الانتهاء، فإننى وأسرتى سوف نغادر مصر الرائعة قريباً حاملين معنا الذكريات الجميلة والشعور بالنعمة التى حظينا بها فى صورة الحب الذى أظهرته لنا كافة فئات المجتمع والحكومة والقيادة المصرية، وحيث إننا شربنا من مياه النيل ونعمنا بها، فإننا نرجو من كل قلبنا وبكل السعادة تحقُق المقولة التقليدية "بأننا سوف نعود ثانية إلى مصر بطريقة أو أخرى". و ختاماً، فإننى أكرر مرة أخرى شعارى "مصر وتركيا يد واحدة" من أجل عالماً أكثر ازدهارا واستقرارا.